لطائف تفسيرية
19-04-2018, 10:33 AM
لطائف تفسيرية
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

قال ابن كثير رحمه الله: عند قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ...﴾ الآية:
" ذكر تعالى أن أصل الخلق من أب واحد وأم واحدة ليعطف بعضهم على بعض، ويحننهم على ضعفائهم، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه أولئك النفر من مضر، وهم مجتابوا النمار – أي: من عريّهم وفقرهم - قام فخطب الناس بعد صلاة الظهر، فقال في خطبته: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء: 1]... حتى ختم الآية) الحديث[1]".

قال ابن القيم رحمه الله:
" كلما كانت نعمة الله على الرجل أتم: كانت عقوبته على الجرائم أتم؛ قال تعالى: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾ [الأحزاب: 30]". [2].

قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ ﴾ [المجادلة: 22] الآية:
" في الآية سر بديع؛ فلما سخطوا على القرائب والعشائر في الله عوضهم الله بالرضا عنهم وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم".[3].

وقال أيضاً - عند قوله تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ ﴾ [النور: 23] الآية:
" وقد أجمع العلماء -رحمهم الله- قاطبة على أن من سبَّ عائشة ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية، فإنه كافر؛ لأنه معاند للقرآن. وكذا الحكم في جميع أمهات المؤمنين".[4].
وقال:" لو وقعت ريبة من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مع صفوان رضي الله عنه: لما جاءت راكبة على راحلته في وقت الظهيرة والجيش بكماله يشاهدون ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم!".[5].

وقال في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ﴾ [الإسراء: 33]:
" وقد أخذ الإمام الحبر ابن عباس من عموم هذه الآية ولاية معاوية رضي الله عنه السلطنة، وأنه سيملك؛ لأنه كان ولي عثمان رضي الله عنه، وقد قتل مظلوماً.
وقد تمكن معاوية وصار الأمر إليه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، واستنبطه من هذه الآية، وهذا من الأمر العجب".[6].

قال قتادة رحمه الله في قوله تعالى: ﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ [الحشر: 14]:
" تجد أهل الباطل مختلفة شهادتهم، مختلفة أهواؤهم، مختلفة أعمالهم، وهم مجتمعون على عداوة أهل الحق".[7].

قال ابن جرير رحمه الله:
" من أتى شيئا من معاصي الله تعالى على علم من نهي الله عنها، فمصيبته في دينه أعظم ممن أتى ذلك جاهلاً به؛ لأن الله تعالى ذكره عظّم توبيخ اليهود والنصارى بما وبخهم به في قيلهم ما أخبر عنهم بقوله: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ ﴾ [البقرة: 113] الآية، من أجل أنهم أهل كتاب، قالوا ما قالوا من ذلك على علم منهم بأنهم فيه مبطلون".[8].

قال بعض العلماء:
" من حكمة الله تعالى: أن موسى عليه السلام تربّى في بيت فرعون - الذي كان يدعي بين قومه الربوبية - لكي يرى عن كثب افتراءه بظهور عيوب ونقائص البشرية عليه حين يأكل كما يأكلون، ويشرب كما يشربون، ويذهب إلى الخلاء كما يذهبون، فيُطلع قومه على ذلك".

" من سخافة قوم فرعون ونقصان عقولهم: أنهم آمنوا بفرعون رباً، ولم يؤمنوا بموسى وهارونعليهما السلام رسولين من عند الله: ﴿ فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 47]".

قال ابن جرير رحمه الله عند قوله تعالى: ﴿ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [هود: 5]:
" فاحذروا أن يطلع عليكم ربكم، وأنتم مضمرون في صدوركم الشك في شيء من توحيده، أو أمره، أو نهيه، أو فيما ألزمكم الإيمان به والتصديق، فتهلكوا باعتقادكم ذلك".[9].

قال ابن كثير رحمه الله:
" يستقصر الكافرون مدة الحياة الدنيا يوم القيامة في قوله تعالى: ﴿ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ﴾ [طه: 104]، وقوله: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ﴾ [الروم: 55]، وغرضهم بذلك: عدم قيام الحجة عليهم، وأنهم لم يُنظروا حتى يعذر إليهم".[10].

قال ابن جرير رحمه الله في قوله تعالى: ﴿ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ ﴾ [القلم: 43]:
" وإنما وصف الله - جل ثناؤه - بالخشوع الأبصار دون سائر أجسامهم، والمراد به: جميع أجسامهم؛ لأن أثر ذلة كل ذليل وعزة كل عزيز تتبين في ناظريه دون سائر جسده؛ فلذلك خص الأبصار بوصفها بالخشوع".[11].

ذكر الله تعالى هلاك قوم شعيب عليه السلام في سورة الأعراف بالرجفة، وفي هود بالصيحة، وفي الشعراء بعذاب يوم الظلة.
قال ابن كثير رحمه الله:
" وهم أمة واحدة اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقم كلها، وإنما ذكر في كل سياق ما يناسبه، ففي الأعراف لما قالوا:﴿ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا ﴾ [الأعراف: 88]، فأرجفوا نبي الله ومن اتبعه، فأخذتهم الرجفة.
وفي سورة هود قال: ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ ﴾، وذلك لأنهم استهزؤوا بنبي الله في قولهم: ﴿ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ﴾ [هود: 87]، قالوا ذلك على سبيل التهكم والازدراء، فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم، فقال: ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ ﴾.
وفي الشعراء قالوا: ﴿ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [الشعراء: 187] على وجه التعنت والعناد، فناسب أن يحقق عليهم ما استبعدوا وقوعه: ﴿ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ﴾ [الشعراء: 189][12].

قال الشاعر:
لقد جمع الله في آية ÷من الذكر ما دونه كل طبّْ
فقال الحكيم كلوا واشربوا÷ولا تسرفوا إنه لا يحبّْ

هوامش:
[1] تفسير ابن كثير (2/ 206).
[2] إعلام الموقعين (1 /395).
[3] تفسير ابن كثير (8/ 55).
[4] تفسير ابن كثير (6/ 31).
[5] تفسير ابن كثير/دار الفكر (3/ 334)
[6] تفسير ابن كثير (5/ 73).
[7] تفسير ابن جرير (22/538).
[8] تفسير ابن جرير (2/440).
[9] تفسير ابن جرير (12/323).
[10] تفسير ابن كثير (5/ 316).
[11] تفسير ابن جرير (22/117).
[12] تفسير ابن كثير (1/ 381).