حديث الصباح.. المُتَرَفِّعُ و المُتَكَبِّرُ..
26-07-2018, 06:52 AM
المتتبع لكتابات الأديب السوري ندرة اليازجي يقف على المستوى الراقي و هو يتناول قضايا الأمة العربية، و ما بلغته من انحدار، حيث باتت تعيش في حضارة البؤس، و اليازجي ليس أديب فقط، بل فيلسوف أيضا، يرى الدنيا ألعوبة، فقد عالج اليازجي كل أنواع الأمراض الإجتماعية و الفكرية التي مسخت الإنسان فجعلته كالدمى تحركها أيدي العبث الفكري و الثقافي، و قدم عدة أسباب لضياع الإنسان، فنجده في بحوثه يتحدث عن الفردية و الشخصية، إذ يقول: إن الفردية تتكبر لأنها في إطار الإنفعال بالعناصر الوهمية، أما الشخصية الحقيقية فهي لا تتكبر لأنها تحاكم و تعقل دون أن تنفعل، فهي لا تغير مواقفها بل تعدل ذاتها باستمرار، و عليه فالترفع يشير إلى الرفعة و التسامي و العفة، أما الكبرياء فهو انفعال يطيح بالمرء الذي تسيطر عليه عقدة النقص، و الكبرياء عند اليازجي يقوم على عنصرين أساسيين هما: الخيال الجامح و الإنفعال.
فالمتكبر يتفاخر على غيره حتى كان يتصف بصفاته، و نجده يتفاخر على الإنسان الآدمي، ذلك الإنسان المتكامل بصفاته الخُلقية، المنسجم في كيانه، المتواضع في إنسانيته، العميق في تفكيره، المتعالي في عزته و كرامته و الطيب في صميمه، أما المترفع فنجده يترفع عن أفكار و نوايا الكاذب و المخادع و الأناني دون أن يتكبر عليه، و هكذا يتمثل سلوك المترفع في مظهرين أساسيين ذكرهما اليازجي و هما: محبة الآخرين التي تمده بقوة تسمح له بمساعدتهم و التعاطف معهم و العمل على تقويمهم و النهوض بهم دون مقابل، و السّعي إلى إعادتهم إلى جوهرهم الإنساني، كما تسمح له أن يتألم من أجلهم ألما إيجابيا، و يضرب اليازجي المثل بغاندي الذي استطاع أن بترفعه أـن يحرر عشرات الملايين من المنبوذين في المجتمع الهندي، لم يكن غاندي متكبرا، بل كان مترفعا، رفيعا، ساميا، محبا، متفتح القلب و العقل لا طائفيا و لا طبقيا، يحقق إنسانيته في تفاعله مع الآخر، لقد حرك غاندي قلوب الهندوس بحبه لهم، و زرع المحبة في صدورهم و علّمهم الترفع، علمهم الحُبّ لأنه أحب و يحب، و حبه رفعه إلى الترفع فكان حرًّا في أعماقه.
علجية عيش
عندما تنتهي حريتكَ.. تبدأ حريتي أنا..