هل سقطت فلسطين من أجندة الإسلاميين في الجزائر...؟
19-09-2015, 07:04 PM
بد الحميد عثماني
رئيس تحرير التحقيقات والحوارات الكبرى بجريدة الشروق
إلى وقت قريب، كان الصراع الفلسطيني الصهيوني يمثل القضية المركزية للأمة في أدبيات الإسلاميين من المحيط إلى الخليج، كونها معركة عقدية بالأساس، قبل أن تكون احتلالا للأرض على شاكلة الاستعمار التقليدي، وبهذه الخلفية شكّل النضال السياسي والاجتماعي لدعم حركة التحرر الفلسطيني، لاسيما الإسلامية منها، محورا إستراتيجيا في مسيرة الحركات الإسلامية في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، لكن المفارقة التي ترتسم على المشهد الجزائري، هو تضاؤل حضور القضية الفلسطينية جماهيريا في نشاطات الأحزاب المحسوبة على "الإسلام السياسي"، فأضحت تحركاتها ومبادراتها بهذا الصدد فئوية ضيقة، لا تبرح الصالونات المغلقة أو مقرّات الهيئات، ومنابر الإعلام، بينما هي مسألة مشتركة بين كلّ الجزائريين على اختلاف مشاربهم وميولاتهم، فلماذا يا ترى تراجع الاهتمام بدعم القضية، سواء كان ذلك عن قصد أو تحت إكراهات الواقع الذاتي والخارجي؟
صحيح أن الإسلاميين هم الأقرب ضمن مكونات المشهد السياسي الجزائري إلى تبنّي القضية الفلسطينية، عبر الحراك الطلابي والشعبي منذ سنوات، والعمل الإغاثي الإنساني الذي لم ينقطع، بل عرف تفعيلا وتميّزا مع الحصار الذي فرضه الكيان الصهيوني على قطاع غزّة، لكن لا يخفى على مراقب أنّ قدرتهم على حشد الشارع في وقفات وتجمعات لنصرة المقاومة والأقصى والقدس قد أصبحت باهتة كثيرا، لاعتبارات كثيرة سنأتي على ذكر أهمها.
لاشكّ أن الإنقسامات التنظيمية وحالة الانشطار الداخلي التي عرفتها كل التشكيلات الإسلامية، قد انعكست سلبا على أدائها الميداني، وكانت القضية الفلسطينية أكبر المتضررين من الانحسار الإسلامي في الساحة الوطنية، واضطربت علاقاتها مع الطرف الفلسطيني ضمن سباق التنافس على كسب الولاء والتزكية لهذا الفريق وذاك، ليتراجع معه حجم ونوعية الدعم الذي كانت تستفيد منه المقاومة الفلسطينية.
ضف إلى ذلك، أنّ انغماس "روّاد الصحوة" في العمل الحزبي اليومي، قد عزل الإسلاميين عن المساجد التي مثّلت منطلقا ومعقلا لتجييش المتديّنين وعموم المصلّين في مثل هذه المواقف المبدئية المرتبطة في فكرهم وثقافتهم بالواجبات الشرعية المنوطة بالمسلم، في حين سيطر "التيار الظاهري" على إدارة المنابر، هذا الأخير ينزع إلى فكر الولاء للحاكم، ويرى في التحريض على نصرة قضايا الأمة، نوعا من الخروج على السلطان، قد يفضي إلى الفتنة المنهي عنها شرعا.
ثمّة عامل آخر يؤثر كثيرا برأي مراقبين على تفاعل الأحزاب الإسلامية مع ما يجري على الأرض المحتلة، وهي صورة تلك التشكيلات وقياداتها العليا في منظار المواطن البسيط، من خلال ما تشكّل في مخياله، وعايشه في الواقع، عن تجربتها في الحكم والمجالس المنتخبة، وأيضا صراعاتها البينية، حيث تحوّلت في نظر البعض من أمل يثق الناس في أخلاق مريديه، إلى "دجّال" يتدثر بلبوس الدين، ويستعمل قضايا الأمة كسجلّ تجاري ضدّ منافسيه في ملعب التعبئة السياسية والاستقطاب الجماهيري، وباهتزاز مركز الأحزاب الإسلامية في قلوب العامّة، تزحزحت نصرة فلسطين عن موقعها الرئيس في اهتمام الجمهور، ليس نكرانا لها، أو تخليّا عن وجوبها، بل رفضا لاستغلالها وتسييسها لأغراض ومآرب أخرى!
وبمقتضى ذلك، صارت الدعوات العفوية غير المؤطرة حزبيا، تجد صداها الكبير في الشارع، ليخرج الجزائريون بالآلاف في بعض المحطّات، مثل نصرة النبي محمد (ص)، لكنهم ينكفئون على أنفسهم لو نادت أي واجهة حزبية لمثلها!
وتبقى هذه التفسيرات مجرّد وجهة نظر نسبية، لأن الإسلاميين، وإن أقرّوا بضعفهم في مساندة القضية المركزية خلال السنوات الأخيرة، فإنهم يبرّرون ذلك بالمناخ السياسي العام في البلاد، والذي يضيّق عليهم حرية التحرك والتجمهر، كما يلقون باللائمة على السلطة التي غرست -حسبهم - اليأس في نفوس المواطنين، ودفعتهم للاستقالة الجماعية من كافة المناشط العامة، ولو تعلّقت بأقدس المقدسات.
ومع ذلك، فهم يجتهدون في تقديم ما أمكن من الدعم على كافة المستويات السياسية، الدبلوماسية، الاجتماعية، الإنسانية، وقد أسّسوا هياكل وروافد تشتغل بصفة دائمة لصالح القضية الفلسطينية التي لا تغيب عن خطاباتهم ومواقفهم، في وقت تلاشت كثيرا من أجندة التيارات الأخرى.