البريد و أبتسام العيون
20-01-2021, 11:59 AM
نزل من الحافلة أمام البريد بعد غياب دام سنوات عديدة، فرأى وجوها يغطيها الاستفهام بدهشة داكنة لا يخالطها تشنج مع وجوم وضياع في متاهة الماديات، ومع ذلك العيون مازالت تبتسم وتقول الكثير، تلك البسمة التي تركها قبل سفره مرتسمة على الشفاه مع بريق سحري يحتضن القلوب بحنان ويعانق زرقة السماء بتواصل لا يعرف طريقا للكلل، تلك البسمة التي كانت تربط المدينة من شرقها لغربها. الخطى كثيرة والهرولة بادية نشطة وصمت قاتل يحاصر المكان، حتى الأشخاص الجالسين أمام المقهى احتوتهم رهبة السكوت فأصبحوا يتكلمون بلغة الإشارات المتقطعة وكأنهم مرتبطين بقوة تسيطر على عقولهم أدخلتهم عوالم ضيقة فحشروا حسيا في متعة حالمة لا تنتهي، إنكباب على الهواتف بلهفة عليلة ضيعت متعة الحوار وصواعق الحب التي كانت تداوي القلوب وتنعشها لتبقى مستمرة في تدبر الحياة.
وجوه جميلة كانت تنير المكان، تذكر أحدهم ، ذلك الرجل الطيب المبتسم دائما الذي كان يرتدي طربوشا أحمر تزينه إضافة سوداء جميلة ودكانه المتواضع الذي صلَّحَ عنده ذات مرة الراديو، إنه عمي عياد.
تذكر عزيز المؤذن وصوته الحاد الذي كان يخترق جدار الصمت والجدران وكأنه طارق أسحار, صاحب الطرفة البريئة التي تزرع البسمة حتى على الوجوه المحنطة بفعل القساوة.
أستغرب لتغير المكان بطريقة تفسدها الفوضى التي انتشرت في كامل المدينة وخاصة تلك التي يحدثها أصحاب السيارات اللذين يركنون سيارتهم بطريقة غير متحضرة ويزرعون الفوضى في مفاصل المدينة ويعرقلون الحركة المرورية حتى الراجلين لم يسلموا منهم.
واصل سيره في الشارع الذي كان ذات يوم شريان الحياة عندما كانت في البلدة متوسطة وحيدة، كل شئ تغير تلك الوجوه التي كانت تملأ المكان بشخصيتها القوية رحلت وتركت هالة قاتمة السواد تحوم حول المكان زارعة حزنا دفينا أثر على روح المكان وحسه وأبعاده المعنوية أمثال مصطفى بن لعروسي وحمة سليمي والثنائي السبتي بن لخضر والسبتي بن علي ووووو رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته.
ضاعت معنوياته وسط زحام ركيك وهرج أخرق تداخلت فيه الماديات وتزاوجت ارتجاليا فأنجبت الأنانية وأندثر وسط غباره الحب، تنهد وأكمل طريقه وهو يحدق بفراسة في الوجوه الشاحبة العابسة لعله يستطلع جديدا يساعده في بناء نظرة شمولية تفيده ولكنه فشل في استنباط تنوير يشع أفكاره، خابت ٱماله لأنه لم يجد ذلك الدفئ العائلي وتلك الروابط المقدسة وصلة الأرحام ووهج الحنان السحري الجذاب فأنشد:
ضاع الحب منك يا عطر وكلت مفاتنه
قل تأثيره وجفت بعد نضجه ينابيعه
القريب تنفس صبحه
فضاعت بين الأنوار أواصره
تقطع حبل الود وأندثر زمانه
ولم يعد موجودا ما تركته
لا تبحث عن مفقود وأنت ترى رميمه
تفرق طغت سمومه واسودت بعد الضياء أركانه
وشتات صعب جمعه في زمن قلت عزته
بلخيري محمد الناصر