الدبلوماسية على صهوة الدبابة
13-01-2009, 09:39 AM
السلام عليكم، هذه افتتاحية الشروق لعدد أمس



الدبلوماسية على صهوة الدبابة



مصطفى فرحات


الحراك الدبلوماسي الكبير الذي تشهده القاهرة هذه الأيام يحاول أن يترك انطباعا بأن أم الدنيا لا تزال "عرّاب" القضية الفلسطينية كما كانت في السابق، وأنها هي المحور الذي ينبغي أن يربط العالمين: العربي والغربي، بالفصائل الفلسطينية من جهة، وبحكومة أولمرت من جهة ثانية.
مصر تورّطت، أو بالأحرى وُرّطت، عندما أعلنت وزيرة خارجية الكيان الصهيوني فوق أرضها عن رغبة إسرائيل في سحق حركة حماس، لتدك الطائرات الحربية غزة وتزرع الموت في كل أرجائها. وبدلا من تحرك الدبلوماسية المصرية في اتجاه صحيح يحفظ بعض ماء الوجه، يطلق أبو الغيط، وبعده الرئيس حسني مبارك، رصاصة الرحمة على الإرث التاريخي المصري ليحمّلا حركة المقاومة الإسلامية حماس مسؤولية الموت الإسرائيلي الذي يصيب نساء غزة وأطفالها، والمحمول فوق الطائرات الأمريكية، ثم تغلق معبر رفح الذي يعتبر شريان الحياة لبقايا أهل غزة، بحجج واهية ترتبط بالاحتلال والحفاظ على أمن إسرائيل أكثر من ارتباطها بالقضايا العادلة والوقوف إلى جانب الإخوة المستضعفين.
وبعد ذلك، حاولت القاهرة أن تحفظ ماء وجه لم تبق فيه مُزعة لحم، حين تحدثت عن مبادرة مصرية تحسم الصراع بين إسرائيل والمقاومة، ولكن هذه المبادرة التي لا تختلف كثيرا عما طُرح مسبقا، وهو ما يؤكد أنها لن تحسم الصراع ولن تنصف قضية الفلسطينيين التي اقتات منها كثير من الأنظمة العربية.
ومن جانبه، يريد محمود عباس، الرئيس المنتهية ولايته، وصلاحيته، الحديث في ظل القصف والموت والدمار، عن انتخابات فلسطينية جديدة تشارك فيها جميع الأطراف، وكأن العدوان الإسرائيلي مجرد تشويش طارئ سيزول لتعود حياة الفلسطينيين إلى طبيعتها الأولى.. وكأن أولئك الذين صادروا إرادة الشعب الفلسطيني الذي اختار حماس قد استدركوا مواقفهم ورضوا بحكم الشعب الذي اختار المقاومة على حساب التطبيع الملوث بالاستسلام والثراء والذل والعمالة.. وكأن أمريكا سترضى اليوم بعد إذ رفضت أمس، أو سيقبل الصهاينة بسياسة جديدة تنسف مسار أوسلو وحكومة دايتون بعدما وجدوا شريكا فلسطينيا ينوب عنهم، بامتياز، في الضفة الغربية.
الحديث عن الدبلوماسية اليوم لن يكون مجديا إذا لم تعالج الأزمات من أساسها، وإذا لم ينظر إلى القضية على أساس علاقتها الجدلية بين المقاومة والاحتلال، وليس على أساس واقع مفروض رغم أنف الجميع، لأن الحق لا يسقط بالتقادم، ولأن حماس، الطرف الأضعف عسكريا، والأقوى شعبيا، بلغ من المصداقية ما لم تبلغه الحكومات العربية مجتمعة، ونال من العاطفة الشعبية ما لم تنله الأنظمة التي رضيت بالواقع، خوفا أو كرها أو عمالة وخيانة. وكل معالجة تتجاهل هذه المعطيات، فإنها ستساهم في تقوية الاحتلال وإضعاف المقاومة، ليس ميدانيا فحسب، وإنما فكريا وفلسفيا وأخلاقيا.. وستمنح صكا على بياض للعدوان الصهيوني لكي يُكمل ما بدأه من مجازر منذ عقود.