جبل جليد!!؟
23-04-2018, 09:14 AM
جبل جليد!!؟
د.محمد السيد


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

تراه أبيضا، ناصعا، فيه مهابة، و تبدو قمته بكبرياء، تظنه صخرة بيضاء ثابتة ومثبتة، تتمنى أن تقترب منه وأن تلامس بياضه، وتلتقط معه أجمل الذكريات، وإذا اقتربت تشعر أن قامتك تتقازم أمامه!!؟.
وقد تراه في أحد الأيام والمواقف في حالة مزرية، وهو يتهاوى ويتجرد من مكانه، ويذوب عن ثباته، ويُغرق كل من حوله بفيضانات انهياره، فتكتشف أنه كان مجرد (جبل جليد ): يتعاظم ثم ينتهي...
وهنا أطرح سؤالي:
هل يشبه جبل الجليد أحدا في دنيا الناس، وهل أنت أحدهم!!؟.

تحبه ويحبك عمراً مديداً، تجعله سندك بعد الله، وكأنه جبل، وعندما تمر عليك طوارق الليل والنهار، كأول امتحان: يصبح (جبل جليد) تغرق في ماء تنكره وخذلانه!!؟.

يسير معك وكأنه شقيق روحك، تقدم له كل ما تستطيع ليكون سعيداً، يعلن لك الود في كل موقف، فإذا اشتد عوده ونافسته بشكل عفوي وبدون قصد: رماك بحجر الأنا، ليعلن الانهيار، وأنه كان مجرد....جبل جليد فقط.

يستخدمك في أكثر مواقفه، لأنه لا يجيد خدمتك إلا بالكلام فقط، ووقت إحسانك له لسنوات طويلة، فإذا شعرت أن لياقتك النفسية لا تستطيع أن تخدمه في هذا الموقف: تنكر لك، ورماك كما يرمي أحدنا علبة الماء بعد أن شربها، ولم يُبقِ قطرة فيها!!؟.
هنا ستعلم: إنه كان جبل جليد يريد أن يجمدك، لتكون كتلة له، وله فقط!!؟.

بياض وجهه وملبسه وحروف كلماته: تجبرك أن لا ترد طلبه حين أراد منك قرضاً مالياً، بل وتفرح أن سنحت لك فرصة خدمته، وربما هو الذي يصر على كتابة ذلك الدين وأنت ترفض، ويأتي موعد السداد، فيتنكر لك كل شيء فيه: الوجه والمحيا والحروف والكلمات، وتشعر أنك أمام جبل تنهار كل أخلاقه، لتكتشف بعد سبره: أنه ما كان إلا جبل جليد!!؟.

تكون محبوباً من الجميع، وبيتك وقلبك مأوى لكل أحبابك، وربما يسمع أهل بيتك شيئا من ضحكات مواقفكم، فيخبرونك بجمال ألفتكم ومحبتكم، فترد عليهم:" أن هؤلاء الأصدقاء:أعز ما تملك في هذه الحياة...".
وبعد موتك: ربما مسحوا المسحة الأخيرة على رؤوس أولادك، وهم في حاجته، فهو قادر أن يمسح ليستفيدوا هم فقط، ليحظى بصيت رقة القلب، وتلطخه أنانية اليد، وينتهي كل شيء، ولن تستطيع في قبرك: أن تدرك أن اختيارك: كان جبل جليد لا يدثر أولادك، وتذوب أخوته بموتك!!؟.

وسأترك لك بعض من تحتاج أن تسبر معدنهم، لتستشرف الدنيا والآخرة بالقرب منهم.
جبل الجليد: ربما تراه في نفسك ومواقف حياتك!!؟.

يقترض من البنك، ليسافر!!؟...جبل جليد
تسافر من أجل أن يقول الناس: إنها سافرت!!؟... جبل جليد
تكرم البعيد، وتبخل على أهلك!!؟...جبل جليد
تكرم الناس، ولا تسدد دينك!!؟...جبل جليد
تتصدق، وتبخل على والديك!!؟...جبل جليد
تكثر من النوافل، وتنام عن صلاتك!!؟... جبل جليد
تستخدم دينك، ولا تخدمه!!؟... جبل جليد
تتحدث عن جمال الصباح، وتنام عن صلاة الفجر!!؟...جبل جليد
تقدم أحدا على والديك!!؟...جبل جليد
في الدنيا أخلّاء، وفي الآخرة أعداء!!؟...جبل جليد
أن تجعل الله أهون الناظرين إليك!!؟...جبل جليد

تحذير:
"لا تقترب من الجبل الجليدي، فيوماً من الأيام، سينهار عليك، ولو التقطت معه أجمل صوره!!؟".

تعقيب:
تعليقا على ما ورد في مقال الكاتب، نقول بتوفيق الله:
يجب على المسلم أن يتخذ إحدى القواعد القرآنية الهامة: أساسا له في تعامله مع الناس، ومضمونها:" أن يحسن إليهم: ابتغاء مرضاة الله، لا طلبا لجزاء مالي، ولا ثناء قولي، فضلا عن الظهور بمظهر المحسن إليهم، الممتن عليهم!!؟".
يقول الخبير العليم في القرآن الكريم:
[إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)].(الإنسان).
ذلك السلوك النبيل هو: تعبير عملي عن:"الرحمة الفائضة من القلوب الرقيقة الرفيقة، تتجه إلى الله تطلب رضاه، ولا تبتغي بها جزاء من الخلق ولا شكراً، ولا تقصد بها استعلاء على المحتاجين ولا خيلاء.
لقد كان إطعام الطعام هكذا مباشرة هو: وسيلة التعبير عن هذه العاطفة النبيلة الكريمة، ووسيلة الإشباع لحاجات المحاويج، ولكن صور الإحسان ووسائله قد تتغير بحسب البيئات والظروف، فلا تظل في هذه الصورة البدائية المباشرة، إلا أن الذي يجب الاحتفاظ به هو: حساسية القلوب، وحيوية العاطفة، والرغبة في الخير ابتغاء وجه الله، والتجرد عن البواعث الأرضية من جزاء أو شكر أو نفع من منافع الحياة!!؟".
فالقصد هو:"هو تهذيب أرواح الباذلين، ورفعها إلى ذلك المستوى الكريم. وهو شطر لا يجوز إغفاله ولا التهوين من شأنه، فضلاً على أن تنقلب المعايير، فيوصم ويقبح ويشوه، ويقال: إنه إذلال للآخذين، وإفساد للواهبين".

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.