أقوال علماء أهل السنة والجماعة في الإجماع على عدالة الصحابة رضي الله عنهم
436 بن عبد البر
الاستيعاب لابن عبد البر (463 هـ) الجزء1 صفحة18
وهذا معنى قوله تعالى (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)
ومحال أن يستوي من قاتله رسول الله مع من قاتل عنه وقال رسول الله لبعض من لم يشهد بدرا وقد رآه يمشي بين يدي أبي بكر تمشي بين يدي من هو خير منك وهذا لأنه قد كان أعلمنا ذلك في الجملة فمن شهد بدرا والحديبية ولكل طبقة منهم منزلة معروفة وحال موصوفة وسنذكر في باب كل واحد منهم ما بلغنا من ذلك إن شاء الله تعالى وبعد فإن العلم محيط بأن السنن أحكام جارية على المرء في دينه في خاصة نفسه وفي أهله وماله ومعلوم أن من حكم بقوله وقضى بشهادته فلا بد من معرفة اسمه ونسبه وعدالته والمعرفة بحاله ونحن وإن كان الصحابة رضي الله عنهم قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة على أنهم كلهم عدول فواجب الوقوف على أسمائهم والبحث عن سيرهم وأحوالهم ليهتدي بهديهم فهم خير من سلك سبيله واقتدى به وأقل ما في ذلك معرفة المرسل من المسند وهو علم جسيم لا يعذر أحد ينسب إلى علم الحديث بجهله ولا خلاف علمته بين العلماء أن الوقوف على معرفة أصحاب رسول الله
الاستذكار لابن عبد البر (463 هـ) الجزء3 صفحة301
وأما حديث سمي فهو مسند صحيح ولا فرق فيه بين أن يسمي التابع الصاحب الذي حدثه أو لا يسميه في جواز العمل بحديثه لأن الصحابة كلهم عدول مرضيون وهذا أمر مجتمع عليه عند أهل العلم بالحديث
التمهيد لابن عبد البر (463 هـ) الجزء22 صفحة47
هذا حديث مسند صحيح ولا فرق بين أن يسمي التابع الصاحب الذي حدثه أو لا يسميه في وجوب العمل بحديثه لأن الصحابة كلهم عدول مرضيون ثقات أثبات ومما أمر مجتمع عليه عند أهل العلم بالحديث
___________________
463 الخطيب البغدادي
الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (463 هـ) صفحة27
باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة، وأنه لا يحتاج السؤال عنهم، وإنما يجب ذلك فيمن دونهم كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي، صلى الله عليه وسلم لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن.فمن ذلك : قوله تعالى : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، وقوله : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) .وهذا اللفظ وإن كان عاما فالمراد به الخاص، وقيل : هو وارد في الصحابة دون غيرهم. وقوله تعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)، وقوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ)، وقوله تعالى :(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة : 12] ، وقوله : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، وقوله تعالى : (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر : 9] .في آيات يكثر إيرادها، ويطول تعدادها، ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة مثل ذلك، وأطنب في تعظيمهم، وأحسن الثناء عليهم.فمن الأخبار المستفيضة في هذا المعنى ما
الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (463 هـ) صفحة67
أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى الهمذاني ثنا صالح بن أحمد الحافظ قال سمعت أبا جعفر أحمد بن عبدل يقول سمعت أحمد بن محمد بن سليمان التستري يقول سمعت أبا زرعة يقول إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة
الإصابة لابن حجر (852 هـ) الجزء1 صفحة22
قال الخطيب البغدادي في الكفاية " مبوبا على عدالتهم : ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم، وانما يجب فيمن دونهم كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم العمل ب الا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لان عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن.
