عندما يدقّ أوباما طبول الحرب
10-01-2009, 05:08 PM
عندما يدقّ أوباما طبول الحرب





كيف سيدخل أوباما معترك السّاحة الدوليّة؟ من أيّ فجوة سيطلّ علينا زعيم أقوى دولة في العالم عبر العصور والأزمنة، والذي يُراد له دائما أن يكون مُهابا في مشارق الدنيا ومغاربها؟ ما هي الخطّة التي يعدّها المقرّبون منه، وأعوانه الجدد لجعل ظهوره على مسرح الأحداث قويّا ومدوّيا ينبئ بأنّ القادم يختلف عن السّابق لونا ورائحة وخطابا؟؟ الأكيد- في عالم السّياسة- أنّ أصعب الأمور مبادئها..

لقد كان سلفه محظوظا!... ذلك أنّ أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد نزلت إليه هديّة من السّماء! مكّنته من تجاوز حيرة البدء التي اتّسم بها أداؤه في الأيّام الأولى فانتصب حاكما أوحد للعالم يقسّم "كعكة" الدّول المستضعفة من جديد..

فهل تُعاد ضربة الحظّ من جديد أمام أوباما، بما أنّه سيدخل البيت الأبيض بُعَيْدَ سقوط آخر "ورقة توت" عن العالم "الحرّ" "الديمقراطي" في غزّة؟ وأيّهما أشدّ وقعا: زلزال البرجين في "نيويورك" أم مهزلة سقوط الأقنعة في غزّة؟ فهل يعني هذا أنّ سيّد العالم الجديد سينفذ إلى عالم السياسيّة الدوليّة من كوّة الصّراع العربيّ الإسرائيليّ، أم أنّ اسطوانة الحرب على الإرهاب الموروثة عن بوش ستغريه أكثر فيذهب بعيدا في تتبّع خطى بن لادن؟

أوباما سيحلّ ركبه في مرحلة دقيقة وحرجة.. فالعالم مقدم بسبب الأزمة الماليّة الخانقة على نظام عالميّ اقتصاديّ وماليّ جديد يتطلّب أيضا سياسة دوليّة جديدة تذهب بعيدا في تضييق سيطرة الدّولة المركزيّة على النظام الاقتصادي، وفسح المجال رحبا للقطاع الخاص كي يقود المرحلة الجديدة في حلّ من سلطويّة الأنظمة السياسيّة الحاكمة..

فهل سيلجأ إلى تنفيذ ما يتردّد في كتب بعض المنظّرين الأمريكان الذين انتهوا إلى أنّ كثيرا من الأنظمة وخاصّة منها العربيّة- حتّى وإن كانت حليفة- لم تعد قادرة على الصّمود في المرحلة القادمة، ما ينبئ بمتغيّرات ستطال الأنظمة السياسيّة القائمة في بعض دول العالم لتتجاوزها إلى إنشاء دول جديدة؟ وهل يعمد إلى رسم خريطة "جيوسياسيّة" جديدة تمكّنه من التّعاطي مع بؤر التّوتّر في العالم بطريقة مغايرة يتخلّص فيها تدريجيّا من مخلّفات سياسة بوش؟

أسئلة كثيرة تطرح في الكواليس، وفي العلن مستبقة دخول الرّئيس الجديد إلى البيت الأبيض في منتصف شهر جانفي؛ وتستمدّ هذه الأسئلة مشروعيتها من تلميحات أعوان أوباما ومستشاريه وتسريباتهم التي تلوّح بأنّ تغييرا حتميّا سيطال أسلوب التعامل مع القضايا السياسيّة العالميّة، مع المحافظة على جملة من الثوابت الاستراتيجيّة.

ولا أحد يمكن أن يصدّق أنّ "باراك أوباما" المتواري عن الأنظار بعيد عمّا يجري في غزّة، بل هو مواكب لما يحدث لحظة بلحظة عبر وزير الدفاع الذي اختار الإبقاء عليه، هو فقط- في إطار تكامل الأدوار وتبادلها- ترك لبوش مهمّة تمشيط آخر جيوب المقاومة ليجلس على كرسيّ السلطة دون إرث ثقيل قد يكبّله؛ فإن نجح الرئيس المنتهية ولايته في أداء آخر مهامه، فإنّه سيجد الطريق معبّدة لفرض أجندته الخاصّة، وإن فشل فهو بريء من تبعات سابقه، لأنّه لم يباشر مهامه بعد ولأمريكا على حدّ قوله "رئيس واحد"!! موقف-بلا شكّ- انتهازي، معدّ بإتقان من الإدارة الجديدة كضربة بداية...

