تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > منتدى العلوم والمعارف > منتدى الترجمة واللغات > اللغة العربية

> هام جدا: جامع المقالات الكاشف لمغزى استبدال الفصحى باللهجات

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: هام جدا: جامع المقالات الكاشف لمغزى استبدال الفصحى باللهجات
06-09-2015, 01:10 PM

عار يا أمة الضاد
إسماعيل بوجعدار:( دكتور بكلية العلوم ـ قسم الفيزياء ـ جامعة الإخوة منتوري ـ قسنطينة)

اللغة أعظم مقومات الوجود وهي مجد الأمم وهويتها، لذلك تجد الأمم الحية تتناغم مع التشريعات الحافظة للغتها وهويتها، إلا العربية لغة حباها الله، وأهانها العرب، يقول أحد المستشرقين:"ليس على وجه الأرض لغةٌ لها من الروعة والعظمة ما للّغة العربية، ولكن ليس على وجه الأرض أُمة تسعى بوعي أو بلا وعي، لتدمير لغتها كالأمة العربية!" المفارقة أن بعض الدول المسلمة الأعجمية (إيران، باكستان، أفغانستان)، لا تزال متمسكة بالحرف العربي في لغتها ويسمونه "الحرف الشريف" لأن لغة القرآن كُتبت به، بينما يتعرض الحرف العربي للإهانة والازدراء في أغلب أقطار العالم العربي، كنا نتمنى أن تكتب اللغة الأمازيغية بالحرف الشريف لا بالرسم القبيح.!
إن الأمة التي لا تحترم مقدساتها، يُنتهك شرفها وتفقد إحترام غيرها وتخسر مكانتها بين الأمم، قال الرئيس الفرنسي السابق فرونسوا ميتران في مواجهة زحف اللغة الإنجليزية على بلاده: إن العالم لن يسمع لأمة تتحدث بلسان غيرها !. وقبله جاء في بيان الثورة الفرنسية: "أيها المواطنون: ليدفع كلاً منكم تسابق مقدس للقضاء على اللهجات في جميع أقطار فرنسا لأن تلك اللهجات رواسب من بقايا عهود الإقطاع والاستعباد .... يجب أن تعالج هذه المشكلة معالجة جدية؛ وذلك بمحاربة اللهجات المحلية، ونشر اللغة الفرنسية الفصيحة بين جميع المواطنين"، بل حتى إن النظام الفرنسي يمنع الكتابة على لوحات الشوارع والمحلات التجارية بأي لغة أخرى غير الفرنسية حفاظا على لغتهم.
إن الغارة على اللغة العربية هي إمتداد جلي للغارة الصليبية على العالم العربي والإسلامي، الهادفة لمحو القرآن والقضاء على الإسلام، والدعوة إلى العامية هي أحد هذه المعاول الهدامة، إن تعلم العربية فريضة على الأمة، تقتضيها عالمية الرسالة الخالدة والوحي المنزل، وأي تفريط يعتبر خيانة فاضحة وردة مهلكة.
التعليم في كل بلدان العالم، عدا العالم العربي، يتم بلغتهم الرسمية الصين بالصينية، روسيا بالروسية، اليابان باليابانية، إيران بالفارسية، تركيا بالتركية، المحتل الإسرائيلي بالعبرية ودول أوروبا الشرقية بلغاتهم القومية....، ففي الكيان الصهيوني مثال صارخ، على الرغم من أن بعث اللغة العبرية فكرته الأساسية هي المساعدة على قيام دولة إسرائيل، إلا أنها أصبحت بعدما كانت لغة دينية ميتة، لغة العلم من الروضة إلى الدكتوراه بالجامعة، تدرس بها كل أنواع العلوم والتكنولوجية والطب في مجتمع لا يتعدى تعداد سكانه سبعة ملايين!، فقد قال المفكر اليهودي إليعازر بن يهودا في نهاية القرن الـ19 على مشارف إعلان الدولة اليهودية: "لا حياة لأمة دون لغة"، وفي المجر التي لايتعدى تعداد سكانها 15 مليون نسمة، فالتدريس باللغة المجرية من التحضيري إلى الدراسات العليا بالجامعة، إذ تحرر الرسائل الجامعية باللغة الوطنية، وإتقان اللغة المجرية شرط ضروري على الأجانب لدخول كلية الطب لأن العلوم الطبية تدرس باللغة المجرية، وهاهي كل من تركيا وإيران حجزتا مكانتهما بين الكبار اعتمادا على لغاتهما القومية.
في غمرة السجال الدائر الآن حول إقتراح استعمال العامية في التدريس والذي هو في ظاهره اقتراح بيداغوجي، لكنه في باطنه وبعده إقتراح إيديولوجي، واصطفاف الفرونكوفونيين والتروتسكيين وراء الوزيرة حفيدة قدور بن غبريط، نسي هؤلاء أن للعربية قداسة مستمدة من قداسة القرآن، فهي لغة تعبد عامة الشعب، فراحوا في شوفينية ضيقة وتطرف مقيت واستفزاز واضح، يصفون المدافعين عن لغتهم بالأصولية تارة وبالوهابية تارة أخرى، أنسي هؤلاء أن إهانة المقدسات شأن لا يغتفر وليس أمر فيه نظر، إن ردة فعلهم هذه تؤكد مقولة دوغول"غبي من يعتقد أن فرنسا خرجت من الجزائر، فهذا كان جزء من استراتيجية متكاملة، فخروج فرنسا من الجزائر لم يعني أبدا رحيلها" وقوله كذلك: "إني تركت في الجزائر جزائريين أكثر فرنسية من الفرنسيين" واستجابة لوصية ميتران الذي قال سنة 1984: يجب أن تبقى الفرنسية في الجزائر لغة الإدارة ولغة الدراسات العليا! ، إن وكلاء باريس في الجزائر جعلوا إتقان الفرنسية شرط أساسي لتولي المسؤوليات والمناصب، فترى الرئيس والوزير يخاطب شعبه بلغة المستعمر في تعد صارخ على الدستور وخيانة لأمانة الشهداء وخذلانا فاضحا للغة الدستورية في معركة التمكين وفي سابقة فريدة في الكون!. كنا نظن أن وطأة الفرنسية ستخبو مع مرور الزمن، رغم الآثار الثقافية واللغوية الغائرة التي تركتها فترة الإحتلال الطويل والبغيض، لكن الظاهر أن في هذا السياق ينطبق قول الشاعر:

مات كلب في البرية÷ فاسترحنا من عواه
ترك اللعين جروا÷ فاق في النبح أباه

إن المتأتئين باللغة العربية كالأطفال في مواقع المسؤولية العليا، أًثْروا شبكات التواصل الاجتماعي بموجات من التعليقات الساخرة على مصطلحاتهم الغريبة (كالفقاقير وأنفجأت....) !. يقول عميد الأدب العربي طه حسين:"إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا معرفة لغتهم، ليسوا ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومُهين أيضاً."
بل الأخطر من هذا، وحنينا لعهد الاستدمار وفي ردة مهينة وخيانة كاملة الأركان، هو تأسف وزير الخارجية السابق مراد مدلسي أمام البرلمان الأوروبي على كون الجزائر لم تبق أوروبية، حين قال:"أقول لإخواننا في بروكسل ليس هناك أوروبيين أكثر من الجزائر.. ولو كان للتاريخ منحى مختلف، لكنا اليوم بلدا كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي، ذلك لأننا في اللحظة التي وقعت فيها المعاهدة كنا ما نزال فرنسيين".
نسي هذا المخلوق ما قاله العلامة ابن باديس: "إن هذه الأمة الجزائرية الإسلامية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو أرادت... بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد.. في لغتها، وفي أخلاقها، وفي دينها..." أو ما قاله رفيق دربه الشيخ البشير الإبراهيمي في أول جمعة بمسجد كيتشاوة بعيد الاستقلال: "يا معشر الجزائريين إن الاستعمار كالشيطان الذي قال فيه نبينا صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه رضي أن يطاع فيما دون ذلك"، فهو قد خرج من أرضكم، ولكنه لم يخرج من مصالح أرضكم، ولم يخرج من ألسنتكم، ولم يخرج من قلوب بعضكم، فلا تعاملوه إلا فيما اضطررتم إليه، وما أبيح للضرورة يقدر بقدرها.
إنه من وحي التجربة التعليمية بالجامعة "26 سنة"، يكون الطلبة أكثر استيعابا وأكبر فهما للمقاييس المدرسة باللغة العربية من المقاييس المدرسة باللغة الفرنسية، فلا غرابة في هذا فاللغة لا تنفصل عن التفكير، ومن فكر بلغته الأم كان أقدر من غيره على الخلق والإبداع، إحدى الدراسات العلمية أكدت أن الدول التي سُجّل فيها أكبر عدد براءات الإختراع هي الدول التي تدرس العلوم بلغتها، عشرات السنين والعلوم الطبية عندنا تستقطب نجباء البكالوريا، لكن القطاع بقي منكوبا في مفارقة عجيبة، الأكيد أن من بين الأسباب هي لغة التدريس، لذلك ندعو الوزير إلى استحداث قسم للعلوم الطبية باللغة العربية في كليات الطب والاستعانة بأطباء الدول العربية الرائدة في مجال الخدمات الطبية والصحية كالأردن والسودان وسوريا.
إن مسلسل التطاول على المقدسات لن يتوقف، لكن عزاءنا في المرابطين على الثغور والمدافعين عن الوجود، يقول الشيخ الغزالي رحمة الله عليه: إشعار الجماهير أن ترك العربية الفصحى في مهب الريح كبيرة من الكبائر، وأن الأمة التي تفقد لغتها كالفتاة التي تفقد عرضها، وأن المسلمين من بين أمم الأرض خاصة، مكلفون بالدفاع عن العربية ضد كل هجوم، لأن الهجوم في مراحله الأخيرة يتجه إلى وحي الله". أما المتطاولون، فنقول لهم كما قال الشاعر:

كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليوهنها÷ فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ

ونذكرهم بقول آخر:

لغة إذا وقعت على أسماعنا÷ كانت لنا برد على الأكباد
ستظل رابطة تؤلف بيننا÷ فهي الرجاء للناطق بالضاد

إن المسلم الأعجمي يغبط المسلم العربي على لغته العربية، بل إن العالم الفارسي الشهير البيروني، يقول:"والله لأن أُهجَى بالعربية أحب إلي من أن أُمدَح بالفارسية".
أنهي نحيب الروح هذا، على أملٍ قادم مشرق وزاهر، كما كان ماضي العربية التليد يوم كنا العالم الأول، بأشجان:" شاعر النيل: حافظ إبراهيم" في قصيدته:

"اللغة العربية تنعي حظها بين أهلها":

وسعتُ كتاب الله لفظا وغايـــة÷ وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة÷ وتنسيق أسماء لمخترعات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن÷ فهل سألوا الغواص عن صدفاتي

وفي الأخير: لابد من جبهة وطنية لحماية البعد العربي والأمازيغي لأمتنا من غلاة الفرونكوفونية
هذا، وإن عدتم عدنا.



  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: هام جدا: جامع المقالات الكاشف لمغزى استبدال الفصحى باللهجات
08-09-2015, 02:06 PM
النائب البرلماني بحزب العدالة والتنمية:" حسن عريبي":
على سلال أن يلزم جميع الوزراء بالحديث باللّغة العربية

دعا، أمس، النائب البرلماني بحزب العدالة والتنمية، حسن عريبي الوزير الأول عبد المالك سلال، إلى إجبار جميع الوزراء على الحديث باللغة العربية في مخاطبتهم للشعب وتصريحاتهم لوسائل الإعلام وردّهم على أسئلة نواب البرلمان، واتخاذ إجراءات تأديبية في حقّ المخالفين وفق لما ينص عليه الدستور.
وتساءل عريبي في سؤال شفوي عن عدم التزام وزراء حكومته بالمادّة الدستورية التي تشير إلى أنّ اللغة العربية والأمازيغية، هما لغتان وطنيتان رسميتان، فيما يلاحظ حسب المصدر، أنّ أغلب الوزراء يفضّلون الحديث إلى الشعب باللغة الفرنسية وأيضا في تصريحاتهم لوسائل الإعلام أو ردّهم على أسئلة البرلمانيين، من بينهم وزيرة التربية ووزير الصناعة والمناجم ووزير الداخلية والجماعات المحلية ووزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي، وحسب عريبي فإنّ "وزارة الشؤون الدينية هي الأخرى ترسل رسائل نصيّة قصيرة للحجاج باللغة الفرنسية!"، معتبرا ذلك إغفالا للغة العربية والأمازيغية كلغتين وطنيتين رسميتين، ومساسا بالدستور الذي ينّص على ذلك، فيما يلاحظ اجتهاد وزراء آخرين مثل وزير العدل ووزير المالية ووزير الثقافة ووزير التعليم العالي في استعمال اللغة العربية، وفي هذا الصدد، طلب نائب المجلس الشعبي الوطني، من الوزير الأوّل عبد المالك سلال، إجبار جميع الطاقم الحكومي على الحديث باللغة العربية حين إدلائهم بتصريحات للشعب عبر وسائل الإعلام أو في ردّهم على البرلمانيين، مع اتخاذ إجراءات تأديبية ضدّ كلّ من يرفض الالتزام بهذه التعليمات، وذلك من أجل إرجاع مكانة اللغة الوطنية التي يفهمها جميع الجزائريين واحتراما للدستور وعدم الدوس عليه بتمجيد اللغة الفرنسية والترويج لها وكأنّها لغة وطنية رسمية.
كما يلاحظ في هذا الشأن أنّ أغلب المواقع الإلكترونية الرسمية للوزارات تستعمل اللغة الفرنسية على خلاف اللغة الأكثر تداولا ما بين الجزائريين وهي العربية.


لا لكارثة لاهثة ما بعدها كارثة
"عبد الرحمن عزوق":( مفتش التربية الوطنية -سابقا- / رئيس فرع اتحاد الكتاب لولاية تيبازة -حاليا-).