___________________
505 أبو حامد الغزالي
المستصفى للغزالي (505 هـ) صفحة130
الفصل الرابع في عدالة الصحابة رضي الله عنهم والذي عليه سلف الأمة وجماهير الخلف أن عدالتهم معلومة بتعديل الله عز وجل إياهم وثنائه عليهم في كتابه، فهو معتقدنا فيهم، إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك مما لا يثبت فلا حاجة لهم إلى التعديل، قال الله تعالى : (بصير) (آل عمران : 011) وقال تعالى : (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) (البقرة : 341) وهو خطاب مع الموجودين في ذلك العصر، وقال تعالى : (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) (الفتح : 81) وقال عز وجل : (والسابقون الأولون) (التوبة : 100) وقد ذكر الله تعالى : المهاجرين والأنصار في عدة مواضع، وأحسن الثناء، عليهم، وقال (ص) : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، وقال صلى الله عليه وسلم : لو أنفق أحدكم ملئ الأرض ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله اختار لي أصحابا وأصهارا وأنصارا فأي تعديل أصح من تعديل علام الغيوب سبحانه وتعديل رسول الله (ص)، كيف ولو لم يرد الثناء لكان فيما اشتهر وتواتر من حالهم في الهجرة والجهاد وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والاهل في موالاة رسول الله (ص) ونصرته، كفاية في القطع بعدالتهم، وقد زعم قوم أن حالهم كحال غيرهم في لزوم البحث، وقال قوم حالهم العدالة في بداية الامر إلى ظهور الحرب والخصومات ثم تغير الحال وسفكت الدماء، فلا بد من البحث.
وقال جماهير المعتزلة : عائشة وطلحة والزبير وجميع أهل العراق والشام فساق بقتال الإمام الحق، وقال قوم من سلف القدرية : يجب رد شهادة علي وطلحة والزبير مجتمعين ومفترقين، لان فيهم فاسقا لا نعرفه بعينه، وقال قوم : نقبل شهادة كل واحد إذا انفرد، لأنه لم يتعين فسقه، أما إذا كان مع مخالفه فشهدا ردا إذ نعلم أن أحدهما فاسق، وشك بعضهم في فسق عثمان وقتلته، وكل هذا جراءة على السلف على خلاف السنة، بل قال قوم : ما جرى بينهم ابتنى على الاجتهاد وكل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد والمخطئ معذور لا ترد شهادته، وقال قوم : ليس ذلك مجتهدا فيه، ولكن قتلة عثمان والخوارج مخطئون قطعا، لكنهم جهلوا خطأهم وكانوا متأولين، والفاسق المتأول لا ترد روايته، وهذا أقرب من المصير إلى سقوط تعديل القرآن مطلقا، فإن قيل : القرآن أثنى على الصحابة، فمن الصحابة من عاصر رسول الله (ص) أو من لقيه مرة أو من صحبه ساعة أو من طالت صحبته وما حد طولها قلنا : الاسم لا يطلق إلا على من صحبه، ثم يكفي للاسم من حيث الوضع الصحبة ولو ساعة، ولكن العرف يخصص الاسم بمن كثرت صحبته ويعرف ذلك بالتواتر والنقل الصحيح وبقول الصحابي : كثرت صحبتي، ولا حد لتلك الكثرة بتقدير بل بتقريب .
