تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 05-02-2009
  • الدولة : الأردن/ الرمثا
  • العمر : 72
  • المشاركات : 1,896
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • ابن حوران is on a distinguished road
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
البعد الديني لمسألة جنوب السودان
19-04-2010, 10:41 AM
البعد الديني لمسألة جنوب السودان

مع إشارة الى الفترة بين 1989 ـ 2005


واضع المقالة: عبده مختار موسى ـ أستاذ مشارك في العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية

تقديم: كل يوم تخرج علينا في بلداننا العربية مشكلة يعرضها محركوها وكأنها ذات منشأ ديني أو عرقي، وكأن بلداننا هي الوحيدة في العالم التي تنفرد بوجود خليط من الأجناس والطوائف والديانات، ويحاول محركو تلك المشاكل أن يركزوا عليها باعتبارها مشاكل محورية، لينفذوا من خلالها الى تأزيم الأوضاع في كل بلد عربي من أقصى مغربه الى أقصى مشرقه.

وفي هذه المقالة التي هي أشبه بالدراسة يضع الدكتور عبده موسى مختار المثقف العربي أمام شرح مبسط لتلك الظاهرة في السودان، وددنا تقديمها كما نشرها في المجلة العربية للعلوم السياسية في عددها الأخير.

المقالة:

لم يكن الدين في يوم من الأيام مشكلة في العلاقات بين الجماعات السودانية المختلفة. ففي الواقع السوداني تسود روح التسامح، ولم يشكل الدين عقبة في طريق التعايش السلمي إلا بعد أن تدخلت السياسة. لذلك ينطلق هذا البحث من فرضية أن عملية تسييس الدين هي المسئولة عن تفاقم التوترات بين الشمال والجنوب، وأن النخبة هي المسئولة في ـ التحليل النهائي ـ عن ذلك.

يركز المقال بصفة خاصة على فترة الحرب بين حكومة الإنقاذ الوطني (التي جاءت بانقلاب عسكري في حزيران/يونيو 1989) وحركة التمرد (الجيش الشعبي لتحرير السودان)، وذلك حتى توقيع اتفاقية السلام في كانون الثاني/ يناير 2005.

يعني تناول البعد الديني لمشكلة جنوب السودان ضمناً الوجود المسيحي في السودان، لأن المسيحية هي الأكثر انتشاراً بين قبائل تلك المنطقة من إفريقيا بعد أن كانت تلك القبائل وثنية. صحيح أن الإسلام بدأ ينتشر لاحقاً في الجنوب، غير أن انتشاره ظل محدوداً لأسباب عدة، كان أهمها الاستعمار البريطاني.

أولاً: الوجود المسيحي في السودان:

(1)

بدأ اهتمام الإرساليات المسيحية بجنوب السودان في فترة الحكم التركي ـ المصري للسودان، حيث كان التبشير المسيحي يتطلع الى نشر المسيحية، ليس في السودان فحسب، بل من خلاله الى مختلف أجزاء القارة الإفريقية. لقد كان في نظرهم أن السودان مهم في هذه العملية بسبب موقعه في الطرق الى غرب وجنوب وشرق إفريقيا. كانت الجمعيات التبشيرية ترى في السودان بوابة للدخول الى مملكة إثيوبيا المسيحية، حيث كانت تخطط للسيطرة على الكنيسة القبطية هناك.

أما بالنسبة للحكم الثنائي البريطاني ـ المصري، فقد كان واضحاً منذ البداية دعم الإدارة البريطانية لنشر الدين المسيحي، حيث رحبت بالبعثات التبشيرية المسيحية والإرساليات وشجعت عملها في الجنوب. غير أن الإدارة البريطانية حاولت أن تخفي هذا الدور بالزعم أن الجمعيات التبشيرية في بريطانيا هي التي تقدمت بطلب الى السلطات البريطانية للسماح لها بالعمل في كل أنحاء السودان ـ الشمال والجنوب، بل أن الباحثين الغربيين، وكذلك النخبة الجنوبية يقولون إن الوجود المسيحي في السودان الشمالي كان سابقاً له في الجنوب، حيث دخلت المسيحية في القرن السادس الميلادي.

وعندما ظهرت بعض الأصوات داخل الإدارة البريطانية تنادي بإبعاد المسيحية من جنوب السودان، رد عليهم البعض بأن المسيحية في الجنوب هي الأصل. وأن الإسلام غير ملائم لتطور ورفاهية الشعب، وأن المسيحية هي الأهل لذلك، وأنها قادرة على تأسيس المدارس ونشر التعليم. من خلال المدخل الديني عمل البريطانيون على غرس فكرة أنه دون المسيحية لا يمكن تحقيق التقدم.

(2)

كانت الاستجابة فورية من الحكومة البريطانية لنداء البعثات المسيحية. ففي شباط/فبراير 1899 أجاز البرلمان البريطاني قراراً يلزم إنجلترا المسيحية بواجب (نشر المسيحية في السودان ودعم النشاط التبشيري). وأرسلت الحكومة البريطانية مذكرة توبيخ الى الإدارة البريطانية في السودان بأنها تعمل ضد الحريات الدينية السائدة في بلدٍ تحكمه المبادئ المسيحية.

