مقالات الطيب صالح في "المجلة" (2)
28-02-2009, 02:11 AM
الطيب صالح: التعاون بين جامعتي بيرقن والخرطوم
الطيب صالح
17/05/2007
الطيب صالح
17/05/2007
* في خضم الصراعات والمشاكل والحروب التي تستعر في العالم، يجد الإنسان بعض الظواهر التي تبعث على الأمل والتفاؤل، وتقوي الإحساس بأن الإنسان، بقدر ما في طبيعته من نزوع نحو الخراب والدمار، فهو أيضاً قادر على البناء وعمل الخير.
من هذه الظواهر التي لفتت نظري أخيراً، التعاون الذي نما بين جامعة (بيرقن) في النرويج والجامعات السودانية، وبخاصة جامعة الخرطوم. لقد زرت جامعة بيرقن أخيراً، بصحبة صديقي رجل الأعمال السوداني المثقف محمود صالح عثمان صالح. إنني مهتم ببلاد اسكندنافيا منذ زمن، وقد زرت الدنمارك والسويد، وزرت أوسلو، عاصمة النرويج مرتين من قبل. وفي كل مرة أزور هذه البلاد في أقصى الشمال الأوروبي، أزداد إعجابا بإنجازاتهم الكبيرة في خلق مجتمعات متقدمة متحضرة، لعلها أكثر تقدما من أي مجتمعات أخرى في العالم.
تعجبني فلسفتهم الواقعية في الحياة، وقدرتهم على إقامة مجتمعات متوازنة تجمع بين التكنولوجيا الحديثة المتطورة، والبساطة وعدم الإسراف في رفاهة العيش. ويخيل للإنسان أحياناً، أنهم أكثر من أي شعوب أخرى في العالم، توصلوا إلى حلولٍ لمعضلات العدالة والحرية، وأقاموا مجتمعات يسود فيها العدل، دون التضحية بحرية الناس وحقهم في اختيار أساليب الحياة التي تناسبهم.
وقد كان تأثير دول اسكندنافيا في ميدان العلاقات الدولية في الفترة بعد الحرب العالمية الثانية، تأثيراً خيرا. لقد أعطت دول اسكندنافيا المجتمع الدولي، سكرتيرين عامين للأمم المتحدة، وكان لهما، خاصة مستر داج همر شولد من السويد، تأثير عظيم في إرساء قواعد السلوك بين الدول، وفض النزاعات دون اللجوء إلى استعمال العنف. وعلى وجه العموم، فإن دول اسكندنافيا، كانت دائما سباقة إلى المساهمة الإيجابية في حل الصراعات التي تنشأ بين الدول، والمشاركة بهمة وعزم في برامج التنمية في الدول الفقيرة، وفتح أبواب مؤسساتها وجامعاتها، لتدفق الخبرة منها إلى الدول الفقيرة.
إنني ذكرت أنني زرت مدينة (بيرقن) وجامعتها هذه المرة بصحبة صديق هو نفسه من المنارات المضيئة في عمل الخير. ذلكم هو رجل الأعمال المثقف محمود صالح عثمان صالح.
إنه من الناس النادرين، الذين يخصصون بعض ما أنعم الله عليهم من خير، لنشر الثقافة وفتح الأبواب للتفاهم ومحاربة قوى الجهل والتخلف، وتعميق قيم الخير والإخاء بين الناس.
كل هذا الجهد الإنساني والثقافي العظيم، يتم عن طريق مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، الذي أنشأه الأستاذ محمود وعائلته، تخليداً لذكرى خالهم المرحوم عبد الكريم ميرغني.
وقد صار هذا المركز في وقت قصير، مصدر أشعاع ثقافي عظيم الأثر. إنه ينشر الكتب ويعقد الندوات، ويساهم مساهمة فعالة في عملية التبادل الثقافي بين السودان وبين مختلف دول العالم.