يظل الحديث عن قطاع التربية والتعليم يثير في النفوس آلاما حقيقية، فهذا القطاع الهام جدا، يعاني منذ الاستقلال من وطأة ما يشبه العذاب ويحيا في ظروف أقل ما يقال عنها إنها بائسة وغير تربوية، لقد شهد هذا القطاع موجات من التجارب واستمر ذلك إلى أيامنا هذه عندما جاءت طائفة من الناس لتتولى الدور المكروه ومازال دورها مستمرا إلى غاية كتابة هذه السطور، لذلك أقول:
نتيجة لسياسات التربوية الانفعالية والنيات السيئة والممارسات التي وصلت إلى درجة الاستفزاز التي اتبعتها وزارة التربية في المدة الأخيرة أخطرها استعمال العاميات في التدريس في المراحل الأولى من التعليم، خصوصا بعد إعلان هذه الوزارة المنكوبة الحرب الضارية على الفصحى العمود الفقري للسيادة الوطنية ووحدتها، بإيعاز من أعداء الجزائر القدامى والجدد وحلفائهم داخل الوطن.
انتاب أحرار الجزائر وكل المواطنين المخلصين حالة من التوتر والقلق وعدم استقرار نظامنا التربوي، خاصة في المدة الأخيرة، بشكل لم يشهده في تاريخه من قبل.
وقد تجسدت هذه السياسات التربوية والممارسات الخاطئة، بل والمنحرفة واللاوطنية في الصيغ العبثية والمتخلفة التي تتناقض مع روح العصر والمفاهيم الجديدة وطموحات الشعب التواق إلى التحرير اللغوي والاستقلال الكامل والتنمية والتقدم المرجو.
ومنذ مجيء أركان وزارة التربية اليوم، اتخذوا جملة قرارات وإجراءات استفزازية للشعب ورجال التربية خصوصا، كما حاربت الفصحى والقيم الدينية والوطنية، بل والعلمية الحديثة، والتصدي بقوة لتيار أنصار الفصحى، والاستخفاف بها، ومنعها من احتلال مكانتها اللائقة بها، وإرجاع المجتمع مئات السنين إلى الوراء، ومنع أبناء المجتمع من التعرف على لغتهم ولغة أجدادهم ولغة ثقافتهم وحضارتهم العريقة التي تعرفها المجتمعات المتطورة، زيادة على إثارة النعرات الجهوية والطائفية والإقليمية، بل والطبقية بين أفراد الشعب الواحد، وفتح باب للتدخل السافر في الشؤون الداخلية للبلاد، وشن الحملات الإعلامية الملأى بالكذب والتزوير.
إن مثل هذه الأفكار الضالة والسياسات التربوية الخاطئة والملتوية التي ارتكبها أركان وزارة التربية في المدة الأخيرة، قد خلقت ظروفا سياسية سلبية عند الأغلبية الساحقة في صفوف الشعب. وأحدثت حالة من القلق النفسي والاجتماعي أربكت المواطن وقتلت آماله وطموحاته المشروعة.
ومثل هذه السياسات التربوية الشاذة قد تؤثر بصورة فعالة وخطيرة في الظواهر الاجتماعية والحضارية والسلوكية للمجتمع، ولا سيما ما يتعلق منها بقوانين التربية والتعليم، وهي من صميم قوانين السكون الديناميكية الاجتماعية والفعل ورد الفعل بين الظواهر الاجتماعية المستقلة والظواهر الاجتماعية المعتمدة، ثم التفاعل الجدلي، فيما بعد، بين الجزء والكل، أي بين الفرد والمجتمع.
والأوضاع المتردية التي ستسود، إذا سادت العامية في التدريس، الذي يهدف إليه هؤلاء والذين يتسترون وراء تطوير المناهج التعليمية كل يوم، وتطوير المناهج منهم براء، سيؤثر في علاقات الأفراد والجماعات تأثيرا سلبيا، وسيحطم ما تبقّى من الأنماط السوية والمثالية للسلوك الاجتماعي وسيعرقل نشاطات وفعاليات المؤسسات البنيوية الفوقية والتحتية، وستصدع الوحدة الوطنية، وستعرض البلاد برمتها إلى جملة مشكلات اجتماعية معقدة نحن في غنى عنها.
أما إذا طبقت هذه السياسات التربوية -أملي كبير في فشلها- فالأضرار التي ستلحق بالأفراد والمجتمع فكثيرة ومعقدة، منها تصدع وحدتنا الاجتماعية والنفسية وفقدان أهدافنا وطموحاتنا وسوء إدارتنا وقيادتنا وضعف علاقاتنا بالمجتمعات العربية والإسلامية، وتفكك تركيبنا الهيكلي، وعجزنا عن أداء وظائفنا أفرادا ومجتمعا.
إن حالة متفسخة كهذه لابد أن تقود إلى سقوط النظام الاجتماعي برمته بعد انهيار النظام التربوي التعليمي، وظهور سياسات تربوية متعددة هزيلة، واحتدام الصراعات الجهوية والاجتماعية والطبقية والانقسامات الفكرية والإيديولوجية، وظهور تناقضات فردية ومصلحية، وتلك هي الكارثة ما بعدها كارثة.
لعل أبرز أسباب الظروف البائسة التي يعيشها رجال التربية عندنا، فقدان الثقة المتبادلة بين الأساتذة والمعلمين وأركان وزارة التربية في المرادية، فهؤلاء لا يحترمون قرار الأساتذة والمعلمين، الذين هم جزء من الشعب، ولا يريدون لقطاع التربية والتعليم الطمأنينة والتقدم، ولم يقدموا للقطاع أي مكاسب تذكر، بل على العكس يردونهم حتى عن لغتهم وثقافتهم التي كانوا يتمتعون بها حتى في وقت الاستعمار، إذ كل الزوايا والمدارس الحرة كانت تعلم باللغة العربية الفصحى في جميع أنحاء الجزائر بما في ذلك المناطق التي لا يعرفون حتى العامية العربية.
واليوم يريد أركان وزارة التربية في المرادية فرض الذل والهوان ويعطلون اللغة العربية الفصحى وطاقاتها الخلاقة، ويقتلون آمال أبناء الشعب وطموحاته، لهذا لا نثق بهذه الأركان ويظهر ذلك جليا فيما نقرأه من المقالات التي تنشرها الجرائد، ولا يريد أصحابها التعاون والتضامن مع وزارة التربية وأركانها، بل سيعمل هؤلاء الكتاب التخلص منهم كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
وما هذه المقالات الاحتجاجية والاستنكارية إلا مؤشرات مادية توضح طبيعة التناقض بين الشعب وأركان وزارة التربية الوطنية، وتشير إلى طبيعة الرفض القاطع لهذه السياسات التربوية الضالة المضللة التي تجتاح الجزائر في الوقت الحاضر، بيد أن هذا الرفض بين قوى الجماهير وأركان وزارة التربية، وفقدان الثقة بينهم وبين إطارات قطاع التربية نتيجة هذه السياسات المتخلفة والخطط الخاطئة والأساليب اللا وطنية التي يعتمدها مسؤولوا وزارة التربية مع أبناء الشعب، تشغل بال كل مواطن وفكره، وتجلب له الحيرة والقلق وتلزمه على التنصل من هؤلاء الجهلة والوقوف ضدهم وضد برنامجهم المتخلف الذي يقتل عند رجال التربية روح المثابرة والعمل الخلاق وتدفعهم على التذمر وعدم الرضى والعصيان كما رأينا في السنة الماضية.
ومما يزيد قلق المواطن وارتباكه علمه بالتناقضات والصراعات والانقسامات بين أركان وزارة التربية ورجال التربية وتنافسهم على فرض رأيهم.
ومثل هذه الانقسامات بين الطرفين تجعل أركان هذه الوزارة في حالة فوضى وعدم استقرار، ومن ثم غير قادرين للتفرغ لشؤون القطاع ومشكلاته الحقيقية.
صحيح أن الصراعات الأيديولوجية كانت موجودة في هذا القطاع الحساس قبل مجيء دعاة العاميات للتدريس بها، إلا أن هذا الصراع الجديد أخذ قالبا خطيرا وبات يهدد سلامة البلاد واستقرارها.
فدعاة العاميات يعتقدون بأنهم أعلى منزلة من غيرهم من رجال التربية وأفضل طرحا وأكثر أنصارا من غيرهم، ومستعدون لينكلوا بهم ويغمطوا مطلبهم المشروع والمتمثل في الإبقاء على التدريس بالفصحى ويبقوا ضد طموحاتهم وأهدافهم المتمثلة في تعميم التعريب في جميع مراحل التعليم من الروضة إلى الجامعة.
وإجراءات جائرة كهذه تؤجج روح الحماس الوطني ويدفع أنصار الفصحى إلى الدفاع عن مطلبهم والتصادم المتوقع مع دعاة العاميات في التدريس.
وهذا الصراع الأيديولوجي المتوقع لا يختلف عن الصراع الجهوي والمذهبي فتصبح بلادنا مقسمة إلى طبقات اجتماعية متناقضة كطبقة المثقفين والطبقة البورجوازية المسيطرة على المصالح والأعمال الاقتصادية والطبقة العمالية الكادحة التي لا تمتلك أي شيء سوى الجهود والطاقات البشرية لقاء أجور زهيدة.
ومثل هذا الصراع اللغوي والتناقض الثقافي سيتسبب في تصدع الوحدة الاجتماعية والنفسية والفكرية للمجتمع الجزائري الذي نريده أن يكون واحدا موحدا، الأمر الذي يثير شعور الحيرة والقلق مهما تكنْ انحداراتهم وخلفياتهم الاجتماعية.
ومما يزيد من تفاقم الأوضاع التعليمية في بلادنا تدهور المستوى التحصيلي العلمي والأدبي نتيجة سوء الإدارة البيداغوجية والإدارية واضطرابات عناصر القيادة والتوجيه البيداغوجي وتناقض أفكار سياسات المسؤولين عن القطاع مع حاجات وطموحات المعلمين والأساتذة.
إنّ ما ينبغي على أركان وزارة التربية أن تعرف بأن التكوين المستمر للمناهج، وبلغة رسمية واحدة، أصبح ضرورية وحتمية للعديد من المتغيرات التي تلاحق المجتمع مثل التطورات في الفكر التربوي والتجارب الحديثة جدا في عملية التدريس وغيرهما من جوانب التعلم، وبناء على هذا فالمعلم يجب أن يراجع كفاءته واكتساب الجديد بحيث يصبح قادرا على الدوام على تنفيذ المناهج الجديدة، مما تنعكس نتائجه في نهاية المطاف على مدى كفاءة العملية التعليمية التعلمية ونتائجها بالنسبة للفرد والمجتمع، إلى غير ذلك من المهام، وليس الرجوع إلى الوراء بمئات السنين، بفرض العاميات في التدريس.
من كل هذا نستنتج بأن وزارة التربية سائرة في طريق التخلف والانحطاط والدمار.


المدرسة الجزائرية ليست ملكية خاصة
" بشير شعلال":( مفتش سابق للتربية والتكوين)

اللغة العربية من ثوابت الشعب الجزائري ومقدساته ورُمُوزِهِ كالعَلَم الوطني والْوَحْدَة الوطنية بِنَصِّ الدستور. لا يمكنُ أيَّ واحدٍ مهما كان مركزُهُ أن يعبثَ بها. إنَّ دعوة وزيرة التربية إلى استعمال العامية في السنوات الأولى من التعليم الابتدائي قفزةٌ نحو المجهول، لا يقول بهذا عاقل، تريد بها القضاء على ما بقي في المنظومة التربوية من عناصر الحياة، ألاَ تعلمُ الوزيرة تلك القاعدة الذهبية التي تقول: (العلمُ في الصغر كالنقش في الحجر)، ذلك أن ما ينطبع في ذهن التلميذ في سنواته الأولى من الصعب أنْ يفارقَهُ طول حياته:
وينشأُ ناشئُ الفتيان فينـا ÷ على ما كانَ عَوَّدَهُ أبُوهُ

ونَعْنِي بالأب هنا المعلمَ الذي يُعَدُّ المثل الأعلى للتلميذ.
وليكنْ في علم السيدة الوزيرة بن غبريط أن المدرسة الجزائرية والتربية الوطنية ليست ملكية خاصة بالوزيرة، تتصرف فيها كما تشاء، وتقرر ما تشاء، وتنزع منها ما تشاء، إنها ملك كل الجزائريين والجزائريات، أسندت إليها هذه الأمانة والمسؤولية لتحقق فيها إرادة الشعب من خلال مؤسساته، تكونُ الكلمة الفصل لمؤسسات الدولة، والخبراء والمختصين. ولا يكون الأمر نتيجةَ هَوًى أوْ مِزَاجٍ شخصي. ما كان لابن غبريط أن تُحييَ فكرة التدريس بالعامية، إنها وُلِدَتْ ميتةً لدى أصحابها من غُلاةُ الاستعمار والمستشرقين الحاقدين الْمَوْتُورِينَ وأتباعهم من دعاة التغريب والتخريب. إنها مؤامرة حِيكَتْ خيوطها من وراء البحر، أهدافُها قَطْعُ الطريق في وجه هذه الأمة وقطعها عن جذورها وطُمُوحِها إلى مستقبل أفضل، فشلت قوى الاستدمار رغم كل الوسائل والدسائس، كما أن منطلق هذه الدعوة الْهدَّامَة إيديولوجي سياسي، لا علاقة لها بالتربية والتعليم والتبسيط والتيسير، ولُغَةِ الأمِّ كما يزعمون، لأن أطفالَنَا يتابعون ما يقدمه التلفاز من برامج ورسوم متحركة باللغة الفصيحة، ويستوعبونها ويتجاوبون معها. وها نحن نسمع في جزائر الشهداء وزيرة التربية تفكر في إدخال العامية إلى المنظومة التربوية لِتضيفَ محنةً أخرى إلى هذه المنظومة المظلومة التي تنتظر مَنْ يخرجها من هذا المأزق أو على الأقل يوقف انهيارها وضعفها، لكن ابن غبريط (خطبتْ فكانتْ خَطْبًا لا خطيبًا أُضيفَ إلى مصائبِنا الْعِظام)
لها عقدة مع اللغة العربية، ومَنْ جَهِلَ شيئا عادَاهُ. ولا شك في أنها بعدَ أشهر أو سنة... تغادر الوزارة وتذهبُ لتستريح، وتتركَ لنا كارثةً عواقبُها وخيمة، يكون حصادها مُرًّا على الأمة كلها، لأنَّ مَنْ زرع الشوك يجني الجراح.
العامية التي تريدها بن غبريط أختُ الْعَمَى (أقصد عَمَى الْبَصيرة) وستنتجُ لنا أعْمَى يقودُهُ الضرير.
لقد كشفت هذه الوزيرة أوراقها، تريدها مدرسة عامية في مستوى العامة، في أقصى دركات الرداءة، تتأخر ولا تتقدم، تنتج لنا أجيالا ممسوخة بلا مرجعية، لا هم جزائريون ولا هم جنس آخر، أجيالا متخلفة، بعيدة عن أصولها تتلاعب بها رياح الجهل والتغريب، لو كانت هذه الوزيرة في بلد آخر لقدمت للمحاكمة.
كانت سياسة التعليم في عهد الاستدمار - كما وصفها الأديب الشهيد أحمد رضا حوحو- (قائمة على فلسفة عميقة جِدًّا وهيَ تَعلَّمْ لِتَجْهَلَ). وها هي ابن غبريط تريدُ أن تعيد التعليم إلى عهد الاستعمار أوْ أشد، أليست فكرتُه التي تبناها فيما سماه المدرسة الفرنكو إسلامي. (انظر تصريح المجاهد عمار بن عودة عضو لجنة 22 التي فجرت الثورة، الشروق اليومي بتاريخ (10/8/2015).
طردنا الاستعمار من الباب وبن غبريط وأمثالها يريدون إعادته من النافذة، بعد أن فشل عن طريق إثارة الفتن والقلاقل. والهدف واضح هو تفكيك الوحدة الوطنية وفق سياسة (فرق تسد).
مؤامرة بن غبريط خيانة لمبادئ أول نوفمبر الذي أسس لدولة جزائرية موحدة (تصريح المجاهد عمار بن عودة).
وهذهِ الْهَرْطَقَة (الْبِدْعَة) تُعَدُّ نوعًا من العنف اللفظي الخطير في رأي علم النفس، لأنها تَسْتَفِزُّ مشاعر ملايين الجزائريين والجزائريات.
أما الفئة القليلة التي تتظاهر بتأييدها، فَهُمْ إمَّا من أصحاب المصالح الشخصية الضيقة باعوا ضمائرهم، وإمَّا مُغَفَّلون أو مُعَقَّدون مثلها ضد اللغة العربية (فَمَنْ جهلَ شيئًا عادَاهُ).
خُذُوا العبرة من فرنسا التي تَتَمَلَّقُونَ لها وتعتبرونها المثل الأعلى لكم. فكم فيها من أصول وأجناس ولهجات، هل تجدون فيها من يدعو إلى استعمال لغة الأم؟ هذه المغالطة الكبرى التي تنسبونها إلى الأمم المتحدة؟ متى كانت الأمم المتحدة مرجعيةً لنا في التربية؟ هل عدتُمْ إلى العالم تسشومكي الأمريكي من أكبر خبراء علم اللسانيات ورأيِهِ في موضوع تدريس اللغات؟ وهل سمعتم بالأستاذ الجزائري الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح التلمساني عالم اللسانيات الكبير؟ وما هو عَنَّا ببعيد، والذي يعد مرجعًا في الموضوع، يتقن عدة لغات، ويعرف لهجات بعض الشعوب حتى الشعوب الإفريقية.
ويبدو أن الوزيرة لا تميزُ الْجُرأَة من الْوَقَاحَة التي تميزُها عَمَّنْ سبقها من الوزراء الذين تنتقدهم، فالاعتداء على اللغة العربية، والعمل على إبعادها من مختلف المؤسسات التربوية حتى من خارج قطاع التربية ليسا جرأةً، بل هو مخطط لضرب الشعب الجزائري في أهَمِّ مُكَونَاتِهِ. فالعامية هي لغةُ مَنْ لُغَةَ لَهُ، ونحن لدينا لغة القرآن والعلم، فَمَنْ خانَ لغة القرآن فقد خانَ أمانة الشهداء وخان الله ورسوله، وخان الشعب الجزائري، وضربَ الوحدة الوطنية في عُمْقِها؛ ذلك أن اللغة العربية عنوان الوَحدة الوطنية وصمامُ أمانٍ لهذه الوحدة من التَّاءِ إلى التَّاءِ: من تبسة إلى تلمسان، ومن تيزي وزو إلى تمنراست، وبغير اللغة العربية تصبح الوحدة وَخْذَة.
ولْيَعْلَمْ دعاة التغريب والتخريب أن اللغة العربية ليست ملكَ الإسلاميين كما يزعمُ الْفَرَنْكُوفِيلِيُّون، هي ملك الشعب الجزائري كله. وأنا لا أناقش القضية من منطلق حزبي لأني لستُ متحزبا،بل هي لغة العقل والمنطق ومصلحة البلاد.
ثُمَّ بأيِّ عاميةٍ يكون التدريس؟ مع وجود لهجة عامية خاصة بكل منطقة، إن هذه المؤامرة تهدف إلى تحويل التربية عندنا إلى تَغْبِيَة.
وفي لَهجاتِ بعض مناطق الجزائر، كلماتٌ تعتبر قبيحةً تخدش الحياء في منطقة أخرى.
ولْتَحْذَرِ الوزيرة من اللعب بالنار، وفتحِ المجال لمعركة وهمية تستنفدُ مِنَّا الطاقات والإمكانات في أمور تافهة ثَبَتَ فشلُها في الأساس: ما بُنِيَ على باطل فهو باطل. بلادنا أمام تحديات كبرى. والتربية والتعليم عندنا بحاجة إلى البحث عن أساليب وطرائق ناجعة نافعة لتحسين العملية التّعلِيمية التَّعَلُّمِية، بحاجة إلى إصلاحات جادة يصنعها الخبراء والمختصون، واضعين نصب أعيننا المصالح العليا للوطن، بعيدا عن الإيديولوجيا الْمَقيتَة والمصالح الضيقة والأمزجة الشخصية.
فالمناهج التربوية عندنا بحاجة إلى خطة إصلاح وتحسين وفق مرجعية وطنية تستجيب لِتَحَدِّيَاتِ العصر ومتطلبات الواقع الجزائري، تنتج لنا متعلمًا يكون فاعلا متفاعلا مع الواقع والعصر والعالم، وليس مفعولا به، تكون الكلمة في ذلك لأهل العلم والاختصاص والخبرة، بعيدا عن الجدال العقيم والكلام الإنشائي.
حفظَ الله جزائرَنا من شَرِّ الْفِتَن ما ظهرَ منها وما بَطَن.


