ذكر هجرة الخليل عليه السلام إلى بلاد الشام
27-01-2016, 09:37 PM
ذكر هجرة الخليل عليه السلام إلى بلاد الشام
ودخوله الديار المصرية
واستقراره في الأرض المقدسة


ذكر هجرة الخليل عليه السلام إلى بلاد الشام ودخوله الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة
قال الله : " فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين "
وقال تعالى : " ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين * ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين "
لما هجر قومه في الله ، وهاجر من بين أظهرهم ، وكانت امرأته عاقراً لا يولد لها ، ولم يكن له من الولد أحد ، بل معه ابن أخيه لوط ابن هران بن آزر ، وهبه الله تعالى بعد ذلك الأولاد الصالحين ، وجعل في ذريته النبوة والكتاب ، فكل نبي بعث بعده فهو من ذريته ، وكل كتاب نزل من السماء على نبي من الأنبياء من بعده ، فعلى أحد نسله وعقبه ، خلعة من الله وكرامة له ، حيث ترك بلاده وأهله وأقرباءه ، وهاجر إلى بلد يتمكن فيها من عبادة ربه عز وجل ودعوة الخلق إليه
والأرض التي قصدها بالهجرة أرض الشام ، وهي التي قال الله عز وجل : " إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين "
قاله أبي بن كعب وأبو العالية وقتادة وغيرهم
وروى العوفي عن ابن عباس قوله : " إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " مكة ، ألم تسمع إلى قوله : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين " وزعم كعب الأحبار أنها حران
وقد قدمنا عن نقل أهل الكتاب : أنه خرج من أرض بابل هو وابن أخيه لوط ، وأخوه ناجور ، وامرأة إبراهيم سارة ، وامرأة أخيه ملكاً فنزلوا حران ، فمات تارخ أبو إبراهيم بها
وقال السدي : انطلق إبراهيم ولوط قبل الشام ، فلقى إبراهيم سارة - وهي ابنة ملك حران - وقد طعنت على قومها في دينهم ، فتزوجها على ألا يغيرها - رواه ابن جرير وهو غريب
والمشهور أنها ابنة عمه هران الذي تنسب إليه حران
ومن زعم أنها ابنة أخيه هارات أخت لوط ، كما حكاه السهيلي عن القتيبي والنقاش ، فقد أبعد النجعة وقال بلا علم
ومن ادعى أن تزويج بنت الأخ كان إذا ذاك مشروعاً فليس له على ذلك دليل ، ولو فرض أن هذا كان مشروعاً في وقت - كما هو منقول عن الربانيين من اليهود - فإن الأنبياء لا تتعاطها والله أعلم
ثم المشهور أن إبراهيم عليه السلام لما هاجر من بابل خرج بسارة مهاجراً من بلاده كما تقدم والله أعلم
وذكر أهل الكتاب أنه لما قدم الشام أوحى الله إلي : إني جاعل هذه الأرض لخلفك من بعدك فابتنى إبراهيم مذبحاً لله شكراً على هذه النعمة ، وضرب قبته شرقى بيت المقدس ثم انطلق مرتجلاً ، إلى التيمن ، وإنه كان جوع ، أي قحط وشدة وغلاء ، فارتحلوا إلى مصر
وذكروا قصة سارة مع ملكها ، وإن إبراهيم قال لها : قولي أنا أخته وذكروا إخدام الملك إياها هاجر ثم أخرجهم منها فرجعوا إلى بلاد التيمن ، يعني أرض بيت المقدس وما والاها ، ومعه دواب وعبيد وأموال
وقال البخاري : حدثنا محمد بن محبوب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب عن محمد ، عن أبي هريرة قال : لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات : اثنتان منهم في ذات الله ، قوله : " إني سقيم " وقوله : " بل فعله كبيرهم هذا " وقال بينا هو ذات يوم وسارة ، إذ أتى على جبار من الجبابرة ، فقيل له : إن هاهنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس ، فأرسل إليه وسأله عنها ، فقال : من هذه ؟ قال : أختي فأتى سارة فقال : يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك ، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني
فأرسل إليها ، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ ، فقال : ادعي الله لي ولا أضرك ، فدعت الله فأطلق ، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد ، فقال : ادعى الله لي ولا أضرك ، فدعت فأطلق فدعا بعض حجبته فقال : إنكم لم تأتوني بإنسان وإنما أتيتموني بشيطان فأخدمها هاجر فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيم ؟ فقالت : رد الله كيد الكافر - أو الفاجر - في نحره ، وأخدم هاجر
قال أبو هريرة : فتلك أمكم يا بني ماء السماء تفرد به من هذا الوجه موقوفاً

وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن عبد الوهاب الثقفي عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات ، كل ذلك في ذات الله ، قوله : " إني سقيم " وقوله : " بل فعله كبيرهم هذا " وقال بينا هو ذات يوم وسارة ، إذ أتى على جبار من الجبابرة ، فقيل له : إن هاهنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس ، فأرسل إليه وسأله عنها ، فقال : من هذه ؟ قال : أختي فأتى سارة فقال : يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك ، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبني فأرسل إليها ، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ ، فقال : ادعي الله لي ولا أضرك ، فدعت الله فأطلق ، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد ، فقال : ادعي الله لي ولا أضرك ، فدعت فأطلق فدعا بعض حجبته فقال : إنكم لم تأتوني بإنسان وإنما أتيتموني بشيطان فأخدمها هاجر فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيم ؟ فقالت : رد الله كيد الكافر -أو الفاجر -في نحره ، وأخدم هاجر"
قال أبو هريرة : فتلك أمكم يا بني ماء السماء تفرد به من هذا الوجه موقوفاً

* * *
ثم إن الخليل عليه السلام رجع من بلاد مصر إلى أرض التيمن ، وهي الأرض المقدسة التي كان فيها ، ومعه أنعام وعبيد ومال جزيل وصحبتهم هاجر القبطية المصرية ثم إن لوطاً عليه السلام نزح بما له من الأموال الجزيلة بأمر الخليل له في ذلك ، إلى أرض الغور ، المعروف بغور زغر ، فنزل بمدينة سدوم وهي أم تلك البلاد في ذلك الزمان ، وكان أهلها أشراراً كفاراً فجاراً
وأوحى الله تعالى إلى إبراهيم الخليل ، فأمر أن يمد بصره وينظر شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً وبشره بأن هذه الأرض كلها سأجعلها لك ولخلفك إلى آخر الدهر ، وسأكثر ذريتك حتى يصيروا بعدد تراب الأرض وهذا البشارة اتصلت بهذه الأمة ، بل ما كملت ولا كانت أعظم منها في هذه الأمة المحمدية ويؤيد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها "
قالوا : ثم إن طائفة من الجبارين تسلطوا على لوط عليه السلام فأسروه ، وأخذوا أمواله واستاقوا أنعامه فلما بلغ الخبر إبراهيم الخليل سار إليهم في ثلاثمائة وثمانية عشرة رجلاً ، فاستنقذ لوطاً عليه السلام واسترجع أمواله ، وقتل من أعداء الله ورسوله خلقاً كثيراً وهزمهم وساق في آثارهم حتى وصل إلى شمالي دمشق وعسكر بظاهرها عند برزة ، وأظن مقام إبراهيم إنما سمي لأنه كان موقف جيش الخليل والله أعلم
ثم رجع مؤيداً منصوراً إلى بلاده وتلقاه ملوك بلاد بيت المقدس معظمين له مكرهين خاضعين ، واستقر ببلاده صلوات الله وسلامه عليه

* * منقول * *