المشهد الليبي... مأساة حقيقية وصراع للمصالح ... بقلم الأستاذ عياش اليزيد ... تربية بدنية
28-07-2020, 08:46 PM
المشهد الليبي... مأساة حقيقية وصراع للمصالح ... بقلم الأستاذ عياش اليزيد ... تربية بدنية
عرفت الكثير من الدول العربية والاسلامية بداية من سنة 2011 م ما سمي زورا وبهتانا بثورات الربيع العربي ، التي جاءت بعد سنوات عجاف قبعت فيه هاته الدول وشعوبها تحت نير انظمة أقل ما يقال عنها أنها أنظمة شمولية استبدادية قمعية ، استمدت شرعيتها وقوتها من مستدمر الامس ومن الانظمة البوليسية التي أسستها من أجل حماية نفسها من جماهيرها ونخبها الواعية ان وجدت ، هذه الثورات التي استبشر بها الكثير خيرا ظنا منهم أنها ستحمل لهم معها الكثير مما كان يجول في خواطرهم من أماني وأمال تغير واقعهم وواقع بلدانهم نحو الأفضل ، لكن كما يقال تجري رياح هذا التغيير المأمول بما لا تشتهيه سفن الشعوب التواقة نحو التحرر والانعتاق من قيود الاستبداد ومخالب الفساد المستشري في شتى مناحي الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ... الخ ، هذه الثورات التي كانت بداية شرارتها الأولى من تونس الخضراء ثم امتدت بعدها كالنار في الهشيم لتشمل دولا عربية أخرى كمصر وليبيا وغيرها ، وأسقطت الكثير من الرؤوس الكبيرة ، التي يأتي على رأسها رؤساء هاته الدول الذين ظلوا لسنوات جاثمين على صدور شعوبهم رافضين لكل انفتاح سياسي يقود للتداول على السلطة وتكريس مبدأ الحريات والعدالة الاجتماعية ، بالمقابل اخفاقهم في تحقيق أي نهضة أو تطور وازدهار لبلدانهم وشعوبهم ؛ نهضة تقود الشعوب نحو امتلاك الوعي والحرية وأدوات المعرفة ومهاراتها المساعدة على الابداع والابتكار المنتج للثروة والجالب لرفاهها من خلال تنمية مستدامة ، نهضة تكرس لأنظمة حكم يكون فيها الولاء للأفكار الاصيلة الخادمة لمصلحة الوطن والشعب لا لأنظمة كهنوتية توالي الأشخاص والمصالح الشخصية والعصبية الضيقة على حساب مصالح الوطن والشعوب ، مما جعل الشعوب في غمرة هاته الثورات تستعيد زمام الأمور معتقدة أن رياح فرصة التغيير قد هبت بما تشتهيه ، وصار من واجبها أن تمسك بشراع سفينتها لكي تصل الى الوجهة المأمولة والمنتظرة منذ فجر استقلالها من مستدمر كان من بين أسباب تخلفها ، الا ان هاته الشعوب التي تعرضت لهاته الرياح اكتشفت بعد سكرة خفيفة وعودة الوعي لها أن ما اعتقدته كان مجرد حلم جميل تحول الى كوابيس حقيقية وواقعية ، وأن مشروع التغيير الدي احتضنته كرس واقعا آخر أكثر بؤسا وايلاما بالوطن وبواقعها ، جعل الكثير منهم يحن الى الأيام الخوالي التي كان يحياها من ذي قبل ، ويصر على القول أن ما هب من رياح تغيير عليهم هي مجرد أعاصير مدمرة زادت الوضع أو الواقع أكثر غموضا وعفنا ، وما حصل ويحصل الى الان في الكثير من البلدان العربية لخير دليل على ما أشرنا اليه ، فالكثير من هاته البلدان دخلت في دوامة صراعات سياسية ونزعات عسكرية واستقطابات ايديولوجية أو مذهبية