المنخول للغزالي (505 هـ) صفحة356
الفصل الخامس في عدالة الصحابة رضي الله عنهم وهو معتقدنا في جميعهم على الاطلاق وعليه ينبني قبول روايتهم واستثنت المعتزلة طلحة والزبير وعائشة رضوان الله عليهم تعويلا على ما صدر منهم من هناتهم وحالات نقلت من محاربتهم وما من أمر ينقل إلا ويتطرق إليه احتمال فالنظر إلى ثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبجيله إياهم أولي من إساءة الظن بهم بالاحتمال ولا فرق بين علي وعثمان وبينهم في مثل ما يعولون عليه
___________________
606 الفخر الرازي
المحصول للرازي (606 هـ) الجزء4 صفحة307
مسألة في تعديل الصحابة رضي الله عنهم مذهبنا إن الأصل فيهم العدالة إلا عند ظهور المعارض للكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) وقوله تعالى (لقد رضى الله عن المؤمنين) وقوله تعالى (والسابقون الأولون) وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وقوله ولا تسبوا أصحابي وقوله لو أنفق أحدكم ملأ الأرض ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وقوله خير الناس قرني وقد بلغ إبراهيم النظام في الطعن فيهم على ما نقله الجاحظ عنه في كتاب الفتيا ونحن نذكر ذلك مجملا ومفصلا أما مجملا فإنه روي من طعن بعضهم في بعض أخبارا كثيرة يأتي تفصيلها وقال النظام رأينا بعض الصحابة يقدح في البعض وذلك يقتضي توجه القدح إما في القادح إن كان كاذبا وإما في المقدوح فيه إن كان القادح صادقا بيان المقام الأول من وجوه أقال عمران بن الحصين والله لو أردت لحدثت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام يومين متتابعين فإني سمعت كما سمعوا وشاهدت كما شاهدوا ولكنهم يحدثون أحاديث ما هي كما يقولون وأخاف أن يشبه لي كما شبه لهم
ب عن حذيفة أنه يحلف لعثمان بن عفان على أشياء بالله أنه ما قالها وقد سمعناه قالها فقلنا له فيه فقال إني اشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله ج بن عباس رضي الله عنهما بلغه أن ابن عمر رضي الله عنهما يروي أن الميت ليعذب ببكاء أهله قال ذهل أبو عبد الرحمن إنما مر النبي عليه الصلاة والسلام بيهودي يبكي على ميت فقال إنه ليبكي عليه وإنه ليعذب
د ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الضب كل لا آكله ولا أحله ولا أحرمه فقال زيد الأصم قلت لابن عباس إن ناسا يقولون إنه عليه الصلاة والسلام قال في الضب كل لا آكله ولا أحله ولا أحرمه قال بئس ما قلتم ما بعث الله النبي محللا ولا محرما ه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر فقال هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ثم قال إنهم الآن يسمعون ما أقول فذكروه لعائشة رضي الله عنها فقالت لا بل قال إنهم ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق قال النظام وهذا هو التكذيب
شرح مسلم للنووي (676 هـ) الجزء15 صفحة149
وأما معاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء رضي الله عنه وأما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب أنفسها بسببها وكلهم عدول رضي الله عنهم ومتأولون في حروبهم وغيرها ولم يخرج شيء من ذلك أحدا منهم عن العدالة لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم واعلم أن سبب تلك الحروب ان القضايا كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام قسم ظهر لهم بالاجتهاد ان الحق في هذا الطرف وان مخالفه باغ فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام ا العدل في قتال البغاة في اعتقاده وقسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد ان الحق في الطرف الآخر فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية وتحيروا فيها ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر انه مستحق لذلك ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين وان الحق معه لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه فكلهم معذورون رضي الله عنهم ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين
___________________
728 شيخ الإسلام بن تيمية
مجموع الفتوى لشيخ الإسلام بن تيمية (728 هـ) الجزء35 صفحة53
وسئل - رحمه الله - : عن " البغاة والخوارج " : هل هي ألفاظ مترادفة بمعنى واحد ؟ أم بينهما فرق ؟ وهل فرقت الشريعة بينهما في الأحكام الجارية عليهما أم لا ؟ وإذا ادعى مدع أن الأئمة اجتمعت على أن لا فرق بينهم إلا في الاسم ؛ وخالفه مخالف مستدلا بأن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه فرق بين أهل الشام وأهل النهروان : فهل الحق مع المدعي ؟ أو مع مخالفه ؟
