وضعية البنك مانح الائتمان لمقاولة موضوع تسوية قضائية
23-03-2009, 10:55 PM
وضعية البنك مانح الائتمان لمقاولة موضوع تسوية قضائية
اعداد : ذ - السكتاني عمر
باحث في الفقه والقانون


تؤدي البنوك دورا فعالا في تمويل الاقتصاد حيث تحتل مركز الصدارة، " وذلك بما تمتاز به من قدرة كبيرة على جمع المدخرات وتوظيفها،"(1) حتى أن رأيا في الفقه(2) نعت الأبناك بقابضة الأرواح لكونها تملك حق الحياة أو الموت بالنسبة للمشروعات الاقتصادية، وبدونها لا يمكن للمقاولة أن تنشأ ولا أن تشتغل في ظروف جيدة، فإذا كانت الحاجة إلى البنك تعوز المقاولة وهي في حالة السلامة والظروف العادية، فإن هذه الحاجة يصبح إشباعها مسألة أساسية عندما تعترضها صعوبات مالية واقتصادية لا سيما وأن المشرع خولها الحق في استيفاء ديونها اللاحقة في تاريخ الاستحقاق وبالأسبقية على باقي الديون الأخرى، باعتبار أن هذا التمويل يدخل في وظيفة البنك ودوره في تقديم
-------------------------------------
(1) – أنظر بنك المغرب، التقرير السنوي، السنة المالية 1999، ص : 138.
(2) عمر أزوكار ، المسؤولية البنكية عن إنهاء الاعتماد من خلال التشريع والقضاء، جريدة الأحداث المغربية، 23 أبريل، ع : 156.


الدعم للمقاولة خلال مرحلة التسوية القضائية قصد تمكينها من تجاوز الصعوبات التي تعترضها، وإذا كان البنك لا يقدم على منح الائتمان إلا بعد فحص مركز التاجر وتحري سمعته وكفاءته ومدى ملائمة الائتمان مع مصالحه، فإن قراره بالموافقة على طلبه يعتبر إلى حد كبير علامة على متانة مركز التاجر وعلى حسن سمعته، وهو عمل هام يطمئن إليه التجار الآخرون والعملاء في إقبالهم على هذا التاجر بما يمكنه من الاستمرار في نشاطه، لكن الأمور لا تسير على هذا النحو دائما، فقد ينهار التاجر رغم حصوله على الائتمان، إما لأن أزمته ما كان يجدي التغلب عليها أي اعتماد أو لسوء إدارة التاجر(1) " فالائتمان قد يكون مصدرا للازدهار والتقدم وقد يكون سببا للانهيار والأزمات الإقتصادية"(2) .
وبذلك يتضح من جهة مدى أهمية الدور الذي تلعبه البنوك مانحة الائتمان في مساعدة زبنائها خلال مرحلة التسوية القضائية، ومن جهة أخرى مدى ضخامة المخاطر التي تنشأ عن منح الائتمان البنكي سواء بالنسبة للبنك المانح نفسه الذي يكون احتمال خسارته لأمواله واردا في كل حالة أو بالنسبة للزبون الذي ينعكس عليه الائتمان بالسلب إذا منح له هذا الائتمان دون حسن تقدير لمدى ملاءمته مع مصلحته الخاصة ومصلحة دائنيه، فالائتمان البنكي يعتبر بمثابة سيف ذي حدين، فهو قد يكون من جهة إيجابيا لمن يستفيد منه ومن جهة أخرى سلبيا بالنسبة إليه، لذلك فعلى البنك أن يحسن تقدير ملاءمته الائتمان للمصلحة الاقتصادية للمقاولة وإلا كان معرضا للمساءلة سواء تجاه الزبون أو تجاه الأغيار.
ولتحليل مدى الانعكاسات السلبية الناتجة عن إثارة المسؤولية البنكية على تمويل المقاولة خلال مرحلة التسوية القضائية سوف نتطرق أولا إلى تحديد طبيعة وأساس مسؤولية البنك في مجال الائتمان (أولا) وثانيا إلى إبراز حدود مسؤولية البنك عن منح الائتمان خلال مرحلة التسوية القضائية (ثانـيا) .
أولا : طبيعـة وأسـاس مسـؤوليـة البنـك فـي مجـال الائتمـان :
يلعب الائتمان الذي تمنحه المؤسسات البنكية دورا رائدا في المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بفعل استجابته لجل متطلبات الأفراد والمقاولات لا سيما
-------------------------------------
(1) د. عبد الحميد محمد الشواربي – و محمد عبد الحميد الشواربي، إدارة المخاطر الائتمانية من وجهتي النظر المصرفية والقانونية، منشأة
المعارف بالأسكندرية ، ص : 1568.
(2)محمد جنكل، الائتمان التجاري، الائتمان البنكي نمودجا، م س، ص : 15.

المتعاطين منهم لأعمال تجارية، وتقوم البنوك في هذا الإطار بدور مهم وأساسي في الحياة الاقتصادية يتمثل في الحصول على الأموال بأقل الأسعار والعمل على تداولها وإقراضها بأعلاها(1)، غير أن السياسة الائتمانية تقتضي من البنك ضرورة التوفيق بين ممارسة الائتمان وترويجه من جهة وإدراك عملية تدارك المخاطر من جهة ثانية، وإلا كان معرضا للمسؤولية سواء تجاه الزبناء أو تجاه الأغيار خاصة في الحالة التي يمنح فيها البنك الائتمان لمقاولة تعترضها صعوبات مالية.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن القضاء المغربي قد ساهم وبشكل كبير حسب ما استطعنا الاطلاع عليه، في إقرار المسؤولية البنكية في عدة مجالات(2) ، بما في ذلك مسؤوليته في إطار صعوبة المقاولة، حيث أصبح يتخذ موقفا صارما في تقدير الخطأ البنكي فيما عرض عليه من قضايا، كما أن هناك اتجاها قضائيا بدأ يتطور في بعض الدول الأجنبية يأخذ بمبدأ مساءلة البنك الذي يمنح ائتمانا لمقاولة تعترضها صعوبات مالية(3) على أساس أن منح الاعتماد يعطي للأغيار مظهرا للرخاء قد يكون غير مطابق للحقيقة ويتسبب بالتالي في ضياع حقوقهم بتمديد الحياة التجارية للمقاولة مع ما يترتب على ذلك من ضياع أصولها وزيادة في ديونها(4).
ونشير في هذا الصدد إلى أن أساس مسؤولية البنك في هذا الإطار يتجلى في كون البنك يمارس نشاطا يقترب من نشاط المرافق العامة، وأن وظيفته ليست وظيفة تاجر عادي، فهو مكلف بتوزيع الائتمان ويساهم في تنظيم الاقتصاد، وهو مهني محترف يملك في نطاق الاستعلام والتحري وتقدير المواقف أساليب قوية تمكنه من اتخاذ القرارات المناسبة في كل حالة، والبنك بسبب احترافه وقوة الوسائل التي يملكها في مباشرة مهنته يتوقع منه المتعاملون معه والجمهور حرصا ودقة أكبر بكثير مما يتوقع من شخص أو تاجر عادي فلزم من ذلك أن تكون مساءلته أوسع مجالا وأكثر تشددا، إلا أننا نعتقد أن التوجه الفقهي السالف الذكر، فيه نوع من التشدد والمبالغة في مساءلة البنك، لأن المعلومات التي يحصل عليها والأجهزة التي يستعين بها في تحصيلها لها حدود ولا يحسن تكليفه بأكثر من طاقته في هذا الشأن، بل أكثر من ذلك فإن التوسع في مسؤولية البنك عن سياسته في توزيع الائتمان يمكن أن يؤدي الحد من تشجيع البنوك على إنقاذ المقاولات
المتعثرة، ومن شأنه أن يؤدي أيضا إلى تشتت وإنهاء العلاقات التعاقدية بينهما عوض تنشيطها، مما يقلص من حظوظ المقاولة في التسوية والإنقاذ، فتقرير القضاة
-------------------------------------
(1) رضوان بـدة، تمويل المقاولات الصغرى و المتوسطة بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية العلوم
القانونية ... الرباط – أكدال، السنة الجامعية 2006-2007، ص : 44.
(2) نـور الدين الشرقاوي الغزواني، مسؤولية الأبناك عن ودائعها، ع 4، 1999 ص : 126.
(3) كريـم أيت بـلا، استمرارية المقاولة في إطار التسوية على ضوء العمل القضائي، م س ، ص :128.
(4) د. علي جمال الدين عوض، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، دار النهضة العربية، القاهرة، ص : 559.
للمسؤولية بشكل مبالغ فيه، يدفع البنك إما إلى نهج أسلوب الانغلاق لحماية نفسه، أو على طلب ضمانات مرتفعة غالبا ما لا توافق الوضعية المالية والاقتصادية للمقاولة(1) .
وعموما فإن مسؤولية البنك تكون إما مسؤولية عقدية وإما مسؤولية تقصرية، فهي تكون مسؤولية عقدية إذا كان الضرر المترتب للعميل ناتجا عن الاخلال بالتزام تعاقدي، ويتمثل الفعل الضار في رفض البنك أداء ما هو مستحق للعميل بموجب أحد العقود المرتبطة بالائتمان، ويمكن أن تكون مسؤولية البنك تقصيرية في الحالة التي يقوم فيها البنك بالاخلال بالتزام قانوني، فهي وإن كانت تستلزم توافر عنصر الخطأ والضرر وعلاقة السببية(2) ،فإنها تتميز عن غيرها في تقدير الخطا الذي ارتكبه البنك، فمجرد خطا بسيط يمكن أن يرقى على مرتبة الخطأ، حيث نجد القضاء يتعامل بنوع من الشدة في تقدير الخطأ، على أساس أن البنك مهني، له دور هام في تنمية الاقتصاد الوطني، كما أن واقع العمل القضائي(3)، يؤكد أن مسؤولية البنك تخرج في الغالب عن إطار القانون المدنين وذلك لعدة اعتبارات تتمثل في وضعيته المادية الميسورة، واعتباره كمؤسسة منظمة ومتخصصة، بالإضافة إلى التعقيد والسرعة التي تطبع التقنيات البنكية، بل إن البعض ذهب إلى القول بأن الامتيازات المعترف بها للبنك بخصوص نشاطه المهني تؤدي إلى مسؤولية هذا الأخير في كل حالة يمتنع فيها عن القيام بهذا الدور، والمخول له من طرف المشرع، بحيث يكون مسؤولا عندما يمول الأفراد والمقاولات ويكون مسؤولا عندما يرفض هذا التمويل، لذلك يتعين على البنك الحذر والاحتياط وعدم الإقدام على التمويل إلا بعد دراسة المركز المالي للعميل وفي حدود ما هو ملائم لمصلحته ومصلحة المتعاملين معه، إلا أنه ومهما كانت وجاهة التصورات التي قدمت بخصوص مسؤولية البنك ومدى تأثيرها على تمويل المقاولة خلال مرحلة التسوية القضائية، فإنها تبقى قاصرة وغير كافية لأن الأمر يتجاوز ذلك بكثير إلى ضرورة تحديد حدود مسؤولية البنك عن تمويل المقاولة خلال مسطرة التسوية القضائية حتى سهل عليه تحديد الموقف الذي يتعين عليه اتخاذه إزاء مقاولة تلتمس قرضا قد يخرجها من أزمتها المالية وبمنأى عن أية مساءلة، ذلك ما سوف ن تطرق له في الفقرة الموالية.
-------------------------------------
(1) مينـة حربي، موقف البنك من تمويل المقاولة التي تعترضها صعوبات مالية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص،
كلية العلوم القانونية ... الرباط، 2003-2004، ص : 111.
(2) ما يلاحظ على التشريع المغربي هو غياب قواعد خاصة تنظم المسؤولية البنكية بصفة عامة والمسؤولية في محال صعوبات المقاولة، أنظر
في هذا السياق، فاطمة الحسيني، المسؤولية المدنية للبنتك في إطار صعوبات المقاولة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية
الحقوق الرباط أكدال، 2000-2001، ص : 11 وما يليـها.
(3) جاء في قرار محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء بتاريخ 26 ماي 1978 ما يلي : " ليس البنك مجرد مودع عادي لديه، بل مؤسسة مؤطرة
تسعى لضمان حقوق المودعين وتظهر أمامهم بصفة الحريص المحافظ الأمين على ودائعهم، ولهذا يجب أن تكون مسؤوليته أشد من
مسؤولية المودع لديه العادي ... " قـرار عدد 1164 ملف تجاري 1216/86 . م ق ق ... .

ثـانيـا : حـدود مسـؤوليـة البنـك عـن تمويـل المقاولـة خـلال
مرحلـة التسويـة القضـائيـة :
إذا كان المشرع يهدف إلى تحفيز المؤسسات البنكية على تمويل المقاولات خلال مرحلة التسوية القضائية، بتمكينها من الحق في استيفاء ديونها في تاريخ الاستحقاق وبالأسبقية على باقي الديون الأخرى السابقة على فتح المسطرة حتى ولو كانت مقرونة بضمانات أو امتيازات إلا أنه وفي غياب قواعد موضوعية واضحة تؤطر المسؤولية البنكية بصفة عامة والمسؤولية في مجال صعوبات المقاولة بصفة خاصة فإن البنك يتساءل حول الموقف الذي يتعين عليه اتخاذه إزاء مقاولة تلتمس قرضا قد يخرجها من أزمتها المالية، ويساهم في تسويتها وإنقاذها ودون أن يكون محلا لأية مساءلة ؟
برجوعنا إلى مبادئ القانون البنكي نجده يفرض على البنك ضرورة احترام بعض الواجبات المفروضة عليه والتي تسمح له بتلافي المخاطر الناشئة عن عملية الائتمان وتتمثل هذه الواجبات في واجب الاستعلام حول المقاولة (1) وواجب تقدير ملائمة الائتمان لظروف المقاولة (2) وواجب مراقبة استعمال قيمة الائتمان (3).
1- واجـب الاستعـلام حـول المـقاولـة :
مما لا شك فيه أن الائتمان البنكي يقوم على الاعتبار الشخصي وهو الأمر الذي يقتضي أن يتعرف البنك على طالب الائتمان من حيث جدارته واستحقاقه لثقته، ومن حيث وضعه الاقتصادي والمالي عن طريق القيام بكل التحريات اللازمة.
وبذلك فقد يعد خطأ من جانب البنك إقدامه على منح الائتمان دون تحر عن مدى جدارة طالبه بذلك، ويلتزم البنك في هذه الحالة بالتعويض عن الضرر الذي يتسبب فيه خطؤه للزبون وكذلك للغير الذي يمتد إليه هذا الضرر(1).
غير أن الوضع لا يقف عند هذا الحد، فإذا كانت مسؤولية البنك قائمة إذا لم يقم بالتحري عن وضعية المدين المالية من خلال السجلات والوثائق التي تكون معدة للعموم للإطلاع عليها، فإن هذه المسؤولية تنتفي إذا ما كانت هذه العلنية المثبتة في هذه السجلات تثبت جدارة العميل بالائتمان الممنوح له، وبالتالي يمكن القول بأن الالتزام
-------------------------------------
(1) د. محمد لفروجي، العقود البنكية بين مدونة التجارة والقانون البنكي، الطبعة الثانية، يناير 2001، ص : 116.

بالاستعلام يتجاوز هذه الحدود الضيقة ، لأن استخدام المعلومات المتاحة لا تعطي للدائن البنك إلا أمانا محدودا وإعلاما غير كافي، لذلك فإن التزامه بالاستعلام يتجاوز هذه المظاهر بل يتعين أن ينصب على ذات ذمة المدين(1) ، وتأسيسا على ذلك فإننا نعتقد أن البنك الذي يقدم على تقديم تمويل للمقاولة التي فتحت في مواجهتها مسطرة التسوية القضائية، معتمدا في ذلك على تقرير السنديك المتعلق بإعداد الموازنة المالية والاقتصادية والاجتماعية الذي يثبت أن وضعية المقاولة لا زالت قابلة للإصلاح وأنها لم تصل بعد إلى وضعية ميؤوس منها، في حين أن الحقيقة خلاف ذلك، فإننا نعتقد أن البنك في هذه الحالة يعتبر مسؤولا لأنه ملزم بإعداد تقرير آخر حول وضعية المقاولة من خلال الإمكانيات والوسائل المتاحة له.
ونتيجة لذلك فإن القضاء الفرنسي ذهب إلى التشدد بصدد إقراره لواجب التحري والاستعلام، حيث افترض في البنك قرينة العلم، فلم يكتف بالمعلومات المتوفرة لديه فحسب، بل حاسبه بما كان يتعين عليه أن يعلمه، حيث ذهبت محكمة النقض الفرنسية في أحد القرارات الصادرة عنها إلى إقرار مسؤولية البنك عن الضرر الذي لحق الشركة المستفيدة من الائتمان بفعل عدم تقدير البنك المعني بالأمر للخطأ الذي وقع فيه مسيروها الذين طلبوا باسمها ائتمانا بنكيا بالرغم من أنها توجد في وضعية مالية لا يمكن أن يكون الائتمان مفيدا لها(2) .
2- واجـب تقـدير ملائمـة الائتمـان لظـروف المقاولـة :
من بين الالتزامات المفروضة أيضا على البنك ضرورة تقدير مدى ملائمة الائتمان لظروف المقاولة، ويتم ذلك عن طريق تحليل اتجاهات الأنشطة والقطاعات الاقتصادية المختلفة بالدرجة التي يمكن معها التعرف على التطورات التي تلحق بها، وعلى التنبؤ بأوضاعها المستقبلية، وكذلك من خلال التحري عن المركز المالي للمدين، فإذا كان يسمح للبنك أن يعاون عميله الذي يكون في مركز صعب يحتاج إلى البنك من أجل تسوية وضعيته والخروج من أزمته فإنه بالمقابل يكون مسؤولا سواء إزاء العميل أو إزاء الأغيار في حالة تقديم الائتمان لمنشأة أو عميل مركزه المالي محطم أو ميؤوس من استمرار، كما يكون مسؤولا أيضا إذا كان الاعتماد الممنوح من حيث حجمه أو طبيعته أو مدته أو تخلف شرط فيه كان يجب أن يقترن به، لا يمكن أن يؤدي إلى إنقاذ العميل، ولهذا يجب أن يكون الاعتماد الممنوح للمقاولة معقولا وبالقدر اللازم لإنقاذها، فإذا كانت
-------------------------------------
(1) محمـد جنكـل الائتمان التجاري ... م س ، ص : 767.
Cour de Cassation Française- Arrêt Commercial, 20 Juillet 1980, Bull. Civ. 1980, p : 317. (2)
المقاولة متوازنة ماليا وكان الهدف من الاعتماد هو تطوير وتوسيع نشاطها التجاري وفي مشروع مربح طبقا للتقدير المعقول في السوق كان الاعتماد سليما، وكذلك لو كانت المقاولة في ضائقة مالية وجب أن يكون بالقدر اللازم لإنقاذها، فإن كان ضئيلا لم تكن منه فائدة والأفضل للبنك أن يرفضه لأن مثل هذا الاعتماد لن يؤدي إلا إلى إطالة فترة احتضارها، وإذا كان كبيرا مبالغا فيه فلن يكون في هذه الحالة إلا وسيلة لتأخير إثبات حالة التوقف عن الدفع، فالاعتماد في كل هذه الصور- أي الذي لا يتناسب مع إمكانيات العميل- يكون غير مشروع لأنه يخلق له مظهرا، لا يستحقه ويظلل الغير المتعاملين معه، بل وقد يكون سببا في انهياره.
وهكذا ففي حالة ثبوت عدم ملائمة الائتمان الممنوح مع مصلحة العميل يكون البنك مسؤولا عن الضرر الذي قد يلحق المستفيد منه أو الغير بسبب تدخله ومساهمته في تدهور الوضع المالي لهذا المستفيد(1) ، لذلك فإن العمل الذي يجري داخل أروقة المؤسسات البنكية على إلزام طالب الائتمان بتقديم دراسة مفصلة عن النشاط الذي ينوي تمويله سواء على المستوى المالي أو التقني أو على مستوى دراسة السوق، أي أن كيفية الإنتاج والتوزيع لذلك فإن المنطق القانوني يقضي بضرورة قيام البنك بواجب تقديم النصح والمشورة للعميل بتعديل الخطوات المتبعة في تمويل المشروع أو بتغيير نوع النشاط المراد تمويله أو الاستثمار فيه وإلا كان معرضا للمسؤولية.
3- واجـب مراقـبـة اسـتعـمال قـيمـة الائـتمـان :
يعتبر التزام البنك بمراقبة استعمال الائتمان في الغرض المخصص من أهم الالتزامات التي تقع على عاتقه والتي تجد أساسها في ضرورة تقديم النصح والإرشاد للمقاولة، حماية لمصالحه من جهة وحماية لمصالح الزبون والأغيار من جهة أخرى إذ " بقدرما تواكب إدارة المؤسسة البنكية عميلها بقدر ما تستطيع أن تحجم من مخاطر الائتمان وتعطي الفرصة الناجعة للتحصيل"،(2) ومن تم فإذا كان هناك اتفاق على تخصيص الائتمان لغرض معين أو لتمويل عملية بذاتها، ففي هذه الحالة يتحمل الزبون بالتزام بعدم إنفاق مبلغ الاعتماد في غير الوجهة المحددة له في العقد الذي يربطه بالبنك، كما يكون في مقابل ذلك للبنك الحق في مراقبة سلوك الزبون بهذا الخصوص، وهذا
-------------------------------------
(1) د. محمد لفروجي، العقود البنكية بين مدونة التجارة والقانون البنكي، م س، ص : 419.
(2) محمد جنكـل، الائتمان التجاري ... م س، ص : 773.

المبدأ هو الذي تم ترسيخه من طرف محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 11 يناير1983(1)، والذي اعتبرت من خلاله أن البنك يلتزم بجبر الضرر الذي أصاب المقترض عندما يقوم وكيل هذا الأخير مستغلا إهمال البنكي بتحويل مبلغ القرض لصالحه، حيث يتمثل خطأ البنكي في ترك إتمام عملية التحويل دون أن يتخذ الوسائل الضرورية لمنع هذا التحويل.
وتأسيسا على ذلك فإن تقصير البنك في قيامه بهذا الواجب عند منحه ائتمانا لمقاولة متعثرة، يعتبر خطأ يستوجب مساءلته عن الأضرار التي أحدثها خطؤه، إلا أن مساءلته على هذا الأساس يختلف طرحها باختلاف طبيعة العملية التي يتم تمويلها وكفاءة مسيريها، كما تجدر الإشارة أيضا أن مراقبة استعمال الائتمان كثيرا ما يصعب ممارسته على مستوى الواقع العملي وخصوصا في المجالات التي قد يشكل فيها كل فحص للحسابات أو إطلاع على المستندات مسا بمبدأ السر المهني الذي يطبع أعمالها.
نخلص من خلال ما سبق، ومن خلال دراسة نطاق مسؤولية البنك في إطار صعوبات المقاولة بصفة عامة، ومدى إمكانية تأثيرها سلبا على تمويل المقاولة خلال مرحلة التسوية القضائية إلى غياب حدود واضحة تؤطر مسؤولية البنك خلال هذه المرحلة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية تمس السياسة المتبعة من طرف ما نحي الائتمان الذين قد يجدون أنفسهم معرضين للمسؤولية بالرغم من عدم ارتكابهم لأي خطأ أو تقصير، مما يجعل الأمر ينقلب ضد المقاولات ذاتها ويعجل بإغلاقها، فمن خلال الدراسة السابقة تبين لنا أن "وضعية الأبناك حرجة ومؤرقة في موضوع تمويل المقاولات حيث يكون تساهلها أو إهمالها أو تهورها في التقييم الموضوعي لاقتراض المقاولة من الأسباب التي قد تغرقها بديون من المستبعد أن تستطيع الوفاء بها، وقد تدفعها إلى صعوبات بل وإلى اختلال نهائي ... وعلى العكس فإن تشدد البنك في شروط الإقراض وامتناعه عن مساندة المقاولة، بل واقتصاره على تطبيق حازم لمقتضيات القانون البنكي ... قد يفوت على المقاولة فرصة تجاوز صعوبات ظرفية، أو قد يخلق لها متاعب تعرقل سياستها الاستثمارية والتشغيلية ربما كانت سببا في تدهور وضعيتها بشكل لا رجعة فيه"(2) . لذلك فالتمويل البنكي " يبقى محصورا على المقاولات المهيكلة التي لها وضعية مالية سليمة وضمانات كافية "(3) .
-------------------------------------
Com. 11 Janvier 1983, JCP ; 1983 . IV. 91 Cass . (1)

(2) د. محمد الادريسي العلمي المشيشي التقرير الختامي لندوة معالجة صعوبات المقاولة التي نظمها منتدى البحث القانوني بمراكش، مجلة
المنتدى، ع 3 ، يونيو 2002، ص : 179-180.
(3) رضـوان بدة، تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة بالمغرب، م س، ص : 44.
ونتيجة لذلك يمكن القول بأن المشرع المغربي وإن كان قد حاول تحفيز الأبناك على تمويل المقاولة خلال مرحلة التسوية القضائية بتمكينها من الحق في استيفاء ديونها بالأسبقية على باقي الديون الناشئة قبل فتح المسطرة فإنه لم يكن في مستوى تطلعات الأبناك حينما ساهم في إفراغ هذا الامتياز من محتواه الحقيقي ومن أهدافه المالية والاقتصادية.
فالقانون البنكي يفرض على الأبناك التزامات صارمة بمجرد أن تلاحظ المؤشرات والعلامات الأولى لتعثر المقاولة تمنعها من الاستمرار في الإقراض، ومن جهة مقتضيات مدونة التجارة المنظمة لصعوبات المقاولة فإن وضع البنك يزداد إشكالا من خلال الالتزامات التي تضعها عليه قصد إنقاذ المقاولة، بحيث يبرز نوع من التناقض بين المواقف القانونية يفرض على المؤسسة البنكية حيطة وتبصرا خاصين كيفما كان القرار الذي تتخذه، ولعل هذا التناقض الذي وقع فيه المشرع المغربي هو الذي يفسر التطبيق المعيب لمبدأ حرية البنك في توزيع الائتمان، " فالملاحظ من الواقع العملي أن المهيمن في تعامل المؤسسات البنكية بالمغرب مع طالبي الائتمان هو السلوك الانتقائي بهاجس تحقيق الربح الكبير، وليس بهاجس تلافي المخاطر حيث يفرض شروطا ويختلق أسبابا ومبررات غير منطقية وغير قانونية لإقصاء الأشخاص غير المرغوب فيهم من دائرة توزيع الائتمان "(1) فالبنك عوض أن يجازف بتقديم أمواله للمقاولة التي تعترضها صعوبات مالية تحت طائلة إمكانية إثارة مسؤولية المدنية فإنه غالبا ما يفضل التعامل مع مقاولات مهيكلة ولها وضعية مالية سليمة وضمانات كافية، حيث أن القرض كما هو معروف ليس حقا للمقاولة وليس واجبا على البنك.





-------------------------------------
(1) محمد لفروجي، القانون البنكي المغربي وحماية حقوق الزبناء، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، كلية
العلوم القانونية ... الدارالبيضـاء، 1996 – 1997، ص : 271.