العلاج المجاني كذبة وعلى الضمان الاجتماعي مراجعة خدماته
19-09-2018, 10:40 AM



سيّدة تتجه إلى المستشفى لتضع مولودها فيكون الموت في انتظارها، وأخرى تلسعها عقرب فيكون الموت أيضا في انتظارها، مصاب بالسكري يتعرض لنوبة أو تعفن في الرجل فيطاله الإهمال ونقص الإمكانيات ويكون الموت أيضا في انتظاره.. هذا قليل من كثير يعانيه المرضى في مستشفياتنا العمومية ويتغنى المسؤولون المتعاقبون على اختلاف مستوياتهم بأن العلاج المجاني حق دستوري مكفول، لكنهم مع أول نوبة صداع تصيبهم يهرولون إلى العلاج خارج البلاد.. طبعا على نفقة الدولة الجزائرية…
أعاد السجال الذي دار بين وزيري الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات ووزير العمل والضمان الاجتماعي ملف مجانية العلاج في مستشفياتنا إلى السطح. فبين تهديدات من هنا وتطمينات من هناك، وجد المريض نفسه كرة يتقاذفها المسؤولون بعد أن تقاذفتها مختلف المصالح، حتى إنّ منهم من هلك ومات لأنه لم يستطع الحصول على العلاج في وقته ولم تضمن له “جزائر العزة والكرامة” موتا رحيما…
“الشروق” فتحت ملف واقع العلاج المجاني مع بعض جمعيات المرضى وحماية المستهلك فأجمعوا كلّهم على أنه لا وجود للعلاج المجاني في بلادنا وما هو موجود لا يتعدى كونه فحصا مجانيا دون ضمان بقية السلسلة الخدماتية الطبية.
ممثل الفدرالية الوطنية لعاجزي الكلى: فقراء ماتوا دون الحصول على بطاقة الشفاء والأطفال مجهولون في النظام
ذكر بوخرص محمّد، الناطق الرسمي للفدرالية الوطنية لعاجزي الكلى أن تصريحات هؤلاء المسؤولين تفضحهم أكثر ممّا تخدمهم. وأحالنا بوخرص إلى الواقع المرير الذي يعيشه يوميا مرضانا في مخلف المصالح والأقسام.
وأضاف المتحدث أن هناك فرقا كبيرا بين الفحص المجاني المعمول به في مؤسساتنا الصحية وبين العلاج المجاني الذي يتباهى به المسؤولون ولا وجود له فعليا، حتى في مصالح الاستعجالات أحيانا يطلب من أهل المرضى إجراء بعض التحاليل خارج المستشفى.
وأوضح المتحدث أكثر عندما قال إن هناك تلاعبات كبيرة في توظيف تصريحات المسؤولين فكثير من المرضى يجرون تحاليلهم وأشعتهم خارج المستشفى بحجة الضغط أو العطب وهو ما يكبدهم أموالا باهظة إلى أن صاروا مجالا للبزنسة بالتواطؤ مع بعض الأطباء الذين يوجهونهم نحو مراكز معينة دون غيرها تحت غطاء نوعيتها ودقتها وجودتها العالية، وما زاد الأمر سوءا هو عدم تعويضها من قبل “الكناص”.
بوخرص استدل في حديثه بالمادة 13 من قانون الصحة الجديد المتضمن مجانية العلاج غير أن التناقض بين هذه المادة والمادة 334 التي تتحدث عن تمويل النظام الصحي التي تفيد بأن المستفيدين من العلاج يمكن أن يستدعوا إلى المساهمة في مصاريف الصحة في إطار احترام إجراءات القانون.
وهو ما يحيلنا إلى القوانين التنظيمية التي قال المتحدث بأنها نادرا ما تصدر وإذا حدث فيكون بعد سنوات طويلة.
بوخرص قال إنه سبق له سماع مثل هذه التصريحات من قبل المدير العام للكناص الذي قال لهم إنه ابتداء من جانفي 2019 لا علاج لمن لا يمتلك بطاقة شفاء.