شكل هذا الموقف البريطاني الرسمي تشجيعاً كبيراً ودعماً للبعثات التبشيرية لتعمل بحرية وبنشاط كثيف لنشر المسيحية في الجنوب، بل تعزز هذا المناخ الداعم للحملات التبشيرية بموقف مشترك بين الجمعيات التبشيرية والحكومة البريطانية، حيث (اتفق الجانبان على ضرورة إبعاد النفوذ الإسلامي من جنوب السودان بأسرع ما يمكن)*1

تنفيذاً لذلك، تم تقسيم جنوب السودان الى مناطق عمل للحملات التبشيرية بين البعثات المسيحية الكاثوليكية المختلفة، البريطانية والإيطالية والنمساوية وغيرها. وتنافست فيما بينها لتقديم الخدمات ونشر التعليم لتحظى بأكبر عدد من الجنوبيين في مظلتها. كما تمتعت بامتيازات كثيرة منها تخفيض 50% من قيمة تذاكر الركاب للعاملين في الجمعيات التبشيرية، وكذلك 20% من قيمة ترحيل أغراضهم وأمتعتهم على السكك الحديدية والبواخر النيلية.

غير أن الأخطر في هذا المشروع البريطاني لزراعة المسيحية في الجنوب وإبعاد الإسلام هو حملات التشويه التي انطلقت من مقولات خاطئة تدعي أن الإسلام خطر حيث يستند (أي الإسلام) الى معرفة عميقة بالمجتمع السوداني وينتشر ببطء، لكن بقوة، ممهداً الطريق لحملات دموية محمدية، ليكتسح كل القارة الإفريقية مهدداً أية مواقع مسيحية، وأن خطر الإسلام بالانتشار يكمن في أنه دين يتسم بالانحلال الخلقي (Loose Morality)، وتعدد الزوجات (Polygamy)، وسهولة وبساطة الطلاق، وفوق ذلك إباحته للنهب، وبالتالي يجد طريقه الى مشاعر السود، كما هو الحال في إغرائه لكل الشعوب غير المتحضرة.

هذا بلا شك منتهى الاستخفاف بالإسلام، وسوء فهم متعمد وتشويه مقصود. وبإمكانياتهم الكبيرة استطاع البريطانيون، ليس نشر المسيحية فحسب، بل وتأليب الجنوبيين ضد الإسلام وضد الشماليين المسلمين، وهكذا تحول الجنوب الى ساحة حرب ضد العرب والإسلام والسودانيين الشماليين

(3)

لذلك كان من الطبيعي أن يكون رد الفعل عنيفاً على هذا التشويه والتعسف ضد المسلمين، خاصة في ظل الحكومات الوطنية. ففي عام 1961 منعت حكومة (إبراهيم عبود) منعت الصلوات المسيحية خارج مباني الكنائس. وفي 27 شباط/ فبراير 1962، أعلنت وزارة الداخلية طرد كل البعثات التبشيرية من جنوب السودان، وكان عددها آنذاك 617 بعثة وإرسالية مسيحية تعمل في السودان. وكان الأغلب منها كاثوليكية. وقد برر وزير الداخلية الإجراء بأن عمل تلك البعثات يهدد وحدة السودان واستقراره

ألقت هذه الإجراءات بظلالها على العلاقات الشمالية ـ الجنوبية. وقد وصل الأمر الى قمته بإعلان جبهة الميثاق الإسلامي تطبيق الدستور الإسلامي، مما زاد من مخاوف الجنوبيين بأن الشماليين يسعون الى أسلمة الجنوب. كما تعززت هذه الكراهية بعد أحداث أخرى عدة، مثل أحداث (جوبا) في 8 تموز/يوليو 1965، و (واو) في 11 آب/أغسطس 1965، عندما فقد عددٌ من الجنوب أرواحهم نتيجة عمليات قام بها الجيش والشرطة ضد المتمردين والمتعاطفين معهم.

وعلى الرغم من عدم توفر أية تفاصيل دقيقة عما حدث، إلا أن من المؤكد أنها تركت الكثير من مشاعر المرارة في وجدان الشعب الجنوبي. فكان رد الفعل أن زاد متمردو (الأنانيا) من غاراتهم على الشماليين أينما وجدوا في الجنوب، بينما توحدت الأحزاب الجنوبية في المنفى ـ بعد بطش حكومة عبود بها ـ خاصة الجبهة الإفريقية لتحرير السودان (SALF)، وحزب الاتحاد الوطني السوداني الإفريقي (سانو SANU) اللذين توحدا خارج السودان، وشكلا جبهة تحرير (أزانيا) بهدف تأسيس دولة إفريقية حرة ومستقلة في جنوب السودان.

