الحلية الشريفة
15-11-2007, 01:19 PM
لم يخل فن عربي أصيل من تقديم أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم الخلقية والخُلُقية فتحدث عنها كثير من الشعراء ( كالبوصيري ) في البردة ، (وأحمد شوقي) في نهج البردة وفي الهمزية وفي القصيدة النونية جاء ذلك من وحي حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه ، فقال : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق . وحسبنا ما وصفه به الله تعالى حيث قال : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) . ولم يفت الخط العربي أن يشارك في عرض سجايا النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته وقد يكون له قصب السبق من خلال اعتماده على أصل يرجع إلى أكثر من ألف وثلاثمائة عام وهو وصف علي بن أبي طالب له ) وذلك من خلال ما يسمى ( بالحلية الشريفة ) .
وحلية الرجل كما جاء في المعجم الوجيز : صفته وخلقته وصورته ، وجمعها حلى ، وفي معجم مصطلحات الخط العربي والخطاطين لمؤلفه ( عفيف بهنسي ) " لوحة مستقلة مزخرفة ومؤطرة عليها كتابات بخطوط مختلفة وتنسيق بديع" . وتختلف الحلية الشريفة عن حلية الأحزاب ، التي هي رقشة كبيرة تحوي رقم أحزاب السور في القرآن الكريم . وأشهر الحليات برواية علي بن أبي طالب ، وهناك رواية أخرى عن الحسن بن علي رضي الله عنهما في كتاب الشفا في تعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم كما أن هناك وصفاً له صلى الله عليه وسلم من أم معبد التي مر بخيمتها ومعه أبو بكر رضي الله عنه .
والحافظ عثمان كان أول من كتب الحلية النبوية الشريفة على شكل لوحة بالثلث والنسخ وأسس لها نظاماً خاصاً . أما أول من كتبها بالتعليق "الخط الفارسي" فهو محمد أسعد اليساري وكتب ابنه مصطفى عزت مائتي حلية .أما أجمل حلية بخط التعليق فقد كتبها خلوصي أفندي وعلى الطريقة التركية ، ولقد اعتنى المذهبون بالحلية عناية خاصة ، وفيما عرفته من الخطاط محمد أوزجاي أن لوحة متوسطة الحجم كانت تأخذ شهرين كاملين تهذيباً وزخرفة . وكان أسلوب الخلاكامري يدخل أحياناً في تذهيب بعض الحليات دون بعض وأسلوب الخلكاري يعني : طلاء داخل الوحدات الزخرفية بالذهب بشكل تدريجي من الكثافة إلى التلاشي ، وتكون حافة الوحدة الزخرفية بلون الذهب ( الغامق ) وقد تكون بالحبر الأسود .
وكان من المشهور وضع نجمة سداسية متقاطعة الأضلاع في طرف البسملة بأعلى الحلية ، وبعد الآية القرآنية على الشريط الذي يلي سرة الحلية ، وهذه النجمة تعرف منذ مئات السنين بخاتم سليمان أي : الشكل الذي كان عليه خاتم سليمان وتستخدم غالباً رمزاً لليمن والبركة .
وتنقسم الحلية كما جاء في كتاب فن الخط إلى أقسام :
1- المقام الأول : ولا يكتب فيه غير البسملة .
2 - السرة : وتضم القسم الأكبر من نص رواية الإمام علي رضي الله عنه في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد تكون على شكل دائري ، أو بيضاوي ، أو حتى مربع .
3- الهلال : وهو قسم هلالي الشكل يغطى بالذهب ، أو برسم وحدات زخرفية فوق طبقة الذهب غير أنه ليس شرطاً في كل حلية ، إذ يمكن أن يترك كجزء من السرة ، وقد يلتف الهلال بالشكل الدائري كأنه يلتف بالشمس على اعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم أضاء الدنيا بنوره ؛ فهو يشبه الشمس والقمر
4- أما القسم الرابع الذي يحيط بالسرة فهو أغنى الأقسام في الحلية بما يحويه من الزخارف والزينات ، ويكتب في هذا القسم أسماء الخلفاء الراشدين وأحياناً أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وأسماء بعض العشرة المبشرين بالجنة .