المنظومة التّربوية والمكر المتدرّج!!؟
سلطان بركاني



لا حديث هذه الأيام في وسائل الإعلام وفي الأوساط العامّة والخاصّة، إلا عن الدّخول المدرسيّ، وعن واقع المنظومة التربوية التي أريد لها -عن سبق إصرار وترصّد- أن تصبح حقلا لتجارب أصحاب الولاءات والمشاريع المشبوهة، الذين استغلّوا انشغال الأساتذة والمعلّمين بحظوظهم المادية، وانشغال الأولياء والتلاميذ والطّلبة بمشاكل التعليم العَرضيّة، ليُجلبوا بخيلهم ورجلهم على عناصر الهوية في المنظومة التربوية.
لقد استطاعت الجهات العلمانية المتنفذة وعلى مدار عقود متوالية من المكر المتدرّج، فرض توجهاتها، وأمكنها تحقيقُ مآربها في علمنة التّعليم وفصله عن الدّين، ولم يعد للدّين من حظ في التعليم سوى مادة مهمّشة لا تؤصّل عقيدة ولا تعلّم شريعة، ولا تصنع ولاءً ولا انتماءً، ومع ذلك فالعمل جارٍ لإلغائها، أو استبدالها بموادّ تؤصّل لهويات جديدة لا مكان بينها للدّين الإسلامي واللغة العربية، ولعلّنا لا نكون مبالغين إن قلنا إنّ الجهات المشبوهة استطاعت إلهاء المنافحين عن الثّوابت، بالدفاع عن اللغة العربية، بينما هي ترّكز مكرها على التربية الإسلامية، وعلى قطع ما بقي من خيوط رفيعة تربط التّعليم بالدّين.
لقد أصبح لزاما علينا أن نعترف بأنّ الأقلية المستغربة في هذا البلد، نجحت في الوصول إلى كثير من مآربها، وتمكّنت من إخراج جيل لا مكان للدّين ولا للّغة في حياته ولا في مساحة اهتماماته؛ ولا حظّ لواقع الأمة ومستقبلها من همومه وآماله؛ جيل أصبح الحديث عن الدّين والقيم والمبادئ حديثا لا يعنيه ولا يسترعي انتباهه، والكلام عن مآسي الأمّة ونكباتها لا يحرّك شيئا من مشاعره، لا يحبّ سماع كلمة "حرام" أو "عيب"، وينفر من كلّ حديث عن "الفرض" و"الواجب".
ألقي الحبل على الغارب في المدارس والمؤسّسات التعليمية، وغُضّ الطّرفُ عن الانحدار الأخلاقيّ الحاصل بين أسوارها، حتى أصبحت المخدرات تروّج بين بعض المتمدرسين والمتمدرسات في الإكماليات والثانويات، وتحوّلت الساحات الخلفية لبعض الثانويات، ناهيك عن الجامعات إلى نوادٍ للقاءات والخلوات، وغدت الطرق والشّوارع المؤدية إلى الإكماليات والثانويات والجامعات ملاذا للطائشين المتشبّبين بأعراض الغاديات والرائحات اللاتي لا يهمّ كثيرا منهنّ ما يحملنه في محافظهنّ، بقدر ما يهمهنّ ما يناسب القدّ من ألوان الملابس وأشكالها.
إنّ هذه الظّواهر والمظاهر، وهذا الحال الذي آلت إليه المؤسّسات التعليميّة، تتحمّل مسؤوليته الجهات الوصية، ويتحمّل مسؤوليته أيضا الآباء والمعلمون والأساتذة؛ الآباء والأمهات مسؤولون بين يدي الله عن هذه المظاهر، مسؤولون عن أبنائهم وبناتهم، فليس اقتناء المآزر والأدوات المدرسية هو نهاية المطاف، وإنّما لا بدّ من متابعة ومراقبة ونصح متواصل، وزجر وتأنيب كلّما بدر خطأ مهما كان بسيطا.. كثير من الآباء -هدانا الله وإياهم- لا يعلم الواحد منهم عن حال بناته وأبنائه المتمدرسين شيئا، لا يعلم إن كان أبناؤه يقضون ساعات اليوم في المدارس أم في الخلوات، لا يهمّه ولا يضرّه أن تتعرّض بناته في طريق المدرسة للمضايقات والتحرّشات، لا يسأل أبناءَه عن دراستهم، ولا يسأل بناته عن مشاكلهنّ في المدرسة وفي طريقها، المهمّ عنده أن يشتري الكرّاس والقلم، وألا يثقل أبناؤه كاهلَه بكثرة الطلبات.
المعلمون والأساتذة أيضا مسؤولون بين يدي الله عن هذه المظاهر والظّواهر التي شوّهت صورة التّعليم، فهم أصحاب رسالة ومربّون قبل أن يكونوا أستاذة ومعلّمين، بل إنّ رسالتهم أهمّ وأخطر من رسالة الأئمّة والدّعاة؛ لأنهم القدوة الأولى لأجيال المستقبل، فإذا كان المعلّم يدخن فإنّ تلاميذه سيتعاطون المخدرات، وإذا كان لا يحترم الوقت ولا يتقي الله فيما يتقاضاه من راتب، فلا ينبغي أن ينتظر من تلاميذه إلا العقوق والكلام الفاحش والبذيء، وإذا كان لا يكلف نفسه عناء البحث والاجتهاد لتطوير قدراته في الإلقاء وإدارة الدروس ليحبب الحصص إلى تلاميذه ويجعلها متعة بدل أن تكون سجنا موحشا، ولا يهمه أن يثمّن معلوماته ويبحث عن الجديد كلّ عام، فإنّه سيكون حملا ثقيلا على طلبته وتلاميذه.
إنّ من واجب الأولياء والمعلّمين والأساتذة الفضلاء أن يربّوا التّلاميذ والطّلبة على أنّ الشهادة ليست هي الهدف عند من يحمل عقيدة بين جنبيه، الهدف ليس أن نُخرّج أطباء ومهندسين بغضّ النظر عن الهمّ الذي يحملونه، الهدف من التعليم هو أن نربي جيلاً يفخر بدينه، وينافح ويدافع عنه، وينشره في العالمين، إن كان طبيباً في عيادته، أو مهندساً في مصنعه، أو معلما في مدرسته، لا أن نربي جيلاً مهزوز العقيدة، لا يحمل قيَما ولا هدفا، المال دينه والدنيا غاية همّه.
إنّ الإسلام في أمسّ الحاجة إلى الطبيب المسلم العفيف الذي يكون أميناً على أرواح الناس وأعراضهم، وإلى الأستاذ الذي يحمل رسالة وهدفا بين جنبيه، وإلى الموظّف الأمين الذي يجتهد ويفرح بقضاء حوائج إخوانه المسلمين، وإلى التاجر الأمين الذي يثق الناس به وببضاعته، تماما كما هو في حاجة إلى العالم بالشرع البصير بدين الناس ودنياهم.. وهؤلاء جميعا يتمّ إعدادهم في المدرسة.

فتنة العامية وشعلة الغضب النبيل
حمزة يدوغي



لاشك أن كل جزائري أصيل قد ابتهج وهو يتابع بكل اعتزاز تأجج تلك الشعلة من الغضب النبيل، التي نفخ فيها كل أولئك الذين هبوا للدفاع عن ثوابتنا والرد علىدعاة اعتماد العامية في التدريس، وتفنيد حججهم وفضح فكرهم الشاذ والتبصير بمخاطره..
المضحك المبكي، أوقل الأدهى والأمر أن يكون هؤلاء ممن استؤمنوا علىتكوين الجيل الناشئ، وإعداده ليعيش بمنطق الألفية الثالثة التي تهدد فيها العولمة بتذويب الخصوصيات الدينية والثقافية والحضارية، فلم تتفتق عبقرية هؤلاء علىوسيلة يحصنون بها هذا الجيل من هذه التحديات سوى مسخ فكره وتسميم وجدانه باقتراح تدريسه بالعامية.
إنني لا أكتب هذه الأسطر لآتي في الرد علىهؤلاء بما لم يأت به من "خاضوا" هذه المعركة علىاختلاف تخصصاتهم العلمية، فقد كتبت في هذا الركن أقول إن اقتراح هؤلاء هو رغبة في تعميم المسخ الذاتي الذي يمارسونه علىأنفسهم، وإنما أردت من خلالها أن أعرض بعض الملاحظات التي أرى أنها جديرة بالتأمل، منها أننا أصبحنا اليوم نألف مثل هذه"الخرجات" بفعل تواليها وتكرارها، ومن الألفة ما قتل .. لأن الألفة تهوّن من الخطر ومن ضرورة مواجهته بما يستوجبه من جد وحزم.
فعلا! إن مثل هذه"المبادرات" الشاذة الغريبة لم تخل منها فترة من فترات حياتنا ولم يسلم منها مجال له علاقة وثيقة بعناصر هويتنا الوطنية ومقومات شخصيتنا الحضارية.
يحدث هذا بعد ثلثي قرن من الزمن يفترض أن تكون مرجعيتنا - بعد هذه العقود- قد ازدادت رسوخا وتجذرا يؤمن بها كل جزائري، يلهج بها لسانه وينبض بها وجدانه.
إن هؤلاء"الشواذ" وأمثالهم ممن يقفون إلى جانبهم أو من ورائهم لن يفلحوا أبدا في محاولاتهم للنيل من ثوابتنا مهما تتعدد أساليبهم وتتنوع حيلهم وحججهم، لكن السؤال الذي يظل قائما وملحا، بعد انهزامهم في كل "معركة" وانسحابهم وخفوت صوتهم إلىحين هو: إن هؤلاء جزائريون تخرجوا من جامعات ومعاهد جزائرية بشهادات عالية في شتى العلوم والمعارف، فما الذي يفسر فكرهم الشاذ المنحرف وجراءتهم مع ذلك على عرضه والدفاع عنه بثقة عجيبة، وخروجهم علىإجماع أمتهم واستهانتهم بثوابتها؟!
ما الذي نستخلصه من مثل هذه"الظواهر"؟! وماذا ينبغي فعله لعلاجها، لا بمجرد"مواجهتها" وإنما بالقضاء على أسبابها أصلا واجتثاث بواعثها من الأساس حتىلا تتكرر؟!
إن الدفاع عن ثوابتنا حق وواجب، ولكن ما الذي ينبغي فعله - بموازاة ذلك - لتحصين جيلنا الناشئ من مثل هذا "التفكير الشاذ المنحرف" فلا يضطر جزائريون في المستقبل إلىتبديد طاقتهم في"مجادلة" جزائريين آخرين حول مسلمات وبديهيات، لأنه لن يكون هناك جزائريون "تغريبيون علمانيون فرانكوفيليون مستلبون" وإنما جزائريون وكفى.. جزائريون قوّتهم في تماسكهم وتشبثهم بثوابتهم"الإسلام والعربية والأمازيغية" وتفتحهم بعد ذلك من دون عقدة علىلغات العالم وعلومه.
إن معظم هذه الظواهر الشاذة التي يفرزها التفكير المنحرف لبعض الجزائريين، التي نواجهها اليوم، مما له علاقة بعناصر هويتنا يعود إلى سبب واحد تمتد جذوره إلى السنوات الأولى للاستقلال التي شهدت "تمييع" المبادئ التي صاغ منها نوفمبر مشروع المجتمع الجزائري و "تفريغها" من محتواها، وقد تجلى ذلك كله في التناقض القائم بين ما نسطره في دساتيرنا وما نرفعه من شعارات وبين ما نعيشه ونطبقه في الواقع.
إن الهزة العنيفة التي عرفتها منظومة قيمنا الدينية والوطنية بسبب هذا التناقض امتدت شقوقها وتصدعاتها عبر السنين، وكانت لها "هزات ارتدادية" هي التي نشهد بعض انعكاساتها اليوم. والنتيجة الحتمية لذلك كله هو انفتاح المجال أمام ما يسمى"تعدد مصادر التلقي" في مجال المبادئ والقيم، أي تعدد المرجعيات، وهذا أخطر ما يمكن أن يصيب مجتمع هو في أمس الحاجة إلىطاقات جميع أبنائه من أجل النهوض وتحقيق الذات.
فإذا كان قدرنا نحن اليوم أن نواجه هذا الإرث المضطرب وهذا الوضع المهزوز فإن من حق الجيل الناشئ علينا ومن واجبنا نحوه أن نحصنه من ذلك كله ولا يكون ذلك إلا بإحكام صلته بمرجعيته الدينية والثقافية والحضارية، أي بتوحيد "مصدر التلقي" في مجال المبادئ والقيم الخالدة خلود العقيدة التي أثمرتها، وبتعبير آخر نقول إن ذلك يكون بتحقيق ما يعرف اليوم "بالأمن الفكري" الذي يستند إلىهذه المرجعية الواحدة الموحدة التي تتفرع عنها "منظومة قيم" يؤمن بها جميع الجزائريين ويقدسونها، فيعيشون حينئذ ـ بشكل صحي ـ بتعدد النسيج الثقافي والاجتماعي واللغوي كعنصر ثراء وغنى لا كعامل تشتت وفرقة لأنه يكون في إطار هذه الوحدة المقدسة الجامعة. وهذا ما يجعل تحقيق هذا الأمن الفكري مسؤولية جميع مؤسسات المجتمع التي ينبغي أن تجسد هذه المرجعية لكي يحس كل جزائري بأن منظومة قيمه الفكرية والقانونية والأخلاقية التي تنظم علاقاته بمجتمعه ودولته منظومة متماسكة غير مهزوزة ومضطربة كما يشهده واقعنا البائس اليوم.

  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: هام جدا: جامع المقالات الكاشف لمغزى استبدال الفصحى باللهجات
10-09-2015, 11:44 AM
اللغة العربية في المغرب الكبير
الدكتور:" مصطفى شميعة":( رئيس جمعية لسان العرب:المغرب)
حاورته:"عائشة قحام":( جريدة الأحرار الجزائرية/ أوت 2015)

يرى الدكتور:" مصطفى شميعة":( رئيس جمعية لسان العرب وعضو المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية اللغة العربية بفاس): أن اللغة العربية لم تسلم أبدا من هجوم العديد من الخصوم الظاهرين والمتوارين عن الأنظار من أجل أن تنمحي من الوجود ومن اجل أن تُعوّض باللغة العامية أو اللغة الفرنسية الأجنبية، وصرح الأكاديمي شميعة في حوار جمعه بـ » صوت الأحرار:" أن الذات العربية تعاني العديد من الإيديولوجيات على غرار الحروب الحضارية والثقافية"، وقال:" إن مختلف اللهجات تُشَتِّت بين أبناء الوطن الواحد بدلا من أن توحد بينهم".