واستقواء بالخارج على الداخل بتوظيف أوراق سياسية أو اقتصادية أو مذهبية أو ايديولوجية أو قانونية ؛ هذا الخارج الذي نعلم يقينا انه لا تتحرك ايرة بوصلته ولا تثبت الا على مصالحه الشخصية الضيقة ولا يهمه ما يحدث هناك من صراعات شتى وما لحق من دمار أو خراب بهذا البلد أو ذاك ، فكل ما يهمه هو ما سيجنيه من ثمار تخدم مصالحه ومصالح شعبه ، كما أن غنى البلد وامتلاكه للثروات بشتى أنواعها ومعاناته من حالة اللاستقرار السياسي والأمني يجعله ساحة للصراعات والتدخلات الاقليمية والدولية ، خاصة من طرف الدول الكبرى ، وما المشهد السوري واليمني والليبي لخير أنموذج على ما ذهبنا اليه في كلامنا السابق ، بحيث سنحاول من خلال مقالنا التحدث عن مشهد من هاته المشاهد الثلاثة التي ذكرناها الا وهو المشهد الليبي ، هذا الأخير الذي عرف تطورات خطيرة سببها تعنت فرقاء الداخل الليبي للاجتماع على كلمة واحدة وتجاوز كل خلافاتهم السياسية والايديولوجية والمذهبية تغليبا لمصلحة الوطن والشعب الليبي ، لكن على ما يبدو أن هؤلاء الفرقاء لا تهمهم مصلحة ليبيا والشعب الليبي بقدر ما تهمهم مصالحهم الشخصية والعصبية الضيقة ، هذه المصالح التي أودت بالمشهد الليبي الى وضع سياسي وأمني وعسكري واقتصادي واجتماعي وانساني كارثي ، وضع يتهدد وجود كيان موحد اسمه الدولة الليبية ان استمر الامر على حاله في ظل تفاقم مؤشرات الانقسام بين الاخوة الليبيين والفرقاء السياسيين والعسكريين وانعدام شبه كلي لمؤشرات ايجابية توحي بنهاية حلقات هذا المسلسل الدراماتيكي المأساوي قريبا في ظل تصلب مواقف كل طرف تجاه الآخر ورفضه للحل التوافقي ونزوعه للحل العسكري الذي لن يزيد المشهد الليبي الا بؤسا وخرابا أكثر مع استمرار المجتمع الاقليمي والدولي في ممارسة لعبة القط والفأر وتغليبه لمصالحه على مصالح ليبيا وشعبها في كيفية تعامله مع الأزمة الليبية ، هذا ما يؤدي بنا الى طرح مجموعة من الاسئلة ومحاولة الاجابة عنها الا وهي : ما الذي جعل الفرقاء السياسيين والعسكريين الليبيين في خلاف مستمر دون الوصول الى اتفاق بالرغم من المبادرات الاقليمية والدولية الساعية لتقويض الخلاف وايجاد حل يرضي الجميع من اجل مصلحة ليبيا وشعبها ؟ ، ما الذي جعل المجتمع الاقليمي والدولي يخفق في المشهد الليبي وتظهر عليه مؤشرات محاولة اطالة الازمة أكثر فأكثر ؟ ، ما الذي يحتاجه المشهد الليبي حتي يسترجع عافيته ونتجنب تقسيم ليبيا ؟
معظمنا يعلم أن الازمة السياسية الليبية بدأت يوم أطيح بالعقيد معمر القذافي يوم الاثنين 23 أكتوبر 2011 م ، بعد انتفاضة ثورية شعبية كانت بدايتها من مدينة بنغازي الليبية بتاريخ : 17 فبراير 2011 م ، انتفاضة تأمل منها الشعب الليبي الكثير واستبشر منها خيرا كما تأملت باقي الشعوب العربية التي مستها رياح التغيير ظنا منهم أن مجرد الاطاحة بالنظام السابق سيفتح لهم أبواب المستقبل المشرق على مصراعيه الا أن ما حدث العكس تماما ، فرياح التغيير لم تجلب معها