رد: نهضة اليابان
25-11-2010, 07:21 AM
الفصل العاشر: الوقع على الثقافة الشعبية
تقديم: إيروكاوا دايكيشي/ معهد طوكيو للاقتصاد ـ اليابان
إعادة المايجي في تاريخ الحضارة العالمية
تمثل إعادة المايجي إنجازاً نادراً. فضغوطات القوى الأوروبية والأمريكية التي رزحت تحتها اليابان ووقع الحضارة الغربية الكبير شكلت نقطة انطلاق اليابان نحو إحداث ثورة سياسية وإصلاحات اجتماعية واسعة، وتحقيق وحدتها ضمن إطار دولة قومية. فما الذي حدث فيها على الصعيد الثقافي؟
كان هناك، من منظور دولي، نمطان مختلفان من الرد على الحضارة الغربية الحديثة: القبول أو المقاومة. الأول حصل في بلدان مثل اليابان وروسيا اللتين أقامتا علاقات لكنهما لم تُضَحِيا باستقلالهما. والآخر ساد في البلدان التي أُجبرت على التواصل عن طريق الاستعمار وغيره من أشكال الإذعان، وفي الحالة الأولى، كان قبول الحضارة الغربية سهلاً، وقد اُستعملت التكنولوجيا والمؤسسات الأجنبية بصورة انتقائية لإنماء القوة الاقتصادية والعسكرية. إلا أن مقاومة الثقافة الروحية الأوروبية، كالفلسفة والدين، لم تكن قوية كفايةً، مما نجم عنه فترات من التقليد السطحي والبلبلة.
في الحالة الثانية، كما هو في الصين وكوريا والهند والبلدان العربية، لم يكن من الممكن الفصل بين الحضارة الغربية ككل والهيمنة الإمبريالية، الأمر الذي أدى الى صراع طويل بين الثقافتين الأجنبية والمحلية. وبات التفكير استبطانياً، وأشعلت روح المقاومة وحركات المطالبة بحق تقرير المصير. وقد ظهر شخصيات مثل (غاندي) و(نهرو) و(صن يات سن).
وقع الإعادة على طبقات المجتمع الياباني
يتحدث الكاتب، عن تأثير (الإعادة) على الثقافة. وسيتناول حوالي ستين عاماً، قبل انتهاء الثورة وبعدها، ويلخصها قبل تفصيلها بأنها قضت على الفروقات الطبقية وفتحت المجال أمام حرية التنقل ومنحت الشعب (الفسحة) التي يحتاج إليها لتحقيق تطلعاته. كما كانت أيضاً حافزاً كبيراً لتطورات محلية دفعت باتجاه الحداثة الشعبية التي قد بدأت فعلاً قبل الإعادة.
والواقع فإنه من دون هذه التطورات الداخلية كان يستحيل تحقيق انتقال اليابان من التسلط الإقطاعي الى نظام دستوري، وتحولها الى مجتمع صناعي حديث وازدهار ثقافتها، وهذه من مميزات مرحلة المايجي. من جهة ثانية، فإن (الإعادة) جعلت من معظم اليابانيين (إمبراطوريين) بمعنى أنهم علقوا بإحكام ضِمن شبكة النظام الإمبراطوري.
وعندما أراد الكاتب تفصيل أثر الإعادة، قسم عامة الشعب الياباني الى ثلاث فئات وناقش أثر الإعادة على كل فئة:
1ـ طبقة المزارعين (غونو) والتجار الأثرياء (غوشو) والتي تشكل الزعامات القروية.
2ـ الطبقة العاملة الدنيا (كاسو سايكا تسومين) والتي تضع الفئات الدنيا في المدن والطبقة الوسطى والمزارعين الفقراء وأشباه البروليتاريا.
3ـ طبقة المنبوذين (هيسا بيتسو مينشو).
ومن الواضح أن ردة فعل هذه المجموعات الثلاث تجاه (الإعادة) لم تكن متماثلة. فبالنسبة الى المنبوذين، على سبيل المثال، كما نص عليها المرسوم المعروف بمرسوم التحرير في آب/أغسطس 1871، والقاضي بحظر استعمال العبارات المسيئة لهذه الطبقة، كان مصدر فرح عظيم ، وقد استقطب أفئدة المنبوذين الذين عانوا من التمييز والقمع مئات من السنين.
بالمقابل، فإن كثيراً من أفراد الطبقات الأخرى شعر بالامتعاض من هذا المرسوم، وقد تم ترجمة هذا الامتعاض بالهجوم على قرى المنبوذين (هجوم في شهر يناير 1872 وإضرام النار في قرية كاملة وقتل 4 من المنبوذين). وهجوم على أحد قرى (ميماسكا) عام 1873 من قبل 26 ألف من المهاجمين ودمروا فيها 51 منزلاً وحرقوا 263 منزلاً. وذكر الباحث 11 هجوماً من هذا النوع، عاقبت فيها الحكومة 64 ألف شخص في أحد المرات و57 ألف في مرة أخرى.