فأجاب : الحمد لله، أما قول القائل : إن الأئمة اجتمعت على أن لا فرق بينهما إلا في الاسم. فدعوى باطلة ومدعيها مجازف فإن نفي الفرق إنما هو قول طائفة من أهل العلم من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم : مثل كثير من المصنفين في " قتال أهل البغي " فإنهم قد يجعلون قتال أبي بكر لمانعي الزكاة وقتال علي الخوارج وقتاله لأهل الجمل وصفين إلى غير ذلك من قتال المنتسبين إلى الإسلام . من باب " قتال أهل البغي " ثم مع ذلك فهم متفقون على أن مثل طلحة والزبير ونحوهما من الصحابة من أهل العدالة ؛ لا يجوز أن يحكم عليهم بكفر ولا فسق ؛ بل مجتهدون : إما مصيبون وإما مخطئون . وذنوبهم مغفورة لهم . ويطلقون القول بأن البغاة ليسوا فساقا فإذا جعل هؤلاء وأولئك سواء لزم أن تكون الخوارج وسائر من يقاتلهم من أهل الاجتهاد الباقين على العدالة سواء ؛ ولهذا قال طائفة بفسق البغاة ولكن أهل السنة متفقون على عدالة الصحابة. وأما جمهور أهل العلم فيفرقون بين " الخوارج المارقين " وبين " أهل الجمل وصفين " وغير أهل الجمل وصفين . ممن يعد من البغاة المتأولين . وهذا هو المعروف عن الصحابة وعليه عامة أهل الحديث والفقهاء والمتكلمين وعليه نصوص أكثر الأئمة وأتباعهم : من أصحاب مالك وأحمد والشافعي وغيرهم . وذلك أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق} وهذا الحديث يتضمن ذكر الطوائف الثلاثة ويبين أن المارقين نوع ثالث ليسوا من جنس أولئك ؛ فإن طائفة علي أولى بالحق من طائفة معاوية . وقال في حق الخوارج المارقين : {يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم ؛ فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة} وفي لفظ : {لو يعلم الذين يقاتلونهم ما لهم على لسان نبيهم لنكلوا عن العمل} . وقد روى مسلم أحاديثهم في الصحيح من عشرة أوجه وروى هذا البخاري من غير وجه ورواه أهل السنن والمسانيد ؛ وهي مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم متلقاة بالقبول أجمع عليها علماء الأمة من الصحابة ومن اتبعهم واتفق الصحابة على قتال هؤلاء الخوارج . وأما "أهل الجمل وصفين" فكانت منهم طائفة قاتلت من هذا الجانب وأكثر أكابر الصحابة لم يقاتلوا لا من هذا الجانب ولا من هذا الجانب واستدل التاركون للقتال بالنصوص الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ترك القتال في الفتنة وبينوا أن هذا قتال فتنة . وكان علي رضي الله عنه مسرورا لقتال الخوارج ويروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بقتالهم؛ وأما قتال " صفين " فذكر أنه ليس معه فيه نص؛ وإنما هو رأي رآه وكان أحيانا يحمد من لم ير القتال .
وقد ثبت في الصحيح {عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحسن إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين } فقد مدح الحسن وأثنى عليه بإصلاح الله به بين الطائفتين : أصحاب علي وأصحاب معاوية وهذا يبين أن ترك القتال كان أحسن وأنه لم يكن القتال واجبا ولا مستحبا . "وقتال الخوارج " قد ثبت عنه أنه أمر به وحض عليه فكيف يسوي بين ما أمر به وحض عليه وبين ما مدح تاركه وأثنى عليه . فمن سوى بين قتال الصحابة الذين اقتتلوا بالجمل وصفين وبين قتال ذي الخويصرة التميمي وأمثاله من الخوارج المارقين والحرورية المعتدين : كان قولهم من جنس أقوال أهل الجهل والظلم المبين . ولزم صاحب هذا القول أن يصير من جنس الرافضة والمعتزلة الذين يكفرون أو يفسقون المتقاتلين بالجمل وصفين كما يقال مثل ذلك في الخوارج المارقين؛ فقد اختلف السلف والأئمة في كفرهم على قولين مشهورين مع اتفاقهم على الثناء على الصحابة المقتتلين بالجمل وصفين والإمساك عما شجر بينهم . فكيف نسبة هذا بهذا وأيضا { فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال الخوارج قبل أن يقاتلوا }. وأما "أهل البغي" فإن الله تعالى قال فيهم : {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} فلم يأمر بقتال الباغية ابتداء . فالاقتتال ابتداء ليس مأمورا به؛ ولكن إذا اقتتلوا أمر بالإصلاح بينهم؛ ثم إن بغت الواحدة قوتلت؛ ولهذا قال من قال من الفقهاء : إن البغاة لا يبتدءون بقتالهم حتى يقاتلوا. وأما الخوارج فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم : { أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة } وقال: {لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد}. وكذلك مانعو الزكاة؛ فإن الصديق والصحابة ابتدءوا قتالهم قال الصديق: والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. وهم يقاتلون إذا امتنعوا من أداء الواجبات وإن أقروا بالوجوب. ثم تنازع الفقهاء في كفر من منعهما وقاتل الإمام عليها مع إقراره بالوجوب؟ على قولين هما روايتان عن أحمد كالروايتين عنه في تكفير الخوارج وأما أهل البغي المجرد فلا يكفرون باتفاق أئمة الدين؛ فإن القرآن قد نص على إيمانهم وإخوتهم مع وجود الاقتتال والبغي. والله أعلم .
