الهاتف الذكي بـ25 مليونا في جمهورية "بلفور"!
27-01-2018, 12:53 AM


إيمان كيموش

صحافية في القسم الإقتصادي بجريدة االشروق

طوابير من المواطنين يتجمهرون منذ الساعات الباكرة من كل صباح، عند محلات الهواتف النقالة ببلفور شرق العاصمة، أو بـ"جمهورية البورتابل" كما يفضّل الكثير تسميتها، هنالك تجد كافة أشكال الهواتف الذكية وآخر صيحات "السمارتفون" من فئتي "الجي 3" و"الجي 4 وربما أكثر من ذلك، حتى تلك الهواتف الممنوعة من الاستيراد منذ شهر، وفق قائمة الـ900 منتج.
أغلى هاتف بـ25 مليون سنيتم!
فآخر صيحات الآيفون، الذي لم يرخّص له بعد بدخول السوق الجزائرية رسميا، دخل جمهورية الموبايل، وحتى قبل بعض الدول التي شيّدت مصانع لإنتاجه، فالآيفون "إيكس" أحدث وأغلى ما أنتجه المتعامل الأمريكي "آبل" يباع هنا في "بلفور" بـ25 مليون سنتيم، وهو سعر كان يساوي قبل سنوات ثمن سيارة مستعملة من نوع ماروتي.

ويتحدث أصحاب محلات الموبايل ببلفور عن الأسعار فيقولون إن معظمها ارتفع خلال شهر جانفي الجاري بما يزيد عن الـ20 بالمائة، والسبب قرار منع الاستيراد وزيادة التضييق على تجار "الكابة" أو "الطراباندو" الذين يسعون دائما إلى تهريب هواتف نقالة قادمة من دبي أو دولة أوروبية، وتمريرها إلى سوق الجملة ببلفور، لكن هؤلاء محاصرون اليوم، ولم يعد تمرير حقيبة مليئة بالهواتف النقالة عبر المطار أو الميناء بالأمر الهيّن، يقول تجار بلفور في حديث إلى "الشروق".
ويجزم هؤلاء الذين يستقدم معظمهم السلع من دبي بالإمارات العربية المتحدة أن الرسوم الجديدة المفروضة هناك منذ أسابيع، التي تعادل 5 بالمائة من قيمة السلع، كانت هي الأخرى أحد أهم أسباب زيادة أسعار الهواتف النقالة في الجزائر، فتكلفة استيرادها ولو كانت عبر "الكابة" لم تعد تلك التي كانت من قبل، بل تضاعفت خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما يفرض حتمية زيادة الأسعار في الجزائر، وتوقع بعض التجار الذين التقتهم "الشروق" أن ترتفع الأسعار بشكل أكبر وبمنحى أخطر خلال الأشهر المقبلة وتتضاعف بما نسبته 20 بالمائة على الأقل في ظل استمرار عملية كبح الاستيراد.

حتى أصحاب مصانع "دي زاد" يرفعون الأسعار

وعن المنتج المحلي، يقول الكثير من تجار "بلفور" إنه رغم أن القرارات المتخذة من طرف الحكومة كانت لخدمة الإنتاج الوطني، إلا أن عددا من الشركات عملت على رفع الأسعار بما يتراوح ما بين 500 و1500 دينار، وهو ما يدعو إلى التساؤل، خاصة أن القرار المتخذ من طرف وزارة التجارة بوقف الاستيراد سيمكن أصحاب المصانع الوطنية من تحقيق مبيعات أكبر.
ويتساءل هؤلاء: "لماذا رفع المنتجون المحليون السعر وقلّصوا كوطة الهواتف بداية من شهر جانفي الجاري؟"، مع العلم أن معظم المصانع تمارس نشاط التركيب "سي كا دي"، وليس التصنيع بنسبة مائة بالمائة، ما يطرح أيضا إشكالية غياب دفتر شروط ينظم العملية، ما يجعل الكثير يشبهون ما يحدث في سوق الهواتف النقالة اليوم بما حدث في سوق السيارات وسيناريو مصانع التركيب منذ 4 سنوات.
ويأتي ذلك تزامنا مع استحداث مصنع للمتعامل سامسونغ بمنطقة رويبة شرق العاصمة ومناول يشتغل لصالح علامة "ألجي" ببئر توتة غرب ولاية الجزائر، في انتظار بقية المصانع التي لم تر النور بعد، وتضاف إلى المنتجين المحليين على غرار كوندور وإيريس وستارلايت وإيني والقائمة طويلة.