(4)

منذ أن جاءت حكومة (جعفر النميري) بأطروحتها الشيوعية (أيار/مايو 1969)، سعت الى دمج الشمال والجنوب في مشروعها الداعي للإشتراكية، على الرغم من أنها اعترفت بوجود فوارق تاريخية بين الجنوب والشمال، وأنها هدفت الى تحقيق وحدة انطلاقاً من هذه الحقائق الموضوعية (إن من حق شعبنا في الجنوب أن يبني ويطور ثقافته وتقاليده في نطاق سودان اشتراكي موحد)*2

انطلاقاً من هذا التوجه، أوكلت حكومة 11/أيار ـ مايو وزارة شؤون الجنوب الى القطب الشيوعي الجنوبي (جوزيف غارنغ)، الذي قام بإنشاء عدة مراكز في مدن الجنوب لتدريس الشباب في عددٍ من الدول الشيوعية، لإعداد مؤهلين ينفذون الحل الاشتراكي المرتقب في الجنوب. وقد علق واحدٌ من النخب الجنوبية، وهو (بونا ملوال)، على تلك السياسات بأنها (تنطلق من افتراض أن الجنوب لم يتشكل بعد، وليس فيه ما يمنع من الانتقال من عصر ما قبل الرأسمالية الى الشيوعية).

غير أن تلك السياسات لم تحقق أي تغيير كبير في الجنوب، وبقي الدين المسيحي يشكل عنصراً مهما في الأيديولوجيا الجنوبية، كما اتضح ذلك لاحقاً في أطروحات الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLA) في تعاملها مع نظام الإنقاذ الإسلامي.

في عام 1984 أقيمت صلاة في كنيسة (كتور) في (جوبا) اشتركت فيها كل الفئات الكنسية هناك تحت ستار (السلام والغذاء)، بينما كان مغزى الصلاة سياسياً، إذ صاحبها وضع ملصقات وشعارات تنادي برفض الإسلام والتعريب في الجنوب. وهو التوجه ذاته الذي تبنته الحركة الشعبية في مفاوضاتها مع الحكومة، خاصة في ما عرف بإعلان المبادئ (DOP)، الذي تضمن علاقة الدين بالدولة، حيث دعت الحركة الشعبية الى قيام نظام علماني في السودان، وهي النقطة التي كانت الأكثر جدلية في المفاوضات بين الطرفين طيلة التسعينات من القرن العشرين، وحتى (مشاكوس ونيفاشا ـ كينيا) بين عامي 2002 و 2005، حينما قدمت الحكومة الكثير من التنازلات، وتم توقيع السلام بين الطرفين.

كان العامل الديني في علاقة الشمال بالجنوب في فترة حكم الإنقاذ ـ التي أعلنت تطبيق الشريعة عام 1991 ـ أكثر وضوحاً من فترة حكم النميري، حيث أعلنت الإنقاذ الجهاد ضد المتمردين الجنوبيين، فدخلت العلاقات الشمالية ـ الجنوبية مرحلة جديدة من الأزمة والتعقيد والتدويل.

يتبع


هوامش من تهميش الكاتب
*1ـ Lilian Passmore Sanderson and Nivelle Sanderson, Education, Religion, andPolitics in Southern Sudan, 1899-1964 (London: Ithaca Press,1981 in: Beshir, Ibid, p.17
*2ـ Sanderson and Sanderson, Ibid
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 05-02-2009
  • الدولة : الأردن/ الرمثا
  • العمر : 72
  • المشاركات : 1,896
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • ابن حوران is on a distinguished road
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
رد: البعد الديني لمسألة جنوب السودان
19-04-2010, 10:43 AM
ثانياً: تسييس الدين

(1)


على المستوى الشعبي يتسم السودانيون ـ على مختلف أديانهم ـ بميل فطري نحو التعايش السلمي. كما تتوافر حرية ممارسة الشعائر الدينية لمختلف الأديان. وليس هناك تضييق من جانب السلطات على المواطنين في هذا المجال. وقد شددت كل الدساتير والقوانين السودانية على حرية الاعتقاد وحرية التدين والتعبد.

واستفاد ـ ويستفيد ـ المسيحيون من هذه الحرية أكثر من المسلمين، حيث تنشط الحركات التبشيرية في الجنوب، بل وبمختلف أنحاء السودان، بما في ذلك العاصمة الخرطوم، من خلال ما تقدمه للمواطنين من خدمات في مجال الصحة والتعليم وفرص العمل وغيرها، لاستمالة المزيد من السودانيين الى الدين المسيحي، بينما لا تنشط الدعوة الإسلامية بالكثافة ذاتها.

وينحصر معظم جهد الدعوة الإسلامية في توعية المواطنين المسلمين أصلاً أكثر من سعيها لاستقطاب مواطنين لاعتناق الإسلام. وعلى الرغم من ذلك، يشهد الكثير من المساجد بعض حالات إشهار الإسلام من مواطنين جنوبيين (مسيحيين)، لكن لا توجد إحصائية دقيقة في هذا المجال.