منهاج السنة لشيخ الإسلام بن تيمية (728 هـ) الجزء2 صفحة454
وأما قوله : وأخذوا أحكامهم الفروعية عن الأئمة المعصومين الناقلين عن جدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره، فيقال :
أولا : القوم المذكورون إنما كانوا يتعلمون حديث جدهم من العلماء به كما يتعلم سائر المسلمين وهذا متواتر عنهم فعلى بن الحسين يروى تارة عن أبان بن عثمان بن عفان عن أسامة بن زيد قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم رواه البخاري ومسلم في الصحيحين وسمع من أبي هريرة، قول النبي صلى الله عليه وسلم من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من النار حتى فرجه بفرجه أخرجاه في الصحيحين ويروى عن ابن عباس رضي الله عنه عن رجال من الأنصار رمى بنجم فاستنار رواه مسلم، وأبو جعفر محمد بن علي يروى عن جابر بن عبدالله حديث مناسك الحج الطويل وهو أحسن ما روى في هذا الباب ومن هذه الطريق رواه مسلم في صحيحه من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر.
وأما ثانيا : فليس في هؤلاء من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو مميز إلا علي رضي الله عنه وهو الثقة الصدوق فيما يخبر به عن النبي صلى الله عليه وسلم كما أن أمثاله من الصحابة ثقات صادقون فيما يخبرون به أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولله الحمد من أصدق الناس حديثا عنه لا يعرف فيهم من تعمد عليه كذبا مع أنه كان يقع من أحدهم من الهنات ما يقع ولهم ذنوب وليسوا معصومين ومع هذا فقد جرب أصحاب النقد والامتحان أحاديثهم واعتبروها بما تعتبر به الأحاديث فلم يوجد عن أحد منهم تعمد كذبة بخلاف القرن الثاني فإنه كان في أهل الكوفة جماعة يتعمدون الكذب، ولهذا كان الصحابة كلهم ثقات باتفاق أهل العلم بالحديث والفقه حتى الذين كانوا ينفرون عن معاوية رضي الله عنه إذا حدثهم على منبر المدينة يقولون وكان لا يتهم في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى بسر بن أبي أرطاة مع ما عرف منه روى حديثين رواهما أبو داود وغيره لأنهم معروفون بالصدق، عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان هذا حفظا من الله لهذا الدين ولم يتعمد أحد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم إلا هتك الله ستره وكشف أمره ولهذا كان يقال لو هم رجل بالسحر أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصبح والناس يقولون فلان كذاب، وقد كان التابعون بالمدينة ومكة والشام والبصرة لا يكاد يعرف فيهم، كذاب لكن الغلط لم يسلم منه بشر ولهذا يقال فيمن يضعف منهم ومن أمثالهم تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه أي من جهة سوء حفظه فيغلط فينسى لا من جهة تعمده للكذب.
