قرارات "أخطأها" أويحيى وأسقطها الرئيس
15-01-2018, 09:07 PM


سميرة بلعمري

رئيسة تحرير جريدة الشروق اليومي

توالت تدخلات رئاسة الجمهورية، "لفرملة" الوزير الأول أحمد أويحيى، ففي أقل من شهر واحد تدخل الرئيس لتصويب وتصحيح مسارات وخيارات ترجمت إلى قرارات وقعها أحمد أويحيى وأسقطها الرئيس بوتفليقة، وبإلغاء هذه القرارات التي يبدو أنها جاءت معاكسة لخيارات السلطات العليا في البلاد، وبعيدة عن توجهات الرئيس يعود باب الجدل ليفتح واسعا، ويغذي سلسلة من التساؤلات حول هوامش تحرك أحمد أويحيى، ومدى التزامه بتعليمات الرئيس ومخطط عمل الحكومة الذي صادق عليه مجلس الوزراء، وماذا عن مستقبل الرجل وبقائه على رأس الجهاز التنفيذي؟
المتابع للنشاط الحكومي، وتحديدا لنشاط الوزير الأول أحمد أويحيى يقف عند حالة الارتباك التي تطبع تحركاته والمد والجزر التي أخذتها غالبية قراراته الأخيرة، ورغم محاولات الرجل منذ عودته الى قصر الحكومة أوت الماضي إعطاء الانطباع أنه واثق من الخطوات التي يخطوها على المستويين السياسي والاقتصادي، إلا أن الواقع ومجريات الأحداث الأخيرة تقول غير ذلك، فأويحيى الذي أكد في آخر تصريحات صحفية أنه صريح جدا فيما يخص الوضع الاقتصادي للبلاد ورفع الرهان عاليا عندما قال ردا على انتقادات الوزير الأسبق للطاقة شكيب خليل لسياسته الاقتصادية" أن الأيام ستكشف إن كان يتجه بالجزائر نحو الإفلاس أو لا، قلعة قراراته تنهار على رأسه يوما بعد يوم.
وبعملية مسح بسيطة للأحداث والتفاعلات، ترى أطراف سياسية أن الرجل يسبح ضد التيار، وتوجهاته مناقضة لتوجهات رئيس الجمهورية، فبداية "رحلة" أو مشوار أويحيى كان ببطاقة صفراء أشهرتها الرئاسة في وجهه، عندما "صدم" الجزائريين وأرعبهم لدى عرضه مخطط عمل الحكومة بالبرلمان يتصريحات مفادها أن الموظفين في شهر نوفمبر الماضي، كانوا مهددين بعدم دفع أجورهم، وهي التصريحات التي اعتبرتها جهات أمنية رفيعة سابقة في تاريخ الجزائر، وأدرجتها ضمن تقاريرها أنها تصريحات مستفزة للأمن الاجتماعي ومهددة لاستقراره.
ثاني محطة، أظهرت أن أويحيى يمشي على خط مواز وليس متقاطعا مع السلطة، تصريحاته كأمين عام للتجمع الوطني الديمقراطي، عشية المحليات الأخيرة، فالوزير الأول وصف يوم الانتخابات بيوم "الجهاد" و"حرض" مناضلي حزبه على الوقوف في وجه الإدارة، وبعد إعلان النتائج تولت قيادات من حزبه مهمة إدارة "الحرب" على الإدارة، وتوجيه انتقادات علانية للولاة وضعت مصداقية نتائج المحليات على المحك، ذلك لأن أويحيى لم يرق له إشراف الإدارة على تحالفات المجالس الولائية مثلما زعمت قياداته.
الملف الثالث الذي أظهر أن تغريدات أويحيى خارج السرب، تصريحاته على هامش لقاء الثلاثية الأخيرة بخصوص ملف الأمازيغية، وهي التصريحات التي كال فيها التهم ضمنيا لحزب العمال، وقال أن هذه التشكيلة السياسية، حاولت "التخلاط" في منطقة القبائل باستغلال ملف الأمازيغية الذي أخذ حقه كما يجب، وبعد أربعة أيام من هذه التصريحات، فاجأ الرئيس بوتفليقة حضور مجلس الوزراء، بمن فيهم وزيره الأول أحمد أويحيى بقرار ترسيم الفاتح من السنة الأمازيغية عيدا وطنيا وعطلة مدفوعة الأجر، كما ألزم أويحيى بالشروع في وضع الترتيبات اللازمة لإنشاء الأكاديمية العليا للأمازيغية، التي قال إنها أخذت حقها من العناية!
رابع ملف يخص قرارا، يتعلق بإعلان أويحيى غلق مجال صناعة السيارات وانتقاء 10 متعاملين للنشاط في مجال تركيب السيارات السياحية وذات الوزن الثقيل دون غيرهم، هذا القرار الذي شكل موضوع برقية، وصلت الأطراف المعنية قصد تطبيق محتواها بعد التناول الإعلامي للموضوع، لحقت برقية أخرى بسابقتها تجمدها إلى حين، وإن لم يتطرق صاحب التعليمة الى أسباب التأجيل، فتصريحات وزير الصناعة يوسف يوسفي في الملف تؤكد أن جهة عليا تدخلت وفرملت القرار الذي شكل موضوع طعون تلقتها وزارة الصناعة.
أما النقطة التي أفاضت الكأس، والتي يبدو جليا أنها عكرت صفو الرئيس الذي اعتبر دوما المؤسسات العمومية والخيارات الاجتماعية خطا أحمر، فتخص المؤسسات العمومية وفتح رأسمالها للخواص، فالرئيس "مسح" أثار ثلاثية 23 ديسمبر الماضي بتعليمة فاصلة، جعلت وزير الصناعة الذي كان حاضرا في توقيع ميثاق فتح رأسمال المؤسسات ،"يتبرأ" منه، وعلى خطاه تصرف الأمين العام للمركزية النقابية، عبد المجيد سيدي السعيد ووفق منطق "شاهد ماشافش حاجة" قال إن الملف الاقتصادي من صلاحيات الرئيس وحده، وكأنه لم يكن طرفا في الميثاق الموقع.
الوزير الأول الذي لم يحاول الاستدراك رغم تحرك غريمه "الأفلان" في هجمة معاكسة، لم تبد عفوية جاءت تعليمة الرئيس "لتفرمله" وتلغي حتى القرارات التي اتخذها في إطار مجلس مساهمات الدولة، هذه التعليمة شبهتها أطراف سياسية، بذاك "العقاب" الذي حل بالوزير الأول السابق عبد المجيد تبون، فهل هي مجرد بطاقة صفراء ثانية أم أنها هذه الأخيرة التي تمهد لإشهار البطاقة الحمراء التي تحيل أي لاعب الى خارج الملعب، خاصة وأن متابعين للشأن السياسي وخبراء اقتصاديين، وصفوا سياسة أويحيى وتحركاته منذ عودته لقيادة الجهاز التنفيذي بسياسة المحاول نقل الرعب للمعسكر الآخر، فهل هي بداية النهاية أم نهاية البداية؟ الأكيد أن أويحيى سيجيب يوم السبت القادم عن العديد من الأسئلة لإنارة الجوانب المظلمة، وذلك خلال لقائه الصحفيين، في ختام دورة المجلس الوطني لحزبه.