(2)

غير أن هناك بعض التصرفات من حكومة الشمال قد أسهمت بطريقة أو بأخرى في تسييس الدين. فمثلاً لم تكتف حكومة الفريق (إبراهيم عبود 1958ـ 1964) بقمع المعارضة السياسية (اعتقال سياسيين ونقابيين وطلبة شيوعيين)، بل قامت بالفعل ذاته في الجنوب. وبالإضافة الى ذلك، عملت الحكومة على تسريع عملية الأسلمة والتعريب في الجنوب لاعتقادها أن ذلك هو الطريق الوحيد لتحقيق الوحدة بين الشمال والجنوب. غير أن عملية الأسلمة والتعريب كانت تثير حفيظة الجنوبيين الذين لا يدين أغلبهم بالإسلام.

فقد كان واضحاً أن الإجراءات التي اتخذها نظام عبود في الفترة (1962ـ 1964) في بعدها المدني (طرد القساوسة وعمليات التعريب والأسلمة)، وفي بعدها العسكري (الهجوم على القرى وحرق المواطنين)، قد صعد من حدة القضية لتصبح صراعاً بين العرب والأفارقة، والمسلمين والمسيحيين، ودفعت درجة المطالبة الجنوبية بالفدرالية، وأخرجت الأزمة من إطارها المحلي الى نطاق دولي.

كان لهذه الإجراءات إسقاطات سالبة في الجنوب. ففي عام 1962 حدثت اضطرابات طلابية في (رمبيك ـ في الجنوب)، وبلغ الأمر حد العنف والعنف المضاد. ولعب القساوسة دوراً كبيراً في تأجيج الصراع. وكان التحريض على التظاهر وأعمال العنف يتم من داخل الكنائس. واتبعت حركة التمرد حرب العصابات التي تسترت بالقرى.

وأدت الإجراءات العقابية التي يتخذها الجيش الى فرار الآلاف من أبناء الجنوب الى خارج السودان. خاصة أوغندا وكينيا وإثيوبيا وإفريقيا الوسطى وتنزانيا. كان من ضمن الشخصيات المهاجرة أعداد كثيرة من السياسيين وأعضاء البرلمان، فأسسوا عدة تنظيمات، منها رابطة المسيحيين السودانيين، الأمر الذي أضفى على المشكلة بُعداً دينياً.

(3)

على المستوى النظري، تحاول الحركة الشعبية لتحرير السودان (splm) إبعاد الدين عن السياسة وتجريد الدولة من أي تأثير ديني. فهي تنادي في أطروحاتها الأساسية بسودان علماني.

ودعت الحركة الى إلغاء القوانين الإسلامية، وإرجاع النظام القضائي الذي كان سائداً قبل أيلول/سبتمبر 1983. لكن في الواقع عندما جاءت ثورة الإنقاذ ولجأت الى تجييش الشعب (في الشمال) بتحريك الوجدان الديني ضد التمرد، لجأ التمرد الى الدين، وصور الحرب بأنها بين الشمال العربي المسلم والجنوب الإفريقي المسيحي، واستدر عطف الرأي العام العالمي والدعم الدولي من هذا المدخل.

إن استخدام (جون غارنغ) لعنصر الدين في الصراع استدعته أسباب إستراتيجية، وهذا دفع بحكومة الإنقاذ الوطني الى أن تعلن الجهاد لتحريك هذه النزعة الضرورية للتعبئة لمواجهة خصم ترى الحكومة أنه مدعوم من الغرب المسيحي، عسكرياً وسياسياً وإعلامياً. لقد عمل (غارنغ) على تسويق مقولة إن الحرب هي صراع بين الإسلام (الأغلبية العرب) والمسيحية (الأقلية الإفريقية). وقد أثر هذا الطرح في نظرة الغرب الى الصراع في السودان، لأن الغرب المسيحي مهيأ أصلاً لقبول أي حديث سلبي عن الإسلام.

(4)

كانت نتيجة هذا التأثير أن نظمت الولايات المتحدة الأمريكية واستضافت عدة مؤتمرات ولقاءات وندوات في هذا السياق. من أمثلة هذه المؤتمرات كان مؤتمر ( الدين والقومية والسلام في السودان 16-17/9/1997)، وقد ذهبت بعض الأوراق في الحديث عن هويات مختلفة في السودان أساسها الدين.

في ورقته حول (الهويات المسيحية والكيانات العرقية في السودان)، ذهب (مارك نيكل) الى أن الكنيسة في السودان تنمو بسرعة جداً مقارنة بكل الدول الإفريقية، وأن اعتناق المسيحية في تزايد مستمر، وأن السبب وراء ذلك هو البطش الذي تمارسه الجبهة الإسلامية الحاكمة في السودان. وأشار كاتب الورقة الى أن التبشير المسيحي في فترة الحكم الثنائي (البريطاني ـ المصري) ومن خلال نشره للتعليم النظامي واللغة الإنجليزية والعقيدة المسيحية، استطاع أن ينمي وعياً وتضامناً وسط شعب جنوبي متنوع اللغة والثقافة، وأن المسيحية شكلت رافداً أساسياً لخلق هوية جنوبية موحدة مركزها الدين المسيحي، خاصة وسط الجنوبيين سكان المدن المتعلمين.

