نحو إعادة ترتيب البيت الإسلامي
04-03-2015, 06:01 PM
لا شك أننا لما نمعن النظر في تاريخ الدعوة الإسلامية في العصر الحديث ونتتبع مسار ها البياني منذ ولادتها الأولى في بداية القرن العشرين كحركة جماعية منظمة نلاحظ الكثير من الإنحدار الذي كاد يقارب القاع أو الصفر بالمفهوم الرياضي للكلمة وهذا راجع بلا شك إلى كثرة الإخفاقات المسجلة والتجارب المنتكسة لأبرز طلائع الحركات الإسلامية في شتى بقاع العالم الإسلامي وعلى جميع الأصعدة ولم ينج من تيار الفشل المريع إلا النزر اليسير من بعض المنظمات والجماعات التي سرعان ما ذهب بريقها الوهاج بعد وصولها إلى مشارف الحكم فتاهت بذلك في أروقة السلطة وكسرتها الأحداث والمؤامرات ولم تستطع الدعوة الإسلامية المعاصرة اليوم أن تلملم جراحها وتكفكف دموعها وتستجمع قواها لتعود على أثارها بالنقد والتحليل باحثة على أسباب العطب وذرائع العطل المتجدد والمتكرر هنا وهناك ولعل أهم سبب يقف وراء ذبول هذه النبتة المباركة في أصلها يعود بالدرجة الأولى إلى افتقاد روادها إلى الرؤية الإستراتيجية الواضحة التي تسمح لها بالإرتقاء عاليا في السماء هذه الرؤية أو النظرية المستلهمة من روح الدين الإسلامي كما فهمه سلفنا الصالح البعيدة عن التميع والشطط والمستنيرة بالتجارب البشرية الناجحة لأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها بيدأننا نرى اليوم أناسا حديثوا الأسنان يعوزهم الإيمان العميق والفهم الدقيق يجعلون من بعض المسائل الفقهية والجزئيات الخلافية قاعدة في موالاة الآخرين ومقاطعاتهم ويتصدرون المجالس ويقودون الآلاف من الشباب الجاهل إلى حتفه بسلوكهم الأرعن وفكرهم الأهوج ولقد كانت الضريبة بالغة الأثر على الجماعات الإسلامية التي آثرت الغوص في أوحال السياسة- دون علم أو روية- فانتهت -أو هكذا أريد لها - نحو سراب لا طائل من ورائه وفقدت الكثير من شعبيتها وسمعتها بل وجفت روافدها الإجتماعية من جمعيات خيرية و ثقافية وتربوية وغيرها والتي كانت إلى وقت قريب تمدها بخزان من الإطارات الشابة المتقدة الحماس لكنها سرعان ما تلقى مصيرها المحتوم الذي يسوقها إما إلى الإنكفاء على النفس أو الإضمحلال في الحياة الإجتماعية نتيجة التهميش القاتل من قبل الأطر التنظيمية التقليدية من جهة والخلافات والتصادمات اللامتناهية مع جمعيات إسلامية أخرى تنشد نفس الهدف المتمثل في إحياء الإسلام وإعادة بعث روحه من جديد لكنها في واقع الأمر ما انفكت تتناحر وتتطاحن فيما بينها حتى تشفى فيها الأعداء ونعاها الأصدقاء وكاد يزج بها في رفوف متحف الأثار القديمة لتبرز لزوارها أثار حقبة من البداءة والبداوة والعنجهية وهنا أحس بالخزي وأنا أتذكر المراجعات التي قام بها العلامة الشيخ عبد الله جاب الله وهو يحكي بمرارة كيف إنقلب عليه أقرب مقربيه من الدعاة الذين صنعهم على عينه وتعهدهم بالتربية والتكوين لسنوات طويلة لكنهم لم يستطيعوا الصمود أمام مغريات السلطة ومناصب الحكم فكان أن انفضوا من حوله وتركوه يلقى مصيره المشؤوم لكن صدق فيهم قول القائل كناطح صخرة يوماًَ ليفلقها- فلم يضرها، وأوهى قرنه الوعل فالرجل -بتوفيق من الله - صبر و احتسب وعاود نشاطه متوكلا على الله يحذوه في ذلك إيمان راسخ وعلم واسع وخلق جم وأدب رفيع ومضى هذا العالم المربي في طريقه المستنير غير آسف على أولائك الهمج والرعاع واعتبر ذلك بلاء نزل به فواجه بالصبر والتجلد عسى أن يبعثه ربه مقاما محمودا وكم تمنيت من هذا الإمام الملهم أن تخط يده مرجعا في تاريخ الحركة الإسلامية في الجزائر ويتعهدها بالنقد البناء لأننا لمسنا عند الرجل صدقا في النوايا قل نظيره وعلما عميقا في مقاصد الدين وإلماما بالعلوم الإنسانية وقل من يحسن المزج بينهما في العالم الإسلامي اليوم