ثورة عبد الرحمن بن مروان بالبرتغال
12-06-2016, 07:29 PM




مدينة بطليوس التي أسسها عبد الرحمن بن مروان

البرتغال في عهد إمارات الطوائف الأولى:
تولى الخلافة عبد الرحمن (الثالث) (الناصر لدين الله) والأندلس تعيش فترة مضطربة بسبب الخلافات السياسية والصراعات الطائفية التي كانت قائمة بين السلطة المركزية والعناصر المكونة للمجتمع الأندلسي (العرب، البربر، المولدون) التي استغلت ضعف حكومة قرطبة، فقامت بثورات عنيفة في جهات مختلفة قادها في البداية المولدون، فالبربر، ثم العرب، أدت إلى ظهور دويلات مستقلة أطلق عليها: (دويلات الطوائف الأولى). نذكر منها -بالنسبة للمولدين- بني قسي أو بني موسى الذين استقلوا بمنطقة سرقسطة أو الثغر الأعلى. ثم بني مروان الجليقي، وقد استقلوا بولاية بطليوس في غرب إسبانيا (حاليا على الحدود البرتغالية). وبني حفصون الذين استقلوا بالمرتفعات الجنوبية الإسبانية الممتدة بين مدينتي رندة غربا ومالقة شرقا, وكانت قاعدتهم قلعة ببشتر [1].

ثورة عبد الرحمن بن مروان الجليقي:
ثار من المولدين عبد الرحمن بن مروان الجليقي (توفي سنة 276هـ) الذي كان يدعو لعصبية المولدين على العرب بناحية ماردة من الثغر الأدنى بعد هروبه من قرطبة سنة (261هـ/ 875م) على إثر إهانة أنزلها به الوزير هاشم بن عبد العزيز, واعتصم بحصن (الحنش) قرب ماردة، ومن هناك بدأ حركة عصيان واسعة المدى عجزت الدولة القضاء عليها في حينها.

يقول صاحب المقتبس: "فخرج إلى ما خرج إليه من الفساد في الأرض، والسعي للإمارة، فأدرك من ذلك حظا عظيما، جسم له مكاره شديدة، وتجرثم جراثم من جهة ظاهره على أمره لما ظهر رجل من أصحابه من مولدي الغرب الدائبين في المعصية يعرف بسعدون السرنباقي، كان شبهه في الشجاعة والشر. وكان المولدون يغلون فيه ويقولون: إنما هو السرور الباقي، فاجتمعا، وضافرا الشرك، وأحدثا في الإسلام أحداثا عظيمة، وبثا الغارات على المسلمين وصارا في القفر بين الإسلام والشرك. فعظم مقدار الخبيثَيْنِ ابن مروان وسعدون في السر. وبسطا على الرعية، وقطعا السبل، وأفسدا في الأرض، وعَلَوَا علوا كبيرا، ووطئا بغاراتهما كورة إشبيلة ولبلة وباجة وأكشونبة وما يليها، فتوسطا أعمالهما، وملكا بأكشونبة -جبلا منيعا يقال له: (منت شاقر- [SERRA DE MONCHIQUE – [2] وجرت منهما أمور يطول اقتصاصها" [3].

حقا فقد خاض عبد الرحمن الجليقي ومن معه حروبًا كثيرة مع جيوش الإمارة الأندلسية، واتخذوا من بطليوس عاصمة لإمارتهم فحصنوها وأعدوها للدفاع والمقاومة، وعقدوا حلفا مع الفونسو الثالث ملك ليون، وقام عبد الرحمن بدعوة أنصاره إلى مذهب ديني جديد هو خليط من تعاليم الإسلام والنصرانية واستمر على ذلك أعواما، "وهو يسيطر على منطقة بطليوس، ويعيث في أنحائها فسادا، ويخرج منها للإغارة على ناحية الغرب حتى أشبونة، وجنوبا حتى باجة وأطراف أكشونبة (البرتغال)، ولما أعيا الأمير أمره، انتهى أخيرا إلى قبول شروطه في الاستقلال بحكم بطليوس وما جاورها، والإعفاء من المغارم والفروض" [4].