وبعد الاستقلال حاولت الحكومات الوطنية في الخرطوم أسلمة الأمة، وبذلك زادت حركة الاستقطاب بين الهويات الدينية، وزاد تعلق الجنوبيين بالمسيحية من إحساسهم بأن المسيحية تدعم قضيتهم، وأنها تشكل منبراً دينياً.

(5)

ظلت الحكومة السودانية، وباستمرار، تنفي وجود اضطهاد ديني للمسيحيين، ويشير المسئولون الى عدة وقائع وحقائق لتعزيز مقولاتها مثل:

ـ تطبيق الحكم الفدرالي استثنى الولايات الجنوبية من تطبيق الشريعة الإسلامية.
ـ تنظيم الحكومة السودانية مؤتمر حوار الأديان في الخرطوم (26ـ30/4/1993)، وملتقى (جوبا) في أيار/مايو 1994. كما تم تنظيم مؤتمر (ملكال في الجنوب) في تموز/يوليو 1994، ثم في مدينة (واو) في تشرين الأول/أكتوبر 1994، الذي شارك فيه المجلس البابوي في الفاتيكان، ومجلس الكنائس العالمي، ومجلس كنائس الشرق الأوسط، ومجلس الكنائس الإفريقي. ثم توج ذلك بقيام المجلس الاستشاري الإسلامي/المسيحي في مايو/أيار 2006، وأخيراً زار الرئيس السوداني الفاتيكان في عام 2007 والتقى البابا لبحث تعزيز التعاون.

ـ كما اختط المسيحيون والمسلمون نهجاً في المشاركة في المناسبات الدينية للطرفين، فكان المسيحيون يشاركون في مآدب إفطار رمضان، ويقومون بالمشاركة بالاحتفالات والأعياد الإسلامية، كذلك كانت تفعل الدولة برموزها الدينية والحكومية بالمشاركة بالأعياد والمناسبات المسيحية.

ـ زار وفد من الكونجرس الأمريكي، وطرح أسئلة على من يلتقيهم من المسيحيين من نوع هل يواجهون إعاقات من قبل الحكومة في إقامة شعائرهم الدينية، وكانت كل الإجابات تنفي وجود عوائق من هذا النوع. وقال لهم (الأسقف) : ليس لدينا مشاكل دينية في السودان. المشكلات الموجودة هي من إفرازات الاستعمار.

يتبع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 05-02-2009
  • الدولة : الأردن/ الرمثا
  • العمر : 72
  • المشاركات : 1,896
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • ابن حوران is on a distinguished road
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
رد: البعد الديني لمسألة جنوب السودان
19-04-2010, 10:44 AM
ثالثاً: الدين والهوية

تناول بعض الباحثين الوجود المسيحي المعاصر في جنوب السودان من خلال المجموعات المختلفة التي اعتنقت المسيحية:

كاكاوا وكوكو في منطقة (يي وكاجو كاجي): تقع هذه المنطقة جنوب غرب مدينة (جوبا). دخلت فيها المسيحية منذ ثلاثينات القرن العشرين. الآن تنتشر فيها الكنيسة على نطاق واسع. لكن المنطقة تعرضت لنزوح بفعل الحرب، حيث لجأ 50% من سكان تلك المنطقة الى شمال (أوغندا) والتي أصبحت أرض المنفى بالنسبة لهم، وقد أعادوا تفسير قضية المنفى في الإنجيل لتعبر عن حالهم وواقعهم. وبعد عام 1997، عندما وقعت منطقتهم تحت قبضة الجيش الشعبي لتحرير السودان، عاد منهم 80 ألف معتبرين ذلك بأنه وعد الله بالنصر المبين.

الأزاندي والباكا في منطقة طمبرة ويامبيو ومريدي: شهدت هذه المنطقة حركة نزوح كبيرة للسكان في إفريقيا الوسطى وزائير. وقد سيطر جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان على معظم هذا الإقليم. وصنف زعماء الكنيسة الإقليم شمالي يامبيو وحتى طمبرة بأنه (منطقة تبشيرية). يبدو أن (الأزاندي) أكثر القبائل تأثراً بالحرب، حيث نتج من الحرب عدم الاستقرار والتمزق الاجتماعي، وتأثرت الثقافة والأخلاق والقيم، في وقت لم تتبلور الهوية المسيحية للأزاندي بصورة كاملة. لكن الكنيسة تصدت لعملية حماية القيم والثقافة التقليدية، وتم جمع التراث ورعاية الأدب الشفاهي وفنون التداوي المحلي.