هذه أسعار السمارتفون.. والهواتف الأكثر طلبا بأزيد من 8 ملايين

وبلغة الأرقام، ووفق جولة معاينة قامت بها "الشروق" في سوق بلفور، لا يقل سعر "أرخص" سمارتفون أو هاتف ذكي عن 8000 دينار، ويبلغ سعر سمارتفون من الجيل الرابع الأقل سعرا 13 ألف دينار، وشهدت الهواتف النقالة غالية الثمن زيادات بين 5000 و20 ألف دينار وأكثر بالنسبة إلى الهواتف باهظة الثمن وتلك الأكثر طلبا من طرف الجزائريين التي يتجاوز سعرها 8 ملايين سنتيم.
وارتفع سعر هاتف أ3 من 3.6 ملايين إلى 4.15 ملايين سنتيم، و"جي أن أر" من 7.8 إلى 8.6 ملايين سنتيم، وغالاكسي أس 8 من 9.6 إلى 11.1 مليون سنتيم و"أس 8 بلوس" من 11.2 إلى 12.3 مليون سنتيم، وهواوي سي من 3.2 إلى 3.7 ملايين سنتيم، ويتعلق الأمر بأسعار الجملة في حين إن سعر الهاتف لدى محلات التجزئة أغلى بما يتراوح ما بين 1000 و5000 دينار على الأقل.
ويحصي سوق بلفور للهواتف النقالة بين المحلات المستقلة والمحلات الموجودة داخل "البازارات" أو المساحات الكبرى 300 متعامل، ويشتكي هؤلاء من التضييق الذي تواجهه عملية استيراد الهاتف النقال، معتبرين أن السوق الوطنية لم تصل بعد مرحلة التشبع، وأن أصحاب المصانع الذين سبق أن تم الحديث عن دخولهم حيز الخدمة بحر السنة الجارية، لم يشرعوا في الإنتاج بعد، الأمر الذي يفرض ـ حسبهم ـ ضرورة سنّ فترة انتقالية، تمكن الزبون من إيجاد ضالته من السلع، وعدم تسجيل أي ندرة، تؤدي بالضرورة إلى ارتفاع حاد في الأسعار.
وتوقع هؤلاء في حال استمرار الوضع على ما هو عليه غلق كافة المحلات في ظرف سنتين على الأقل، واختفاء جمهورية بلفور للهواتف النقالة، التي تضم اليوم 300 محل، وما يتبعها من عمليات تسريح للعمال، هنالك حيث "يسترزق" أزيد من 2000 جزائري، فضلا عن محلات التجزئة التي تشتغل خارج سوق بلفور، فالعلامة "أوبو" على سبيل المثال اضطرت إلى التخلي عن 80 بالمائة من عمالتها في الجزائر في ظل الضبابية التي تشهدها السوق، فضلا عن أصحاب علامات أخرى كانت مرخصة للنشاط في الجزائر، ستضطر إلى حزم حقائبها والعودة إلى ديارها وتسريح العمال، الذين يبقى مصيرهم مجهولا.

العودة نحو سوق الهواتف المستعملة قريبا

ولم يخف هؤلاء التجار قلقهم أيضا من عملية التضييق على لواحق وقطع غيار الهواتف النقالة رغم أنها تشمل اليوم فقط التجهيزات الكاملة وليس قطع الغيار المستعملة في الصناعة، وتوقع هؤلاء عودة سوق الهواتف النقالة المستعملة، فالجزائري وفي ظل الزيادة التي تشهدها الأسعار سيكون مضطرا إلى شراء هاتف قديم ومستعمل بدل هاتف ذكي وجديد بعشرات الملايين من السنتيمات وهو ما يوازي راتب عدة أشهر وربما راتب سنة كاملة.
وفي انتظار تنظيم نشاط سوق الهواتف النقالة يتخوف الجزائريون من تحول "الموبايل متعدد الوسائط والخدمات" من بضاعة شعبية بيد الفقير قبل الغني، إلى سلعة بورجوازية لا يمتلكها إلا أصحاب المال أو "الشكارة".