بأخلاقنا... لا بأخلاقهم!!؟
14-02-2016, 01:37 PM
بأخلاقنا...لا بأخلاقهم!!؟



الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:


من سنن الله - عز وجل – الكونية: اختلافنا في أصل خِلقتنا؛ فمِنا الطويل ومنَّا القصير، ومنا الأبيض ومنا الأسوَد، ومنا السمين ومنا النَّحيف، ومنا الغني ومنا الفقير. إلخ.
كذلك من الأمور التي يتفاوت فيها الناس:"المعاملة"؛ فمِنا حسَن الخلُق، ومِنا سيِّئ الخلُق؛ يقول الغزالي: "الخلُق الحسَن أفضل أعمال الصدِّيقين، وهو على التحقيق شطر الدين، وهو ثمرة مُجاهدة المتقين، ورياضة المتعبدين، والأخلاق السيئة هي السموم القاتلة، والهلكات الدامِغة، والمخازي الفاضحة، والرذائل الواضحة". فيض القدير:2 / 446).
ومن أصول مبادئ الإسلام:" المعاملةُ الحسنة والطيبة والكريمة" مع جميع الناس مؤمِنِهم وكافرهم، طيِّبهم وخبيثِهم، فمعاملة الإنسان هي: التي سيُحاسب عليها مِن ربِّه تبارك وتعالى، فإما: أن تكون معاملة حسنة طيبة، فيؤجر عليها، وإما: أن تكون معاملةً سيِّئة، فيستحقُّ عليها العقاب.
والمعاملة الحسنة مع الناس مِن حسْن الخلُق، فحسْن الخلُق من الركائز الثلاث الأساسية التي قام عليها الإسلام؛ وهي:" العقائد، والعبادات، والمعاملات"؛ لذلك حثَّنا المولى تبارك وتعالى على حسْن الخلق في كتابه الكريم إذ يقول:﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾، وقد جمع الله مكارم الأخلاق في آيةٍ واحدةٍ فقال: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾، قال مجاهد: "خذ العفو؛ يعني: العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسُّس؛ وذلك مثل قبول الاعتذار، والعفو، والمساهلة، وترك البحث عن الأشياء، ونحو ذلك":( تفسير البغوي:1 / 316).
وحثَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورغَّب في حسْنِ الخلُق بأقواله وأفعاله؛ فأما أقواله، فيقول:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة مِن خلُق حسنٍ، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء"؛ قال الشيخ العلامة:"الألباني" رحمه الله:( صحيح؛ انظر: صحيح الترغيب والترهيب، 3 / 5، برقم: 2641).

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
" ما مِن شيء يوضع في الميزان أثقل مِن حسْن الخلُق، وإنَّ صاحب حسْن الخلُق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة"؛ قال الشيخ العلامة:"الألباني" رحمه الله:( صحيح؛ انظر: صحيح الترغيب والترهيب، 3 / 5، برقم: 2641).

وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يا أبا ذرٍّ، اتَّقِ الله حيث كنتَ، وأتبع السيئة الحسَنة تَمحها، وخالق الناس بخلُق حسن"؛ قال الشيخ العلامة:"الألباني" رحمه الله:( حسن؛ انظر حديث رقم: 97 في صحيح الجامع).

قال الجُنَيد:{ أربع ترفع العبد إلى أعلى الدرجات، وإن قلَّ عِلمُه: الحلم، والتواضُع، والسخاء، وحسْن الخلق}. فيض القدير:3 / 88).

وقد تجسَّد حُسن الخُلُق وتمثَّل في شخص النبيِّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم في معاملته لزوجاته وأصحابه وجيرانه، بل وأعدائه أيضًا، ولم لا، وهو الممدوح من رب العالمين في قرآنه الكريم، إذ يقول: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾، فكان أحسن الناس خلقًا ودماثةً حتَّى مع أعدائه ومُخالفيه، وهو القائل صلى الله عليه وآله وسلم:" بعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق".[ الألباني؛ انظر: السلسلة الصحيحة، 1 / 112، برقم: 45].
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يَستعيذ بالله من منكَرات الأخلاق، فعن مِسْعَرٍ عن زياد بن علاقة عن عمه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهمَّ إني أعوذ بك من مُنكَرات الأخلاق والأعمال والأهواء"؛ ( انظر: صحيح الترمذي، 3 / 184، برقم: 2840).
والإنسان منا: يجب عليه أن يتعامل مع الناس بأخلاقه هو، لا بأخلاق الناس ومعاملتهم؛ لأنَّ الناس منهم الكاذب، ومنهم المنافِق، ومِنهم الغشاش، ومنهم السارق. إلخ؛ فلو أنَّك عاملت كل صنف من الناس بمعاملته وبأخلاقه: اجتمعت فيك كل مساوئ الأخلاق التي في الناس، ولتعلم أن: "كل إناء بما فيه يَنضح".
عامِلِ الناس بأخلاقك لا بأخلاقِهم؛ فإن لم يكونوا أهلًا للجنة بأخلاقهم، فكن أنت أهلًا للجنَّة بخلُقِك.
ولكن ما يُميِّزك بين الخَلق هو: انفِرادك في حسن خلقك، ومعاملتك الطيبة مع الناس.
وتعلَّم مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم هذا الخلُق الحميد حتى مع المخالفين له في الدِّين "كفار قريش"؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان معروفًا بالصادق الأمين، وكان الناس يَأتمنونه على ودائعهم وأموالهم وتجاراتهم، فلمَّا منَّ الله عليه بالرسالة، وبدأ بدعوة الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد: بدأت عداوةُ وبغْضُ الكفار له صلى الله عليه وآله وسلم، فلمَّا اشتدَّ أذى المشركين للنبي وأصحابه، أذن الله عز وجل له بالهجرة إلى المدينة المنورة، فخلَّف النبيُّ صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب مكانه؛ ليردَّ الأمانات والودائع إلى أهلها، ومَن هم أصحابُ الودائعِ؟، إنَّهم المشركون الذِين آذَوه وأخرَجوه من دارِه، ولكنَّ المصطفى صلى الله عليه وآله: لحسْنِ خلُقه: عامَلَهم بأخلاقه هو، ولم يُعاملهم بأخلاقهم هم السيِّئة؛ قال صلى الله عليه وآله وسلَّم: " أدِّ الأمانة لمن ائتمنك، ولا تخن مَن خانك".
ولتُدرك أن هناك مَن يَجرحك بأخلاقه، وهناك مَن يُحرجك بأخلاقه، الفرق بينهما نقطة، ولكنَّ المعنى كبير، فعليكَ بمُداومة السير على حسنِ الخلُق، والمعاملة الطيبة مع الناس، وإن أساؤوا إليك؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أَصِلُهم ويَقطعوني، وأُحسن إليهم ويُسيئون إليَّ، وأحلمُ عنهم ويَجهلون عليَّ، فقال له:
" لئن كنتَ كما قلتَ، فكأنَّما تُسفُّهم الملَّ، ولا يزالُ معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دمتَ على ذلك"؛ رواه مسلم.

قال الشاعر:
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعًا ♦♦♦ بالطوب يُرمى فيُلقي أحسن الثمرِ

منقول بتصرف يسير.