المفولو والولو في جور: يعتبر سكان هذه المنطقة منذ عهد الحكم الثنائي من أكثر السكان تعرضا للتهميش في جنوب السودان. وفي الثمانينات والتسعينات عانوا من تسلط الحكومة السودانية وجيش الحركة الشعبية على حد سواء. فهم أكثر السكان تخلفاً في الخدمة الصحية والتعليم، وليس لهم ما يفقدونه في الصراع، بل كان هدفهم الرئيسي هو البقاء. وحتى الثمانينات من القرن العشرين لم تكن هناك كنيسة في (جور)، لكن فجأة انتشر المد الكنسي، وأحدث تحولاً كبيراً في الحياة الاجتماعية والقيم، ففي تشرين الثاني/نوفمبر 1995، أعلن القس (ريوبين ماكير) أن الذين اعتنقوا المسيحية في المنطقة بلغ 16 ألف فرد.

المورو في مندري: على الرغم من قلة هذه المجموعة الزراعية، إلا أنها منذ عشرينيات القرن العشرين ظهرت على أنها الأكثر اعتناقاً للمسيحية، وتكيف السكان بسرعة مع التعليم النظامي، وأصبحت لهم نخبة متعلمة كبيرة نسبياً. وقد كان منهم أسقف الكنيسة في وقت سابق. وعندما تأثروا بالحرب كانت الكنيسة ملاذاً مركزياً للمجتمع الريفي.

5ـ النوير والأنواك في أعالي النيل: يرى الباحثون في حالة المسيحية في جنوب السودان أن القبائل النيلية في السودان شهدت أكبر انتشار دراماتيكيا للكنيسة. وتؤكد تقارير أن نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي شهدت توسعاً كنسياً غير مسبوق وسط قبائل (النوير) و (الأنواك) و (الشلك) و (الجيج). وقد نزح كل زعماء الكنيسة المسيحية الى إثيوبيا في الفترة ما بين عام 1986 و عام 1991 مع أنصارهم ليعيشوا في المنفى. وقد تحولت قرى بكاملها الى المسيحية في تلك المنطقة بعد تلك الفترة، وبلغ عدد البروتستانت 1500، وقد أُنشئت عشر أبرشيات في شرق وغرب أعالي النيل. وبلغ عدد التجمعات و الطوائف المسيحية ما بين 60 ـ 100، وبينما كان عددها أقل من 100 قبل عام 1983، فقد بلغ 800 في التسعينات. ويرى الأنثروبيولوجيون أن هذا التحول يشكل ظاهرة تستحق الدراسة من حيث الدوافع والأسباب.

6ـ جبال النوبة تحت سلطة جيش حركة تحرير السودان: على الرغم من أن منطقة جبال النوبة لا تقع جغرافياً في جنوب السودان، بل تتبع إدارياً ولاية جنوب (كردفان)، إلا أن هوية سكان المنطقة (النوبة) ـ ذوو الملامح الزنجية، ولغتهم غير العربية، وديانتهم المسيحية ـ دفعت بالحركة الشعبية لتحرير السودان الى استقطابهم إليها.

وقد امتدت الحرب الأهلية الى هذه المنطقة المتخلفة أصلاً، حيث كانت أطروحة الحركة تركز على أنها من المناطق المهمشة، إضافة الى وضع منطقة (الأنقسنا) في النيل الأزرق (الى الجنوب الشرقي من وسط السودان) التي ترتكز بالمبررات ذاتها على بُعد الهوية ومنطق التهميش. ترى حركة تحرير الشعب السوداني أن منطقة النوبة إقليم معزول، وتعتقد أنه ( تعرض لأبشع عمليات انتهاك حقوق الإنسان من جانب الحكومة السودانية في محاولة منها لاجتثاث الهوية النوبية). وقد سيطرت الحركة في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين على مناطق كثيرة في جبال النوبة، خاصة المنطقة التي تقع الى الجنوب الشرقي من طريق ( كادقلي ـ هيبان).

وتقول الحركة أن سكان المنطقة تعرضوا لاضطهادٍ مستمر، وقد وحد هذا الاضطهاد بين النوبة، مسلمين ومسيحيين، حيث جمعتهم قضية (أو قضايا) مشتركة، هي الظلم والاضطهاد والتهميش. كما لاحظوا أن هناك تحالفاً قوياً بين جيش الحركة والكنائس في المنطقة، مما يعزز البعد الديني في هذا السياق.

وقد زعم الباحثون الجنوبيون أن هناك حركة تحولات كبرى من الدين الإسلامي والديانات الأخرى التقليدية الى المسيحية، وأن الكنيسة بمختلف مذاهبها توجد بكثافة في المنطقة. لكنهم لم يقدموا إحصائية تثبت هذا الزعم. وجنبا الى جنب المسيحية، تم إدخال الإنجليزية كلغة تدريس أساسية، بينما يتم تدريس العربية كمادة فقط.

يتبع في هذا الباب
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 05-02-2009
  • الدولة : الأردن/ الرمثا
  • العمر : 72
  • المشاركات : 1,896
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • ابن حوران is on a distinguished road
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
رد: البعد الديني لمسألة جنوب السودان
19-04-2010, 10:45 AM
تابع لما قبله

(1)

إذن، النشاط التبشيري، واللغة الإنجليزية، والملامح الزنجية، والشعور بالتهميش، كلها عوامل أدت الى بلورة عامل الهوية الذي جعل النوبة أقرب ـ وجدانياً وعقلياً ـ الى الجنوب منها الى الشمال.

