رشيد برباش وحكاية "القدس اليهودية" في القرآن!!؟
03-01-2018, 03:50 PM
رشيد برباش وحكاية "القدس اليهودية" في القرآن!!؟
محمد بوالروايح


أكتب اليوم عن ثالث الرشيديين "رشيد برباش" ضمن من أسميهم "الجماعة الرشيدية" التي تضم رشيد حمامي ورشيد أيلال، والتي ستضم لاحقا "رشيديين آخرين" صنعوا الجدل في الساحة الفكرية والدينية كمصطفى راشد البحيري المصري، والذي سأتحدث عن خرجاته وسقطاته وزلاته المتكررة في مقال مستقل.
لكن أودّ الآن الحديثَ عن إمام متعالم يدَّعي بأنه عالم بالقرآن والإسلام، وهو رشيد برباش المغربي الذي يستهوي هو وجماعته ومن هم على شاكلته ما يُسمى "الإعلام الحر"، فقد استضافته قناة "فرنسا 24" منذ مدة تزامنا مع التظاهرة الحاشدة التي انتظمت في فرنسا تأييدا لغزة ومناهضة للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عليها وقدمته على أنه إمام محاضر، ورئيس جهوي لاتحاد الصداقة الأورومتوسطي، وقد أفتى بما لم يفت به الأولون ولا يفتي به أحدٌ من علماء المسلمين إلى يوم الدين بأن "القدس يهودية؟"، وبأن نصوص القرآن الكريم تقرّ بأن اليهود هم "شعب الله المختار؟"، وأن الصراع في فلسطين هو "صراع إسرائيلي- حماسي" في إشارة إلى حماس، وليس صراعا إسرائيليا- فلسطينيا، منكرا بذلك كل الحقائق التي حازت الإجماع العربي، والتي تلقى تأييدا من بعض الحركات الأوروبية وحتى من بعض الحركات اليهودية غير الصهيونية كما هو الحال بالنسبة لحركة "ناطوري كارتا" أو "حراس المدينة" .
وبرغم أن ما قاله هذا الإمام المتعالم هراءٌ مشوب بالغباء ولا يستحق الرد، إلا أن الزوبعة الإعلامية التي أثارها في أوروبا والعالم تحتم عليَّ أن أرد عليه لكي ألقمه حجرا، ولكي أبيِّن لكل ذي حجر بأن الشبهات التي أطلقها لا يمكنها أن تغيِّر من الحقيقة شيئا، فهو يردد كلاما عاما ويتحدث بطريقة غبائية وببغائية توحي بأنه تعرض على الأرجح لعملية غسيل مخ أو عملية برمجة من اللوبي الصهيوني أو اللوبيات الأخرى المناهضة للإسلام والعالم الإسلامي.
ادعى رشيد برباش بأن "القدس يهودية" مغازلا بذلك الجماعات اليهودية في أوروبا، ونكاية بالمسلمين الذين يتهمهم بـ"معاداة السامية"، ولكن من دون أن يذكر دليلا نصيا أو تاريخيا أو أثريا واحدا، لقد بدا وكأنه يتحدث نيابة عن الجماعات اليهودية، وهي الطريقة التي يلجأ إليها كل من يتم استعمالهم من قبل اللوبي الصهيوني لكونهم من أصول عربية وإسلامية في حربه ضد ما يسميه "التطرف الأصولي العربي الإسلامي".
وأود في البداية أن أذكِّر برباش بأن الإسلام لا يجيز العدوان مطلقا، ولا يحتقر أهل الأديان الأخرى، وما "العهدة العمرية" إلا دليلٌ كاف على حرص الإسلام على بناء العلاقات الإنسانية على أسس السلم العالمي، ولكن الدولة الصهيونية تحديدا التي انتدب برباش نفسه للدفاع عنها لها وضعٌ آخر مختلف تماما؛ فهي دولة استيطانية لا تمتلك الشرعية الجغرافية ولا الشرعية الدولية، وهي الكيان الوحيد - كما يقول فقهاء القانون الدولي - التي أقيمت بمقتضى قرار مجحف تطبيقا لوعد بلفور المشؤوم، الكيان الاستيطاني السرطاني الذي يُعدُّ سبب كل الأزمات الإقليمية في المنطقة العربية، والذي يتعرض لإدانة دولية واسعة النطاق من المجتمع العالمي والأوروبي، وأؤكد في هذا الصدد بأن فكرة "الإخاء الأورومتوسطي" التي يرفعها برباش ليست إلا قلبا للحقائق وشكلا من أشكال افتعال أزمة بين أوروبا والعالم العربي والإسلامي.

