وجهة النظر الإسلامية حول المدرسة الرمزية
15-03-2018, 11:16 AM
وجهة النظر الإسلامية حول المدرسة الرمزية
قحطان بيرقدار

الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:


الرمزية في المسرح والرواية:

كان الشعر: الجنس الأدبيِّ الرئيس في الرمزية، لانشغالها بخاصيات فنية لا يستطيع أن يعبر عنها إلا الشعر، ولكنَّ هذا لا يعني أن آثار الرمزية لم تنتقل إلى أجناس أدبية أخرى، فهناك محاولاتٌ مبكرة لنقلها إلى المسرح، كمحاولة (مالارميه) في مسرحيته (أمسية أحد الفونات).

أما في الرواية، فقد انصرف بعض الكتاب الدراميين عن الواقعية لإيجاد نوع من اللغة الرمزية غير الواقعية، ومنهم: (فيلارز دي ليزيل)، و(بول كلوديل)، و(مارسيل بروست) في روايته (البحث عن الزمن المفقود) رغم أنه كان ينكر وجود جمالية رمزيّة، وقد اتضحت آثارها لديه في روايته (الزمن المستعاد).

ولكنَّ الملاحظَ أنَّ الرمزيةَ في الروايةِ والمسرحِ لم تحظَ من النُّقَّاد ومؤرخي الأدب بحظ كبير كما في الشعر.

الرمزية خارج فرنسا:
انتقلت آثار الرمزية من فرنسا إلى أوروبا وأمريكا بسرعة، ولاقتْ نصيباً من الإعجاب:
ففي إنكلترا التي لم تُفهم فيها الرمزية الفرنسية جيداً ظهر (سيمنز) الذي زار فرنسا وألمانيا والتقى بأعلام الرمزية، كما تأثر (و.ب ييتس) بأعمال (فيلارز)، وتأثر (أكسيلي) بأعمال (بودلير) و(رامبو).

أما في ألمانيا، فقد ظهر في النصف الأول من القرن العشرين (ريلك) و(استيفان جورج) متأثرين بكتابات (فاليري) وطريقة الشعر الحرّ، وفي أمريكا كان منحى (إزرا باوند) الرمزيُّ يختلف عن المنحى الفرنسيّ، ولكن (ت.س إيليوت) كان هو زعيم الرمزيين في الربع الأول من القرن العشرين، وكان شعره ذا طابع تشاؤمي كئيب ناحياً منحى (بودلير) ولكنْ بطريقة جديدة تتميز بالمبالغة في الرمز، وهو الذي نقل أسلوب الشعر المنثور إلى الإنكليزية، وظهر بعده (ستيفنز)، و(فوكتر)، و(أونيل)، و(ملفيل)، ولكن بطرق مختلفة، حتى قيل: إن الأدب الأمريكي كله رمزي.

أما في روسيا، فقد ظهرت الرمزية منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ومن ممثليها: (بريسوف)، و(فولونسكي)، و(بيلي)، وقد امتدت آثار الرمزية إلى إيطاليا وإسبانيا وغيرها من الأقطار الأوربية.

أما في الأدب العربي، فقد ظهرتِ الرمزيةُ في أعقابِ الحربِ العالمية الثانية في شعر بدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، وعبد الوهاب البياتي، وأدونيس، وخليل حاوي، وغيرهم، ولا تزال أصداء الرمزيّة تتردّد في أزمنة متعاقبة وبلدانٍ كثيرة وفي أشكالٍ مختلفة، وكل هذه الأصداء إنما تعود مباشرة أو بشكل غير مباشر إلى الرمزية الفرنسيّة في القرن التاسع عشر.

وجهة النظر الإسلامية حول الرمزية:
انبثقت الرمزية عن نظرية المثل لدى أفلاطون، وهي نظرية تقوم على إنكار الحقائق الملموسة، وتعبر عن حقائق مثالية، وتقول: إن عقل الإنسان الظاهر الواعي عقل محدود، وإن الإنسان يملك عقلاً غير واعٍ أرحب من ذلك العقل.

وهناك عدة عوامل عقدية واجتماعية وفنية أدت إلى ولادة الرمزية، فمن العوامل العقدية: انغماس الإنسان الغربي في المادية التي زرعتها الفلسفة الوضعية، ونسيانه كيانَهُ الرُّوحيَّ، وقد فشلت المادية في ملء الفراغ الذي تركه عدم الإيمان بالله تعالى، ومن العوامل الاجتماعية: الصراع الاجتماعي الحاد بين ما يريده بعض الأدباء والمفكرين من حرية مطلقة وإباحية أخلاقية، وبين ما يمارسه المجتمع من كبح لجماحهم، مما زاد تأثرَهم بنظرية المثل الأفلاطونية وكتابات الكاتب الأمريكي (إدجار آلان بو) الخيالية المتميزة، ومن العوامل الفنية اعتقاد بعض الأدباء بأن اللغةَ عاجزة عن التعبير عن تجربتهم الشعورية العميقة، فلم يبق أمام الأديب إلا الرمز ليعبر من خلاله عن مكنونات صدره ووجدانه.

ومن الأفكار والآراء التي تضمنتها الرمزية:
الابتعاد عن عالم الواقع وما فيه من مشكلات اجتماعية وسياسية، والجنوح إلى عالم الخيال بحيث يكون الرمز هو: المعبر عن المعاني العقلية والمشاعر العاطفية.

البحثُ عن عالمٍ مثاليٍّ مجهولٍ يَسُدُّ الفراغ الروحي عند الرمزيين ويعوضهم عن غياب العقيدة الدينية، وقد وجد الرمزيون ضالتهم في عالم اللاشعور والأشباح الأرواح.

اتخاذ أساليب تعبيرية جديدة واستخدام ألفاظ موحية تعبر عن أجواء روحية، كلفظ (الغروب) الذي يوحي بمصرع الشمس الدامي، والشعور بزوال أمر ما والإحساس بالانقباض، كما تعمد الرمزية إلى تقريب الصفات المتباعدة رغبة في الإيحاء مثل تعبيرات: الكون المقمر، الضوء الباكي، الشمس المرة المذاق.

تحرير الشعر من الأوزان التقليدية، فقد دعا الرمزيون إلى الشعر المطلق مع التزام القافية، أو الشعر الحر، وذلك لتساير الموسيقى فيه دفقات الشعور المتتابعة.

إن الرمزية مذهب أدبي يتحلل من القيم الدينية، ويعبر عن التجارب الأدبية الفلسفية من خلال الرمز والتلميح، نأياً من عالم الواقع وجنوحاً إلى عالم الخيال، وبحثاً عن مثالية مجهولة تعوض الشباب عن غياب العقيدة الدينية، وذلك باستخدام الأساليب التعبيرية الجديدة، والألفاظ الموحية، وتحرير الشعر من قيود الوزن التقليدية، ولا شك في خطورة هذا المذهب على الشباب المسلم: إنْ دَرَسَهُ دُونَ أن يكونَ مُلِمَّاً سَلَفاً بِأُسُسِهِ المتقدّمةِ التي تهدر القِيَمَ الدِّينية.