بلسم المصيبة
05-04-2018, 09:06 AM
بلسم المصيبة
رضوان بن أحمد العواضي


بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الحق جل وعلا:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [البقرة: 155 - 157].
عرضت هذه الآيات الكريمة وبأسلوب سهل ومبسط جل مشاكل العباد، ثم بينت العلاج الناجع الميسور، وبشرت في خاتمتها بالهداية والخلاص منها جميعا.
فيا من ابتليت بالأسقام والأوجاع في نفسك أو أهلك أو مجتمعك ووطنك، ويا من ابتليت في رزقك ومالك؛ أكثر من قول:" إنا لله وإنا إليه راجعون"، فإنها بلسم مصابك، وسبيل خلاصك ونجاتك.
داوم على قولها، واجعل لسانك رطبا بها؛ فان فعلت مؤمنا بها، موقنا بمضمونها؛ فان الله لا يخلف وعده، وسيهديك إلى أسباب فرجه ورحمته من حيث لا تدري، قال الإمام القرطبي رحمه الله في:( تفسيره: 2/ 176):
" قَوْلُهُ تَعَالَى:" قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ": جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مَلْجَأً لِذَوِي الْمَصَائِبِ، وَعِصْمَةً لِلْمُمْتَحَنِينَ: لِمَا جَمَعَتْ مِنَ الْمَعَانِي الْمُبَارَكَةِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ:" إِنَّا لِلَّهِ": تَوْحِيدٌ وَإِقْرَارٌ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالْمُلْكِ، وَقَوْلُهُ:" وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ": إِقْرَارٌ بِالْهَلْكِ، عَلَى أَنْفُسِنَا وَالْبَعْثِ مِنْ قُبُورِنَا، وَالْيَقِينُ أَنَّ رُجُوعَ الْأَمْرِ كُلِّهِ إِلَيْهِ كَمَا هُوَ لَهُ.
قالَ سَعِيدُ ابن جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:" لَمْ تُعْطَ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ نَبِيًّا قَبْلَ نَبِيِّنَا، وَلَوْ عَرَفَهَا يَعْقُوبُ لَمَا قَالَ: يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ". أهـ.
والمصيبة: كل ما يصيب الإنسان ويتأذى منه قلبه أو بدنه، قل ذلك أو كثر، كبر أم صغر.
فمتى ما أصيب العبد بشيء من هذا أو ذاك، وأكثر من قول:" إنا لله وإنا إليه راجعون"، إلا فرج الله عنه ما أصابه، وأخلف عليه خيرا مما فقده في مصابه ومصيبته.
أخرج الإمام الحافظ: أبو الحسن مسلم بن الحجاج النيسابوري رحمه الله في كتابه:( الجامع الصحيح): عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها: إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرا منها".
قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيرا منه: رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال العلامة الإستانبولي الحنفي في:( روح البيان:1/ 260-261):
" وقول المصاب عند مصيبته: إنا لله وإنا إليه راجعون له فوائد منها:
- الاشتغال بهذه الكلمة عن كلام لا يليق.
- ومنها: أنها تسلى قلب المصاب وتقلل حزنه.
- ومنها: أنها تقطع طمع الشيطان في أن يوافقه في كلام لا يليق.
- ومنها: أنه إذا سمعه غيره: اقتدى به.
- ومنها: أنه إذا قال ذلك بلسانه: يتذكر بقلبه الاعتقاد الحسن، والتسليم لقضاء الله وقدره، فان المصاب يدهش عند المصيبة، فيحتاج إلى ما يذكره بالتسليم المذكور". أهـ.

والحمد لله رب العالمين.