الامان والأمل بغد أفضل لليبيين ، بل جلبت لهم مآسي حقيقية في شتى ميادين الحياة السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية ، فالطبقة السياسية انقسمت على نفسها وبدأت تخوض فيما بينها معارك طاحنة عمقت أكثر هوة الخلاف بينها، ويرجع سبب خلافاتها وانقساماتها الى معركة التموقع ومحاولة تقسيم الارث المعمري وكسب تأييد الليبيين والطعن في مصداقية بعضهم البعض للاستفراد بالحكم والفوز بكامل الكعكة ، مع محاولتهم الاستقواء بالخارج على بعضهم البعض اقليميا ودوليا ، فانقسم بذلك المشهد السياسي الليبي الى أطراف عدة متناحرة فيما بينها سياسيا وعسكريا ، الى أن وصل به الأمر الى ما نعيشه اليوم من وجود حكومتين ، حكومة الوفاق الوطني في غرب ليبيا وبالتحديد في طرابلس برئاسة فايز السراج ، انبثقت من اتفاق انعقد بمدينة الصخيرات بالمغرب بتاريخ : 17 ديسمبر 2015 م ، وهي الحكومة التي تتمتع بالشرعية الاممية والدولية ولها جيش يسمى بالجيش الليبي والمدعومة حاليا من تركيا سياسيا وعسكريا ، ثم الحكومة الليبية المؤقتة الغير شرعية في قرنادة جنوب مدينة البيضاء شرقي البلاد برئاسة عبد الله الثني ، مع وجود مجلس نواب الى جانبهما ، وهو مجلس النواب الليبي المنتخب بتاريخ : 4 أوت 2014م خلفا للمؤتمر الوطني العام ، والذي مقره مدينة طبرق ، هذا الاخير تم سحب الشرعية عنه من طرف المحكمة العليا بطرابلس في نوفمبر 2014 م بسبب مواقفه المعادية للحكومة الشرعية ، الا انه بالرغم من ذلك بقي المجلس فاعلا سياسيا وعسكريا في المشهد الليبي رفقة الحكومة الليبية المؤقتة مع وجود جيش قوي الى جانبهما يقوده اللواء خليفة حفتر يسمى بالجيش الوطني الليبي المدعوم حاليا من طرف قوى اقليمية ودولية كمصر والامارات وروسيا ، امتلاك كلا الحكومتين ومعهما مجلس النواب الليبي لقوة عسكرية وتصلب مواقفهما تجاه بعضهما البعض جعلهما ينقلان خلافاتهما السياسية الى ميدان المعارك المسلحة والنزاعات العسكرية طمعا منهما أن ترجح الكفة لأحدهما على الآخر بعدما فشلت السياسة في احتواء ذلك ، لكن ما زاد الطين بلة وعمق الخلاف أكثر هو تحول هؤلاء الفرقاء السياسيين والعسكريين لأدوات طيعة في يد القوى الاقليمية والدولية التي دخلت على الخط بدواعي وأجندات متعددة ، هذه الاخيرة نكاد نجزم أن ما حركها سوى أطماعها وأهدافها الجيو سياسية والاقتصادية ، فدعم كل طرف الطرف الذي يخدم مصالحه ، فمثلا دعمت مصر والامارات اللواء حفتر بحجة أن الحكومة في طرابلس اخوانية وتخدم مصالح أسيادها ( الاتراك والقطريين ) على حساب مصالح ليبيا وجيرانها ، بالمقابل نجد روسيا وفرنسا وأمريكا التي تلعب على الحبلين دفاعا عن مصالحها الحيوية في ليبيا ورغبة في تقاسم الكعكة المغرية في ليبيا ؛ هذه الاخيرة التي تعتبر بلدا مثاليا لاكتشاف الثروات المعدنية والخامات كاليورانيوم والحديد والمغناطيس والذهب والغرانيت والسليكون ... الخ ، الى جانب رواسب طينية تستخدم في صناعة الاسمنت والخزف