وفي تأكيد لأهمية الدين في بناء الهوية المشتركة، يرى الباحثون أن انتشار المسيحية بشكلها التقليدي المحلي (Verncular Christianity) أدى الى الانهيار التدريجي للحواجز الثقافية والعنصرية في هذه المناطق (الجنوب وجبال النوبة)، مما أدى الى توحيد الكثير من الجماعات على أساس ديني، فأصبحت هناك تجربة على أساس ديني ـ اثني (Ethncenteric Religious Identity).

لكن يعترف هؤلاء الباحثون أن في المدن الكبرى في الجنوب، خاصة في الإقليم الاستوائي، اعتمدت المراكز الحضرية المتعددة الإثنيات على لغة عربية محلية (عربية جوبا) لتوحيد العبادة بين الإثنيات. وقد استغلت الكنيسة الرومانية اللغة العربية لتسهيل العبادة الموحدة، وذلك للتغلب على مشكلة تعدد الهويات المسيحية في الجنوب.

ويرون أن الدين المسيحي زود الناس بالجنوب بالرؤية الاجتماعية والقيم الأخلاقية، وقد ذابت أو اندمجت التقاليد المحلية بالفكر المسيحي الذي هدد الثقافات العربية والإفريقية المحلية. وعملت المسيحية على تجديد وإعادة توجيه القيم والثقافات هناك، وفي الوقت الحاضر (يقدم مسيحيو السودان تجربة فريدة للكنيسة على مستوى العالم).

(2)

تشير الإحصائيات الى أن الحرب في جنوب السودان راح ضحيتها أكثر من مليوني سوداني، وقلّ ما توجد أسرة في الجنوب لم تفقد أحد أفرادها أو أحد أقاربها، بل إن هناك أُسراً لم يبقَ منها إلا فردٌ واحد. وترى الإنتلجنسيا الجنوبية أنه على الرغم من وجود المكوِّن الديني للحرب بصورة ثابتة، إلا أن عاملي الإثنية والعنصرية لا يمكن فصلهما عن المكون الديني، ذلك لأن المعاناة التي تعرض لها الجنوبيون المسيحيون قد أفرزت رباطاً قوياً بين الإثنية والدين.

كذلك هناك اعتقاد سائد بأن الإرساليات المسيحية التي تحالفت مع القوى الاستعمارية شكلت أدوات للإمبريالية الغربية، وعملت على تدمير المؤسسات المحلية. فقد لعبت الإرساليات والقوى الاستعمارية دوراً في إضعاف السلطة المحلية ونظام القيم السائد، كما أنها أسهمت في عملية الاستقطاب داخل الوطن.

لكن هناك من يقول إن البعثات التبشيرية لم تدخل جنوب السودان إلا في بداية القرن العشرين، وأنه لم يكد يصل الجيل الذي تعلم من الإرساليات الى سن الرشد إلا عند استقلال السودان. وبعد مضي عقد واحد من الاستقلال طردت الحكومة الجمعيات التبشيرية.

ومهما يكن من طول أو قصر فترة التعليم الأوروبي ـ عبر الإرساليات ـ فإنه ترك أثراً في الجنوب لا يمكن تجاهله على الأقل من خلال تشكيله لطبقة من المتعلمين والتمهيد لظهور نخبة وإنتلجنسيا جنوبية، التي ـ على قلتها ـ بلورت قضية الإقليم بصورة واضحة في العقود التالية؛ هذا بغض النظر عن الأسلوب العسكري الذي انبثق في الصراع مع الشمال.

(3)

كانت أول مغامرة للإرساليات في العصر الحديث في السودان تلك التي قامت بها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في بعثتها الى وسط إفريقيا في منتصف القرن التاسع عشر، إذ أقامت لها محطات في جنوب السودان، واستمرت في عملها هذا بصورة منظمة لأقل من عقد. أما انتشارها في الشمال، فكان محصوراً وسط الشباب الجنوبيين من الذين تم تحريرهم من الرق واستقروا في الشمال. وفي نظر الجنوبيين أن تحررهم تلازم مع اعتناقهم المسيحية، وكأنه تحرر روحي من قوى الشر.

ومنذ البداية والى اليوم، يعتقد المسيحيون السودانيون أن الكنيسة تشكل ملاذاً آمناً من العدوان، بالمعنى الروحي والمادي. وبالتالي أصبح اعتناق المسيحية صنواً للتحرر من العبودية، وأصبحت المسيحية تشكل السلوى والعزاء من ماضي الرق وواقع الاضطهاد والتهميش. فالمسيحية تعني لهم الأمل والرجاء من الله، الذي يحول العبودية الى حرية والموت الى بعث.

وللدين المسيحي بعد ثقافي واجتماعي واضح عند الجنوبيين. فالترانيم والموسيقى في الكنيسة أعطت مساحةً وصوتاً للمفاهيم اللاهوتية المحلية. وأصبحت تشكل إطاراً حيوياً للتضامن والابتكار. كما أن استخدام اللغات المحلية أدى الى تعزيز الصلة بين الإثنية والهوية المسيحية.

وقد تكاملت الطقوس الدينية والترانيم الكنسية مع الأدب والفنون الإفريقية المحلية للجنوبيين، فوجدت طريقها الى وجدانهم لتشكل هوية جديدة أساسها الإثنية الإفريقية والمسيحية. ويرى الباحثون الجنوبيون أنه على عكس ما كان يُتوقع، فإن الكنائس سعت في سودان ما بعد الاستقلال الى حماية الهويات الإثنية.

(4)

تعتقد الإنتلجنسيا الجنوبية أن سياسة (فرق تسد) التي لها تاريخ طويل في السودان، والتي استخدمها الأوروبيون والعرب على حد سواء لتدمير المجتمعات الجنوبية وكسر مقاومتها، قد استخدمتها أيضاً حكومة جبهة الإنقاذ بصورة أشد تنظيماً وقسوة مست كل مستويات النظام الاجتماعي.

لقد شكلت حكومة الجبهة الإسلامية مليشيات مسلحة أحدثت بها الانقسام وسط الجنوبيين، ونشرت بينهم السلاح والفتنة. وقد وجدت هذه السياسات التربة الخصبة في المجتمع الجنوبي المنقسم أصلاً بالعصبية العرقية. ويرى البعض أن الجبهة الإسلامية تمارس التكتيكات نفسها في جبال النوبة، مثل التطهير العرقي، وتفكيك الأسرة، بعزل الزوج عن زوجته، وكذلك الأبناء، وإضعاف الترابط الديني والأسري والعشائري والقبلي تمهيداً لتدمير التماسك الاجتماعي وتذويب الهوية.

كذلك، مازال العقل والوجدان الجنوبي مشحوناً بمرارات الماضي. فبين الحين والآخر يردد الجنوبيون قصص تحطيم الكنائس منذ الستينيات من القرن الماضي، ويقولون أنه حتى في الخرطوم (تمت مصادرة الكثير من المباني الكنسية وتحويلها لصالح الجبهة الإسلامية. ولم تسلم حتى الكنائس المشيدة بمواد محلية في أطراف العاصمة ومعسكرات النازحين).

(5)

ترى النخبة الجنوبية في الاعتداء على الكنائس اعتداء على التماسك والنظام الاجتماعي والقيم الدينية. كذلك يشير الباحثون الى قصص الاختطاف والاعتقال والتعذيب والقتل التي يتعرض لها القساوسة وغيرهم من زعامات الشمال والجنوب. ورغم أن كل الحكومات السودانية كانت تقوم بتلك الممارسات، إلا أن الجبهة الإسلامية هي الأشد تنكيلاً. حيث تقوم الجبهة بخطف الأطفال وأسلمتهم وتحويلهم الى مقاتلين ضد أقوامهم.

أما حكومة الإنقاذ (الجبهة الإسلامية القومية)، فقد كانت تنفي باستمرار هذه التهم وتصفها بأنها ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتقدم الكثير من الأمثلة التي تفيد بأنها تعزز التعايش السلمي. ويبدو أن الاختلاف الديني لا يشكل مشكلة بين السودانيين، غير أن تسييس الدين هو الذي يفجر المشكلات والتوترات بين الطرفين، ويعمل على توليد الحساسيات وتعقيد المشكلة، بل وتدويلها.

(6)

من جانب آخر يرى الجنوبيون أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ، تفسر الدين تفسيراً ضيقاً. فهم يرون أن الجبهة الإسلامية قد حولت الحوار الديني الى قمع سياسي وعسكري، وأن هذا المسلك عزز تمحور الهوية الجنوبية حول الدين المسيحي، وهي العملية التي بدأت منذ أكثر من قرن، بل أن كثيراً من الجنوبيين يعتقدون في شرعية دينهم وأسبقيته على الإسلام في السودان، مشيرين الى وجوده وتواصله منذ قبل الإسلام متمثلاً في مملكة النوبة المسيحية، وأن المسيحية الآن تُبعث ويُعاد إحياء تُراثها.

لكن البحث يوصي بأن تترك النخب السياسية في الشمال والجنوب، العامل الديني لميكانيزمات المجتمع السوداني المتسامح. فليس هناك ما يثبت أن المسيحيين سعوا يوماً الى إجبار المسلمين على التحول الى المسيحية أو العكس. كما أن الدين الإسلامي، وعبر القرون، انتشر بالطرق السلمية ـ بالقدوة والثقافة والقيم الأخلاقية ـ عن طريق العرب الرُحل وحركة العلماء والتجار والطرق الصوفية، أكثر وأسرع مما انتشر بالفتوحات.

انتهى
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 10:11 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى