اخلاق الدعاه مع الناس
30-03-2009, 09:15 AM
كتب د. حسن يوسف الشريف هذا المقال على موقع الامه اون لاين يوم 19 /4 /2008 واليكم هذا المقال:-
لأخلاق الفاضلة وإشاعتها في المجتمع من أهم أهداف الدعوة، بل هي الثمرة النهائية لمعادلة الإيمان؛ التي قال فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم-: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" (1).

فالعلاقة الأولى مع الله، وتحكمها التقوى، والعلاقة الثانية مع النفس، وتحكمها اليقظة، وعدم الغفلة عن مراقبتها، والعلاقة الثالثة مع الناس ويحكمها حسن الخلق، وكلمة الناس في الحديث يدخل تحتها "المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، والصديق والعدو"؛ لأنهم القدوة للمجتمع الذي يعيشون فيه.

فالعدل مثلا خلق إسلامي يجب على اللدعاة أن يلتزموا به دائمًا، حتى مع الكافرين، كما قال تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (2).

ويعلق الإمام ابن تيمية على هذه الآية، قائلا: فالعدل واجب لكل أحد على كل أحد، وفي كل حال، أي حتى في حال رضاك أو غضبك على شخص، يجب أن تكون عادلا إليه، لا ظالما له.

والدعاة مطالبون بأن يكونوا في القمة من ناحية معاملة الناس بالخلق الحسن، بل دفع السيئة بالحسنة؛ لأنهم بهذا السلوك ينقلون الناس من أعداء إلى أصدقاء للدعوة (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت: 34).

ويذكر الإمام بن تيمية في رسالته "الرأفة بأهل البدع"، أن الإمام أحمد بن حنبل كان يصاحب أهل بعض البدع، ويعاملهم بأحسن معاملة، حتى ينقلهم من البدعة إلى السنة، كما يحب على الدعاة في حوارهم مع المخالفين ان يلتزموا التواضع وعدم التكبر ولا يعرقوا الحق على المخالفين بعرض المتحدي لهم أو المتكبر عليهم بل يرفقون بهم وإن أساءوا لهم.

وينتقل الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام، عن الإمام أبي حامد الغزالي قوله: "إن فريقًا من أهل الحق عرضوا الحق على المخالفين بصورة المتحدي، فثارت في نفس المخالفين روح المعاندة، ويصعب بعد ذلك على العلماء المتلطفين إخراج هذا الداء منهم".

ولقد روى الإمام مسلم عن عائشة - رضي الله عنه- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه".

وروي أيضا عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "من يحرم الرفق يحرم الخير كله".

وجعل الله من صفات عباده (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا) (3)، أي أن ردهم على الجاهلين عليهم "سلاما" وهو القول الخالي من كل عيب فهم يردون على القول السيء بالقول الحسن فموقف الدعاة مع العصاة والجاهلين هو موقف التعليم الرحيم والرفق ةاللين. "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" (4).

ونهى الاسلام عن تعيير العاصي بمعاصيه فقال - صلى الله عليه وسلم-: لا تعير أخاك بما فيه، فيبتليك الله ويعافيه"(5)، ويجب عدم المبالغة في الحب، بل التوسط هو المطلوب، فالشخص الواحد قد يُحَب من وجه بسبب ما يفعل من طاعات، وقد يُبغَض من وجه آخر بسبب ما يفعل من معاصٍ.

ورحم الله الإمام ابن حزم، فقد أورد في كتابه "الأخلاق والسير في مداواة النفوس" قوله: "ولا يخلوا مخلوق من عيب ولكن السعيد من قلت عيوبه".

والرفق والصبر هما عدة الداعية؛ التي لا تفارق أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر، حيث ذكر الإمام ابن تيمية، في رسالته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قوله: "ويحتاج الآمر النتهي إلى ثلاث: علم قبل الأمر أو النهي، ورفق في الأمر والنهي، وصبر بعد الأمر والنهي".

وهكذا يجب أن تكون أخلاق الدعاة مع المدعوين، ويجب أن أن تكون أخلاق الدعاة مع إخوانهم الدعاة يحكمها أيضًا حسن الخلق، من حب وتواضع، حتى لا يتسلل إلى قلوبهم الحسد على من هو أكبر منهم علمًا وفهمًا، أو يتسلل إليهم التكبر على من هو أقل منهم علمًا وفهمًا.

ويحب على الدعاة أن يتعلموا العلم ممن هو أقل منهم سنا أو أكبر منهم، ويذكر الحافظ بن حجر في مقدمته "هدي الساري" لفتح الباري شرح صحيح البخاري "ولا يكون المحدث محدثًا حتى يروي عمن دونه كما يروي عمن فوقه" كما يجب على الدعاة أن يقبلوا النصيحة، ما دامت مصحوبة بالدليل الصحيح، والفهم السليم.

وهنا يظهر سؤال: كيف يصل الدعاة إلى التخلق بهذه الأخلاق؟.

والإجابة على هذا السؤال تتضمن مرحلتين:

الأولى: اكتشاف هذه العيوب.

الثانية: الجدية في علاجها.

أما عن وسائل اكتشاف العيوب فقد ذكرها الإمام بن الجوزي في مختصر منهج القاصدين، ومنها: أن نتوجه إلى الله تعالى، بأن يبصرنا بعيوبنا، فإذا أحب الله عبدًا بصره بعيوبه.

ــــــــــــ

الهوامش









1- رواه الترمذي وقال حديث حسن. 2- المائدة: 8. 3- الفرقان: 63. 4- آل عمران: 159. 5- رواه الترمذي عن واثلة بن الأسقع بلفظ: "لا تُظهر الشماتة بأخيك، فيرحمه الله ويبتليك"، وقال حديث حسن.