وأما الحسن والحسين فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهما صغيران في سن التمييز فروايتهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قليلة وأما سائر الإثنى عشر فلم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم فقول القائل إنهم نقلوا عن جدهم إن أراد بذلك أنه أوحى إليهم ما قاله جدهم فهذه نبوة كما كان يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله غيره من الأنبياء، وإن أراد أنهم سمعوا ذلك من غيرهم فيمكن أن يسمع من ذلك الغير الذي سمعوه منهم سواء كان ذلك من بني هاشم أو غيرهم فأي مزية لهم في النقل عن جدهم إلا بكمال العناية والاهتمام فإنه كل من كان أعظم اهتماما وعناية بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتلقيها من مظانها كان أعلم بها، وليس هذا من خصائص هؤلاء بل في غيرهم من هو أعلم بالسنة، من أكثرهم كما يوجد في كل عصر كثير من غير بني هاشم أعلم بالسنة من أكثر بني هاشم فالزهري أعلم بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله وأقواله وأفعاله باتفاق أهل العلم من أبي جعفر محمد بن علي وكان معاصرا له، وأما موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي فلا يستريب من له من العلم نصيب أن مالك بن أنس وحماد بن زيد حماد بن سلمة والليث بن سعد والأوزاعي ويحيى بن سعيد ووكيع بن الجراح وعبد الله ابن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأمثالهم أعلم بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء، وهذا أمر تشهد به الآثار التي تعاين وتسمع كما تشهد الآثار بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أعظم فتوحا وجهادا بالمؤمنين وأقدر على قمع الكفار والمنافقين من غيره مثل عثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين.
ومما يبين ذلك أن القدر الذي نقل عن هؤلاء من الأحكام المسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ينقل عن أولئك ما هو أضعافه، وأما دعوى المدعي أن كل ما أفتى به الواحد من هؤلاء فهو منقول عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا كذب على القوم رضي الله عنهم أجمعين فإنهم كانوا يميزون بين ما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم وبين ما يقولونه من غير ذلك وكان علي رضي الله عنه يقول إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلى من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة ولهذا كان يقول القول ويرجع عنه ولهذا كانوا يتنازعون في المسائل كما يتنازع غيرهم وينقل عنهم الأقوال المختلفة كما ينقل عن غيرهم وكتب السنة و والشيعة مملوءة بالروايات المختلفة عنهم.
___________________
852 بن حجر العسقلاني
الإصابة لابن حجر (852 هـ) الجزء1 صفحة131
وقد اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة، وأحال إلى الفصل الذي كتبه الخطيب البغدادي في " الكفاية " في علم الرواية عن ثبوت عدالة الصحابة - رضوان الله عليهم - بتعديل الله لهم في القرآن، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم بآيات كثيرة يطول شرحها، وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضى القطع بتعديلهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق .
___________________
تعريف العدالة - 902 السخاوي
فتح المغيث بشرح ألفية الحديث لمحمد السخاوي (902 هـ) الجزء4 صفحة101 بيان عدالة الصحابة
قال ابن الأنباري : وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم، واستحالة المعصية منهم، وإنما المراد قبول روايتهم من غير تكلف ببحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية، إلا إن ثبت ارتكاب قادح، ولم يثبت ذلك ولله الحمد، فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يثبت خلافه، ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير، فإنه لا يصح، وما صح فله تأويل صحيح، وما أحسن قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله : تلك دماء طهر الله منها سيوفنا، فلا تخضب بها ألسنتنا . ولا عبرة برد بعض الحنفية روايات سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، وتعليلهم بأنه ليس بفقيه، فقد عملوا برأيه في الغسل ثلاثا من ولوغ الكلب وغيره، وولاه عمر رضي الله عنهما الولايات الجسيمة .
وقال ابن عباس له كما في مسند الشافعي، وقد سئل عن مسألة : ( أفته يا أبا هريرة ; فقد جاءتك معضلة ). فأفتى، ووافقه على فتياه . وقد حكى ابن النجار في ذيله عن الشيخ أبي إسحاق أنه سمع القاضي أبا الطيب الطبري يقول : كنا في حلقة بجامع المنصور، فجاء شاب خراساني حنفي فطالب بالدليل في مسألة المصراة، فأورده المدرس على أبي هريرة، فقال الشاب : إنه غير مقبول الرواية . قال القاضي : فما استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع، فهرب منها فتبعته دون غيره، فقيل له : تب، فقال : تبت . فغابت الحية ولم ير لها بعد أثر .
