أأنتم أعلمُ أم الله!!؟
31-03-2018, 09:43 AM
أأنتمأعلمُ أم الله!!؟
حسين لقرع


عاد موضوع “المساواة” المزعومة بين الرجل والمرأة في الإرث إلى الواجهة مجددا في تونس، بعد أن خرجت شرذمةٌ من النسوة العلمانيات إلى الشارع، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، للضغط على السلطات وحملِها على الإسراع بتنفيذ وعدها الذي تقدّمت به في أوت 2017 بوضع تشريعٍ قانوني جديد ينصّ على “المساواة” في الإرث بين الجنسين، علما أن هناك لجنة نُصّبت لهذا الغرض يُنتظر أن تقدّم “اقتراحاتها” بهذا الصدد في الصيف المقبل!.
المعروف: أن الإرث من المسائل القليلة التي فصّلها القرآنُ الكريم منذ 14 قرنا تفصيلا دقيقا، ولم يوردها بصيغةٍ إجمالية، ما يعني أنه لم يترك فيها أيّ مجال للاجتهاد البشري، وقد تكفّل بتقسيم المواريث بين الورثة بآياتٍ مفصَّلة قطعيةِ الدلالة والثبوت لا تحتمل أي تأويل، ولا تتغير بتغيّر الظروف والزمان والمكان، ولذلك لم تكن هذه المسألة طيلة 14 قرنا محلّ جدلٍ أو خلاف بين فقهاء الأمة الإسلامية، على اختلاف مذاهبهم، فكيف يجرؤ بعض السياسيين التونسيين اليوم على تغييرها أو حتى الخوض فيها من خلال الزعم بأنها “من أمور البشر وتُركت للاجتهاد!!؟”، أيّ “اجتهادٍ” هذا مع كتاب الله؟، أأنتم أعلمُ أم خالقكم؟!، أليس “الاجتهاد” لتحسين أداء الاقتصاد التونسي، ومكافحة الفساد والفقر، وتوفير الوظائف للناس: أولى من التطاول على الشريعة باسم “الاجتهاد” المزعوم؟.
لقد نصّت إحدى الآيات بوضوح على أن “للذكر مثل حظ الأنثيين”، ويؤكد الفقهاء أن الحكمة من ذلك هو: أن الأخ الذي يرث ضِعف ما ترثه أختُه ملزمٌ بالإنفاق عليها إذا كانت تعيش معه، بينما لا تنفق هي على البيت شيئا مما ترثه، وتقسيم الإرث مناصفة بين الذكور والإناث هو: اتهامٌ لله تعالى بالتمييز والتفريق بين الجنسين، وبأنه تعالى “أخطأ” في هذه الآية، والعياذ بالله، وأن هؤلاء العلمانيين والنسوة التغريبيات المتحرِّرات هم من “سيصحّح” له “الخطأ”، أليست هذه وقاحة وتطاولاً من المخلوق على خالقه!!؟.
إن وضع قانون لإعادة تقسيم الإرث بين الجنسين مناصفة، سيثير الكثير من الخلافات والفتن داخل العائلات التونسية المُحافِظة بين الإخوة وأخواتهم حول الإرث: هل يقسّمونه وفقا للقانون الإلهي، أم تبعا للقانون الوضعي الجديد المخالِف له؟، وسيكون ذلك أحدَ أسباب العداوات وقطع الأرحام، وتراجع أواصر المودّة والتضامن بين الإخوة والأخوات، فضلا عن أنه سيُجبر القضاة على الحكم بغير ما أنزل الله إذا ما رُفعت إليهم هذه القضايا، والأخطر من ذلك: أنه سيمنح ذريعة للتنظيمات الدموية التي وُلدت كردّ فعل متطرّف على سياسات بورقيبة وبن علي التي ذهبت بعيدا في التملّص من أحكام الشريعة على مدار 65 سنة كاملة، لتجنيد المزيد من الأنصار في صفوفها، ما يزيد من متاعب تونس الأمنية، ومتاعب عددٍ من البلدان العربية التي تعاني الحروب والفوضى.
ونضيف أخيرا: أن المسألة لا تتعلق بـ”شأن تونسي داخلي لا يحقُّ لغيرهم الخوضُ فيه”، كما يزعم علمانيو تونس المتطرِّفون؛ فحينما يُمسّ كتابُ الله في أي بلدٍ إسلامي، ويُعتدى على أحكام الخالق بالتغيير والتبديل، فإن المسألة تخرج من نطاقها المحلي الضيِّق، وتصبح شأنا إسلاميا خالصا يحقّ لكل علماء الأمة وفعالياتها المختلفة التصدي له بالانتقاد والتحذير والنصح.