شهداء غزة يكشفون حقيقة اسرائيل مجددا
22-10-2009, 12:30 PM


صالح القلاب
رأي القدس
21/10/2009
القدس العربي


لم نبالغ عندما قلنا ان 'لعنة غزة' ستظل تطارد الاسرائيليين لسنوات ان لم يكن لعقود قادمة، هذا اذا قدر لدولتهم ان تستمر بصورتها الحالية. فمنذ بدء العدوان الاسرائيلي اواخر العام الماضي واوائل العام الحالي (استمر ثلاثة اسابيع) والدولة الاسرائيلية تواجه الازمات، خاصة في اوساط العالم الغربي مصدر شريان حياتها الابرز.

ففي الوقت الذي تترنح فيه اسرائيل والمسؤولون فيها، من جراء الضربات القوية التي انهالت عليهم في صورة اقرار مجلس حقوق الانسان العالمي لتقرير القاضي غولدستون الذي فضح جرائم الحرب الاسرائيلية بشكل دقيق ومفصل في حق الابرياء في القطاع المحاصر، خرجت منظمة 'مراسلون بلا حدود' الامريكية المهتمة بحريات التعبير بتقريرها لعام 2009 الذي يوثق تراجع هذه الحريات او تقدمها على مستوى العالم بأسره.

التقرير الذي يحظى بمصداقية عالية في الاوساط المهنية الاعلامية افاد بأن اسرائيل تراجعت 30 درجة عن كونها اول دولة شرق اوسطية في مجال حرية الصحافيين، وأكد ان دولاً عربية، مثل الكويت ولبنان، تقدمت عليها على سلم الترتيب العالمي، حيث احتلت الاولى اي الكويت المرتبة الستين، اما لبنان في المرتبة الحادية والستين.

اسرائيل تراجعت الى المرتبة 93، بعد ان كانت تتربع على المرتبة 47 دون منازع، وتصنف مع دول قمعية تضع القيود والعراقيل امام اجهزة الاعلام بل وتعتقل الصحافيين.

فمن المؤسف ان المجتمعات الغربية، وبسبب ممارسات التعتيم والتضليل التي تمارسها بعض حكوماتها وصحفها، لا تعرف ان الرقابة العسكرية ما زالت صاحبة الكلمة الاولى والاخيرة فيما ينشر وما لا ينشر. فالمراسلون الاجانب مطالبون بتقديم تقاريرهم الاخبارية الى الرقيب العسكري الاسرائيلي قبل ارسالها الى صحفهم ومحطات التلفزة التي يعملون فيها، خاصة اذا كانت تتعلق بالقضايا الامنية وانشطة الجيش الاسرائيلي. واي خروج عن هذه الشروط يعني الطرد من البلاد او عدم تجديد التصريح الصحافي الذي يعتبر ضرورة لممارسة المهنة.

منظمة مراسلون بلا حدود ظلت طوال الاعوام الماضية، تتجاهل هذه الرقابة العسكرية، او بالاحرى لم تأخذها بالشكل المطلوب، اثناء تصنيفها لترتيب الدول في تقريرها السنوي، ولكن دماء اطفال غزة اجبرتها، مثلما اجبرت الكثيرين غيرها، على رؤية الوجه الاسرائيلي البشع على حقيقته.

ولا بد من الاعتراف ايضا للصحافيين والمراسلين في قطاع غزة، من ابناء القطاع او الذين انضموا اليهم من الخارج، بلعب دور كبير في اماطة اللثام عن هذا الوجه البشع، عندما تظاهروا امام مقراتهم المدمرة من جراء القصف الاسرائيلي.

ولعل الضربة الاكبر جاءت من خلال القرار الاسرائيلي المغرق في غبائه، بمنع الصحافيين والمراسلين الاجانب من دخول قطاع غزة اثناء العدوان، وحصرهم فوق تلة صغيرة على بعد كيلومترين من ميدان المعارك. فهذا التصرف الاخرق من قبل دولة تقول انها الديمقراطية الوحيدة المتحضرة في المنطقة اثار حالة من الغضب غير مسبوقة في اوساط هؤلاء، عبروا عنها بشكل مفصل في افلامهم الوثائقية بعد انتهاء العدوان.