ويتخرج على هذا الأصل مسألة، وهي أنه إذا قيل في الإسناد : عن رجل من الصحابة، كان حجة، ولا تضر الجهالة بتعيينه لثبوت عدالتهم .
عدالة الصحابة - 974 بن حجر الهيتمي
الصواعق المحرقة للإبن حجر الهيتمي (974 هـ) صفحة291 في بيان معتقد أهل السنة في الصحابة
اعلم أن الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة أنه يجب على كل أحد تزكية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم والكف عن الطعن فيهم والثناء عيلهم فقد أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم في آيات من كتابه، منها قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) آل عمران 110 فأثبت الله لهم الخيرية على سائر الأمم ولا شيء يعادل شهادة الله لهم بذلك لأنه تعالى أعلم بعباده وما انطووا عليه من الخيرات وغيرها بل لا يعلم ذلك غيره تعالى فإذا شهد تعالى فيهم بأنهم خير الأمم وجب على كل أحد اعتقاد ذلك والإيمان به وإلا كان مكذبا لله في إخباره ولا شك أن من ارتاب في حقية شيء مما أخبر الله أو رسوله به كان كافرا بإجماع المسلمين، ومنها قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) البقرة 143 والصحابة في هذه الآية والتي قبلها هم المشافهون بهذا الخطاب على لسان رسول الله حقيقة فانظر إلى كونه تعالى خلقهم عدولا وخيارا ليكونوا شهداء على بقية الأمم يوم القيامة وحينئذ فكيف يستشهد الله تعالى بغير عدول أو بمن ارتدوا بعد وفاة نبيهم إلا نحو ستة أنفس منهم كما زعمته الرافضة قبحهم الله ولعنهم وخذلهم ما أحمقهم وأجهلهم وأشهدهم بالزور والافتراء والبهتان، ومنها قوله تعالى (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى يبن أيديهم وبأيمانهم) التحريم 8 فآمنهم الله من خزيه ولا يأمن من خزيه في ذلك اليوم إلا الذين ماتوا والله سبحانه ورسوله عنهم راض فأمنهم من الخزي صريح في موتهم على كمال الإيمان وحقائق الإحسان وفي أن الله لم يزل راضيا عنهم وكذلك رسول الله ومنها قوله تعالى (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) الفتح 18 فصرح تعالى برضاه عن أولئك وهم ألف ونحو أربعمائة ومن رضي الله عنه تعالى لا يمكن موته على الكفر لأن العبرة بالوفاة على الإسلام فلا يقع الرضا منه تعالى إلا على من علم موته على الإسلام وأما من علم موته على الكفر فلا يمكن أن يخبر الله تعالى بأنه رضي عنه فعلم أن كلا من هذه الآياة وما قبلها صريح في رد ما زعمه وافتراه أولئك الملحدون الجاحدون حتى للقرآن العزيز إذ يلزم من الإيمان به الإيمان بما فيه وقد علمت أن الذي فيه أنهم خير الأمم وأنهم عدول أخيار وأن الله لا يخزيهم وأنه راض عنهم فمن لم يصدق بذلك فيهم فهو مكذب لما فيالقرآن ومن كذب بما فيه مما لا يحتمل التأويل كان كافرا جاحدا ملحدا مارقا، ومنها قوله تعالى (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ولذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) التوبة 100 وقوله تعالى (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) الأنفال 64 وقوله تعالى (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) 8 - 10 الحشر.