الوعي المعادي للتغريب لدى الطبقات الدنيا
كانت سياسات الحكومة الجديدة تعسفية، كما لو أن القصد منها كان تدمير عالم من المُثُل الروحية كان الشعب شديد التمسك به. فقد ألغت الحكومة مهرجانات حصاد الخريف، كما حظرت الجمعيات الدينية، والتجمعات خلال طقوس استقبال الشمس والقمر، والمسرحيات الشعبية، وحظرت الجمعيات الشبابية. وطالبت بتقليل المعابد، وأمرت بتوحيدها بغض النظر عن تطابق شعائرها.
كما حظرت الحكومة مناسبات الأعراس، والزيارات الخاصة للتهنئة بالمولود أو التعزية بالميت، وحظرت جمع الأموال الخيرية، وأجبر الناس على قص ضفائر شعورهم وتسريحها حسب الطريقة الغربية.
أحس الناس باشمئزازٍ شديد من هذا التغريب، وقد كُتبت الأشعار والروايات عن هذه المشاهد، فيصف (هيغوشي ايشييو 1896) في رائعته (نيغوري: صورة الظلام) الظروف المعيشية القاسية لفقراء المدينة في هذه المرحلة.
لقد تفهم البيروقراطيون المشاعر التي سادت أوساط طبقات المجتمع الدنيا. واعتقد معظمهم أن الفضيلة تكمن في الاعتقاد بأن (الحضارة مرادفة للتغريب)، وكانوا مقتنعين بأن تحويل اليابان الى أمة (مُغرَّبة) و (حضارية) كان خيراً مطلقاً. واحتقر المتنورون من اليابانيين الطبقات الشعبية على أساس أنهم (رعاع جاهلون عاجزون وبائسون). واقترحوا تسليط (الساموراي) على الفلاحين والبرابرة!
في آذار/مارس 1873، قامت انتفاضة كبرى، غلفها القائمون عليها بلباس ديني بحجة أن البلاط يتعاطف مع التعاليم المسيحية. وبعد قمع تلك الانتفاضة خفت حدة الاعتراضات، وأخذ الشعب بتقبل التحديث.
وقد ظهرت تيارات فكرية على هامش التحول الاجتماعي يمكن تلخيصها:
1ـ تيار رئيسي يستوحي النماذج الغربية، منها تيارٌ يمثل العقلانية البيروقراطية ومنها تيار فكري اجتماعي يساري حديث.
2ـ تيار جانبي يسعى الى نموذج للحداثة الآسيوية الشرقية، ويتفرع منه تيار باطني للفكر المعارض على مستوى الطبقة الدنيا، وتيار فكري اجتماعي يميني حديث.
نتائج الإعادة على طبقة المزارعين والأثرياء
تبين بالتأكيد أن طبقة المزارعين والتجار الأثرياء قد احتضنت فكر الغرب الحديث وحضارته. غير أن هذا القبول جعل حياتهم تتسم بالتناقض. فقد اعتنقوا مذهب المنفعة الذي يكمن في أساس (الحضارة والتنوير) طالما أنه يبرر حاجتهم لجني الثروة ويحوّل طموحاتهم الى حقيقة واقعة، ومع ذلك فإن موقعهم كزعماء لمجتمع القرية أجبرهم على التصرف ـ مثل ذي قبل ـ كنماذج لخلفية علمية زاهدة من القيم الأخلاقية الدنيوية.
أهمية الإعادة في التاريخ الثقافي
كتب (كيتامورا توكوكو) والذي ولد عام 1868، وكان يُطلق عليه أديب مرحلة المايجي، وهو أحد قدامى قادة حركة الحقوق الشعبية، وقد اختتم حياته بالانتحار عام 1894: (( كانت إعادة المايجي ثورة لم يسبق لها مثيل، سعت الى مساهمة الجمهور في حرية الفكر والقلب)). لكن هذه الثورة انتهت قبل أن تكتمل، وقد أوكل لحركة الحرية والحقوق الشعبية استكمال ما بدأته (الإعادة) لكن هذه فشلت بدورها.
لقد استنتج (توكوكو) في النهاية بأن مرحلة المايجي لم تكن ثورة، وإنما فترة انتقالية. لكن حتى بالنسبة إليه فإن (الإعادة) استطاعت جمع (الساموراي) وأفراد الشعب العاديين ضمن بوتقة واحدة من المواطنين. وكانت بهذا المعنى ثورة حقيقية. الواقع أن هذه كلمات تحمل في طياتها ثناءً بالغاً.