احتفالنا بهذا الهبوط المريع لاسرائيل على سلم الحريات لا يخفي حزننا واسفنا من المكانة المؤسفة التي تحتلها دول عربية في ذيله، مثل سورية التي تحتل المرتبة 165، او ليبيا في المرتبة 156، و'العراق الجديد' الذي احتل المرتبة 145 والمغرب الذي جاء افضل قليلا وتربع على المرتبة 127. اما دولة الامارات العربية المتحدة صاحبة فكرة المناطق الاعلامية الحرة فتوقف ترتيبها عند المرتبة 86.

الحريات الاعلامية واحترام الحق في التعبير هي من ابرز ابجديات التقدم ومقاييسه في المجالات كافة، وترتيب الدول العربية الذي ذكرناه في هذا الاطار يفسر اسباب التخلف العربي عاما بعد عام.

«الكومونولث» المذهبي!!

كما تمنت إسرائيل ذات يوم سابق بعيد، وخططت لهذا منذ ذلك الحين، فإن هذه المنطقة أخذت تندفع نحو التمزق الطائفي والتفتت العرقي بل أن هذا التمزق وهذا التفتت أصبحا أمرا واقعا يخترق العيون والآذان والعقول وأصبحا حالة مزرية تتجسد يوميا وفي كل لحظة من صعدة وحرف سفيان والملاحيط في اليمن السعيد إلى لبنان والعراق وبلوشستان وسيستان ووادي خيبر ووزيرستان.

كان الذين أسسوا الدولة الإسرائيلية، التي باتت بعد إنشائها بستين عاما تشترط على العرب والفلسطينيين الذين أغتصبت أرضهم لإقامة هذه الدولة فوقها أن يعترفوا بها كدولة يهودية تمثل ال الشعب اليهودي !! وحده، قد أعلنوا أن بقاء دولتهم يقتضي تمزيق الشرق الأوسط ليصبح دويلات طائفية ومذهبية متناحرة تشكل إسرائيل بينها ما تشكله بريطانيا في الكومونولث البريطاني.

وحقيقة أن ما يحزن حتى الموت أن هذا الذي كان يعتبر خيالا مريضا ومجرد أوهام صهيونية قد تحقق أو أنه على الأقل يتحقق وإلا ما معنى أن تتفسخ اليمن، التي فرحنا بوحدتها في العام 1990 والتي اعتبرناها الرد القومي على انهيار الوحدة المصرية ؟ السورية في بدايات ستينات القرن الماضي، وينقسم المذهب الزيدي على نفسه ويعود اليمنيون ليقفوا أمام خيار التشطير الذي ظنوا أنهم قبروه قبل نحو عقدين من الأعوام وجها لوجه..؟!.

ما معنى هذا الذي يجري في العراق حيث تثبت قوائم الانتخابات المقبلة أن الفرز المذهبي والعرقي قد أستكمل وكأنه ليس هناك بلد واحد بل بلدان كثيرة تسعى لإلتصاق فسيفسائي بين بعضها بعضا فالشيعي شيعي والسني سني والكردي كردي والتركماني تركماني واليزيدي يزيدي والفيلي فيلي والمسلم مسلم والمسيحي مسيحي.. والعياذ بالله..؟!.

ما معنى أن يتكرس هذا اللبنان الطائفي الذي غدت طائفيته تفقأ العيون بعد كل هذه الحروب الأهلية وما معنى أن تستيقظ الدعوات المذهبية القديمة في أكثر من مكان وتصبح هذه المنطقة كلها تتنفس مذهبية وطائفية.. ما معنى أن ينقسم هذا الجزء المتبقي من فلسطين والذي لا يزال تحت الاحتلال إلى دولتين واحدة في غزة لها موالها وتوجهاتها والثانية في رام الله..؟!.

أليس هذا هو الكومونولث المذهبي والطائفي والعرقي الذي تحدث عنه بناة الدولة الإسرائيلية، التي تسعى الآن لفرض يهوديتها على الفلسطينيين وعلى العرب فرضا وبالقوة، وبقوا يعملون لتكون مكانة دولتهم فيه كمكانة المملكة البريطانية في الكومنولث البريطاني.. ؟ إننا نعيش الآن اللحظة المريضة التي بقينا نخشاها ونتخوف منها.. والغريب والمستغرب أن الذين ينفذون هذا المخطط القديم الجديد ينفذونه وهم يرفعون رايات الجهاد والنضال والوحدة والتحرر.. واللهم اشهد.