5- ثم يأتي بعد ذلك شريط ثلثي ، به آية قرآنية نزلت في حق النبي صلى الله عليه وسلم مثل ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ، أو ( وإنك لعلى خلق عظيم ) أو ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) وكان بعض الخطاطين يضع بدلاً منها مصراعاً من الشعر مثل : مصطفى ماجاء إلا رحمة للعالمين
6- ثم يأتي ذيل الحلية ، وهو استمرار لنص الحلية ، ويطلق عليه قسم الدعاء لأنه كان يخصص أحياناً لذلك إذا انتهت كتابة النص في قسم السرة ، ويضع الخطاط في نهايته اسمه وتاريخ الفراغ . أما القسمان الآخران على جانبي الحلية فهما بمثابة الكرسي ويخصصان لوضع بعض الزينات والوحدات الزخرفية .
وخرج بعض الخطاطين عن هذا الشكل ؛ فكانت هناك استتثناءات منها كتابة أدعية بدلاً من نص الحلية المعهود مثل دعاء دفع الوباء الذي كتبه عارف أفندي عام 1899 .
وبعض الخطاطين كان يكتب أسماء الله الحسنى على جانبي اللوحة داخل شجرة السرو التي تشبه الألف ، وكأنها رمز للوحدانية . واعتاد الخطاطون على كتابة الحلية كلوحة واحدة ، وخروجاً على هذا الشكل كتبها محمد شوقي أفندي على هيئة اربع لوحات بالنسخ والثلث كأمشق يتعلم عليها طلاب الخط العربي .
وزيادة حجم الحلية كانت تدفع الخطاطين إلى الزيادة في سمك قلم النسخ عن مليمتر واحد ، وهو المقاس المعهود ؛ ليتناسب مع قراءة الحلية عن بعد ، وهو ما يسمى " بالنسخ الجلي " .
ولجأ بعض الخطاطين إلى كتابة الحلية حتى يحصل بها على إجازة من خطاط كبير كما فعل حسين أمين أستاذ الخط بمدرستي القاهرة والجيزة ، لتحسين الخطوط لما كتب الحلية حتى يحصل بها على إجازة من الخطاط محمد عبد القادر - رحمه الله - بوضع اسمه تحت خطه بالرغم من أنه تخطى هذه المرحلة وتجاوزها منذ سنوات طويلة ، والحلية تستهوي الكثير من الخطاطين وقد كتب الخطاط محمد أوزجاي منها حتى الآن ما يزيد على خمس وأربعين لوحة ، بينما كان بعض الخطاطين يشفقون على أنفسهم من كتابتها ويتهيبونها .
يقول وليد الأعظمي في كتاب ( تراجم خطاطي بغداد ) : الحلية عند الخطاطين كالملعقة عند الشعراء ، كما أنها المقياس الذي يحاسب عليه الخطاط ، ولا يحاسب على غيره ، ويوجه له المدح والقدح بسببها ولا يقدم على كتاتبتها إلا من آنس في نفسه اللياقة والكفاءة بحيث يستطيع أن يضيف جمالاً وحسناً في تركيبه وأن يتحاشى التقليد لمن سبقه إلا في حدود ضيقة يضطر إليها إضطراراً ، ولا يملك لنفسه أو قلمه فكاكاً منه ، حتى إن ماجد الزهدي - رحمه الله - وكان مدرساً للخط في معهد الفنون الجميلة ببغداد ، وقد تجاوز السبعين من عمره لم يكتب حلية واحدة ولما سألناه عن السبب قال : ما معناه أنه ينوي ، ويحاول أن يستعد لها ، وتوفي ولم كتب حلية واحدة ، وقد كتب هاشم البغدادي أكثر من عشر حليات مذهبة ومزخرفة ببراعة تامة على أيدي عظماء المذهبيين الأتراك " .
وأقوال لو أن الصحف العربية وضعت في خطتها طبع مثل هذه الحليات بألوانها البديعة كهدايا لساهمت في تزيين بيوت المسلمين ببدائع الخط ، وروائع الزخارف بدلاً من تعليق صور ذوات الأرواح مما يوقع في الحرمة ، والحرج الشرعي ، ولشاركت في نشر تراث فني هو أغنى ما يملك المسلمون من تراث وفن.