هناك نصوصٌ من العهد القديم تتحدث عن الاضطهادات التاريخية التي تعرضت لها الجماعات اليهودية، وهي في نظري شكلٌ من أشكال العقاب الرباني لشعب صعب الطوية، غريب الأطوار، غليظ الرقبة، ينقاد للأوامر الإلهية ثم سرعان ما يتمرَّد عليها نظير مكاسب مادية أو تحت ضغط قليل أو كثير تفرضه الجماعات المناوئة.
ينتمي رشيد برباش نصيا؛ أي من جهة الاستدلال بالنصوص، إلى جماعة "ويل للمصلين" الذين يذكرون جزءا من الحقيقة ويغضُّون الطرف عن الأجزاء الأخرى، ويتأكد هذا من زعمه بأن القرآن الكريم يقرّ بأن بني إسرائيل "هم شعب الله المختار"، وذلك اعتمادا على نصوص قرآنية من بينها قول الله تعالى: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين"، هذه حقيقة قرآنية ولكنها محكومة بأسبابها وملابساتها، فلما زالت الأسباب والملابسات زالت معها، لأن الشخصية اليهودية انقلبت من شخصية مطيعة إلى شخصية متمردة، وهو ما أدى إلى زوال هذه الأفضلية التي حلت محلها اللعنة الإلهية الأبدية مصداقا لقوله تعالى: "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه"، وهو ما يفسِّر حالة الازدراء التي حلت ببني إسرائيل، والتي كان من مظاهرها حالة التيهان التي تعرضوا لها في صحراء سيناء قبل دخول الأرض المقدسة.
وهناك نصوصٌ من العهد القديم تتحدث عن الاضطهادات التاريخية التي تعرضت لها الجماعات اليهودية، وهي في نظري شكلٌ من أشكال العقاب الرباني لشعب صعب الطوية، غريب الأطوار، غليظ الرقبة، ينقاد للأوامر الإلهية ثم سرعان ما يتمرَّد عليها نظير مكاسب مادية أو تحت ضغط قليل أو كثير تفرضه الجماعات المناوئة.
إن ادّعاء رشيد برباش بأن "القدس يهودية" يؤكد جهله بتاريخ القدس، ومن جهة أخرى كان على هذا الإمام المتعالم أن يقتدي على الأقل ببعض الحاخامات اليهود الذين لا يؤيِّدون فكرة "القدس اليهودية" بعد أن وقفوا على الحقائق التاريخية التي لا تقبل الجدل بهذا الشأن .
ليس في كنانة برباش إلا ثقافة دينية مهزوزة سماعية في الغالب الأعمّ وهو عاجزٌ عن التحدُّث في المسائل التاريخية والفكرية العميقة والدقيقة التي لا يرتقي إليها فكرُه ولا يدركها عقله، إن العارفين والمتخصصين في تاريخ القدس يقولون بأن القدس عربية، وهذا ما أثبته الباحث رأفت النبراوي عميد كلية الآثار بجامعة القاهرة سابقا، وخلاصة ما قاله أن القدس أسسها الملك الصادق وهو أحد الملوك اللوسيين الأوائل وكان ذلك عام 3000 قبل الميلاد وهم إحدى بطون العرب من اليبوسيين، ثم خضعت لحكم الفراعنة خضوعا تاما عام 1479 قبل الميلاد، وجاء المصريون القدامى وسموها "أورسالم" التي اشتقت منها كلمة "أورشاليم" التي تعني "مدينة السلام"، وأضاف النبراوي بأنه قد تم العثور على وثائق أثرية تؤكد أسبقية الوجود العربي في القدس لا يتسع المقام لذكرها، فهل نصدق علماء الآثار أم نصدق رشيد برباش!!؟.