عرف وضع اللغة العربية بالمغرب تلملما ملحوظا في الآونة الأخيرة، لماذا؟ من وراء ذلك؟.
أعتقد أن الوضع اللغوي بالمغرب عرف تطورا ملحوظا على مستوى الإقرار الدستوري والقانوني لوضع اللغتين العربية والأمازيغية ، وهذا طبعا يأتي في سياق الاستجابة لمطالب التغيير بكل تلويناتها السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى الاستجابة أيضا لمنطق حركية التاريخ وتطوره، فقد كان لزاما أن يستجيب المغرب لمتغيّرات اللحظة وأن يكون في مستوى الأحداث التي عرفها الوطن العربي تحت يافطة ما سمي حينها بالربيع العربي الذي كما ترين أصبح صيفا ساخنا تلاه خريف اصفر اللون. لقد أدرك المغرب أن مطالب الشعوب يجب أن تتحقق لهذا بادر إلى إحداث تغيرات وعلى رأسها حماية الوضع اللغوي بالبلاد اللغتان العربية والأمازيغية، بدسترتهما دسترة فعلية، لكن الملاحظ أن اللغة العربية لم تسلم أبدا من هجوم العديد من الخصوم الظاهرين والمتوارين عن الأنظار يكيدون لها كيدا من أجل أن تنمحي من الوجود ومن اجل أن تُعوّض باللغة العامية أو اللغة الفرنسية الأجنبية وهي في الحقيقة مجرد أحلام يقظة تعشعش قي متخيل بعض المتنكرين للغة الأم التي علّمتهم أبجديات الحياة وأمدّتهم بالتصورات والأفكار التي بها فهموا الحضارات الإنسانية لكنهم للأسف لم يستوعبوا أسرارها بنيتها وتراكيبها وأسرار صمودها مع التاريخ وراحوا يكنون لها العداء بالمطالبة بتنحيتها من الوجود التداولي للمجتمع المغربي، لكني أقول لك صراحة أن هذه الدعاوى وبقدر ما تثير الضحك لدى الغيورين بقدر ما تثير أيضا اشمئزازهم بحكم أن محاولة محو اللغة العربية هو وبكل بساطة محاولة لمحو وجودنا من العالم وهذا مستحيل.

هناك من يشكك في وجود اللغة العربية كمقوم من مقومات الهوية المغربية العريقة، لماذا؟:
نعم هناك من أصبح يشك في أن تكون اللغة العربية هي مكون من مكونات الهوية المغربية وهذا كما قلت لك يثير فينا مشاعر السخرية لان هذا الكلام سمج وسخيف لأنه ضد المنطق والتاريخ والجغرافيا وكل العلوم الاستدلالية والتاريخية التي تدل على أن اللغة العربية هي جزء لا يتجزأ من البلاد المغربية سواء تعلق الأمر بسؤال التاريخ أو بسؤال الأنتربولوجيا أو حتى الأركيولوجيا . فكل الدلائل العلمية تدل على ما نقوله ولسنا في حاجة إلى أن نثبت هذا لهذه الشرذمة القليلة التي تنعق هنا وهناك والتي تريد أن تقسّم المغرب أعراق وأجناس وإلى عربي وأمازيغي فالتقسيم كما تعلمين هو بوابة ضعف مناعة البلدان. وهو مصدر فتنته واقتتال أبنائه وضياع هويته بين هذه الفوضى التي يمكن أن تترتب عنها إقصاء الهويات وجهود بناء الذات، وكافة مكونات ومسببات التقدّم والتحضر، ولنا خير دليل على ذلك فيما يسمى بالربيع العربي حيث الاقتتال اليومي بين المكونات الهوياتية والطائفية كل هذا والقوى الاستعمارية تتفرج وترى حصول الدمار على أيدي أبناء البلد.

كيف ترون اللغة العربية وسؤال الهوية بالمغرب؟.
اللغة العربية جزء من هوية المغرب المتسمة بالتعدد والاختلاف العرقي والألسني والمغرب يرى أن مصدر قوته كامن في تعدده اللسني لهذا جنحت الدولة المغربية إلى الاعتراف بالكل بعيد عن لغة الإقصاء الذي تنهجه الأنظمة الشمولية التي تريد أن تفرض الرأي الواحد بقوة الحديد والنار وهذا استيعاب جدير بالتنويه مادام يؤشر على بداية الاحتواء العقلاني لكل النزعات الإقصائية، لكن للأسف أنت تلاحظين أن هذه النزعات تريد أن تسود وحيدة وبدون حضور المكونات الأخرى وهذا في اعتقادي لب المشكل فالمشكلة ليست في اللغة العربية أبدا لأن اللغة العربية موجودة من قرون عديدة خلت بل إن العربية ساعدت في البناء الحضاري ليس بالمغرب فقط بل ببلدان المغرب العربي، والآن كما ترون تحضر اللغة العربية في معظم التداوليات الاجتماعية ولا داعي للتنكر لهذه الحقيقة المطلقة. أو ركوب موضة الطعن في الهوية لأن الموضة كما تعلمين هي حالة عابرة في الزمان والمكان بينما اللغة العربية والأمازيغية باقية غي جلودنا تشهدا على لوننا الحضاري المتسم بالتعدد والتنوع وهذا شيء ينبغي لدعاة التقسيم والمحو أن يستوعبوه بلغة الجوار العلمي لا بلغة الإقصاء الممنهج.

في كتابكم:" الإدارة التربوية المغربية وحكامة التدبير": قدمتم اقتراحات عملية لتثبيت حكامة جيدة بالمدرسة المغربية، كيف ذلك ؟.
الكل يعلم أن السر وراء أزمتنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية كامن في المشكل التعليمي التربوي ولعل التعليم هو البوابة الأولى التي نلج منها لمحو الأمية والعار اللذين تلاحقنا نحن بعالمنا العربي وبات من الضروري التفكير في تطوير منظومتنا التعليمية حتى ندشن لوجود متقدم
من هذه الرؤية وجدت أن الحديث عن أي إصلاح بالمغرب ينبغي ان يستحضر الهاجس التربوي التعليمي وفي هذا السياق يأتي هذا الكتاب وهو كتاب كما يبين عنوانه في الإدارة التربوية و حكامة التدبير فقد لاحظت كمهتم بالجانب التربوي ببلادنا أن الإصلاح التربوي غالبا ما يتجه اتجاها أحاديا ينصب صوب الأستاذ أو صوب المناهج والمقررات وكان الأمر يتمحور فقط في العلاقة الثنائية أستاذ طالب ويتناسى أصحاب القرار وواضعو السياسات التربوية أن الإصلاح ينبغي أن يلج أيضا من بوابة الإدارة التربوية لأنها البوابة الكبيرة التي ينبغي أن يلج منها كل مشتغل على الهم الإصلاحي التربوي إن الإدارة التربوية هي ركيزة الإصلاح كذلك فلا ينبغي أن يهملها المتتبعون والمهتمون.

حدثنا عن إصداراتك التي تثري الساحة الأدبية ؟.
عندي مجموعة من الكتب والمباحث منها كتاب:" القراءة التأويلية للنص الشعري القديم بين أفق التعارض وأفق الاندماج": صادر عن دار عالم الكتب الحديث بالأردن، وكتاب:" خطاب التواصل عند الجاحظ"، وكتاب :" اللغة العربية وسؤال الهوية"، وأشرفت على كتاب:" دروب التأويل/ بحث في مسالك التأويل في الثقافة العربية الإسلامية"، وكتاب:" دراسات في فلسفة اللغة والأدب/ الوحدة وسياقات التعدد" ، عن دار نيبور بالعراق، أما في المجال التربوي فقد كتبت كتابا حول:" الإدارة التربوية و حكامة التدبير"، وكتاب تحت الطبع تحت عنوان:" تدبير وضعيات العنف المدرسي"، بالإضافة إلى مجموعة من المقالات والأعمال التي شاركت بها هنا وهناك.

سبق وقلتم أن التربية والسياسة التعليمية المتبعة في أي بلد كان هما الركيزتان التي تنهض عليهما أي فلسفة تقوم بناء وتعزيز الحضور الهوياتي عند الأفراد، كيف ذلك؟.
بالنظر إلى تجارب الأمم التي عرفت بدورها استفحال أزمتها التعليمية الخانقة وبالنظر إلى ميكانزمات الإصلاح التي وظفتها في سبيل انقاد وضعها المأزوم، فإننا نجد أن لا دولة من الدول التي شمرت على سواعدها لتدشين عملية الإصلاح الشامل والجذري لوضعها التعليمي والتربوي لم تستغن في يوم من الأيام أو لحظة من اللحظات عن لغتها الوطنية عربون وجودها الذاتي والمعنوي، ولم تضمّن إطلاقا في أي بند من بنود إصلاحها ما يشير إلى الاستغناء عن لغتها أو إضعافها بالدعوة إلى إحلال لغة أخرى مكانتها أو نزع قداستها و إلباسها قيمة غير قيمتها التاريخية والحضارية. هذا شيء مؤكد وهو بالضبط ما تحتاجه المنظومة التربوية في العالم العربي نحن نحتاج إلى البناء العلمي لهوياتنا بعيدا عن مظاهر التشنج والانجراف نحو الإقصاء المتعمّد لذواتنا لهذا كانت السياسة التعليمية المرسومة وما تزال هي اللبنة الأولى للبناء الهوياتي لكل البلدان.

هناك من يرى أن اللغة العربية أصبحت تعيش بؤسها الذاتي وأن الدارجة هي البديل الحتمي عن حضورها التواصلي، ما رأيكم؟.
نعم هناك من يرى ذلك وهؤلاء أشباه مثقفين لا يعوّل عليهم لأنهم لا يدركون كما قلت الأسرار العلمية التي تحملها اللغة العربية في تراكيبها. توظيف الدارجة في التداول التربوي هذا كلام ساذج لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى العلمية وبالتالي وجب النظر في هذه المسألة في عمقها وأبعادها . ليسمح لي القارئ الكريم لأنطلق من السياق الإيديولوجي الذي يحكم هذه الآراء التي باتت اليوم تنخر الذات العربية في بعدها الحضاري والثقافي، وتهدد وجودها الكينوني ذاته، نقول هذا ونحن ندرك بعمق خطورة الدعوة على تدريج الحياة اللغوية وظيفيا، أي على المستوى التخاطب الاجتماعي و الثقافي والسياسي والديني، وكذلك الإعلام بكل أنواعه، وأشكاله التواصلية. فترسيم الدارجة من خلال التوجه في الإعلام إلى عموم المتلقين بالعامية في نشرات الأخبار وفي كتابة المقالات على الصحف، وفي التواصل الإشهاري والبرامج الاجتماعية، أصبح الآن أمرا ملحوظا، كما أن تقديم البلاغات والخطب والمداولات السياسية بما فيها خطب الأحزاب والبرلمان بالغة الدارجة، أضحى من الأمور الشبه معتادة، حتى إن اللغة العربية باتت اليوم يتيمة بين أهلها.
وإن هذا لعمري لقمة الهجوم الشنيع على اللغة العربية. نقول هذا الاستنتاج عن وعي بخطورة التدريج في الحقل التداولي التربوي العربي، وهذه الخطورة ندركها في خلفية وأبعاد هذه الدعاوى القائمة على إستراتيجية بعيدة و شمولية، قوامُها محو اللغة العربية من الحضور اليومي في حياة الإنسان العربي، في أفق محوها من وجوده الإنساني، وذلك انسجاما مع مخططات ونيات استعمارية، قديمة وجديدة. لكن هل تستطيع هذه الإستراتيجية بلوغ غايتها؟ هل يستطيع التدريج الحلول محل اللغة العربية؟ وهل هذه الدعاوى قائمة على مشروعية علمية رصينة؟

هناك مشكل التواصل في الكثير من الهيئات على غرار الإعلام بالعامية في نشرات الأخبار وفي كتابة المقالات على الصحف، وفي التواصل الإشهاري والبرامج الاجتماعية، ما مستقبل ذلك ؟.
إن هذا السؤال مهم لأنه يجد ما يبرره في مختلف التمظهرات الاجتماعية، فالدارجة أصبحت اليوم تحتل جميع قنوات الاتصال والإعلام، وأصبحت أيضا تحاط بهالة من التبجيل من لدن مروجيها تسويغاً لوجودها الخطير بيننا. نحن ندرك جيداً خطورة هذا التسويغ ليس على مستوى أبعاده الإجرائية، بل أيضا على مستوى الترويج له من قبل زمرة من المستلبين ثقافياُ وهي الفئة المنتسبة جوراً إلى المشترك الثقافي والتاريخي ، أي إلى الإطار الواحد. إن هذه الفئة المغرضة تعيش وهماً إيديولوجياً استعمارياً، ظاهره تبسيط التواصل وتسهيل أداته الأولى »اللغة«، وهذا ما قد يفهمه المواطن العادي الذي لا يتعدى بإدراكه حدود الظاهر من الأشياء، وباطنه إضعاف اللغة الفصحى وتحييدها عن الوجدان الجماعي العربي، ففي نظرهم فإن تجريد الإنسان العربي من لغته، هو هدف يمكن من تجريده من حسه الديني باعتبار اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، وهي أيضا اللغة التي بنى بها العربي حضارة ظلت سامقة عبر العصور، بل ومنها اغترف الإنسان الأوروبي نفسه، وشيد الكثير من أطارحه العلمية والفلسفية. إن الخطورة تكمن هنا في الأبعاد الإيديولوجية وفي الحروب الحضارية والثقافية التي تتعرض لها الذات العربية، منذ مشاريع الإصلاح الأولى التي دعت إلى التشبث بالمقوم اللغوي، وأشعلت بذلك الرغبة في النهوض العربي.

هل بالفعل اللغة العربية باتت اليوم يتيمة بين أهلها؟.
نقول بدءً إن الإنسان العربي هو كذلك عربي بلغته. هو كذلك عربي
بفصاحته وبيانه وسحر تعابيره، إن هذه الخصائص الذاتية الموروثة في اللغة العربية، والمتأصلة في معناها ومبناها، هي سر فاعليتها التعبيرية، وضامنة استمراريتها في التاريخ، إنها عنوان على وجود حضاري مشرف. لكن من أين للغة الدارجة شرف هذا الحضور النوعي المتميز؟ إذن فاللغة العربية لم تكن في يوم من الأيام يتيمة بين أهلها ولن تكون كذلك مادام يوجد حماة لها في كل البقاع العربية.

منقول بواسطة الأخ الفاضل:" بلحاج بن الشريف".


  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: هام جدا: جامع المقالات الكاشف لمغزى استبدال الفصحى باللهجات
10-09-2015, 11:47 AM
بين الهوّة والهوية وبين اللغو واللغة
البروفيسور:" ضو جمال":( أستاذ الفيزياء النظرية بجامعة الوادي)