انتبه الأستاذ محمود مبكرا إلى الأهمية المتزايدة لجامعة (بيرقن)، وإلى المضامين المهمة وراء وجود علاقة وثيقة بين جامعة في أقصى الشمال الأوروبي، وبين جامعة الخرطوم في قلب إفريقيا. فبدأ من جانبه في توثيق هذه العلاقة، والمساهمة في تقوية هذا الجسر الإنساني العظيم بين السودان والنرويج. إنه جسر لو قدر له أن يبقى ويشتد إن شاء الله، فسوف يكون له بلا شك تأثير كبير.
هذا وقد سارع الأستاذ محمود فأهدى قسم الدراسات الإسلامية في جامعة (بيرقن) مجموعة من الكتب النادرة عن السودان نحو ستة آلاف مجلد، وهي كتب لا تقدر بثمن. فرحت بها جامعة (بيرقن) فرحاً عظيما، ووضعتها في مكان ملائم في الجامعة، لتصبح في متناول الدارسين والباحثين الذين يفدون إلى الجامعة من شتى بلاد العالم.
وجدير بالذكر أن جامعة (بيرقن)، رغم حداثة سنها، فقد أصبحت الآن ربما أهم مركز للدراسات الإسلامية في العالم، وتفوقت على جامعات أعرق منها مثل جامعة أكسفورد وجامعة لندن وجامعة (درم).
والواقع، أنه توجد وجوه شبه بين جامعة الخرطوم وجامعة (بيرقن).
جامعة الخرطوم مثل جامعة (بيرقن)، جامعة صغيرة الحجم نسبيا، وحديثة العهد نسبيا.
افتتحها الحكم البريطاني في بدايات القرن العشرين تخليداً لذكرى الجنرال غوردون الذي كان حاكما للسودان، وقتل في الثورة المهدية.
بدأت مدرسة ابتدائية، ثم مدرسة ثانوية، ثم صارت تعرف بـ (المدارس العليا)، بعد ذلك صارت كلية جامعية تابعة لجامعة لندن، وأخيرا صارت جامعة قائمة بذاتها.
استغرق نموها، إلى أن أصبحت جامعة مستقلة، أكثر من نصف قرن. ولكنها حين اكتملت، أصبحت جامعة متينة الأسس، يشار إليها في الحقل الأكاديمي، بأنها واحدة من أهم الجامعات في إفريقيا والشرق الأوسط.
نشأت مثل جامعة (بيرقن)، لتساهم في حل مشاكل محددة في بلد نام مثل السودان، فاهتمت بالبحوث الزراعية، خاصة البحوث المتعلقة بالقطن وهو من المحاصيل الأساسية التي يصدرها السودان. ويعتبر مركز الأبحاث الزراعية في (ود مدني) في الجزيرة، من مراكز البحوث المهمة في إفريقيا.
كذلك اهتمت جامعة الخرطوم بالبيطرة، نظراً للثروة الحيوانية الضخمة التي يتمتع بها السودان.
ورغم هذه الاتجاهات العملية، فإن جامعة الخرطوم بحكم كونها الجامعة الوحيدة في السودان إلى وقت قريب كانت تختار أنبغ الطلبة من سائر القطر، وتعطيهم إلى جانب التعليم العملي، تعليما نظرياً ذا مستوى عال جداً.
(للحديث بقية)
من مواضيعي
0 مقالات الطيب صالح في "المجلة" (3)
0 مقالات الطيب صالح في "المجلة" (2)
0 مقالات الطيب صالح في "المجلة" (1)
0 "أبطال يتحدون الهيمنة الأمريكية: هوغو شافيز، فيدل كاسترو وإيفو موراليس"
0 الحركات الجهادية.. كتاب جديد يسعى لتضليل الرأي العام الأمريكي
0 الفرصة الثانية: ثلاثة رؤساء وأزمة القوة الأميركية العظمى
0 مقالات الطيب صالح في "المجلة" (2)
0 مقالات الطيب صالح في "المجلة" (1)
0 "أبطال يتحدون الهيمنة الأمريكية: هوغو شافيز، فيدل كاسترو وإيفو موراليس"
0 الحركات الجهادية.. كتاب جديد يسعى لتضليل الرأي العام الأمريكي
0 الفرصة الثانية: ثلاثة رؤساء وأزمة القوة الأميركية العظمى