الرياح اللواقح في القرآن الكريم
28-12-2015, 11:32 PM
الإعجاز العلمي في قوله تعالى:

﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ [الحجر: 22].

إرسال الرياح لواقح في منظور العلوم الحديثة

كشف العلم الحديث عن عدد من أنواع التلقيح التي تتم في النبات، وقد أصبح من المقرر عند علماء النبات أن التلقيح عملية أساسية للإخصاب وتكوين البذور، حيث تنتقل حبيبات اللقاح (Pollen Grain) من العناصر الذكرية للزهرة (Anthers) إلى العناصر الأنثوية فيها (Stigmas) حيث يتم الإخصاب.

والتلقيح قد يكون بين العناصر الذكرية والأنثوية للزهرة الواحدة أو النبتة الواحدة، ويسمى عندئذ بـ (التلقيح الذاتي Self Pollination) وقد يكون بين نبتتين منفصلتين ويسمى حينئذ بـ (التلقيح المختلط Cross Pollination).

وتختلف طرق انتقال حبيبات اللقاح باختلاف نوع النبات، فهناك فضلاً عن التلقيح بواسطة الإنسان -كما في تأبير النخل مثلاً- ثلاثة طرق أخرى، وهي:

1- التلقيح بواسطة بعض الكائنات الحية: كالحشرات (Insect Pollination) والطيور (Bird Pollination).

2- التلقيح بواسطة المياه (Water Pollination).

3- التلقيح بواسطة الرياح (Anemophily).(10)

إنّ للرياح -كما تذكر الموسوعة العالمية- دوراً هاماً في عملية نقل اللقاح في النباتات التي تفتقد الأزهار ذات الرائحة والرحيق والألوان الجاذبة للحشرات، حيث تقوم الرياح بنشر اللقاح على مسافات واسعة، فعلى سبيل المثال: تنشر الرياح لقاح الصنوبر (Pine) على مسافة قد تصل إلى 800 كيلومتراً قبل أن يلتقي اللقاح بالعناصر الأنثوية ويتم التلقيح.

ومن جملة النباتات التي تعتمد على التلقيح الريحي بشكل أساسي: الصنوبريات والقراص والحور والسنديان والقنّب والبندق.

كما جاء في الموسوعة البريطانية الجديدة أن مما يسهل انتشار اللقاح بواسطة الرياح، كون عناصر الزهرة الذكرية التي تتولى إنتاج اللقاح معرضة للهواء بحيث يسهّل انتشار اللقاح، وكون الزهرة ما أورقت بعد، أو كونها في أعلى الشجرة أو النبتة(11).

هذا بالنسبة لتلقيح الرياح للنبات، وهناك تلقيح آخر تقوم به الرياح ولكنه للسحاب، وهو أكثر مناسبة للآية الكريمة.
فقد أثبت العلم الحديث أن هناك ثلاثة أنواع من التلقيح تتم في السحب:

1. تلقيح السحب الحارة بالسحب الباردة مما يزيد عملية التكاثف، وبالتالي نزول المطر.

2. تلقيح السحب موجبة الشحنة بالسحب سالبة الشحنة، ويحدث تفريغاً وشرراً كهربائياً، فيكون المطر مصحوباً بالبرق والرعد وهو صوت تمدد الهواء الناجم عن التفريغ.

3. التلقيح الثالث وهو أهم أنواع التلقيح جميعاً، وهو أن الرياح تلقح السحاب بما ينزل بسببه المطر، إذ أن نويات التكاثف وهي النويات التي يتجمع عليها جزيئات بخار الماء لتكون نقطاً من الماء نامية داخل السحب، هي المكونات الأولى من المطر تحملها الرياح، إلى مناطق إثارة السحب، وقوام هذه النويات هو أملاح البحار، وما تذروه الرياح من سطح الأرض، والأكاسيد والأتربة كلها لازمة للإمطار، أي أن الرياح عامل أساسي في تكوين السحب، وتلقيحها ونزول المطر(12).

والسحاب نوعان: نوع ممطر، ونوع غير ممطر، والفرق بين السحابة التي تمطر والسحابة التي لا تمطر هو: أن الأولى لها مدد مستمر من بخار الماء، ونوى التكاثف بواسطة الرياح أو الهواء الصاعد، أما الثانية فليس لها أي مدد. ومن هنا تكون (الفاء) في قوله تعالى: ﴿فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ هي فاء السببية، أي نَجَمَ عن هذا التلقيح نزول المطر(13).(14)

ودائماً ما يربط القرآن الكريم بين الرياح والمطر، فيقول تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 57].

وجه الإعجاز:

أشار القرآن الكريم إلى وظيفة هامة تقوم بها الرياح، هذه الوظيفة هي عملية التلقيح، يقول تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ [الحجر: 22]، فتقوم الرياح بالتلقيح الريحي للنباتات، وكشف العلم عن نوع آخر من التلقيح هو تلقيح السحاب، فالرياح بمشيئة الله تعالى تثير السحاب بتزويد الهواء بالرطوبة اللازمة، وإن إرسال الرياح بنوى التكثف المختلفة يعين بخار الماء الذي بالسحاب على التكثف، كما يعين قطيرات الماء المتكثفة في السحاب على مزيد من النمو حتى تصل إلى الكتلة التي تسمح لها بالنزول مطراً أو ثلجاً أو برداً بإذن الله، كما أن الرياح تدفع بهذه المزن الممطرة بإذن الله تعالى إلى حيث يشاء، وهذه حقائق لم يدركها الإنسان إلا في أوائل القرن العشرين،(15) وورودها في كتاب الله بهذه الدقة والوضوح والكمال العلمي مما يقطع بأن مصدرها الرئيسي هو الله الخالق العليم، ويجزم بأن القرآن الكريم هو كلامه سبحانه وتعالى، كما يجزم بالنبوة والرسالة لهذا الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، فلم يكن لأحد من الخلق أدنى إلمام بدور الرياح في حمل دقائق المادة إلى السحاب حتى تعين على تكثف هذا البخار، فينزل بإرادة الله مطراً، في زمن تنزل الوحي ولا لقرون متطاولة من بعده، فسبحان منزل القرآن الذي أنزل فيه قوله الحق: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ [الحجر: 22].

إعداد/ عادل الصعدي

مراجعة: علي عمر بلعجم

18/ 3/ 2008م

________________________

التعديل الأخير تم بواسطة طبيب أثري ; 28-12-2015 الساعة 11:34 PM