في ندوة "الشروق" التي عُقدت مؤخرا حول:" واقع اللغة العربية في المنظومة التربوية": تدخل أحد الحضور، وهو رئيس أحد فروع جمعيات أولياء التلاميذ من مدينة خنشلة، مبديا رأيه في أزمة اللغات والتعليم في الجزائر. في الحقيقة لم أفهم كثيرا مما قال، ولكن خاتمة كلامه كانت جملة واضحة، حيث قال "إن أزمتنا وأزمة التعليم والجزائر أزمة هوية". مقولة "أزمة الهوية" ليست وليدة اليوم ولكنها أصبحت تطرح بحدة في خضم ما تشهده الساحة من تناكف حول قضايا اللغة والبُعد الحضاري للجزائر.
لست هنا للتأصيل لمسألة الهوية، ولا أزعم أنني أستطيع ذلك، ولكن السؤال الذي أود طرحه: ما الذي يقصده هذا الطرف أو ذاك عندما يلخّص أزمة الجزائر في الهوية؟ فإذا كان معنى الهوية للفرد واضحا وسهل التعريف، فإنني أجد صعوبة بالغة في تعريف واضح لمفهوم الهوية لبلدٍ ما في عصرنا الحالي. فلو أخذنا كلام أخينا من خنشلة على ظاهره فإن مشكلتنا أننا لم نقل إن الجزائر أمازيغية، ومن وجهة نظر جزائريين آخرين أننا لم نقل الجزائر عربية وهكذا. من الصعب فهم هذا المنطق وكيف أن البلاد ستتحول إلى جنة بمجرد أن نقول أنها أمازيغية أو عربية؟! وشخصيا ليس لديّ مانع إذا كان هذا يريح قطاعا عريضا من الجزائريين أن ينص الدستور على أن الجزائر أمازيغية، ولكن ماذا بعد؟ هل هذا سيحل مشاكلنا ويتصالح المجتمع مع ذاته؟ أم سيدخلنا في هوة سحيقة أخرى من الصراع؟ أعرف أمما ودولا أخرى لا هوية واضحة لها ولم تصبغ مجتمعها بأي هوية، بل هي وعاء لكل المِلل والنحل ولكنها تتزعم العالم وتتحكم في مصائر أمم تدعي أن لها هوية وحضارة ضاربة الجذور في التاريخ.
الآن، ربما يقصد أخونا بالهوية هو أن تأخذ اللغة الأمازيغية - التي لا أعرف لها بالمناسبة تعريفا واضحا إلى غاية اليوم وسأعود إلى هذا الموضوع لاحقا- مكانتها كلغة رسمية للبلاد، وهنا أجد نفسي متفهما لموقفه لأنه ينقلنا من التنظير إلى مطلب عملي وواضح إلى حد ما.
إن من أشدّ أزمات النخب الجزائرية هي الاكتفاء بالتنظير من دون طرح عملي يفضّ هذا الاشتباك اللغوي الحاصل في الجزائر، والذي أرى أنه وهمي وفيه كثير من اللغو الذي أرهق البلاد والعباد بقصد وعن غير قصد.
المطلب الذي ظل يرفعه كثيرٌ من الجزائريين منذ عقود عديدة، وبشكل خاص بعد الاستقلال وبشكل أخص بعد إنشاء الأكاديمية البربرية في فرنسا سنة 66 بُعيْد قانون إدخال التعريب في الجزائر، هو أن تصبح الأمازيغية لغة رسمية مثل العربية. طبعا أسال هذا الموضوع كثيرا من الحبر ومازال يسيل، وكُتبت كتب ومقالات، ولكن الشاهد أن الصراع ما زال يراوح مكانه، بل وزادت حدته وأصبح مقترنا بالتطرف وبشيء من العنصرية مُؤذِنة بفتن عظيمة داخل المجتمع. ما يعتقده الكاتب هو أن هذا الصراع لا يمكن حسمه بالقلم والنقاش الفكري مثله مثل باقي الصراعات الإيديولوجية والفكرية، بل يحسم بمنطق حرية الاختيار، فنحن أمام مطلب ترسيم الأمازيغية كلغة رسمية، ولكن السؤال الذي يجب طرحه هو: ماذا يعني ذلك؟.
لست هنا لأناقش تاريخ اللغات الأمازيغية، ولا تعدد اللهجات الأمازيغية واختلافها، ولا لإهمال المدافعين عنها لها، فهم لا يستعملون إلا الفرنسية للدفاع عنها تقريبا، ولا ماهية اللغة التي يقصدها البعض، فهل هي تلك التي تم إعدادها في مخبر الأكاديمية البربرية بباريس؟ أم شيء آخر؟ وكيف سنقنع الشلوحة والتوارق وبني مزاب والشاوية والقبائل وغيرهم بلغة واحدة تختلف في حالات اختلافا جذريا عما يتكلمونه؟، ولكن سأحاول طرح الحقيقة مجرّدة من دون وضع أي مساحيق للتجميل أو التشويه.
الخطوة التي يجب أن تتخذ هي أن تصبح اللغة الأمازيغية لغة رسمية مثلها مثل العربية، على أن تدرّس كلغة أولى لمن أراد أن يختار بينها وبين العربية، لأنه لا يمكن أن نفرض على أي جزائري أن يتعلم لغة لا يرغب فيها، فمن لم يرد تعلم العربية فله كامل الحرية ونفس الشيء بالنسبة للجزائري الذي لا يرغب في تعلم اللغة الأمازيغية، وخاصة وهو يعلم أنها لغة لا يوجد بها مؤلف واحد تقريبا، على أن يتم استفتاء الشعب في اللغة الثانية، والتي تكون لغة التواصل بين من لا يتقنون كلا اللغتين معاً، فإذا أختار الشعب الفرنسية فله ذلك، أما إذا اختار الانجليزية كلغة ثانية وطنية فمن حقه ذلك. في الحقيقة هذا الطرح ليس بدعة ولا شيئا جديدا، فهناك دول مثل سويسرا وكندا تتعايش فيها اللغات بهذا الشكل تقريبا.
طبعا هذا الاقتراح وعلى الرغم من أنه يعطي كل ذي حق حقه ويسحب البساط من تحت أقدام ممن اتخذوا بعض القضايا اللغوية والهوياتية مطية لبث كل أنواع الفرقة والكراهية داخل المجتمع الجزائري وإرهاقه، إلا أنني على يقين أنه سيكشف عن مفارقات صادمة وحقائق مفزعة، وسيلقى أشكالا من المعارضة المصطنعة، لأن الراسخين في أبعاد هذه الأطروحات يعرفون جذورها وأهدافها؛ فالصراع لم يكن يوما بين العربية والأمازيغية، فالعربية ليست لغة من ينسبون أنفسهم إلى العرب في الجزائر، بل هي لسان الأمازيغ أيضا كتبوا وأبدعوا بها لقرون، وهذا إذا كان لهذا النوع من التصنيف العرقي معنى في الجزائر بعد 14 قرنا من الانصهار. إن معضلة الجزائر ليست في الصراع بين الأمازيغية والعربية، بل في دخيلٍ على هذا المجتمع اسمه الفرنسية تحول إلى عقيدة وإيديولوجية وهوية رسمية للبلاد، وإذا خرجت هذه اللغة من الباب فإن الصراع الهوياتي الجزائري سيتبعها من النافذة كما دخل.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: هام جدا: جامع المقالات الكاشف لمغزى استبدال الفصحى باللهجات
10-09-2015, 11:49 AM
الثورة الجزائرية واستعمال اللغة العربية
عيسى بن سديرة

إن خبرتي في مجال اللغة العربية: التي أفنيت سواد شعري وبياض شيبتي في خدمتها علما وبحثا وتعليما: تجعلني في موقع المؤهل للتعبير عن بعض قضايا العربية ومشكلاتها، علما وتعليما واستعمالا..
ذلك أنني أقدمت في غضون ثمانينيات القرن الماضي على خوض غمار البحث لنيل شهادة الماجستير في موضوع:"استعمال اللغة العربية إبان حرب التحرير الجزائرية.. دراسة نماذج من وثائق الثورة"، بحيث أتاحت لي تلك التجربة العلمية الهامة، أن أكتشف أن انتصار الثورة الجزائرية لم يكن بفعل الوقائع والأحداث الحربية فحسب، بل إن أهم أسباب انتصار تلك الثورة المجيدة هي استنادها وتوظيفها لأبرز المقومات الذاتية للأمة، ومنها العربية، ولإثبات صحة ما أدعيه، فإنه لا مناص من اقتطاف الجزء الأخير من خاتمة بحث "استعمال اللغة العربية إبان حرب التحرير الجزائرية"، دون التطرق إلى الجوانب العلمية والنظرية التي اشتملت عليها خاتمة البحث المنجز منذ ما يقرب من ثلاثين سنة، مكتفيا بالتطرق إلى ختام الخاتمة، فيما يلي ذكره حرفيا دون أي تصرف:
إن النتائج العملية التي تمخض عنها البحث، تجسّد البرهان العملي المدعم بحجة الوثائق والأرقام العينية الملموسة، التي تقطع حبل المترددين والمتشككين في سلامة المبدأ الذي تبناه الشعب الجزائري عن طواعية واختيار، عندما أراد أن تكون العربية هي اللسان المعبّر عن الشخصية الوطنية الموحدة.
وتثبت التجربة التاريخية القريبة للشعب الجزائري إبان حرب التحرير الجزائرية، أن هذا الاختيار نابع من الإرادة الطوعية لهذا الشعب، الذي يستهين بحياته في سبيل التمسك بمقومات شخصيته الوطنية.. ولا أدل على ذلك من أن القيادة السياسية نفسها لم تلتزم في الماضي، باستعمال اللغة الوطنية في مقرراتها قدر التزام الشعب باستعمال اللغة الوطنية العربية، حتى ولو كان ذلك بإمكانيات بسيطة ووسائل يسيرة جدا، وخير دليل على ذلك، أن مقررات جبهة التحرير كانت في السابق تحرر باللغة الفرنسية أصلا، ثم تنقل في مرحلة تالية إلى العربية، وقد تم ذلك على التوالي خلال المؤتمر الأول في الصومام سنة (1956)، ومؤتمر طرابلس سنة (1962)، ثم ميثاق الجزائر سنة (1964)، وكذلك الشأن بالنسبة للميثاق الوطني في (1976)، حتى كان المؤتمر الخامس لجبهة التحرير الوطني أواخر سنة (1985)، الذي تمت خلاله عملية إثراء الميثاق الوطني بناء على النسخة الأصلية المحررة بالعربية لأول مرة في تاريخ الجزائر الحديث.. وإن هذا الأمر ليؤكد بما لا يدع مجالا للريب، أن القيادة السياسية في الجزائر، لم تفرض قرار تعميم استعمال اللغة الوطنية العربية فرضا قسريا على الشعب الجزائري، كما يدّعي بعض المشككين، وإنما هي قد استجابت بذلك لأحد الخيارات الأساسية التي برهن هذا الشعب على الالتزام بها في كل الأحوال والظروف.
"حقيقة إن استعمال الشعب الجزائري للغته الوطنية العربية، إبان حربه التحريرية المجيدة، لم يسلم من بعض الأخطاء النحوية والصرفية واللغوية والإملائية، ولكنّه إذا كان قد ارتكب أخطاء في استعمال لغته الوطنية، فإنه على أية حال لم يرتكب خطيئة عدم استعمالها.. وإن ذلك ليهوّن تماما من أمر الأخطاء المرتكبة في استعمال اللغة الوطنية مهما قلّت أو كثُرت.
"وإنني، على شدّة يقيني في القيمة الوثائقية المعتبرة لسلامة التعبير اللغوي لوثائق الحرب التحرير الجزائرية، المحرّر أغلبها أصلا باللغة الوطنية العربية، فإنني أخشى أن يفهم كلامي بأنه عقد النية على تسليم شهادة النجاح لوثائق الثورة التحريرية في امتحان اللغة الوطنية..
كيف يكون ذلك وأنا مدينٌ لهذا الشعب الأبيّ ولأرواح الشهداء الأبرار، بالشهادة الثمينة التي استلمها منهم عربنا للمصالحة مع الذات والوفاء للضمير.
"وإن ثمة أمرا لم أتمكن في السابق من إدراك مدى خطورته، حتى قطعت أشواطا مهمة في إنجاز هذا البحث، وهو أنه إذا كان من حق الشعب الجزائري أن يفخر بتاريخ ثورته المجيدة، فإنه يحق له أكثر من ذلك أن يعتز بالتاريخ الذي حرّره بلغته الوطنية العربية.. وإن ههنا مكمن أحد أسرار عظمة الثورة الجزائرية الأصيلة.. وآمل من صميم الفؤاد، أن نلج أبواب القرن الواحد والعشرين إن شاء الله، وقد صفينا حسابنا تماما مع تركة الفترة الاستعمارية في مجال اللغة والثقافة.
"وختاما، كي لا يقطع جسر التواصل بين الفترة التاريخية النيّرة المجيدة لثورتنا المباركة وبين الأجيال اللاحقة في المجتمع الجزائري، أسأل الله العلي القدير لكل من يعترض سبيل تعميم استعمال اللغة الوطنية العربية في الجزائر أن يهديه سواء السبيل".
وإنني أؤكد من منطلق الدارس المتمرّس المطلع، أن العربية قد عانت من ويلات الاستعمار، بمقدار ماكان يعانيه الشعب الجزائري إبان عهد الاحتلال أو أكثر، لأنها كانت المستهدف الأكبر في عملية المسخ الحضاري.. ولسوف يفرغ الاستقلال السياسي حتما من محتواه، إذا لم يتعزز فعلا وواقعا باستقلال لغوي وثقافي يجسد شخصية الأمة الجزائرية، ويعبّر عن هويتها الحضارية الأصيلة.
خلاصة القول في كل هذا، أن الدولة صاحبة السلطة القانونية مطالبة بالتدخل لفرض استعمال اللغة الوطنية، أو العامية على الأقل في كلام المشافهة، بعيدا عن كل كلام أجنبي في وسائل النقل البرية والجوية في الخطوط الداخلية على الأخص، فذلك هو محل استعمالها الأنسب.. وأما تلك المقترحات المتعلقة باستعمال العامية الدارجة في أي من مستويات التعليم، فتلك قضية لا محل لها من الإعراب أبدا مادام الشعب الجزائري سيدا في وطنه.
وليحذر الذين يخالفون عن أمر الشعب الجزائري، أن تصدر منه غضبة شديدة، إذا ما شعر أن العربية لا تزال"محڤورة" في وطنها، فإنه معروف عنه أنه أشد ما يكون مقتا لكل أصناف "الحڤرة"، فما بالك إذا كانت متعلقة بأعزّ وأغلى ما ضحى لأجله بالملايين من مقدّساته ومقوماته الوطنية الراسخة رسوخ الجبال الشّامخات الشاهقات.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: هام جدا: جامع المقالات الكاشف لمغزى استبدال الفصحى باللهجات
14-09-2015, 10:06 AM
إصلاح المدرسة يبدأ من هنا (الجزء الأول
عبد الحق زواوي


قطاع التربية في الجزائر وربما كغيره من القطاعات يواجه الكثير من التحديات، تحديات يشكل انجازها ضرورة بغيرها لا مكانة مستقبلا لمدرستنا، طبيعة هاته التحديات مرتبطة بآليات التسيير الإداري والبيداغوجي، بعض تصريحات الوزيرة تشير وتؤكّد عليها على الأقل على مستوى الخطاب الشفوي، وهذا في حد ذاته قد يبعث على الإطمئنان، نسمع كثيرا حديث وزيرة التربية عن السيرورة التي يجب أن يخضع لها أي اصلاح، لأن المعالجة بالتجزئة ترتب في الكثير من الحالات إخلالات قد تكون أخطر من النقائص المشخّصة.
وأحسن مثال على ذلك مباشرة إصلاح تربوي دون تأسيس "مبدأ الشرعية"، حيث وضعنا حيّز التنفيذ منذ 2002مناهج جديدة، بمقاربة جديدة من حيث الغايات والأهداف، دون تغيير القانون الذي يحكم قطاع التربية أو بالأحرى القانون الذي يحدّد هوية قطاع التربية، وقد استمر هذا الوضع المتضاد قرابة 06 سنوات، ونحن اليوم نحاول قراءة المناهج قراءة نقدية لجعلها تنسجم من حيث مضامينها مع القانون التوجيهي للتربية الوطنية، وبتأخر يقدر بـ07 سنوات، وهي وضعية عاشها القطاع قبل ذلك، لعل أهمّ مؤشراتها تأخر إصدار النصوص المنظّمة للحياة المدرسية، بعد الأمر 35 المؤرخ في 16 أفريل 76بحوالي 14 سنة، حيث أصدرت وزارة التربية الوطنية مجموعة من القرارات الوزارية المنظمة لمختلف جوانب التسيير كمهام الموظفين ومسك الملفات وغير ذلك ابتداء من 1990، واليوم مازلنا ننتظر وبعد صدور القانون التوجيهي للتربية الوطنية والقانون الأساسي، ننتظر القرارات المنظمة لمختلف جوانب التسيير الإداري والبيداغوجي.
ومن الإخلالات أيضا التي رتبتها طريقة المعالجة بالتجزئة لقضايا الإدارة والبيداغوجيا، وضع مناهج جديدة حيّز التنفيذ دون تكوين لهيئة التنفيذ من مفتشين ومديرين وخاصة الأساتذة، وما ترتب عن ذلك من اضطراب التطبيق، وفي كثير من الحالات عدم تطبيق مضامين وتوجيهات هذه المناهج، وهو الوضع الذي تعمل الوزارة على تداركه من خلال إعادة كتابة مناهج التعليم بقصد وضعها حيز التنفيذ بعد الانتهاء من مختلف الإجراءات المرتبطة بذلك من قراءة نقدية وتكوين لهيئة التنفيذ من مشرفين وأساتذة.
تحدّيات القطاع إذن هي تحديات مؤسساتية، من جهة ضرورة العمل على تقنين الممارسات وتحقيق الانسجام والمواءمة بين النصوص المنظمة للحياة المدرسية دون تسرع قد يفقد القاعدة القانونية أهم خصائصها وهي أنها قاعدة عامّة ومجرّدة. ومن جهة ثانية وفي تقديري هذا هو الأهم احترام هذه النصوص تطبيقا، والسهر على متابعة ذلك ميدانيا وبالصرامة المطلوبة ولن يتأتى ذلك الاّ بمصداقية للأسف مازلنا نجري وراء تحقيقها والمعيقات كثيرة منها ما هو مرتبط بالمسؤولين على القطاع ومنها ما هو مرتبط بالشركاء من سلطة مركزية ومحلية وأولياء...
كما أنها أيضا تحديات تربوية، تحتاج منا إلى الكثير من الجهد لإبراز الدّور التربوي للمدرسة بكل مراحلها، وهو دور يشهد حاليا فجوات كثيرة منها ما يخص تطبيق النصوص المتعلقة بهذا الجانب كالمجالس، خاصة مجلس المدرسة الابتدائية بالنسبة للتعليم الابتدائي، ومجالس التربية والتسيير، ومجلس التّأديب... اننا يجب أن نتساءل عن حال النشاطات الثقافية والرياضية والترفيهية بمؤسساتنا بمختلف مراحلها، كيف هي متابعتها، ما هي مضامينها إن وجدت، انه من واجبنا تقييم مدى تفتح المدرسة على المحيط الطبيعي والاجتماعي، دون مبالغة، علينا أن نتساءل عن الحيز الذي تشغله المدرسة ومدى انسجام ذلك مع تاريخها الذي يحق لكل جزائري أن يفتخر به، تاريخ مدرستنا مشرّف، وعلاقتنا كشعب بالمدرسة علاقة كنا نحسد عليها، تساؤلات تتبعها تساؤلات وتستوقفها تساؤلات فهل من مجيب...
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: هام جدا: جامع المقالات الكاشف لمغزى استبدال الفصحى باللهجات
16-09-2015, 11:48 AM
الإصلاح التربوي وضرورة ردم الهوة بين المدرسة والجامعة (الجزء الثاني)
نور الدين زمام* بروفيسور بجامعة بسكرة