ومن المتوقّّع أن تنطلق التحاليل المتفائلة والمتشائمة في رسم نقاط الاختلاف بين تكشيرة بوش "الأبيض" وابتسامة وزيرته "السمراء" وبين ضحكة أوباما "الأسود" وتكشيرة السيّدة "كلينتون" المتدحرجة- بحكمة لا يعرف سرّها إلّا الأمريكان- من كرسيّ الرّئاسة إلى أريكة الخارجيّة.

لكنّ ثوابت السياسة الأمريكيّة في مقاربة الصراع العربيّ الصهيونيّ ثابتة لا تتغيّر، وهي تقوم على فكرتين لا يمكن لأيّ رئيس أمريكيّ مهما كان لونه وعرقه أن يغيّرهما:

- أوّلا: إسرائيل حليف استراتيجيّ لأمريكا، ودولة صديقة.. ومصالح الدولتين متشابكة. لذا فإنّ حمايتها من ثوابت الأمن القومي الأمريكيّ حتّى وإن جرّ ذلك إلى حرق كلّ بترول العرب أو إلقائهم في البحر!!. وعليه فكلّ القوى السّياسيّة، وكل وسائل الإعلام "المحايدة" يجب أن تبقى مجنّدة للتّرويج لإسرائيل المسكينة، المحاطة بأجوار يتربّصون بها في كلّ لحظة..

- ثانيا: العرب مجموعة من الدّول المتناحرة.. لا حول لهم ولا قوّة.. ليس لهم إلّا ألسنة تلوك كلاما محنّطا لا يرقى إلى مستوى الأفعال، يعيشون على أحلامِ ماضٍ لن يعود، أو على الأصحّ لن نسمح له بالعودة.

أمّا القضيّة الفلسطينيّة فهي عند بعض دول الجوار سبيل للحصول على وزن إقليميّ مزعوم، وهي عند آخرين ورطة لا بدّ من مجاراة نسقها كي لا يسيل العرق على الجبين!! ومن المؤكّد أنّ عدم الرغبة في إنهاء الصراع في المنطقة ليس رغبة إسرائيلية فحسب بل رغبة عربيّة. إذ بماذا ستواجه بعض الأنظمة، التي تقتات من القضيّة الفلسطينيّة، شعوبها إذا عرفت القضيّة حلّا؟

الأكيد أنّ حجمها ووزنها سيتضاءل فلا هي دول بتروليّة ولا هي حاوية لثروات باطنيّة؛ ولا يجب أن تُترك عارية أمام شعوبها. أمّا أمر انقيادهم فسهل، إذ أنّ كلّ من تسوّل له نفسه الخروج عن بيت الطاعة تُسلَّط عليه بالونات إعلاميّة تتحدّث عن "الديمقراطية" وعن ضرورة التداول السلميّ على السلطة، وفسح المجال أمام النخب السياسيّة الجديدة!. ولا بأس في أن تعرض الشاشات بعض تجاّر حقوق الإنسان وهم يتباكون على اغتيال "حرّيّة التعبير".

فالأكيد أنّ هذه الأنظمة مصابة بـ"أنفلونزا الحكم مدى الحياة".. وكلّ إجراء لخلخلة هذه الثوابت سيأتي بها إلى أعتاب "البيت الأبيض" صاغرة، تعلن الولاء والطاعة والتوبة...

وإذا كان "بوش" قد علّق مازحا بأنّه دخل البيت الأبيض بشعر أسود وها هو يغادره بشعر أبيض فإنّ ما نخشاه هو أن يدخل أوباما البيت الأبيض بلون أسود ليخرج منه بلون الرّجل الأبيض وعقليته التي دفعته إلى احتلال إفريقيا ذات مأساة، وتحويل أهلها إلى عبيد، عقليّة مازالت جزيرة "غوريه" في "السنغال" تشهد على فظاعتها وقسوتها..