فتأمل ما وصفهم الله به من هذه الآية تعلم به ضلال من طعن فيهم من شذوذ المبتدعة ورماهم بما هم بريئون منه، ومنها قوله تعالى (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) الفتح 29 فانظر إلى عظيم ما اشتملت عليه هذه الآية فإن قوله تعالى (محمد رسول الله) جملة مبينة للمشهود به في قوله (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق) إلى قوله (شهيدا) الفتح 28 ففيها ثناء عظيم على رسوله ثم ثنى بالثناء على أصحابه بقوله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم كما قال تعالى (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) المائدة 54 فوصفهم الله تعالى بالشدة والغلظة على الكفار وبالرحمة والبر والعطف على المؤمنين والذلة والخضوع لهم ثم أثنى عليهم بكثرة الأعمال مع الإخلاص التام وسعة الرجاء في فضل الله ورحمته بابتغائهم فضله ورضوانه وبأن آثار ذلكالإخلاص وغيره من أعمالهم الصالحة ظهرت على وجوههم حتى إن من نظر إليهم بهره حسن سمتهم وهديهم ومن ثم قال مالك رضي الله تعالى عنه بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام قالوا والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا، وقد صدقوا في ذلك فإن هذه الأمة المحمدية خصوصا الصحابة لم يزل ذكرهم معظما في الكتب كما قال الله تعالى في هذه الآية ذلك مثلهم أي وصفهم في التوراة ومثلهم أي وصفهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه أي فراخه فآزره أي شده وقواه فاستغلظ أي شب فطال فكذلك أصحاب محمد آزروه وأيدوه ونصروه فهم معه كالشطء مع الزرع ليغيظ بهم الكفار، ومن هذه الآية أخذ الإمام مالك في رواية عنه بكفر الروافض الذين يبغضون الصحابة قال لأن الصحابة يغيظونهم ومن غاظه الصحابة فهو كافر، وهو مأخذ حسن يشهد له ظاهر الآية ومن ثم وافقه الشافعي رضي الله تعالى عنهما في قوله بكفرهم ووافقه أيضا جماعه من الأئمة.
والأحاديث في فضل الصحابة كثيرة وقد قدمنا معظمها في أول هذا الكتاب ويكفيهم شرفا أي شرف ثناء الله عليهم في تلك الآيات كما ذكرناه وفي غيرها ورضاه عنهم وأنه تعالى وعدهم جميعهم لا بعضهم إذ من في منهم لبيان الجنس لا للتبعيض مغفرة وأجرا عظيما ووعد الله صدق وحق لا يتخلف ولا يخلف لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم فعلم أن جميع ما قدمناه من الآيات هنا ومن الأحاديث الكثيرة الشهيرة في المقدمة يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام ببذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع بتعديلهم والاعتقاد بنزاهتهم هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله ولم يخالف فيه إلا شذوذ من المبتدعة الذين ضلوا وأضلوا فلا يلتفت إليهم ولا يعول عليهم وقد قال إمام عصره أبو زرعة الرازي من أجل شيوخ مسلم إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به حق وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة فيكون الجرح به ألصق والحكم عليه بالزندقة والضلالة والكذب والفساد هو الأقوم الأحق
___________________
1031 المناوي
فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي (1031 هـ) الجزء1 صفحة339
المراد محبة الصحابة رضي الله عنهم كلهم حتى أن من أحب بعضهم وأبغض بعضهم لا يكون ذلك علامة على إرادة الخير به وقد اتفق أهل السنة على أن جميع الأصحاب عدول لكن قال المازوي في البرهان لسنا نعني بقولنا الصحابة عدول كل من رآه صلى الله عليه وسلم يوما ما أو زاره وقتا ما أو اجتمع به لغرض ما أو انصرف عن قرب بل الذين لازموه وعزروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون.
___________________
1270 الألوسي
الأجوبة العراقية للألوسي (1270 هـ) صفحة23
ليس مرادنا من كون الصحابة - رضي الله عنهم - جميعهم عدولاً : أنهم لم يصدر عن واحد منهم مفسق أصلاً، ولا ارتكب ذنباً قط، فإن دون إثبات ذلك خرط القتاد، فقد كانت تصدر منهم الهفوات ...." إلى أن قال: " ثم إن مما تجدر الإشارة إليه، وأن يكون الإنسان على علم منه: هو أن الذين قارفوا إثماً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم حُدّوا هم قلة نادرة جداً، لا ينبغي أن يُغَلَّب شأنهم وحالهم على الألوف المؤلفة من الصحابة - رضي الله عنهم - الذين ثبتوا