وتطرق المتحدث إلى الكارثة الحاصلة على صعيد استخراج بطاقات الشفاء بالنسبة إلى الفقراء والمعدمين على مستوى وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة التي تتماطل في منح بطاقات الشفاء فهناك من ينتظر بطاقته منذ عامين ويزيد ومنهم من مات دون أن يحصل عليها والمعضلة التي لم تجد حلا هي أن الأطفال الفقراء لا يحق لهم الاستفادة من بطاقة الشفاء لأن النظام لا يعرفهم ولا يجد لهم تصنيفا، وتساءل بوخرص قائلا من يجمد بطاقات الشفاء للفقراء ولصالح من يتم ذلك؟
رئيس جمعية مرضى السكري أوحدّة فيصل: العلاج المجاني كذبة
وصبّ رأي رئيس جمعية مرضى السكري لولاية الجزائر، فيصل أوحدّة، في نفس الاتجاه حين قال إن مجانية العلاج مجرّد حبر على ورق، فالمريض عندما ينتقل إلى المؤسسات الصحية لا يجد غير الطبيب وأحيانا لا يجده في بعض المناطق، أما التحاليل والأشعة و”السكانير” و”الإيارام” فحدث ولا حرج، فمواعيد ينتظر صاحبها السنة للحصول عليها والخواص “ينحرونه” لإجرائها بأثمان باهظة.
إذن يقول أوحدة المريض يستفيد فقط من الفحص المجاني وليس من العلاج المجاني وإلا كيف نفسر عدد النساء الحوامل اللواتي يمتن سنويا بسبب نقص الإمكانيات والأدوية داخل مستشفياتنا وكيف نفسر موت أستاذة جامعية فقط لأن عقربا لسعتها، حتى أدنى شروط النظافة غير متوفرة في مستشفياتنا وفي كثير من المصالح لا يوجد حتى كرسي متحرك لنقل المرضى العاجزين عن المشي.
ودعا ممثل مرضى السكري مصالح الضمان الاجتماعي التي ما فتئت تهدد وتتوعد الجزائريين بعدم علاجهم دون بطاقة الشفاء إلى مراجعة خدماتها والتفكير مليا في حلول جدية لما يعانيه المرضى المؤمنون وتسوية جميع وضعياتهم فالمرضى والمواطنون غير المؤمنين تجنّبوا التأمين لأنهم يعلمون أن الأمر كذبة وليست كل الأدوية معوضة والتحاليل لا تعوض، لذا لا بد من تحسين الخدمات والتعويض قبل مطالبة الناس بالتأمين فهذا مجرد استنزاف لجيوبهم والأمثلة على ذلك كثيرة فعندما يمرض جزائري ولا يجد له علاجا في بلده لا يحول أبدا للعلاج خارجا حيث يتوفر ذلك، بل يعاني في صمت إلى أن يموت.
الاتحاد الوطني لحماية المستهلك: بطاقة الشفاء لا تغني ولاتسمن من جوع
أمّا الاتحاد الوطني لحماية المستهلك على لسان رئيسة محفوظ حازورلي فقال إن بطاقة الشفاء بشكلها الحالي لا تسمن ولا تغني من جوع ولا يستفيد منها إلا قلة وفي مجال تعويض بعض الأدوية فقط أمّا التحاليل والأشعة والتصوير الطبي فكلها تتم في القطاع الخاص بثمن باهظ وتعويضها يكون بشكل رمزي جدا إلى درجة أن المرضى تخلوا عنه.
وأضاف حازورلي في بلادنا لا يوجد سوى الهياكل الصحية والكادر الطبي أما التجهيزات فهي ناقصة ومعظمها في حالة عطب دون صيانة لسنوات متسائلا لماذا لا نجد هذه المظاهر في القطاع الخاص ومن هو المستفيد من هذه الأعطاب المتكررة.
وأثار ممثل حماية المستهلك مسألة سوء التسيير في المؤسسات الاستشفائية التي جعلت المريض يحصل على موعد لعملية جراحية في غضون سنة كاملة فالميزانية المخصصة لقطاع الصحة ضخمة وكبيرة لكنها لا تنعكس إيجابا على المريض.
وفي الأخير طالب حازورلي بضرورة مراجعة قوانين الضمان الاجتماعي ومرجعيته في سن تعويضاته لأن هناك من يجني الثروات على حساب صحة المريض.