هكذا احتال بارون "الحراقة" بعنابة على 14 شابا وألقى بهم في عرض المتوسط
27-09-2016, 10:01 PM


أحمد زقاري



لم تهضم عائلة المرحوم بوالصليج فرحات البالغ من العمر 55 عاما، ولا عائلة فنغور محمد لمين الذي لم يتجاوز ربيع عمره ال20ـ، من بلدية أمّ الطوب جنوب سكيكدة، الروايات المتداولة بشأن هلاك الضحيتين غرقا في عرض البحر بسواحل مدينة عنابة، نهاية الأسبوع الفارط، اثر محاولة هجرة غير شرعية كانت فاشلة، وانتهت بصورة مأساوية وتراجيدية للغاية، وطالبت عائلتا الضحيتين بالتحقيق وكشف بارونات تهريب البشر بالمنطقة.
وما يروّج من معلومات من لدن بعض الناجين الذين التقتهم الشروق يتبث فرضية أن الضحايا ومن معهم تعرضوا لعملية احتيال ونصب كبيرتين، لكونهم دفعوا مبالغ مالية تجاوزت الـ120 مليون سنتيم، للبارون الذي أشرف على هذه العملية "الحرقوية" الفاشلة، والمنحدر أيضا من ذات البلدية، غير أنهم تفاجأوا حال وصولهم ليلة الخميس من نهاية الأسبوع الماضي إلى شاطئ سيدي سالم بالبوني بولاية عنابة، قصد ركوب القارب قاصدين جزيرة سردينيا الإيطالية، هروبا من الواقع المؤلم والوضعية المزرية التي يعيشونها، تفاجأوا بكون القارب الذي سيحملهم نحو جزيرة الأحلام "سردينيا الإيطالية"، في وضعية كارثية، لا تسمح بركوب أمواج البحر، خاصة وأنّ وضعية البحر في تلك الليلة لم تكن مستقرة، كما أنّ صاحب الرحلة لم يوفرّ لجميع المعنيين بالحرقة وعددهم 15 شابا ينحدر 14 منهم من بلدية أم الطوب، وآخر من بلدية القل غرب الولاية، لم يوفرّ لهم الوسائل والملابس الخاصة بالطوارئ، ولم يكن القارب مجهزا بأي من وسائل النجدة.
الحادثة الأليمة، والظروف المحيطة بها، دفعتنا للتنقل إلى بلدية أم الطوب، وبالضبط لحي بولغب الساسي، لتقديم واجب العزاء لعائلتي الضحيتين، وتتبعا لمسار الأحداث بحثا عن الحقيقة، أين وجدنا عائلات الضحايا وحتى الناجين وأغلبهم من حي واحد، في صدمة وحيرة كبيرتين، لأنّ الحادث كاد يعصف بنحو 15 شابا من حيّ واحد، لولا لطف الله، إذ انقلب بهم القارب على بعد نحو خمسة أميال بحرية، شمال منطقة رأس الحمراء بمدينة عنابة، وذلك بعد نحو ساعة ونصف فقط من انطلاقهم من شاطئ سيدي سالم، ويروي أحد الناجين للشروق "ياسين فنغور" للشروق قائلا "قضينا ثلاث ساعات في عرض البحر، نصارع الموت والأمواج، كانت ترتفع أصوات الله أكبر، الله أكبر، وأشهد أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله".. كنّا نغرق ونحاول أن نتمسّك بقشّة تبن، منّا من تعلّق بأطراف القارب، ومنا من تشبتّ بقارورات الماء الشروب"، وظللنا على هذا الحال إلى غاية أن عثر علينا بعض الصيادين الذين أخذونا على متن قواربهم، واتصلوا بعناصر خفر السواحل، ووقتها كان عمي فرحات وابن عمي محمد لمين قد فارقا الحياة"، مضيفا "كانت تجربة قاسية بالفعل، كنّا سنموت، حاولت السباحة للنجاة ولكن هيهات هيهات، لأنّ هيجان البحر وارتفاع الأمواج منعني ورفقائي من السباحة".. قائلا: "كنا نتوقع مثل هذا السيناريو الرهيب بمجرد رؤيتنا للقارب المتهالك الذي ركبناه قاصدين جزيرة سردينيا، وبمجرّد قطعنا مسافة قصيرة، طلبنا من السائق الذي هو منظم الرحلة العودة، لكنّه واصل طريقه قبل أن يقرر العودة، وحين دوران القارب بسرعة انقلبت دفّة القارب وغمرتنا المياه".
محمد لمين شاب يعاني من مرض القلب وكان يحلم بالحرقة للتداوي بالخارج؟؟
صادف وجودنا ببلدية أم الطوب (نهار الاثنين)، جنازة المرحوم محمد لمين، شاب لم يكمل عقده الثاني بعد، محبوب وسط أبناء حيّه وعلى علاقة طيبة وصادقة مع سكان أم الطوب، خلّف خبر هلاكه غرقا في عرض البحر بسواحل مدينة عنابة، صدمة كبيرة لدى سكان المنطقة، الذين بدت عليهم مشاعر الحزن والألم والأسى، كيف لا، وكلهم يعلمون أن البريء محمد لمين، يعاني من مرض القلب، وكان قد أجرى عملية جراحية على القلب منذ ثلاث سنوات، ومازال يعاني، ورحلة هجرته غير الشرعية هذه، التي انتهت بقصّة وفاة تراجيدية، كانت لسبب واحد، وهو حلم التداوي بالخارج، والتخلّص من مشاكل المعاناة مع القلب للأبد، ولكنّه رحل للأبد من دون أن يحقق حلمه، بعد أن جمع ولمدة طويلة سنتيما على آخر لغاية استكمال مبلغ الرحلة المقدر بـ8 ملايين سنتيم، ويقول عمّه للشروق بنبرة حزينة "كذبوا عليه وقالوا له بأنّه بإمكانك التداوي بايطاليا، وهناك ستتكفل بك الجمعيات الخيرية والحكومة الإيطالية، وأوهموه بالهجرة غير الشرعية قصد التخلّص من معاناته مع داء القلب، صدقهم المسكين ومات غرقا"... رحمك الله يا محمد لمين.