تقديم: إيروكاوا دايكيشي/ معهد طوكيو للاقتصاد ـ اليابان
إعادة المايجي في تاريخ الحضارة العالمية
تمثل إعادة المايجي إنجازاً نادراً. فضغوطات القوى الأوروبية والأمريكية التي رزحت تحتها اليابان ووقع الحضارة الغربية الكبير شكلت نقطة انطلاق اليابان نحو إحداث ثورة سياسية وإصلاحات اجتماعية واسعة، وتحقيق وحدتها ضمن إطار دولة قومية. فما الذي حدث فيها على الصعيد الثقافي؟
كان هناك، من منظور دولي، نمطان مختلفان من الرد على الحضارة الغربية الحديثة: القبول أو المقاومة. الأول حصل في بلدان مثل اليابان وروسيا اللتين أقامتا علاقات لكنهما لم تُضَحِيا باستقلالهما. والآخر ساد في البلدان التي أُجبرت على التواصل عن طريق الاستعمار وغيره من أشكال الإذعان، وفي الحالة الأولى، كان قبول الحضارة الغربية سهلاً، وقد اُستعملت التكنولوجيا والمؤسسات الأجنبية بصورة انتقائية لإنماء القوة الاقتصادية والعسكرية. إلا أن مقاومة الثقافة الروحية الأوروبية، كالفلسفة والدين، لم تكن قوية كفايةً، مما نجم عنه فترات من التقليد السطحي والبلبلة.
في الحالة الثانية، كما هو في الصين وكوريا والهند والبلدان العربية، لم يكن من الممكن الفصل بين الحضارة الغربية ككل والهيمنة الإمبريالية، الأمر الذي أدى الى صراع طويل بين الثقافتين الأجنبية والمحلية. وبات التفكير استبطانياً، وأشعلت روح المقاومة وحركات المطالبة بحق تقرير المصير. وقد ظهر شخصيات مثل (غاندي) و(نهرو) و(صن يات سن).
وقع الإعادة على طبقات المجتمع الياباني
يتحدث الكاتب، عن تأثير (الإعادة) على الثقافة. وسيتناول حوالي ستين عاماً، قبل انتهاء الثورة وبعدها، ويلخصها قبل تفصيلها بأنها قضت على الفروقات الطبقية وفتحت المجال أمام حرية التنقل ومنحت الشعب (الفسحة) التي يحتاج إليها لتحقيق تطلعاته. كما كانت أيضاً حافزاً كبيراً لتطورات محلية دفعت باتجاه الحداثة الشعبية التي قد بدأت فعلاً قبل الإعادة.
والواقع فإنه من دون هذه التطورات الداخلية كان يستحيل تحقيق انتقال اليابان من التسلط الإقطاعي الى نظام دستوري، وتحولها الى مجتمع صناعي حديث وازدهار ثقافتها، وهذه من مميزات مرحلة المايجي. من جهة ثانية، فإن (الإعادة) جعلت من معظم اليابانيين (إمبراطوريين) بمعنى أنهم علقوا بإحكام ضِمن شبكة النظام الإمبراطوري.
وعندما أراد الكاتب تفصيل أثر الإعادة، قسم عامة الشعب الياباني الى ثلاث فئات وناقش أثر الإعادة على كل فئة:
1ـ طبقة المزارعين (غونو) والتجار الأثرياء (غوشو) والتي تشكل الزعامات القروية.
2ـ الطبقة العاملة الدنيا (كاسو سايكا تسومين) والتي تضع الفئات الدنيا في المدن والطبقة الوسطى والمزارعين الفقراء وأشباه البروليتاريا.
3ـ طبقة المنبوذين (هيسا بيتسو مينشو).
ومن الواضح أن ردة فعل هذه المجموعات الثلاث تجاه (الإعادة) لم تكن متماثلة. فبالنسبة الى المنبوذين، على سبيل المثال، كما نص عليها المرسوم المعروف بمرسوم التحرير في آب/أغسطس 1871، والقاضي بحظر استعمال العبارات المسيئة لهذه الطبقة، كان مصدر فرح عظيم ، وقد استقطب أفئدة المنبوذين الذين عانوا من التمييز والقمع مئات من السنين.
بالمقابل، فإن كثيراً من أفراد الطبقات الأخرى شعر بالامتعاض من هذا المرسوم، وقد تم ترجمة هذا الامتعاض بالهجوم على قرى المنبوذين (هجوم في شهر يناير 1872 وإضرام النار في قرية كاملة وقتل 4 من المنبوذين). وهجوم على أحد قرى (ميماسكا) عام 1873 من قبل 26 ألف من المهاجمين ودمروا فيها 51 منزلاً وحرقوا 263 منزلاً. وذكر الباحث 11 هجوماً من هذا النوع، عاقبت فيها الحكومة 64 ألف شخص في أحد المرات و57 ألف في مرة أخرى.
