"الطائفية" نائمة.. لعن الله من أيقظها
02-02-2009, 11:27 AM
"الطائفية" نائمة.. لعن الله من أيقظها
عندما نتأمّل منطق الأحداث بنظرة كلية، فإننا سنكتشف أن أحداث برّيّان في الجزائر لا يمكن أن تكون بمعزل عن الفتن الطائفية التي حاول صنّاع الحروب ومسعرو الفتن إحياءها في العراق والسعودية ومصر وغيرها من دول العالم الإسلامي، لأنّ الهدف الرئيس وراء هذا كله هو العمل على تحطيم هذه المجتمعات من الداخل حتى يسهل القضاء عليها من الخارج.
وما حدث في غرداية لا يمكن أن يكون خارج هذا السياق، لأن المجتمع الجزائري بتركيبته الفسيفسائية بقي مستمسكا بترابطه منذ الفتح الإسلامي، رغم اختلاف المذهب الفقهي أو العقدي، وواجه مصيرا واحدا سواء كان الحكم للرستميين الإباضيين، أو المرابطين المالكيين، أو الموحدين الظاهريين، ثم العثمانيين الأحناف، بل وحتى زمن الاستعمار الفرنسي الذي وضع الجزائريين في بوتقة واحدة وسعى إلى تفتيتهم وإشاعة النعرات القومية والعصبية القبلية بينهم، لكن النتيجة كانت دائما واحدة: شعب موحد يجمعه نفس المصير كما جمعه نفس التاريخ وسيجمعه نفس المستقبل.
إن الفتنة الطائفية أمرٌ يحرّمه الشرع الحنيف، وتُجرّمه الثوابت الوطنية، ويُحذّر منه العقلاء، وتحصي دواوين التاريخ سجلات جرائمه وفظائعه وفجائعه، ولهذا فإن معركة زرع الفتنة بين الجزائريين، أبناء الوطن الواحد، لا يمكن إلا أن تكون خاسرة سلفا، وعلى جميع المرجعيات الدينية والوطنية التحذير من مغبة الانسياق وراءها بدعوى إحياء الصراعات المذهبية القديمة التي تتجاوز الجدل الفكري إلى إجرام يقتل الأبرياء ويزرع الرعب ويقطع السبل ويهتك العرض، حتى لا نكون ممن يسعى إلى حتفه بظلفه.
الجزائريون اليوم ذوو قناعات ومذاهب وأذواق شتى، ويحق لهم أن يختلفوا في ميولاتهم السياسية كما يختلفون في تشجيع الأندية الرياضية، ولكل منهم تصور عن الحياة لا يتطابق بالضرورة مع تصور غيره، وهذا نابع من عمق الفطرة الإنسانية التي نشأت على التعدد والاختلاف، وليس الخلاف، ولكن لا يحق لأي جزائري كان أن يتبنى موقفا طائفيا يريد من خلاله إلحاق الأذى بغيره أو نسف المجتمع بزرع فقه الصدام والإرهاب، بديلا عن فقه الاجتماع والسلام النابع من عمق الإسلام.
لقد قامت في العالم دول، على رأسها أمريكا، ولم يكن لسكانها أي رابط تاريخي مشترك، وكانوا يختلفون في اللغة والعرق وفي الدين، لكنهم لم يختلفوا يوما في الولاء لوطن واحد يجمعهم، لأن حقائق الاجتماع والعمران تعلمنا أنه إن عدمنا الماضي المشترك فإننا لن نعدم المستقبل المشترك الذي نبنيه جميعا.. فكيف إذا كان للجزائريين تاريخ مشترك ودين واحد؟
ونحن ندرك تماما أن الوطن الذي يسكنه الجميع، لا بد وأن يبنيه الجميع.. وأنه لا بديل عن الاجتماع إلا الفرقة والخراب.