والفخاريات ... الخ ، ففي دراسة للخبير الاقتصادي والمحاضر بجامعة سرت الدكتور محمد صالح سويلم يؤكد فيها أن ليبيا تتوفر على احتياطيات ضخمة ، أهمها الحديد بمنطقة وادي الشاطئ جنوبا بكمية تقدر بنحو 3.5 مليار طن ، أما في منطقة تاورت في الجنوب الغربي فيوجد نحو 240 مليون طن من الخامات المغناطيسية ، اضافة الى الذهب واليورانيوم بمنطقتي العوينات وحوض مرزق ، أما في مجال النفط فنجد ليبيا تحتل المرتبة الخامسة عربيا باحتياطي يبلغ نحو 48.36 مليار برميل ، كما نجدها تحتل المرتبة 21 عالميا في مجال الغاز باحتياطي قدره 54.6 تريليون قدم مكعبة ، أما في دراسة أخرى لوكالة الطاقة الأمريكية فتتوقع أن يرتفع احتياطي النفط الليبي من 48 الى 74 مليار برميل ، لتحتل بذلك حسب الدراسة المركز الخامس عالميا في احتياطات النفط الصخري بعد روسيا و الو م أ والصين والارجنتين ، بحيث قدرت العمر الافتراضي لإنتاج النفط في البلاد من 70 الى 112 عاما ، اما فيما يخص احتياطيات الغاز الطبيعي فسترتفع حسب الدراسة دائما الى ثلاثة أضعاف ، أي ما يقدر حوالي 177 تريليون قدم مكعبة ، وهكذا يقال في مجال انتاج الكهرباء باستخدام الطاقة الريحية او الطاقة المائية أن ليبيا تمتلك امكانات هائلة جدا فيها ، وبالنظر الى ما قلناه نستنتج أن ما يحدث من صراع وتنافس محموم بين القوى الاقليمية والدولية ومحاولتها اطالة عمر الازمة ليس له هدف اخر سوى الظفر بأكبر كمية من الكعكة الليبية الجاهزة ، في ظل استمرار الانقسام والخلاف بين الاخوة اللبيين سياسيا وقبليا وعسكريا ، لذا فالمطلوب من الفرقاء اللبيين ان كانت ليبيا تهمهم كما يزعمون ان يتحلوا بالحكمة والبصيرة ان ارادوا الحفاظ على وحدة ليبيا وتماسك شعبها وبناء دولة لا تزول الا بزوال الرجال والوقوف سدا منيعا في وجه من يريد الاستثمار في ألامهم ومعاناتهم واستغلالها ليسرق منهم ثرواتهم ويرهن مستقبل وطنهم وأجياله ، من خلال ضرورة القيام بما يلي :
1- ضرورة التحلي بالحكمة والبصيرة وجعل مصلحة ليبيا فوق كل اعتبار وتجاوز الخلافات القائمة ولم الشمل بين الفرقاء حفاظا على ليبيا الموحدة ومصالحها الحيوية .
2- الحوار هو أساس الحل للأزمة الليبية دون سواه من الحلول الاخرى ، والحل العسكري هو بمثابة انتحار للجميع .
3- الاستماع لصوت الحكمة الموجود بالداخل او الخارج ، الصوت الدي يسعى بصدق الى لم شمل الليبيين ويحرص على وحدة صفهم ووحدة ليبيا ، والحذر كل الحذر من الاصوات التي تسعى لبث الفرقة بين الاخوة وتشتيت شملهم أكثر من اجل تمرير خدمة مصالحهم لا مصالح ليبيا وشعبها .
4- خيرات ليبيا مستهدفة من طرف بعض القوى الاقليمية والدولية ، وعلى الشعب الليبي وكل الفرقاء الليبيين ان ينتبه لذلك قبل فوات الأوان قبل ان يخسر كل شيء .
5- الحل بأيدي الليبيين لا بأيدي غيرهم شريطة أن يترفعوا عن مصالحهم الشخصية أو العصبية الضيقة وتغليب مصلحة الجميع ، فالسفينة واحدة ان في النجاة ام الغرق .
تولانا الله برحمته