نظرة أخرى
26-10-2018, 09:34 AM
الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي
ضرورة نظرة أخرى

عمر علوي، الأمين العام لجمعية مساعدة غير المؤهلين عقليا بجاية

إن الحديث عن مساهمة الجمعيات في جهود الدولة تجاه ذوي الإعاقات، يفرض علينا أن نقول الحقائق كما هي، وهو واجب المواطن الغيور على مصلحة البلاد. صحيح أن هناك وزارة للتضامن الوطني كاملة بهياكلها وموظفيها وميزانيتها وبرامجها و قوانين تحمي هذه الشرائح الضعيفة التي تحتاج للتكفل والمساعدة، غير أن جهود الدولة ناقصة، وهذا النقص الملاحظ، تغطيه إلى حد كبير العديد من الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي المنتشرة عبر الوطن.
وهذا الجهد الذي تقوم به هذه الجمعيات، في تكملة دور الدولة نحو هذه الشريحة من المجتمع، هو الذي يجب أن يقيّم من طرف السلطات المحلية والمركزية حق التقييم، ومن ثم تبسيط وتسهيل الإجراءات للاستفادة من المنح المالية المرصودة لتنفيذ برامجها، ودعوتها للمشاركة في الدورات التكوينية للمربين والمربيات التي تنظمها الوزارة المعنية للعمال التابعين لقطاعها العمومي...إلى غير ذلك مما يدخل في مهام الوزارة، مع التركيز على ضرورة تحسين منظومة الاتصال بالجمعيات إن صح القول، بغية تبليغ المعلومات في وقتها وللمساهمة بفعالية أفضل.
وكمثال على تلك الجمعيات الناشطة بفعالية، هذه نبذة عن الجمعية التي أنشط فيها حاليا. هي "جمعية مساعدة غير المؤهلين عقليا ببجاية"، من أهدافها التكفل بذوي الإعاقات الذهنية الخفيفة وأصحاب متلازمة داون، أنشئت منذ 1983 من لا شيء، وانطلق نشاطها بالتكفل بعدد قليل من الأطفال من ذوي التأخر الذهني، لا يتعدى عددهم أصابع اليدين، أما اليوم، وبعد 35 سنة من النشاط الدؤوب، تضم أكثر من 200 بين أطفال ومراهقين وراشدين، موزعين على مركزين في ورشات متعددة ومختلفة، ويقوم على مرافقتهم 55 عاملا، نفسانيين ومربين وعمال آخرين.
استطاعت الجمعية، خلال هذه المدة، أن تكسب ثقة الأولياء، واحترام المجتمع بما تقدمه من خدمات جادة لهذه الشريحة من المواطنين، الذين لهم حق علينا كأولياء، وحق على المجتمع كدولة، وهذا بفضل الله، وفضل جهود القائمين عليها، وتضحيات العمال الذين، برغم أجورهم الزهيدة، ظلوا أوفياء ومخلصين في عملهم، وهذا يكفيهم فخرا.
إن هذه الجمعيات الصامدة، والتي تعيش في غالبيتها على "الصدقات" التي تأتيها من المحسنين الأوفياء، والمتبرعين، و من بعض المنح من السلطات المحلية، تريد أن تخرج من هذه الحالة التي تجعل منها عبارة عن هيئات للتسول، إلى حالة أفضل وأرقى، بالاعتراف بها كجمعيات ذات خدمة عمومية، وبالتالي من حقها الاستفادة مما تستفيد منه المؤسسات العمومية، كميزانية التسيير والتجهيز، بغية الوصول إلى تحقيق الأهداف المسطرة في قوانين الجمهورية التي تتلخص في إدماج هذه الشريحة في المجتمع، لتكون منتجة وليس عالة عليه.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إذا كانت هذه أمنيتنا وطموحنا كجمعيات ذات طابع اجتماعي، والذي نجتهد لبلوغ أهدافه، فإنه من المفيد أن نشير إلى ملاحظة ذات صلة بواقع توزيع المنح للجمعيات من طرف السلطات المحلية. إن الملاحظ وبشكل صارخ، أن تلك الأموال الممنوحة، تذهب في معظمها إلى الجمعيات الترفيهية، في حين أن الجمعيات التي توازي في أهدافها، وهياكلها وتسييرها، المؤسسات العمومية، لا تحظى بما يناسب تلك الأهمية، ومن ثم، ننتظر من القائمين على الشأن العام، أن يعيدوا النظر في توزيع الأموال العامة، و أن يلتفتوا أكثر إلى الذين يساهمون في جهد الدولة لترقية المجتمع، ويضعوا أموال الدولة في أماكنها اللائقة، أين تظهر آثارها بارزة واضحة !
وهذا المسعى من القائمين، سيشجع لا شك، المتطوعين للانخراط في الحياة الجمعوية الجادة، لأن هناك طاقات شبانية متحمسة تبحث عن اكتساب تجربة في العمل التطوعي، كما يوجد أيضا طاقات أخرى تحمل زادا معرفيا وتجربة سنين في قطاعات نشاط مختلفة، هي الآن في حالة سكون بعد تقاعد أصحابها، ولكنها مازالت حية نابضة بالفتوة، تحتاج أكثر ما تحتاج، أي هذه الطاقات كلها، إلى ليونة الضوابط القانونية للتقارب والتلاحم، الذي لا يوفر أجواءه ومناخه إلا العمل الجمعوي الهادف، والله أعلم.
أملنا في الأخير أن يساعدنا أصدقاؤنا في مشاركة هذا النص ولهم كل الشكر والتقدير!