واستمر عبد الرحمن بن مروان الجليقي في إمارة بطليوس التي أورثها من بعده لأبنائه، إلى أن أعادها الخليفة عبد الرحمن الناصر الذي توجه بنفسه لإخماد ثورة أعلنها أحد أبناء الجليقي سنة (317هـ / 929م) يقول صاحب البيان المغرب: "وفي سنة (317هـ) كانت غزاة الناصر إلى مدينة بطليوس لمحاربة أهلها وابن مروان المنتزي عليه فيها، فبرز لغزاته هذه يوم الخميس لعشر خلون من ربيع الأول (23 أبريل 929م), ومعه ولي عهده الحكم المستنصر بالله وابنه منذرا. وكان احتلاله بالجيوش على مدينة بطليوس يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر، وواضعهم الحشم القتال في أفنيتهم وعلى أبواب دورهم، وتقحموا عليهم داخل أرباضهم، وقتلوا منهم في ثاني احتلالهم عليهم جملة بُعِثَتْ رؤوسهم إلى قرطبة، وقطعت ثمارهم، وأحرق ما أخلوه من ديارهم خارج سورهم، وبقوا محصورين في المدينة. وأقام عليهم الناصر عشرين يوما، ثم أبقى عليهم أحمد بن إسحاق في قطيع من الجند" [5].

وتوجد بالبرتغال اليوم بلدة يطلق عليها اسم (مروان = MARVAO بالبرتغالية) وتقع في شرق البرتغال مقابلة لمدينة شنترين, وهي الآن من أعمال مدينة بورتاليجري = [PORTALEGRE [6].

ثورات أخرى للمولدين:
كما عرفت مناطق البرتغال ثورات أخرى قادها زعماء المولدين أيضا. وكان أخطرها ما قام به بكر بن يحيى بن بكر وعبد الملك بن أبي الجواد, وكانا من أتباع عبد الرحمن بن مروان الجليقي وأنصاره. فقد ثار الأول بشنتمرية الغرب من كورة أكشونبة وحصنها واستقل بها، وبسط سلطانه على ما حولها وتشبه بالأمراء فأنشأ له بلاطا وحكومة، وكان جوادا يأوي أبناء السبيل ويحفظ الطرق، وفي أواخر عهد الأمير عبد الله عاد إلى الطاعة [7].

كما قامت ثورات محلية أخرى في بعض القواعد والحصون ضد حكومة قرطبة، قادها زعماء من البربر والعرب، ولكنها كانت قليلة، في كتاب المقتبس وابن عذارى المراكشي في البيان المغرب [8].

[1] انظر كتاب: (في تاريخ المغرب والأندلس) أحمد مختار العبادي, ص168.
[2] السلسلة الجبلية القريبة من الساحل الجنوبي الغربي لشبة الجزيرة، وهي تمتد في شمال شلب SILVES، وباسم هذا الجبل دعيت مدينة تحمل حتى اليوم اسم MONCHIQUE وتقع شمال شلب منحرفة قليلة إلى الغرب على بعد 28 كيلومتر (انظر هامش
574 في المقتبس, ص627 مرجع سابق).
[3] المقتبس لابن حيان القرطبي, تحقيق محمود علي مكي, ص344/345 بيروت 1973م.
[4] انظر كتاب (دولة الإسلام في الأندلس من الفتح إلى بداية عهد الناصر) محمد عبد الله عنان, ص306/307, مرجع سابق.
[5] ابن عذارى المراكشي, الجزء الثاني, ص199-200, دار الثقافة, بيروت 1980م.
[6] انظر مجلة العربي الكويتية, عدد 219, 1977م, ص23, (البرتغال الإسلامية) محمود علي مكي. والمقتبش ص345.
- من الأبحاث المهمة المنجزة عن المروانيين، بحث فرانسيسكو كوديرا تحت عنوان (بنو مروان أصحاب ماردة وبطليوس) في مجموعة (دراسات نقدية حول التاريخ الأندلسي). المجلد التاسع, مدريد سنة 1917م, ص1 إلى 74.
FRANCISCO CODERA: LOS BENIMERUAN DE MERIDA Y BADAJOZ, EN ESTUDIOS CRITICOS DE HISTORIA ARABE ESPANOLA- MADRID 1917/ VOL .IX.pp 1-74.
[7] انظر كتاب دولة الإسلام في الأندلس من الفتح إلى بداية عهد الناصر, محمد عبد الله عنان, مرجع سابق ص330.
[8] المقتبس, تحقيق إسماعيل العربي, دار الآفاق الجديدة, المغرب, 1990م, ص41 إلى 53.
البيان المغرب, الجزء الثاني, ص133 إلى 138.



محمد القاضي