المتقاعدون: تعاقد مع الحياة!
28-10-2018, 11:11 AM
المتقاعدون: تعاقد مع الحياة!

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

دعاني مهندس عزيز للحديث مع المتقاعدين، ضمن جلسة لهم أنيسة، وقد وافقت بسرور؛ لأنّ الحديث والنّقاش يفيد المتحدّث والسّامع ومجتمعهما، وهذا غاية المراد وعين المقصود.
المتقاعدون فئة مهمّة من المجتمع، وتشير التّوقعات إلى بلوغهم ربع عدد سكان العالم عام 2025م، وهم: كنز حكمة، ومنجم خبرة، وميزان اعتدال، وكم سينفع الله بهم إذا عزموا على المشاركة الفاعلة في بيئاتهم المحيطة، فنهاية الخدمة: لا تعني انقضاء المشاركة، وكم من أبواب تنتظر طارقًا، أو فاتحًا، ويا: باغي الخير أقبل.
وكان حديثي معهم عن التّأثير المجتمعي، وهو قول يصلح للمتقاعد وغيره، وسبق لي كتابة مقالتين عن هذا الأمر، ومنهما كان منطلق ما فتح الله به عليّ معهم، وآمل أن يكونوا قد وجدوا: ما يحفّزهم ويقوي عزيمتهم، تمامًا كما أفدت منهم، ومن نقاشهم وطريقتهم، فهم ثلّة مباركة من المربين، والمهندسين، والمؤرخين، والأدباء، والعسكريين، ورجال الأعمال، والفنّانين، وغيرهم.
وفي بداية اللّقاء أنبأتهم أنّي أحمل لهم رسالة نسويّة، وسأبلغهم بها في ختام الجلسة، وذكرت لهم أنّ تاريخنا الإسلامي: عرف ولاية الخلفاء الرّاشدين، وهم في سنّ التّقاعد، فكانوا أعلام الهدى، والأنموذج الرّشيد في الإدارة والحكم، ويحفظ تاريخ الأندلس: أنّ فاتحه موسى بن نصير، ومنقذه يوسف بن تاشفين: كانا حين أنجزا الفتح والإنقاذ في الخامسة والسّبعين!.
وللإنسان قدرة على التّأثير لا تنتهي، ولا ترتبط بنشاط جسدي: ما دام الذّهن حاضرًا، ولذلك كان دريد بن الصّمّة صاحب رأي في قومه مشركي الطّائف، وقتل مع أنّه لا يستقر على ظهر الخيل، بيد أنّ له رأيًا عن ألف فارس. وطلب العلم والمعرفة لا يقف عند مرحلة عمريّة، فنحن في حضارتنا مع المحبرة إلى المقبرة، وما أحوجنا إلى إتقان فنّ الحياة، وصناعتها حسب مقتضيات مراحلها، والاستمتاع بها كما يلائم الحال.
والمأمول من جمهرة المتقاعدين: أن يكون لهم إسهام واضح في رفع الوعي، ونشر الخبرة، وإشاعة المعاني التي ينتج منها التّفاؤل والإيجابيّة، وصنائع المعروف، والسّلم الاجتماعي، وتخفيف الاحتقان، وسدّ منافذ الخلل، والتّوجيه للصّواب، وهم أهل لذلك بخبراتهم، وتوقيرهم في مجتمعاتنا بحكم السّن والمرجعيّة.
وللمتقاعدين مزيّة خاصّة، فهم في موضع الاقتداء، وبالتّالي، فلهم وقع مختلف، وفرق بين من يسدي النّصيحة بعد أن عرك الحياة وعركته، وحلب الدّهر أشطره حتى غدا صاحب خبرة، وحامل حكمة، ومنبع رأي، وبين من لا يمتلك هذه الخصائص، والله يجعلهم خيرًا لمجتمعاتهم، ويلهم المجتمع النّهل من علمهم وحنكتهم.
وفيما مضى من أيّام، قلت لامرأة ممّن حولي بأنّي سأتحدث للمتقاعدين، فهل لديك فكرة أنقلها إليهم؟، فأجابت: قل لهم ارحموا زوجاتكم، ولا تكلفوهنّ ما لا يطقن!، فوعدتها أن أفعل، بيد أنّي طلبت منها أن تقول لنساء المتقاعدين: كنّ وفيّات مع أزواجكنّ بعد عقود من العناء والكد!.
ثمّ سألت مرّة أخرى، فقيل لي: قل لهم: انتهى عقدكم في العمل، فابحثوا لكم عن عقد جديد، وعليكم بالزّواج؛ كي تريحوا نساءكم الّلاتي يرغبن بالتّفرغ لبناتهنّ وأحفادهنّ، وتستعيدوا الحيّويّة والإقبال على الحياة، وتعالجوا مشكلات الأرامل والمطلّقات، ومن لم يتزوجنّ من غير الصّغيرات، ومن نافلة القول: أنّ هذا المقترح أبهج المتقاعدين أو بعضهم؛ والغاية من التّبعيض: حمايتهم من المساءلة فيما لو قرأت سيّدات البيوت هذه المقالة!.

منقول بتصرف يسير، جزى الله خيرا راقمه.