مواجهة الظروف الصعبة: رؤية إيمانية
17-02-2018, 01:30 PM
مواجهة الظروف الصعبة: رؤية إيمانية
د. خالد رُوشه

الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

الظروف الصعبة: اختبار شاق يمر بالمرء، تظهر فيه صفاته الحقيقية، وخفاياه الدفينة، كما تظهر فيه قدراته الكامنة وإمكاناته المخبوءة.
والمرء في مواجهة الظروف الصعبة يحتاج قلبا مطمئنا، وعقلا ناضجا، ونفسا هادئة سوية.
ويختلف الناس أمام ظروفهم الصعبة بحسب قلوبهم: هل هي قريبة من الله سبحانه أو بعيدة؟، وعقولهم: هل هي ناضجة أو هامشية؟، ونفوسهم: هل هي هادئة سوية، أم أنها نافرة مضطربة؟.
فالمرء الذي يعود إلى ربه في أزماته، ويتوكل عليه سبحانه في حلها, ويرجوه ويلح في دعائه: أن يفرجها عنه، واثقا في ذلك وموقنا به، ومسَلما أمره له سبحانه، فهو: الأجدر أن تحل مشكلاته وينجو من أزماته.
والذي يلتفت إلى الماديات بعيدا عن ربه سبحانه, ويظن أن الحياة المادية تكفيه في حل مشكلاته ومواجهة ظروفه الصعبة، فهو مغرور، ما يلبث أن يفجع في نفسه وفي دنياه, قال سبحانه:
[ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يغيظ ].
إن القلب المطمئن الذي تملؤه السكينة الإيمانية يتلقى الأزمات بثبات وهدوء, فهو يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطاه لم يكن ليصيبه،
فهو راض بقضاء ربه سبحانه, صابر صبرا جميلا.
وأما القلب المكدوس في الدنيا وزخرفها، فهو يعتصر ألما عند المشكلات، ويحترق غيظا إذا ما أصابته مصيبة فيما يراه من مكتسباته مما أنفق فيه زهرة حياته, فهو مصدوم مشلول الحركة تجاه مصائبه وأزماته, أو أنه متخبط متردد ثائر تائه!.
وفي الحديث لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تبكي ابنها بكاء شديدا وتصرخ، قال لها:" اتق الله واصبري"، " إنما الصبر عند الصدمة الأولى ". أخرجه مسلم.
وفي الحديث أيضا: " ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره الله به، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا منها ". أخرجه مسلم.

الرؤية الصائبة للأزمة: عامل آخر مهم للغاية ومؤثر في صحة حلها أو مواجهتها, وصوابية الرؤية تؤدي إلى صوابية الحل، فكثير من الناس يصاب بتشويش الرؤية، فلا يرى الأمور على حقائقها, وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه:" اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه، وارني الباطل باطلا وارزقني اجتنباه ".
فانظر إلى الأزمة التي تمر بك من أعلاها: لا من جانبها, فصفها لنفسك وصفا دقيقا بغير تهويل ولا تهوين, واعرف أطرافها جيدا, والعوامل المؤثرة فيها, ومدى أثرها المتوقع عليك وعلى من حولك، ولا تفتح لنفسك مجالا لتداخل الرؤى بين ما يمر بك من مؤثرات أخرى وبين مشكلتك.

الجانب الأهم في المواقف الصعبة هو: أن نواجه مشكلاتها ولا نهرب منها, وأقصد بمواجهتها: وضعها على طاولة التفكير والنظر والبحث لدراستها دراسة جيدة, فالذين يهربون من مواجهة مشكلاتهم: تظل مشكلاتهم وأزماتهم بغير حل أو انقضاء, بل إن بعضهم يظل قيد مشكلته حتى بعدما تنقضي المشكلة!!؟.
فالبعض يلحق به أذى مرضي: سواء أكان نفسيا أو عضويا بسبب عدم مواجهة مشكلته، أو الانزواء عنها أو الخوف من مواجهتها!!؟, فتجد كثيرا من أمراض الاكتئاب وكثرة النوم والانطواء: سببه ضغط الأزمات وعدم الرغبة في مواجهتها.
وبدلا من تضييع وقتك وجهدك: تأسفا على ما حدث لك, وسقوطك في التيه النفسي: تقليبا في أحداث ما أصابك, فأولى لك أن تتفكر في أسباب ما حصل لك, فإن كان أمرا قدريا ليس لك فيه دور، فعليك بقبوله والصبر عليه, وسؤال الله التثبيت لنفسك، فإنما هو: ابتلاء يبتلي الله سبحانه به عباده، وعليك أن تدرب نفسك على تقبله.
وإن كانت أزمة ذات جذور، فتفكر في أسبابها, فالتفكير في الأسباب: جزء من التفكير في الحل, والموفق من وفقه الله إلى مسببات الأشياء، فتوكل على الله في الأخذ بأسبابها.

ومن الحكمة في مواجهة الأزمات: أن تضع لها حلولا مختلفة, وألا تقتصر على حل واحد, بل إن بدائل الحلول هي: كلمة السر في حل الأزمات, وكلما كان البديل واقعيا وقريبا من الإمكانات والقدرات: كلما كان أقرب للتطبيق. ويجب أن تعلم نفسك: أنك إذا اخترت حلا بديلا وبدأت فيه، فإياك أن تتردد, بل سر فيه: مادمت قد اتخذت خطواتك سليمة كما بينا لك.
( من المهم: دراسة مواقف النبوة في الاختيار والحزم عند القرار وعدم التردد بعد الوصول للحلول - موقفه في أحد كمثال ).
و بعد تفنيد أسباب ما تواجهه, ووصفه وصفا دقيقا بعيدا عن التوتر, ووضع خيارات الحلول الذاتية: جاء الدور على استشارة أهل الخبرة والعلم, فاستشارتهم تضيف علما إلى علمنا، وخبرة إلى خبرتنا في مواجهة الأزمة, ثم علينا أن نضيف آراءهم وما تفضلوا به من اقتراحات ورؤى إلى ما سبقناهم فيه، ثم نضع وصفا جديدا وصورة نهائية للأزمة وحلها.
وتأتي استخارة الله العظيم سبحانه قبل الهموم والبدء بالعمل وبالحل: كأمر أساسي ومبارك في حل الأزمة ومواجهتها, بل أنا دائما أنظر إلى الاستخارة، وكأنها بوصلة في الطريق توجهنا نحو هدف مرجو صحيح.