يُفضل ترك الجدل العقيم الرائج عندنا، ووضع خطة مستقبلية لفض هذا الاشتباك الفكري الجاف الذي نشأ بسبب الاختلاف اللغوي، فلا بد أن يُحضّر كل جامعيٍ ليصبح قادرا على التدريس باللغة العربية؛ وليصبح أيضا يملك القدرة على المطالعة، ومزاولة البحث باللغة العلمية التي صدر بها المقال أو نُشر الكتاب.
ويجدر التسجيل أن من نتائج الفقر اللغوي وعدم القدرة على الفهم أو الغوص الجيد لإصابة المعنى المقصود عندنا في الجامعة، اضطرار الكثير من الأساتذة النجباء إلى التضحية بالمحتويات التي تتطلب قدراتٍ لغوية وذهنية وفكرية عالية، فتحوّل بعضهم إلى "معلمي صبيان".
فيتعين رفع المهارات اللغوية وليس خفضها، فقد شدد بعض الخبراء على ضرورة تطوير المحادثة حتى في البيت كما أوضح أحد العلماء الألمان (Basil Bernstein ; 1971 ) فما بالك بالمدرسة، لأن ذلك يُسهم في تبلور الرموز لدى الطفل، ويعمل على نضج وتطور إدراكاته للعالم، وأساليب تعبيره عن الأشياء، ويؤثر إيجابا في اتجاهات تفكيره مستقبلا.
ولذلك لا يُعقل أن يفكر بعضُنا في خفض مستوى اللغة في المدرسة والنزول بها إلى أدنى مستويات التعبير بدعوى تجنّب العجز في أساليب توصيل المضامين المعرفية، في الوقت الذي يؤكد فيه العلماء على أهمية اللغة "المتطورة" في البيوت للسماح للأبناء بالمضيّ بعيدا في مسارهم المدرسي.
وللعلم، ذهبت عديد النظريات بعد التقرير الأمريكي الشهير، المعروف بتقرير كلمان Coleman (1966) إلى أن أهم أسباب اللاّمساواة بين أفراد المجتمع في عمليات التمدرس (النجاح، مواصلة المسار الدراسي... إلخ) ترجع أساسا إلى الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية داخل الأسرة.
وركزت على أثر الخصائص الثقافية للأسرة على الأداء التعليمي والتربوي لديهم، فالأولياء حسب بورديو ينقلون إلى أبنائهم نسقا قيميا يحدّد اتجاههم نحو الرأسمال الثقافي، وبعضهم يورث أبناءه رأس مال ثقافي (لغة، وممارسات ثقافية، وطموحات، وأنساق قيمية) يجعلها تمتلك حظوظا أوفر للوصول إلى أعلى المراتب العلمية والاجتماعية.
وأكد عالمان آخران (Baudelot et Establet) أنّ التحضير للبكالوريا يبدأ من سن الرابعة بالنسبة للأبناء، وبيّن هؤلاء أن ضمن العناصر الثقافية التي تؤثر في المستقبل الدراسية للأبناء بعض "الممارسات الثقافية" داخل الأسرة مثل وجود مكتبة بالبيت، وارتياد أفراد الأسرة المتاحف والمسارح، وتوفر الأنترنيت بالبيت.
ويمكن في هذا الصدد التأكيد على اللغة المبسّطة لتجاوز الجدل المطروح، مثل تلك اللغة التي أصبحت سائدة في الصحف، والتي تستطيع أن تتقمص المصطلحات العلمية دون عناء.
وفضلا عن ذلك يتعيّن على الدولة أن تنظر إلى الأسرة على أنها المشتلة الأولى التي يجب الانطلاق منها، ولذلك تضع مخططات خاصة بالنسبة للأسر، خاصة الهشة منها، فتهيئ لها الشروط المادية والأجواء المعرفية والثقافية لرقيّ ونماء النشء، لا أن تهبط بالمدرسة إلى ما تحت الصفر.
أما ما يتعلق بمَلكات البرهان، ومهارات التفكير والاستدلال، أي "آلة تحصيل العلم" (عابد الجابري، بنية العقل العربي، ص385) فهي تحتاج إلى جهد كبير جدا، لتطويرها بالقدر الكافي، ليصبح طالب العلم قادرا على التحليل والتركيب، والبرهنة والابتكار، وإيجاد الروابط بين الظواهر والأحداث والعناصر والمتغيرات.
حتى لا تتكرر بعض الظواهر المعهودة، حيث ينتكس بعض الطلبة في السنوات الأولى الجامعية، خاصة في العلوم الصلبة فيزهدون فيها، ويعجزون عن مجاراتها، فيفرون منها زرافات ووحدانا نحو العلوم اللينة أو الرخوة الأخرى والتي ما فقدت منذ أمدٍ صرامتها وكنوزها المعرفية.
ولهذا يتطلب الأمر الاستفادة من جهود الباحثين الجامعيين في مجال "تعليمية" كل علم من هذه العلوم لتقديم النصح اللازم للتقليل من الخسائر التي تكبّدها المجتمع العلمي إلى حد الآن جراء التحويلات السلبية بين الفروع الجامعية.
وأظن بأن تنصيب لجان مشتركة دائمة بين الجامعة ووزارة التربية والتعليم من شأنه أن يقدّمَ العوْن المرغوب لإيجاد حلول ناجعة، وتحسين المسارات الدراسية لأبنائنا، وفتح الآفاق أمامهم للذهاب أبعد مما تتيح رغباتهم وطموحاتهم.
أما فيما يخص المقترحات المتعلقة بمسألة التوجيه نحو التمهين، فيتطلب الأمر إشراك كافة الوزارات حتى لا يحصل كما حصل للجامعة، حيث تحدّث الكل عندنا عن نظام التعليم الجامعي الجديد المهني، ولكن ولادته لا زالت عسيرة وغامضة، فكان من المفترض بداية مطالبة الوزارات الأخرى ببناء جسور مع الجامعات في القطاعات التابعة لها، بدل تشبّثها بمعاهدها ومدارسها.
وللأسف، بدل التفكير في الآليات الصحيحة لتطوير هذا المنحى المهني في جامعاتنا راح البعض، وبتأثير من فكرة التميهن، يحجّم مسار التكوين الأكاديمي ليُخرّج للحياة العملية طلبةً بدون تخصص فعلي.
وفي الختام، يجب أن لا تنصرف العملية الإصلاحية للمناهج فحسب، بل لا بدّ أن تأخذ بعين الاعتبار كافة المقوّمات والعناصر الأخرى مثل التشريعات، وأوضاع المعلمين والأساتذة وظروف عملهم حتى يتفرغوا لمهنتهم وتحسين أدائهم؛ فضلا عن الاهتمام بأوضاع المتعلم داخل الأسر، وتوفير العيش الكريم لوالديه ليُحسنا تأديبه وتعلميه، وتهيئته للمستقبل.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: هام جدا: جامع المقالات الكاشف لمغزى استبدال الفصحى باللهجات
16-09-2015, 11:51 AM
اللغة العربية وتآمُرُ الأعداءِ عليها
للشيخ الدكتور : محمد على فركوس -حفظه الله-


الحمد لله خالِقِ الأَلْسُنِ واللغات، وواضعِ الألفاظ للمَعاني بحَسَبِ ما اقتضَتْهُ حِكَمُه البالغات، الذي علَّم آدَمَ الأسماءَ كُلَّها، وأَظْهَرَ بذلك شَرَفَ اللغةِ وفَضْلَها، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدنا محمَّدٍ أَفْصَحِ الخَلْقِ لسانًا وأَعْرَبِهِم(١) بيانًا، وعلى آله وصَحْبِه، أَكْرِمْ بهم أنصارًا وأعوانًا!»(٢)، أمَّا بعد:

فإنَّ اللغة العربية لغةٌ حيَّةٌ مِن أغنَى لُغاتِ البشرِ ثروةً لفظيةً، تَوارَثَها جيلٌ بعد جيلٍ، وأدَّتْ رسالتَها في الحياةِ وعبر العصور على أَكْمَلِ وجهٍ وأَحْسَنِ أداءٍ، وأَلْبَسَها القرآنُ الكريمُ حُلَّةً مِن القداسة غَمَرَتْ كُلَّ مسلمٍ مهما كان جِنْسُه ولُغَتُه، واستوعبَتْ حاجاتِ الأمَّةِ الحسِّيَّةَ والمعنويةَ في التعبير عن علومها وآدابها ومَطالِبِها وآمالِها وآلامِها، وهي على أَتَمِّ استعدادٍ لأَنْ تَتَّسِعَ أَكْثَرَ مِن ذي قَبْلُ لتَشْمَلَ ـ في تعبيرها ـ جميعَ جزئياتِ مجالاتِ الحياة وما جدَّ فيها مِنِ ابتكارٍ واختراعٍ.
وقد اختارَ اللهُ تعالى لغةَ العربِ لسانًا لدينه: قرآنًا وسنَّةً وتشريعًا وعبادةً، وامتنَّ بذلك على المسلمين عامَّةً والعربِ خاصَّةً، وما اختيارُها إلَّا لأنها أغنَى اللغاتِ اتِّساعًا، وأَحْكَمُها بيانًا، وأقواها دليلًا وبرهانًا.
قال الشافعيُّ ـ رحمه الله ـ: «ولسانُ العربِ أَوْسَعُ الألسنةِ مَذْهَبًا، وأَكْثَرُها ألفاظًا، ولا نعلمه يُحيطُ بجميعِ عِلْمِه إنسانٌ غير نبيٍّ، ولكنَّه لا يذهب منه شيءٌ على عامَّتِها حتَّى لا يكونَ موجودًا فيها مَن يعرفه، والعلمُ به عند العربِ كالعلمِ بالسنَّةِ عند أهل الفقه»(٣).
وقال رحمه الله ـ أيضًا ـ: «وأَوْلى الناسِ بالفضل في اللسانِ مَن لسانُه لسانُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا يجوز ـ واللهُ أَعْلَمُ ـ أَنْ يكون أهلُ لسانِه أتباعًا لأهلِ لسانٍ غيرِ لسانِه في حرفٍ واحدٍ، بل كُلُّ لسانٍ تَبَعٌ لِلِسانه، وكُلُّ أهلِ دينٍ قَبْلَه فعليهم اتِّباعُ دينِه.
وقد بيَّن اللهُ ذلك في غيرِ آيةٍ مِن كتابه: قال الله: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٢ ـ ١٩٥]، وقال: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾ [الرعد: ٣٧]، وقال: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الشورى: ٧]، وقال: ﴿حم. وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ. إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الزخرف: ١ ـ ٣]، وقال: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الزُّمَر: ٢٨].
قال الشافعيُّ: فأقامَ حُجَّتَه بأَنَّ كتابه عربيٌّ في كُلِّ آيةٍ ذكَرْناها، ثمَّ أَكَّدَ ذلك بأَنْ نَفَى عنه ـ جلَّ ثناؤُه ـ كُلَّ لسانٍ غيرِ لسان العرب في آيتين مِن كتابه فقال ـ تَبارَك وتعالى ـ: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل: ١٠٣]، وقال: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ [فُصِّلَتْ: ٤٤]»(٤).
وهذه اللغةُ لا تَزال عنصرًا قويًّا وعاملًا مُساعِدًا لنشرِ الإسلام والإقبالِ عليه؛ لذلك كان الباعثُ الأساسيُّ للاهتمام باللغة العربية وتدوينِها وتصحيحِها ونشرِها وحفظِ التراث اللغويِّ وتنقيته مِن الدخيل الأعجميِّ أثناءَ الفتوحاتِ وما بَعْدَها إنما هو الإسلامُ بجميعِ دعائمه ومقوِّماته، وما انتهض أُناسٌ مِن الأعاجم لخدمةِ لغةِ العرب غيرةً مِن جَوْرِ الأعجمية التي هي لغةُ آبائهم وأجدادهم، لا لشيءٍ إلَّا لأنها لغةُ الفضيلةِ الإنسانيةِ التي لا تُفَرِّقُ بين العربيِّ والأعجميِّ، والقرشيِّ والحبشيِّ؛ فهي لغةُ مساواةٍ بين جميعِ المؤمنين التي أكَّدَها القرآنُ الكريم ورَعَاها الإسلامُ في مَضامِينِه وخصائصه.
والواقعُ التاريخيُّ يُثْبِتُ هذه الحقيقةَ التلازمية بين اللغة العربية والدينِ الإسلاميِّ مع ما يتمتَّع به كُلٌّ منهما مِن خصيصةِ القوَّةِ الذاتية والاستعدادِ المتميِّز الأصيل وما يَكْفُلُ له الهيمنةَ والغلبةَ ويُحقِّقُ له المطلوبَ؛ فبارتباطِ هذه الخصائصِ بينهما انتشر كُلٌّ منهما وازدهر بمساعَدةِ الآخَر.
وقد أَفْصَحَ ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ عن هذه العلاقةِ التلازمية بين اللغة والإسلام وبين حُكْمِها في قوله: «.. فإنَّ نَفْسَ اللغةِ العربيةِ مِن الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ؛ فإنَّ فَهْمَ الكتابِ والسنَّةِ فرضٌ، ولا يُفْهَمُ إلَّا بفهمِ اللغة العربية، و«مَا لَا يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ»، ثمَّ منها ما هو واجبٌ على الأعيان، ومنها ما هو واجبٌ على الكفاية، وهذا معنَى ما رواه أبو بكرِ بنُ أبي شيبة: حدَّثنا عيسى بنُ يونس عن ثورٍ عن عُمَرَ بنِ زيدٍ قال: كَتَبَ عُمَرُ إلى أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنهما: «أمَّا بعد: فتَفَقَّهُوا في السنَّةِ وتَفَقَّهوا في العربية، وأَعْرِبُوا(٥) القرآنَ فإنه عربيٌّ»(٦)، وفي حديثٍ آخَرَ عن عُمَرَ رضي الله عنه أنه قال: «تَعَلَّموا العربيةَ فإنها مِن دينكم، وتَعَلَّموا الفرائضَ فإنها مِن دينكم»(٧)، وهذا الذي أَمَرَ به عُمَرُ رضي الله عنه مِن فقهِ العربية وفقهِ الشريعة يجمع ما يُحتاج إليه؛ لأنَّ الدين فيه أقوالٌ وأعمالٌ؛ ففِقْهُ العربيةِ هو الطريقُ إلى فِقْهِ أقواله، وفِقْهُ السنَّةِ هو فِقْهُ أعماله»(٨).
وفي هذا السياقِ ـ أيضًا ـ يقول أبو منصورٍ الأزهريُّ(٩) ـ رحمه الله ـ: «.. أَنَّ تَعَلُّمَ العربيةِ التي بها يُتوصَّلُ إلى تَعَلُّمِ ما به تجري الصلاةُ مِن تنزيلٍ وذِكْرٍ فرضٌ على عامَّةِ المسلمين، وأنَّ على الخاصَّةِ التي تقوم بكفايةِ العامَّةِ فيما يحتاجون إليه لدِينِهم الاجتهادَ في تَعَلُّمِ لسان العرب ولُغاتها، التي بها تمامُ التوصُّل إلى معرفةِ ما في الكتاب والسنن والآثار، وأقاويلِ المفسِّرين مِن الصحابة والتابعين، مِن الألفاظ الغريبةِ والمُخاطَبات العربية؛ فإنَّ مَنْ جَهِلَ سَعَةَ لسانِ العرب وكثرةَ ألفاظها، وافتنانَها في مَذاهِبِها؛ جَهِلَ جُمَلَ عِلْمِ الكتاب، ومَن عَلِمَها ووَقَفَ على مَذاهِبِها، وفَهِمَ ما تَأوَّلَه أهلُ التفسير فيها؛ زالَتْ عنه الشُّبَهُ الداخلةُ على مَن جَهِلَ لسانَها مِن ذوي الأهواء والبِدَع»(١٠).
هذا، وعلى الرغم مِن أنَّ هذه البلادَ أَنْقَذَها اللهُ تعالى مِن استيطانِ المُسْتَعْمِرِ الفرنسيِّ الغاشم، وكَتَبَ اللهُ عليهم الجلاءَ ـ والحمدُ لله أوَّلًا وآخِرًا ـ إلَّا أنه ما بَرِحَتْ أقدامُه عن هذه الديار حتَّى ورَّثَ استعمارًا آخَرَ مِن طرازٍ آخَرَ أشَدَّ وأنكى مِن الاستعمار المسلَّح، ألَا وهو «الاستعمارُ الفكريُّ الغربيُّ»، والذي واجِهَتُه الظاهرةُ فرنسا الماكرةُ؛ فأَشْعَلَ نيرانَ معركةٍ فكريةٍ خبيثةٍ في الخفاء لِينالَ حظَّه في تطويعِ أبناءِ جِلْدَتِنا والمساسِ بدينهم وأخلاقهم وأفكارهم ولُغَتِهم؛ وذلك بالعملِ على تكريسِ نظامِ التعليم الغربيِّ وفَتْحِ المدارس ذاتِ المناهجِ التربويةِ والتعليميةِ الخَدُومةِ للتنصير والتغريب لهذا الغرضِ تحت ظِلِّ مُثلَّثِ التنصير: («المدرسة»، «المستشفى»، «دار الأيتام»)، تلك المدارسُ بهياكلها ومَناهِجِها وأساليبِ التغريب تَغَلْغَلَتْ في أوساط المجتمعاتِ الطُلَّابيةِ والثقافيةِ تحت شعاراتٍ مُخْتَلِفةٍ مثل شعارِ: «المدارس المُنْتَسِبة»، وتارةً بشعارِ: «توأمة المدارس»، وتارةً أخرى تحت شعارِ: «التربية الدولية»، وكُلُّها تَرْتَكِزُ ـ أساسًا ـ على مُجاوَزةِ حدود الدين والتعدِّي على اللغة العربية إهمالًا وتهوينًا؛ بُغْيَةَ تذويب الشخصيةِ الإسلامية ومَسْخِ أبناء الإسلام مَسْخًا يصعب معه تربيتُهم على الهُدى والخُلُق الكريم، كما أنَّ الآفاق المُسْتَقْبَليةَ التي يريد المُسْتَعْمِرُ الوصولَ إليها هي تشكيلُ هذه الأمَّةِ في قالبٍ غربيٍّ تابعٍ للمُسْتَعْمِر، يَسْتمِدُّ مُقوِّماتِه وتشريعَه وثقافتَه ولغتَه مِن مَحاضِنِ الغربِ العلمانيِّ المتربِّصِ بها، تلك المَحاضنُ التي تَخرَّجَ منها متغرِّبون مِن أبناء جِلْدَتِنا، ممَّن حَطَبُوا بحبلِ أعداءِ الإسلام وكَالُوا بصاعِه؛ فرجعوا حربًا على أُمَّتِهم بأَنْكى وسائلِ الهدم والتذويب، سواءٌ للجانب الدينيِّ أو الخُلُقيِّ أو اللغويِّ؛ فاتَّحَدَ التابعُ بالمتبوع في تبعيةٍ فكريةٍ مخطِّطةٍ للتآمر على اللغة العربية، وغايتُها هَدْمُ الدينِ بهَدْمِ لسانه الذي يتعبَّدون به، وقَدْ تَقَدَّمَ التلازمُ بين اللغة والدين.
هذا، ولا يَزال الاستعمارُ الفكريُّ ـ وعلى رَأْسِه فرنسا ـ يُحاوِلُ ـ جاهدًا ـ بيدِ أبناءِ الوطنِ هَدْمَ اللغةِ العربيةِ وإضعافَها في نفوسهم، وهو ما يُلاحَظُ ـ عيانًا ـ مجسَّدًا في تَراجُعِ اللغةِ العربيةِ في ميادينَ شتَّى، وذلك إمَّا بإحلالِ الفرنسيةِ أو اللغاتِ الأجنبيةِ مَحَلَّها، سواءٌ في خطاباتِ الناسِ والمسؤولين خاصَّةً، أو في واجهات المَحَلَّات، وإمَّا بالدعوة إلى استخدام اللهجات العامِّية الدارجةِ لغةً للتخاطب على القنوات الإذاعية العربية الرسميةِ وغيرِها مِن المجالات، بل أَصْبَحَتِ اللغةُ العامِّيةُ الدارجةُ لغةً للتأليف والكتابة، وإمَّا بالدعوة إلى كتابتها بالحروف اللاتينية.
وقد واجهَتِ اللغةُ العربية طعونًا كثيرةً مِن أعدائها، أَهَمُّها: أنها لغةٌ رجعيةٌ مُتَخلِّفةٌ لا تتماشى مع العلم الحديث، وأنها عاجزةٌ عن أداءِ مَهَمَّتِها البيانيةِ بالنظر إلى صعوبةِ ألفاظها خاصَّةً عند الأطفال ونحو ذلك.
ولا يخفى على مُنْصِفٍ أنَّ اللغة التي حَفِظَتِ التُّراثَ العِلْميَّ والعالَميَّ واستوعبَتْهما أعوامًا مديدةً وعصورًا عديدةً يَسْتَحِيل أَنْ تعجز عن أداءِ نَفْسِ الرسالة في الوقت الراهنِ مع اعترافِ المُخالِفين بقابليَّتِها للتطوُّر والتجديد، ودعوى الصعوباتِ في تَعَلُّمِ اللغةِ العربية وخاصَّةً مِن التلاميذ الصِّغارِ فذلك شأنُ كُلِّ لغةٍ أجنبيةٍ؛ فإنه يجد صعوباتٍ مَن يَتعلَّمُها مِن غيرِ أهلها مِن جهةٍ، ومِن جهةٍ أخرى ففَرْضُ لغاتٍ أجنبيةٍ على التلميذ في سنٍّ مُبكِّرةٍ يُشوِّشُ عليه ويَعوقُه ـ بالتأكيد ـ عن تحصيلِ لُغةِ قومه بصورةٍ حسنةٍ؛ والمعلومُ أنه لا مُبرِّرَ ولا حاجةَ إلى تَعَلُّمِها في تلك السنِّ المُبكِّرةِ؛ إِذْ بالإمكان لمن يُجيدُ لُغتَه الأصليةَ أَنْ يتَعَلَّمَ اللغاتِ الأجنبيةَ ـ عند الحاجة ـ في وقتٍ لا يزيد عن ثلاثةِ أشهرٍ ـ كما يُقرِّرُه رجالُ التربية والتعليم ـ علمًا بأنَّ أيَّ صعوبةٍ تعتري تَعَلُّمَ اللغةِ العربية فإنَّ ثَمَّةَ وسائلَ وأساليبَ للتغلُّب عليها، مِن أهمِّها: تطويرُ طُرُقِ تدريسِ اللغة، واستعمالُ الوسائلِ الحديثةِ في تَعَلُّمِها.
هذا، وما يَدَّعِيهِ أهلُ التغريبِ مِن أنَّ اللغةَ العربيةَ عاجزةٌ عن مُسايَرةِ رَكْبِ العلم الحديثِ، فهذا جَوْرٌ في حقِّ اللغةِ الوَلودِ الوَدودِ العَؤودِ التي حَمَلَتْ ـ منذ خمسةَ عَشَرَ قرنًا ـ الميراثَ الضخمَ مِن حضارةِ الإسلام الدينيةِ والعلمية، واستولدَتْ ـ بيَدِ علماءِ العربيةِ قديمًا ـ كلماتٍ ومعانيَ جديدةً مِن لُغاتٍ أخرى عن طريقِ التعريب والاشتقاق؛ فكيف تَعْجَزُ ـ اليومَ ـ عن أداءِ رسالتِها البيانيةِ والتاريخيةِ بكُلِّ اعتزازٍ وفخرٍ إلى أقصى غاياتها!!؟
إنَّ التقصير الحقيقيَّ ليس في ذات اللغةِ العربية الغنيَّةِ السخيَّة، وإنما التقصيرُ والإهمالُ والعجزُ منسوبٌ إلى نَفَرٍ مِن أبنائها العاقِّين الذين يُجَسِّدون الدعواتِ المُغْرِضةَ الساعيةَ للقضاء على الدين الإسلاميِّ ووَحْدتِه وتَماسُكِه بالقضاء على لُغَتِه التي هي مَنْبَعُ الْتقائهم وثمرةُ اتِّحادِهم، المتمثِّلةُ في «لغةِ القرآن» و«لغةِ السنَّة» و«لغةِ التراث والحضارةِ الإسلامية».
إنَّ قِوامَ الوحدةِ المنشودةِ ترتبط ـ أساسًا ـ بالدين الإسلاميِّ الذي لا يَنْفَصِل عن اللغةِ العربية التي أعزَّ اللهُ بها هذه الأمَّةَ؛ فالدفاعُ عن اللغةِ العربية الفُصْحى التي وَسِعَتْ كتابَ اللهِ لفظًا ومعنًى وغايةً وحجَّةً وتشريعًا إنما هو الدفاعُ عن الدين الإسلاميِّ بجميعِ مقوِّماته وميراثه وسائِرِ مجالاته.
وهكذا ابْتُلِيَتِ الأمَّةُ بسرطانِ الغربِ الحاقدِ وفي طليعته فرنسا الماكرةُ باستعمالِ أبناءِ هذه الأمَّةِ الذين يعملون على تفعيلِ مخطَّطاته لفصلِ وتمزيقِ الوحدة الشعبيةِ والعربيةِ والإسلاميةِ التي وسيلتُها اللسانُ العربيُّ وقِوامُها الدينُ الإسلاميُّ، وإطفاءِ نورِ حضارتهم الإسلاميةِ المَجيدةِ بأفواههم، ووَأْدِ تُراثهم الفقهيِّ وذخائرِ علومهم الفكريةِ والأدبية تحت ترابِ الضياع واللامبالاة، وطَمْسِ مَعالِمِ شخصيتهم العربيةِ الإسلامية العريقة بإملاءاتٍ غربيةٍ حاقدةٍ؛ فقَلَبُوا بذلك الموازينَ والقِيَمَ حتَّى صارَ الحقُّ باطلًا والباطلُ حقًّا، واللهُ المستعان.
إنَّ المتآمِرين على الإسلام ولُغتِه وتُراثِه الحضاريِّ ﴿يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢]، وستبقى اللغةُ العربيةُ صامدةً رَغْمَ أنوفهم؛ فقَدْ صَمَدَتْ أمامَ الغاراتِ المُدمِّرةِ وخلالَ الاحتلالِ الفرنسيِّ الطويلِ للجزائر ما دامَ لها أنصارٌ يدافعون عنها ويريدون لها البقاءَ.
وأَحْسَنُ ما أختم به ـ في هذا الصددِ ـ كلمتي هذه: قصيدةُ الشاعرِ حافظ إبراهيم(١١) المشهورةُ، والتي يتحدَّث فيها على لسان اللغة العربية، إِذْ يقول ـ رحمه الله ـ:

«رَجَعْتُ لِنَفْسِي فَاتَّهَمْتُ حَصَاتِي(١٢)
وَنَادَيْتُ قَوْمِي فَاحْتَسَبْتُ حَيَاتِي
رَمَوْنِي بِعُقْمٍ فِي الشَّبَابِ وَلَيْتَنِي
عَقُمْتُ فَلَمْ أَجْزَعْ لِقَوْلِ عُدَاتِي
وَلَدْتُ وَلَمَّا لَمْ أَجِدْ لِعَرَائِسِي
رِجَالًا وَأَكْفَاءً وَأَدْتُ بَنَاتِي
وَسِعْتُ كِتَابَ اللهِ لَفْظًا وَغَايَةً
وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بِهِ وَعِظَاتِ
فَكَيْفَ أَضِيقُ اليَوْمَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ
وَتَنْسِيقِ أَسْمَاءٍ لِمُخْتَرَعَاتِ؟
أَنَا البَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ
فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي
فَيَا وَيْحَكُمْ أَبْلَى وَتَبْلَى مَحَاسِنِي
وَمِنْكُمْ ـ وَإِنْ عَزَّ الدَّوَاءُ ـ أُسَاتِي(١٣)
فَلَا تَكِلُونِي لِلزَّمَانِ فَإِنَّنِي
أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَحِينَ وَفَاتِي
أَرَى لِرِجَالِ الغَرْبِ عِزًّا وَمَنْعَةً
وَكَمْ عَزَّ أَقْوَامٌ بِعِزِّ لُغَاتِ
أَتَوْا أَهْلَهُمْ بِالمُعْجِزَاتِ تَفَنُّنًا
فَيَا لَيْتَكُمْ تَأْتُونَ بِالكَلِمَاتِ
أَيُطْرِبُكُمْ مِنْ جَانِبِ الغَرْبِ نَاعِبٌ(١٤)
يُنَادِي بِوَأْدِي فِي رَبِيعِ حَيَاتِي
سَقَى اللهُ فِي بَطْنِ الجَزِيرَةِ أَعْظُمًا
يَعِزُّ عَلَيْهَا أَنْ تَلِينَ قَنَاتِي
حَفِظْنَ وِدَادِي فِي البِلَى وَحَفِظْتُهُ
لَهُنَّ بِقَلْبٍ دَائِمِ الحَسَرَاتِ
وَفَاخَرْتُ أَهْلَ الغَرْبِ ـ وَالشَّرْقُ مُطْرِقٌ
حَيَاءً ـ بِتِلْكَ الأَعْظُمِ النَّخِرَاتِ
أَرَى كُلَّ يَوْمٍ بِالجَرَائِدِ مَزْلَقًا
مِنَ القَبْرِ يُدْنِينِي بِغَيْرِ أَنَاةِ
وَأَسْمَعُ لِلْكُتَّابِ فِي مِصْرَ ضَجَّةً
فَأَعْلَمُ أَنَّ الصَّائِحِينَ نُعَاتِي
أَيَهْجُرُنِي قَوْمِي ـ عَفَا اللهُ عَنْهُمُ ـ
إِلَى لُغَةٍ لَمْ تَتَّصِلْ بِرُوَاتِي
سَرَتْ لَوْثَةُ الأَعْجَامِ فِيهَا كَمَا سَرَى
لُعَابُ الأَفَاعِي فِي مَسِيلِ فُرَاتِ
فَجَاءَتْ كَثَوْبٍ ضَمَّ سَبْعِينَ رُقْعَةً
مُشَكَّلَةَ الأَلْوَانِ مُخْتَلِفَاتِ
إِلَى مَعْشَرِ الكُتَّابِ وَالجَمْعُ حَافِلٌ
بَسَطْتُ رَجَائِي بَعْدَ بَسْطِ شَكَاتِي
فَإِمَّا حَيَاةٌ تَبْعَثُ المَيْتَ فِي البِلَى
وَتُنْبِتُ فِي تِلْكَ الرُّمُوسِ(١٥) رُفَاتِي
وَإِمَّا مَمَاتٌ لَا قِيَامَةَ بَعْدَهُ
مَمَاتٌ لَعَمْرِي لَمْ يُقَسْ بِمَمَاتِ»(١٦)

وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصَلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