عمي فرحات.. كهل في الـ55 من العمر.. اشتمّ رائحة الموت وطلب من السائق العودة قائلا "خليت أولادي من ورايا"
يعتبر عمي فرحات، الأكبر سنّا ضمن مجموعة الحراقة التي كانت تنوي الهروب من جحيم أم الطوب، في هذه الرحلة المشؤومة، رجل يافع، متزوج ولديه بنتين متزوجتين وولد يبلغ من العمر 24 سنة، يملك محلا متواضعا لبيع المواد الغذائية بالحي، كان يعيش بفرنسا لنحو 10 سنوات، وعاد لأم الطوب منذ ثلاث سنوات، ولكنه لم يستطع التأقلم مع الأوضاع، وحاول العودة بالطرق القانونية ولم ينجح، فقرّر العودة عبر قوارب الحراقة، ووجد أمامه هذه الفرصة، لاسيّما وأنّ مرافقيه جميعا ينحدرون من نفس الحي ببلدية أم الطوب، ولكن يقول بعض الناجين، بأنّ المرحوم عمي فرحات بوالصليج، وبمجرّد ركوبه القارب بشاطئ سيدي سالم، لاحظ أشياء لا تسرّ، وقال بأنه يشتمّ رائحة الغرق والموت، وظلّ يلحّ على صاحب القارب والرحلة بأن يعود، وقال له كما صرّح لنا ابنه سمير بأنه لن يسامحه إذا مات تاركا وراءه أبناءه الثلاثة، وكلّما كان سائق القارب يزيد في السرعة، وكانت المياه تتدفق لسطح القارب المتهالك من كل جانب، كان صوت عمي فرحات يرتفع أكثر فكثر، طالبا من المعني العودة بهم للشاطئ، غير أن المعني رفض، إلى غاية أن ارتطم بأمواج عاتية، أجبرته على العودة، وفي أثناء ذلك سقط عمي فرحات ومن معه، وبعد معاناة قصيرة مع الأمواج، لفظ عمي فرحات أنفاسه الأخيرة غرقا، ولم يتمّ العثور عليه إلا عشية يوم السبت من قبل عناصر خفر السواحل ووحدات الحماية المدنية.
عائلات الضحايا: قدمنا شكوى رسمية وننتظر نتائج التحقيقات
يقول أهل الضحايا، بأنهم رفعوا شكوى رسمية أمام فرقة الدرك الوطني بالشط ولاية الطارف، يتهمون فيها بارون التهريب، الذي أشرف على هذه العملية الحرقوية الفاشلة والقاتلة، بالوقوف وراء هلاك الضحايا، لأنه لم يوفرّ قاربا من شأنه ضمان رحلة آمنة للمعنيين الذين قبض منهم مبالغ مالية تجاوزت الـ120 مليون سنتيم، كما أنه لم يوفر الألبسة الخاصة بالسباحة في حالة الخطر والغرق، ولا وسائل الإبلاغ والنجدة في حالة حدوث طارئ، واتهمّه آخرون بكونه كان أصلا يريد الاحتيال على الضحايا ولم يكن ينوي الوصول بهم إلى جزيرة سردينيا، وكان هدفه أن يضع يده على أموال الضحايا، والعودة بهم بعد قطع مسافة قصيرة في عرض البحر، لاسيّما وأن ليلة الرحلة لم تكن مناسبة للهجرة غير الشرعية وركوب البحر أصلا، وتطالب عائلات ضحايا حادثة انقلاب القارب بسواحل عنابة، نهاية الأسبوع الفارط، والتي أسفرت عن غرق شخصين، ونجاة 14 آخرين بصعوبة كبيرة، بالتحقيق وكشف ملابسات ما حدث في ليلة الخميس المشؤومة، ويقول سكان الحيّ بأن الضّحايا وهم كهل في الـ55 من العمر، وشاب في ربيع عمره العشرين، تنقلا إلى مدينة عنابة، بعد أن دفعا مبلغ 8 ملايين سنتيم، رفقة 14 شابا آخرين، بمجموع 120 مليون سنتيم، لأحد البارونات، الذّي يتهمونه بعدم توفير قارب لائق والاحتيال عليهم من خلال هذه الرحلة، وما تزال مدينة أم الطوب، تعيش أجواء جنائزية، بفعل المأساة القاسية التي ألمّت بعدد من العائلات في حيّ بولغب الساسي، ولسان حال الجميع نريد حقيقة ما حدث، لأبنائنا بسواحل مدينة عنابة، عندما كانوا بصدد الهجرة نحو ايطاليا.