الوعي المعادي للتغريب لدى الطبقات الدنيا
كانت سياسات الحكومة الجديدة تعسفية، كما لو أن القصد منها كان تدمير عالم من المُثُل الروحية كان الشعب شديد التمسك به. فقد ألغت الحكومة مهرجانات حصاد الخريف، كما حظرت الجمعيات الدينية، والتجمعات خلال طقوس استقبال الشمس والقمر، والمسرحيات الشعبية، وحظرت الجمعيات الشبابية. وطالبت بتقليل المعابد، وأمرت بتوحيدها بغض النظر عن تطابق شعائرها.
كما حظرت الحكومة مناسبات الأعراس، والزيارات الخاصة للتهنئة بالمولود أو التعزية بالميت، وحظرت جمع الأموال الخيرية، وأجبر الناس على قص ضفائر شعورهم وتسريحها حسب الطريقة الغربية.
أحس الناس باشمئزازٍ شديد من هذا التغريب، وقد كُتبت الأشعار والروايات عن هذه المشاهد، فيصف (هيغوشي ايشييو 1896) في رائعته (نيغوري: صورة الظلام) الظروف المعيشية القاسية لفقراء المدينة في هذه المرحلة.
لقد تفهم البيروقراطيون المشاعر التي سادت أوساط طبقات المجتمع الدنيا. واعتقد معظمهم أن الفضيلة تكمن في الاعتقاد بأن (الحضارة مرادفة للتغريب)، وكانوا مقتنعين بأن تحويل اليابان الى أمة (مُغرَّبة) و (حضارية) كان خيراً مطلقاً. واحتقر المتنورون من اليابانيين الطبقات الشعبية على أساس أنهم (رعاع جاهلون عاجزون وبائسون). واقترحوا تسليط (الساموراي) على الفلاحين والبرابرة!
في آذار/مارس 1873، قامت انتفاضة كبرى، غلفها القائمون عليها بلباس ديني بحجة أن البلاط يتعاطف مع التعاليم المسيحية. وبعد قمع تلك الانتفاضة خفت حدة الاعتراضات، وأخذ الشعب بتقبل التحديث.
وقد ظهرت تيارات فكرية على هامش التحول الاجتماعي يمكن تلخيصها:
1ـ تيار رئيسي يستوحي النماذج الغربية، منها تيارٌ يمثل العقلانية البيروقراطية ومنها تيار فكري اجتماعي يساري حديث.
2ـ تيار جانبي يسعى الى نموذج للحداثة الآسيوية الشرقية، ويتفرع منه تيار باطني للفكر المعارض على مستوى الطبقة الدنيا، وتيار فكري اجتماعي يميني حديث.
نتائج الإعادة على طبقة المزارعين والأثرياء
تبين بالتأكيد أن طبقة المزارعين والتجار الأثرياء قد احتضنت فكر الغرب الحديث وحضارته. غير أن هذا القبول جعل حياتهم تتسم بالتناقض. فقد اعتنقوا مذهب المنفعة الذي يكمن في أساس (الحضارة والتنوير) طالما أنه يبرر حاجتهم لجني الثروة ويحوّل طموحاتهم الى حقيقة واقعة، ومع ذلك فإن موقعهم كزعماء لمجتمع القرية أجبرهم على التصرف ـ مثل ذي قبل ـ كنماذج لخلفية علمية زاهدة من القيم الأخلاقية الدنيوية.
أهمية الإعادة في التاريخ الثقافي
كتب (كيتامورا توكوكو) والذي ولد عام 1868، وكان يُطلق عليه أديب مرحلة المايجي، وهو أحد قدامى قادة حركة الحقوق الشعبية، وقد اختتم حياته بالانتحار عام 1894: (( كانت إعادة المايجي ثورة لم يسبق لها مثيل، سعت الى مساهمة الجمهور في حرية الفكر والقلب)). لكن هذه الثورة انتهت قبل أن تكتمل، وقد أوكل لحركة الحرية والحقوق الشعبية استكمال ما بدأته (الإعادة) لكن هذه فشلت بدورها.
لقد استنتج (توكوكو) في النهاية بأن مرحلة المايجي لم تكن ثورة، وإنما فترة انتقالية. لكن حتى بالنسبة إليه فإن (الإعادة) استطاعت جمع (الساموراي) وأفراد الشعب العاديين ضمن بوتقة واحدة من المواطنين. وكانت بهذا المعنى ثورة حقيقية. الواقع أن هذه كلمات تحمل في طياتها ثناءً بالغاً.