هوامش:
(١) يقال: «أَعْرَبَ الرجلُ كلامَه» إذا لم يَلْحَنْ في الإعراب، و«أَعْرَبَ الرجلُ» إذا أَفْصَحَ في الكلام، و«أَعْرَبَ عن الرجل»: بيَّن عنه. و«أَعْرَبَ عنه» أي: تكلَّمَ بحجَّته. [انظر: «غريب الحديث» لابن سلَّام (١/ ١٦٣)، «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٢٠٠)، «تاج العروس» للزبيدي (٣/ ٣٣٦)]، فالمعنى أنه أَفْصَحُهم وأَوْضَحُهم بيانًا وأَبْعَدُهم عن اللحن والقصورِ في البيان.
(٢) مقدِّمة «المُزْهِر» للسيوطي (١/ ١).
(٣) «الرسالة» للشافعي (٤٢)، «تفسير الشافعي» (٢/ ١٠١٦).
(٤) «الرسالة» للشافعي (٤٦).
(٥) معنَى إعرابِ القرآن ـ في كلام العلماء ـ يدور على قراءته كما تقرؤه العربُ الفُصَحاءُ بدون لحنٍ، وعلى فهمِ معناه ومعرفةِ تفسيره على مقتضى اللسان العربيِّ، ولا مانِعَ مِن إرادة المعنيين معًا إلَّا أنَّ المعنى الثانيَ أَوْلى لقلَّةِ وقوعِ اللحن زمنَ الصحابة، ولأنَّ الفِقْهَ في القرآنِ هو المطلوبُ للعمل به الذي هو الغايةُ الأسمى مِن تلاوته، وانظر: الهامش (١).
(٦) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (٢٩٩١٤).
(٧) أخرج شَطْرَه الثاني الدارميُّ في «سننه» (٢٨٩٣)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (١٢١٧٧)، وجاء في «شُعَب الإيمان» للبيهقي (١٥٥٦) عنه رضي الله عنه: «تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ؛ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ».
(٨) «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (١/ ٥٢٧).
(٩) هو أبو منصورٍ محمَّدُ بنُ أحمد الأزهريُّ الهرويُّ الشافعيُّ، الأديب اللغويُّ، وُلِد في هَراةَ بخراسان، وعُنِيَ ـ ابتداءً ـ بالفقه، ثمَّ غَلَبَ عليه عِلْمُ العربية، مِن تصانيفه: «تهذيب اللغة»، و«التقريب» في التفسير، «الزاهر في غرائب الألفاظ»، و«عِلَل القراءات» وغيرُها. تُوُفِّيَ سنة: (٣٧٠ﻫ).
انظر ترجمته في: «معجم الأدباء» لياقوت (١٧/ ١٦٤)، «وفيات الأعيان» لابن خِلِّكان (٤/ ٣٣٤)، «اللُّباب» لابن الأثير (١/ ٤٨)، «سِيَر أعلام النبلاء» للذهبي (٦/ ٣١٥)، «طبقات الشافعية» للإسنوي (١/ ٣٥)، «البُلْغة» للفيروزآبادي (٢٠٥)، «بُغْية الوُعَاة» للسيوطي (٨)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٣/ ٧٢)، «معجم المؤلِّفين» لكحالة (٣/ ٤٧).
(١٠) «تهذيب اللغة» للأزهري (١/ ٦).
(١١) هو محمَّد حافظ بنُ إبراهيم فهمي المهندس، الشهير ﺑ: «حافظ إبراهيم»، ويُلَقَّبُ ﺑ: «شاعر النيل»، وُلِد في ذهبية بالنيل سنة: (١٢٨٧ﻫ)، فنَشَأَ يتيمًا، ثمَّ الْتحق بالمدرسة الحربية، واشتغل ـ بعد المَعاش ـ مُحرِّرًا في جريدة «الأهرام»، ثمَّ عُيِّنَ رئيسًا للقسم الأدبيِّ بدار الكُتُب المصرية، مِن آثاره: ديوانُ شعرٍ في مجلَّدين. تُوُفِّيَ ـ رحمه الله ـ بالقاهرة سنة: (١٣٥١ﻫ).
انظر ترجمته في: «الأعلام» للزركلي (٦/ ٧٦)، «معجم المؤلِّفين» لكحالة (٣/ ٢٠٤)، «مشاهير شعراء العصر» لأحمد عبيد ـ القسم الأوَّل: شعراء مصر (١٨١)، «صفوة العصر» لزكي فهمي (١/ ٦٤٠).
(١٢) الحَصَاةِ: العقلُ، تقول: فلانٌ ذو حَصَاةٍ أي: ذو عقلٍ ورأيٍ [انظر: «النهاية» لابن الأثير (١/ ٣٩٨)، «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (١٢٧٤)، «تاج العروس» للزبيدي (٣٧/ ٤٤٢)].
(١٣) «أُسَاةٌ»: جمعُ «آسٍ» مِن «أَسَا الجرحَ، يَأْسُوهُ» أي: داواه، [انظر: «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (١٢٥٩)].
(١٤) يقال: «نَعَبَ الغرابُ» مِن بابِ «مَنَعَ يَمْنَعُ» و«ضَرَبَ يَضْرِبُ» نَعْبًا ونعيبًا ونُعابًا وتَنْعابًا ونَعَبانًا: صوَّت، [انظر: «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (١٣٩)].
(١٥) «الرموس»: جمعُ «رَمْسٍ» وهو القبرُ أو الترابُ الذي يُحْثَى عليه، [انظر: «لسان العرب» لابن منظور (٦/ ١٠١)، «تاج العروس» للزبيدي (١٦/ ١٣٣)].
(١٦) «ديوان حافظ إبراهيم» (١/ ٢٥٣)
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: هام جدا: جامع المقالات الكاشف لمغزى استبدال الفصحى باللهجات
16-09-2015, 11:54 AM
الإصلاح التربوي وضرورة ردم الهوة بين المدرسة والجامعة:(الجزء الأول)
نور الدين زمام:(مدير مخبر:" المسألة التربوية في الجزائر في ظل التحديات الراهنة"جامعة بسكرة)

للتربية دور لا يستهان به في تشكيل مادة الأمة وصلبها، وصياغة العقول والمشاعر؛ وهي تسمح للمجتمعات بكسب الرهانات المعقودة، وتشييد الصروح والجسور نحو الآفاق المرسومة، ولذلك تطلق بلدان العالم حملات للإصلاح التربوي من وقت لآخر حتى تحدّد كيفيات الاستفادة من التراكم المعرفي المتجدّد، وتساير التطورات العلمية والتقنية المتسارعة.
وعليه، فلا بد من تقويم الحصاد بأسلوب تحليلي معمق، ورؤية نقدية واعية قبل الشروع في عمليات الإصلاح، بعيدا عن التجاذبات الإيديولوجية والانقسامات اللغوية والثقافية، التي أفرزت في بلادنا "قبيلة" فرنكوفونية شديدة التعصب لمكتسباتها الأجنبية، تتفاخر علنا بازدرائها لكل ما يمتّ بصلة لإرث مجتمعها، وتخوض دون حياء في الكثير من المسائل دون تمحيص أو تحقيق، في مقابل "قبيلة" أخرى، قابلة للتعلم والتواصل، ولكنها كثيرا ما تتحول إلى ذوات منفعلة.
ولابد أيضا من الكشف عن مواطن القوة ومواضع الخلل والضعف، وتقديم الاقتراحات العملية والتوصيات البنّاءة، وتوفير مستلزمات تعزيز مكانة بلدنا ضمن الأمم المتقدّمة، فكلما علت الهمة ازدادت المروءة، وازداد الصعود في مدارج المعرفة والعلم والتقنية.
ولا أظن أنّ من الحكمة بمكان أن يصبح الدافع الأساس للإصلاح هو التذمر المبالغ فيه، لما يُسجّل من إخفاق وعثرات، فقد يفضي ذلك إلى اليأس والنكوص، فإذا كان منطق الفشل قائدا للإصلاح، اختار دوما النزول إلى المنحدر فهو يميل إلى الحل السهل لإزاحة الصعوبات والتعقيدات.
ويجب ألا تتحمّل جهة واحدة أسباب الفشل أو تنسب إليها عوامل النجاح، فمهمة تقليص مجال الفشل وزيادة نطاق النجاح مهمة جميع الشركاء، فيجب استنفار كافة قواعد ومؤسسات المجتمع لإنجاح مسار التقدّم التربوي، وتحقيق النهضة العلمية المأمولة والمستوى الثقافي المبتغى؛ فمنذ قرون قليلة كانت تُستدعى في الحواضر المغاربية والإسلامية فيها كافة العناصر والمرافق والفعاليات لمرافقة أهل التعليم والتعلّم، وتهيئة الأجواء الموائمة للتربية والتثقيف.
لا بدّ من إسهامٍ جماعيٍ ومرافقة مجتمعية ومؤسسية وثقافية إيجابية للمتمدرس، ولأسرة المتمدرس، ومواجهة العبثية والتقاعس والخمول، وقيم احتقار أهل التعليم، ولجم الأبواق التي تحطّ من فضيلة طلب المعرفة، فكما يقول إدغار موران (Edgar Morin): "لا يمكن إصلاح المؤسسة من دون إصلاح للذهنيات أساسا، كما لا يمكن إصلاح الذهنيات من دون إصلاح أوليٍ للمؤسسة" (La Voie ; p251).

من أين نبدأ!!؟:
تتمثل نقطة البدء لإحداث التغيير المنشود في عمليات التقويم الشاملة للحصاد التعليمي، ولكن، وهذا بالنسبة لواقعنا، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار ظروف عمليات الزرع، والوقت المستغرَق في الإنبات. ويتعين علينا من جهة أخرى اجتناب "الخرجات" غير الموزونة التي تجعل القضايا المصيرية الكبرى محل تجاذبات إيديولوجية، وسببا لزيادة الإحباط وزرع بذور الفرقة.
ويجب أيضا مقارنة مشاكل التعلّم مع بقية البلدان، والنظر في الاقتراحات والحلول التي تم التوصل إليها على نطاق عالمي رحب، وفي هذا الصدد نشر المختصون في فرنسا خريطة جغرافية عامة لأخطار التعرّض للرسوب، وأخرى لأسبابه، وكشف مؤشر قياس المتسربين من الدراسة سنة 2006 مثلا، أن هناك نسبة 35 ٪ من الذين تتراوح أعمارُهم بين 15 و24 سنة تركت مقاعد الدراسة ولم تتحصل على شهادة، هو عددٌ معتبر في دولة متقدمة ترحل إليها القلوب والعقول أكثر من غيرها من البلدان.
ولكن بيّن باحثون آخرون رغم ذلك، أنه مع ذلك فإن "المستوى في ارتفاع" وذلك في مجالات لا نلقي لها بالا؛ مما يستدعي التفكير في تحسين الأداء البيداغوجي، وسبل المعاملة، فبعض التلاميذ الذين لم تحتفظ بهم منظومتنا التربوية نجحوا في حياتهم العملية، بل تفوّقوا أحيانا على معلميهم وأساتذتهم في مجالات تقنية "ذكية".

من هنا يمكن أن نبدأ:
أعتقد أن نقطة الانطلاق التي يجب أن نبدأ منها هي ردم الهوة وتقليص الفجوة بين الجامعة والثانوية في كل المواد العلمية والأدبية، فضلا عن تقليص الفجوة بين كافة أطوار التعليم في المدرسة الجزائرية.
من السهل التأكد من اتساع هذه الهوة إذا وقفنا على حجم الرسوب في الجامعة، مما يبرر اضطلاع الجامعة أيضا بتقديم تقويم "تشخيصي" للوافدين إليها في كافة التخصصات حتى نتمكن من الكشف عن الخلل، ومعرفة المكتسبات لدى الوافدين، فنرسم بالتالي ملامح الوافد التي نريدها، وحتى يتسنى للطالب رفع درجات الاستيعاب لديه.
من أهم الجوانب التي من المفترض التركيز عليها بالنسبة للوافدين إلى الجامعة، إلى جانب الاهتمام بالتخصص الذي وجّهته إليه تجربته المدرسية، تطوير ملكتين أساسيتين لدى التلميذ.
وتتلخص الملكة الأولى في ملكة التعبير والإفصاح أو الإبانة أو التبيين، وتتعلق الملكة الثانية بالاستدلال والتفكير والبرهنة، مع مراعاة تكاملها عند التكوين والصقل والتثقيف، حتى يكون الوافد إلى الجامعة على بيّنة من أمره فيما يتعلق بالمقدرة على الفهم والاستيعاب وممارسة التفكير وإعمال العقل، فيسهل عليه الانتقال إلى مستوى جديد تنضج فيه عمليات التعلم لديه.
إن شحذ وتطوير هاتين الملكيتين يستدعي استكمال التكوين في علوم الآلات، أي يتعلق باللغة، والحساب والإحصاء والرياضيات.... وعلاوة على إتقان اللغة العربية يتحتم أيضا إتقان اللغات المطلوبة للبحث والمطالعة.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: هام جدا: جامع المقالات الكاشف لمغزى استبدال الفصحى باللهجات
20-09-2015, 02:01 PM
أي فكر تنتجه العامّية الشوارعية!!؟
لامية حسين


إدراج اللهجات العامية في التدريس بالأطوار التعليمية الأولى، سواء كان مقترحا أو توصية أو تعليمة فهذا لا يهم، وسواء طُبّق أو ألغي أيضا لا يهم، إنما المهم، أن هناك نية في فعل ذلك، وحتى وإن ألغى الوزير الأول هذا المقترح، فإنه سيبقى وصمة عار في جبين وزارة التربية، الوصية الأولى على التربية والتعليم والوطنية.
لقد اتخذ هذا المقترح سجالا واسعا بين مختلف الفاعلين من سياسيين ولغويين وجامعيين، بين رافض ومؤيد، ولهم في ذلك حجج ومواقف متعددة، أما وجهة نظرنا فستتمحور حول علاقة الفكر باللغة. والفكر الذي تعبّر عنه كل من العربية الفصحى والعامية لبيان بطلان هذه الادعاءات وبُعدها الكلي عن منطق الأمور الصحية والصحيحة.
إذا بحثنا في قواميس اللغة العربية أو أي لغة في العالم عن مفهوم اللغة نجدها تعبر عن وظائف ودلالات مختلفة، فبالإضافة لكونها ''أصوات يعبّر بها القوم عن أغراضهم"، وبذلك تكون أداة للتواصل بين أفراد المجتمع، فهي أيضا تعبّر عن فكر معين؛ فاللغة الفرنسية تعبر عن الفكر الفرنسي والانجليزية تعبر عن الفكر الانجليزي، أما اللغة العربية فهي تعبر عن الفكر العربي الإسلامي. وهذا ما ذهب إليه جل العلماء والباحثين في اللسانيات ومن بينهم الفرنسي الشهير دوسوسير حين قال: "... ويمكن أن نشبّه اللسان بوجهيْ ورقة نقود: فالوجه هو الفكر والظهر هو اللسان، ولا يمكن أن نحدث قطعا في وجه الورقة دون أن نقطع في نفس الوقت ظهرها، وهكذا الحال مع اللسان، لا يجوز أن نعزل الصوت فيه عن الفكر ولا الفكر عن الصوت".
اللغة العربية الفصحى هي آية من آيات الله، حيث اصطفاها المولى عز وجل من بين كل اللغات، ولنا أن نفتخر بكونها لغة كلام الله، القرآن الكريم الذي أُنزل بالحرف العربي المبين مصداقا لقوله: "إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون" سورة يوسف، الآية 02. وقوله: كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعقلون" فصلت 03، وقوله تعالى: "بلسان عربي مبين" الشعراء 195. هذا البيان الذي جاء هدى ورحمة للعالمين، جعله الله دستور الحياة بلسان عربي مبين مما يجعل منها لغة عالمية حية لا تموت ما دام حكم الله قائماً في كتابه، لغة يُجبر كل مسلم مهما كانت قوميته أو هويته على تعلّمها لفهم كتاب الله ومراده.
لا تعبّر اللغة العربية عن المضمون الديني فقط، إنما هي أيضا لغة علم وحضارة، فبالإضافة إلى ما تمتاز به من فصاحة وبلاغة وصور بيانية، وغزارة ألفاظها ومفرداتها من قبيل أشعار الجاهلية، جاء الإسلام في القرون الوسطى ليضفي عليها طابعا علميا وحضاريا من خلال جعلها الوسيلة التي صاغت ذلك الزخم الثقافي والعلمي الهائل منذ عصر التدوين؛ إذ أنتجت هذه اللغة الآلاف من الكتب والترجمات العلمية والثقافية والأدبية والتاريخية لتكون ثورة فكرية أقيمت على أساسها الحضارة العربية الإسلامية.
إذا كانت اللغة العربية الفصحى تعبر عن فكر ومحتوى ديني وثقافي وعلمي راق ومتميز، فعن أي فكر تعبر العامية سوى كونها لهجة هجينة غير صافية تجمع من شتات لغات متنوعة أكثر كلماتها بالتركية والفرنسية- بحكم التاريخ المشترك- وحتى الإنجليزية؟ فكر لا يرقى لأن يكون في قاعات الدراسة، فكر شوارعي، سطحي، مادي لا يلبي سوى حاجيات الإنسان اليومية، فلا يرقى بذلك لأن يؤدي رسالة حضارية علمية ولا يستطيع أن يكون منهاجا علميا تُحصَّل بها المعرفة والعلومُ المختلفة.
المشكلة إذا ليست في اللغة التي هي أكبر بكثير من أن تعوض بالعامية، والمشكلة أيضا ليست في الطفل الجزائري -كما يدّعون- الذي لا يختلف عن أطفال العالم أجمع في إمكانية استيعابه لأي لغة كانت. وإنما المشكلة أو بالأحرى المصيبة في السياسة العامة التي تسيّر هذا القطاع الحيوي والحساس والتي تريد الرمي بهذا الجيل بعيدا عن تاريخه ومرجعيته وسلخه عن ماضيه والزج به إلى مستقبل مجهول مبتور من جميع مقوّمات هويته الوطنية.
لندع اللغة تترعرع في إطارها الطبيعي الذي خُلقت لأجله، لكي تعبر عن الفكر وعن الثقافة بعيدا عن كل تسييس، وإذا كانت الجزائر تعتبر الدين الإسلامي واللغة العربية -مع عدم إغفال التراث الأمازيغي كتاريخ وأصالة- مرجعيتها التاريخية على جميع الأصعدة، فإن العربية هي المعبّر الوحيد عن هذه المرجعية، أما إذا كنتم ترون للجزائر مرجعية أخرى فلكم في ذلك حكمٌ آخر والسلام.
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 12:06 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى