فيلم العربي بن مهيدي ... ومقص الرقيب .
04-09-2018, 08:25 AM
فيلم العربي بن مهيدي ... ومقص الرقيب .


[SIZE="4"]أرشيفات الأمم تُفتح صناديقها ، وأفعال شخوصها و زعمائها وأبطالها لتخضع للبحث والنبش والتقييم كل نصف قرن من حدوثها ، فأحداث ثورتنا وتفاعلاتها الإيجابية والسلبية محل جدل في الآونة الأخيرة تترجمه مذكرات الفاعلين في الثورة ، والنقاشات الحادة في وسائل الأعلام المختلفة .

°°ألفنا مشاهدة أفلام الثورة التي تبرز الجانب البطولي للثورة كالتي انتجها أحمد راشدي (الأفيون والعصا) مثالا ، فهي أفلام مقيّسة وموزونة خضعت لكثير من التجميلات التي تستبعد جوانب الظل من تاريخنا .

ا°°نتاج الفيلم يحتاج إلى إمكانات مادية وبشرية وسناريو محكم التنزيل ، تقرأه اللجنة الممولة لتصادق عليه [وفق أهداف له مرسومة مسبقا] ، ويمكن متابعة انجازه و تقييمه قبل عرضه في القاعات .
فمُمول الفيلم هو الذي يحدد الغاية منه ، إن كان عسكري ، أم سياسي ، ...... تلخيصا لا يمكن السير في دروب مظلمة بلا أهداف .

معضلة فيلم العربي بن مهيدي .

°°استغرق العمل في انجازه وتصويره خمس من السنوات ، وصرفت من أجله الملايير ، وكان من المتوقع عرضه للمشاهد الجزائري خلال هذا الشهر ( سبتمبر 2018) غير أن رياحا قد هبت وعرقلته ، فاللجنة التي شكلتها [ وزارة المجاهدين] رفضته ومنعت عرضه في الداخل والخارج لأسباب تتمحور على عدم مطابقته للنص الأصلي ، قصر فترة الطفولة مقارنة بالجانب السياسي الذي طغى على حساب الفعل الحربي ، مع غياب المشاهد التي تبرز العمل الوحشي الهمجي في استنطاق واغتيال الشهيد الرمز ، وإظهار الخصومة بين قيادات الثورة بين الداخل والخارج هي كلها أخطاء وجب تلافيها .

°°مخرج الفيلم بشير درايس bachir.derrais انتفض وقال بأن الفيلم مطابق للعقود المبرمة مع وزارة الثقافة صاحبة الفيلم ، وأن المخرج له صلاحياته التي يخولها القانون في إظهار الحقيقة ، وفيلمه ذو طابع( سياسي ) وليس حربي ، وأن ابراز اغتياله ومختلف وسائل التعذيب التي تعرض لها البطل تحتاج إلى دلائل ثابتة مؤرشفة ويقينية ثابتة ، ورفع المخرج دعوى قضائية ضد وزارة المجاهدين لجبر الضرر ، وأنه ساع في دعواه حتى النهاية ، ووعد الجمهور الجزائري بمشاهدة الفيلم مستقبلا.

أخطاء الماضي ... وأخطاء الحاضر .

°°نظامنا الحاكم شمولي يتحكم في كل الشيء ، فكل شيء خاضع للرقابة حتى الثقافة سيَّسُوها وأدلجوها و صبغوها باللون الذين يريدون .
فإن اخطأ ثوارنا بأن أبانوا لبعضهم العداء حتى وصل حد ( التصفيات السياسية ) تنافسا على السلطة والمكانة ، وهي ميزة كل الثورات ، فالثورة الفرنسية الوهج ، زمن روبيس بيير Robespierre كان شعارها مرعب ،( أرسل خصمك للمقصلة قبل أن يرسلك إليها ) ، فثورتنا ليست استثناء فما يمنع في الفيلم موجود حقيقته في الكتب ووسائل السمعي بصري بتنوعها ، فالأموال جزائرية يجب صرفها في خدمة [الثقافة والحقيقة ] وليس خدمة لأديولجية نظام حكم جثم على البلاد بوجه تعسفي منذ فجر الإستقلال إلى الآن .
لماذا الخوف من الحقيقة ....

طرح الفيلم لقضايا الإختلاف بين الداخل والخارج الظاهر في علائق (لجنة التنسيق والتنفيذ ) و ( الوفد الخارجي) الذي وقع تحت سيطرة عبد الناصر هو السبب في اغتيال الفيلم وتعطيله ، فالمشهد الخطابي بين بن مهيدي وبن بلة [شربت قهوة مع عبد الناصر شفت روحك شاف ، ومعلم كبير ]هو القنبلة المخيفة للنظام الذي بنا شرعيته على الوهم الناصري ، فجماعة وجدة المسيطرة على دواليب النظام لحد الآن هي صنيعة جمال عبد الناصر وهو ما يبرزه المخابراتي المصري (فتحي الديب) في كتابه عبد الناصر وثورة الجزائر .
فتعطيل الفيلم لدواع أو لأخرى هو هدر للمال العام ، وتبذير للجهد الذي استغرق 5 سنوات ، فما منع وزارة الثقافة تقييم العمل قبل نهايته ، ولماذا لم يُكتب سيناريو الفيلم والموافقة عليه قبل مباشرة العمل .
°°اخفاء الحقاق والسكوت عن الأخطاء جريمة لا تغتفر في حق أجيال الحاضر والمستقبل ، لأن تربية الأمة على ) الفنطازيات و المجد الزائف ( سرعان ما يتبخر أمام الحقيقة التي يصطدم بها المتلقي ، فالأحسن معالجة أخطائنا بأنفسنا ، قبل أن يفجرها أعداؤنا في وجوهنا وقد الشدة والأزمة ؟ !

°°فنانو اليوم أكثر انفتاحا على العوالم الخارجية المؤثرة ، وهم أقل استجابة للأوامر والتوجيهات ،يدركون مآلات الرغبة في تدجين الأعمال الفنية لتطابق سياسات الأنظمة ، و صراع المخرج بشير درايس مع وزارة المجاهدين أبانت بأن الدولة تحتكر لصالحها ( الكلمة، والصورة ، والكتاب ) وبأموال العامة ، لعل الصراع بادرة خير سيفضي إلى تحرير الثقافة والفن من المهيمنين .
[/SIZE]
°°°نحن فعلا نعيش أزمة ذاكرة . فلكل جماعة ذاكرتها الخاصة .