نصيحتي لتلميذي السلفي
31-12-2007, 05:17 PM
نصيحتي إلى تلميذي

الـسّـلـفـي
بقلم





مـحـمـد بلقـاسمي







بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد
بعد التحية والسلام أستسمحكم في البداية أن أعرفكم بنفسي والهدف من هذه الرسالة المتواضعة .أنا أستاذ العلوم الإسلامية بمتقنة سور الغزلان[ سعد دحلب حاليا] الجزائر
أكرمني الله بهذه المهنة المقدسة لأداء أعظم رسالة في الوجود دعوة الناس إلى الإسلام وتعليمهم أمور دينهم على منهج الاعتدال والوسطية، وهذه المهمة تحتاج إلى علم صحيح وفهم عميق وأخلاق إسلامية عالية كي تكون الثمرة يانعة ومفيدة،
اجتهدت مدة تدريسي [ لأكثر من 20 سنة ] أن أغرس في عقول ونفوس أبنائي الطلبة الصورة الجميلة للإسلام بعيدا عن الغلو والتسيب، وبعبارة شيخنا نحناح رحمه الله بعيدا عن التدجيل والتدجين .
ولله الحمد فقد وفقني الله في رسالتي طيلة هذه المدة وبقيت علاقتي بطلبتي طيبة فلم أبخل على أحد بالنصيحة والتوجيه، خصوصا البنات وهن في مرحلة المراهقة .
وحينما ظهرت في بلادنا في أواسط التسعينيات بوادر التشدد والتنطع في صفوف الطلبة ووصلت دعوة التبديع والتضليل لكل جماعات العمل الإسلامي وكل من يخالف فلان أو فلان باعتبارهم يمثلون المرجعية الإسلامية وهم أمناء على الوحي المنزل على خاتم المرسلين ومن دونهم فهم هلكى، بل اعتبروا أن جماعتهم هم الطائفة المنصورة والناجية وبقية الأمة السواد الأعظم هلكى وفي ضلال مبين!
وهذا التيار يقوده بعض مشايخ العلم بالحجاز باسم السلفية والسلفية الحقيقية بعيدة عنه، ثم شاء الله أن ينقسم هذا التيار الذي ضاق ذرعا بكل مخالف وتحتدم نيران الحسد والحقد بينهما ومن أراد أن يشم رائحة هذا المنهج السلفي كما يدعي كل فريق منهما فمواقع الانترنيت تفوح بعطره ؟ !
فالرسالة إذن موجه من أستاذ إلى تلميذ ليست نقد لمنهج جماعة أو شيخ ، وإنما تذكير وتصحيح للمفاهيم .
وحينما كتبت الرسالة و أرسلتها إلى بعض من علمت بحالهم لم أتلقى ردا أو تعقيبا وحينما اطّلع عليها أخوين فاضلين توليا طبعها على نفقتهما فجزاهم الله خيرا ، ممّا ساعد في توزيعها على أكبر نطاق على جل ولايات الوطن، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان.
ولا يفوتني أن أشكر كل من بارك لي العمل وشجعني، واحترم من انتقدني ولو بشكل عاطفي وبخلفية معروفة وبأسلوب عنيف. فكل يؤخذ منه ويرد إلا الحبيب [صلى الله عليه وسلم]
وأستغفر الله وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالميـــــــــن
محمد بلقاسمي
ديسمبر2007
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آلـه وصحبـه أجمعيــن خير الكلام كلام الله إذ يقول على لسان نبيه هود ردا على تهم قومه له بالسفاهة والكذب:[ قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكنّي رسول من ربّ العالمين* أبلغكم رسالة ربي وأنا لكم ناصح أمين] [1]فهذه الرسالة الصغيرة كتبتها منذ أكثر من سنة على أساس أن أرسلها إلى تلاميذي الذين انتموا إلى الجماعة السلفية المتشددة ممن يبدعون كل من وقع في بدعة عملية ويجرحونه ويهجرونه، لكني كنت أتردد في إرسالها إليهم ومدى جدواها خصوصا حينما كنت ألتقي ببعضهم في الطريق أو في المسجد فلا أرى أمارات الطيبة على محياهم كما كنت أراها يوم كانوا تلاميذ ولا بصيص أمل على بقاء بعض الحبّ والاحترام من زمن الصفاء والوفاء.ثم أقول لنفسي هذه من وسوسة الشيطان حتى يستمر بيننا الجفاء وهذا من أعظم أهداف إبليس اللعين وما يدريني أن لا تجد كلماتي آذانا صاغية عند البعض على الأقل ؟ والبعض الآخر بعد حين .أو على الأقل تفتح بيننا بابا للحوار الجاد لإيجاد القوا سم المشتركة وما أكثرها
فالعقيدة واحدة لا اختلاف حولها بأصولها وفروعها و الكتاب والسنة هما المرجع الأساس بيننا ، فإذا ما وقع اختلاف في فروع العبادة فهذا أمر عادي وقع بين السلف الصالح من صحابة وتابعين . لا يستدعي عداء أو بغضا أو هجرا .فكل أمر يقبل التأويل و الاجتهاد فلا إنكار فيه ،لكن أحيانا التعصب يعمي البصيرة ويولد الضغينة . ولو تجرد المسلم من هواه وقلل من تعصبه لجماعته أو شيخه لاعتدل . المهم هذه رسالة هي في الأساس لكل تلميذ درس عندي وصار سلفيا متعصبا ، ولكن قد يستفيد منها غير من قصدت، فإن أصبت فمن الله وحده وإن قصّرت فمن نفسي ومن الشيطان [ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا([2]
الحمد لله وحده و الصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
أخي الكريم: عملا بأوامر الله ورسوله حييتك بتحية الإسلام وناديتك أخي كما وصفنا الله في كتابه ورسوله في سنته قال الله تعالى: [ إنما المؤمنون إخوة[ [3]
و قال صلى الله عليه وسلم: [ المسلم أخو المسلم[4]
فمن ذا الذي يجرؤ على الله ورسوله فينفي عنه هذه صفة ( الأخوة) وما يترتب عنها من حقوق ؟ . لقد وددت لو جرى الحوار بيننا مباشرة أخذا وعطاء بأسلوب هادئ وهادي قصد معرفة الحق والالتزام به بعيدا عن التعصب والعجب والهوى .لكن ما دمت سرت مع جماعة الهجر والتبديع فقد تعذر ذلك فعوضته بالكتابة عسى أن يجد كلامي أذانا صاغية .
أخي الكريم : لقد جمعت بيننا الأقدار فكنت في يوم ما تلميذي ولا أظنك تنكر ما كنت تحمله لي من مودة و تقدير و حب للمادة ليس له نظير ولا يمكنك أيضا أن
تنكر بعض أفضالي عليك وعلى زملائك من تذكير بالله و تحبيب في الإسلام لنفوسكم وحسن معاملتي لكم من بشاشة وجه ولين كلام وعدل ومساعدة وعفو
وتمنيت بعد الافتراق وحينما تكبر وتنضج أن تتطور علاقتنا إلى صداقة . و لكن حدثمعك عكس ما تمنيت فقلت ما علمنا إياه حبيبنا أن نقوله : في مثل هذا المقام (قدر الله و ما شاء فعل )[5]
و قديما قال الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي :
ماكل ما يتمناه المرء يدركه * تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
فتحولت وتغيرت نظرتك تجاهي بعدما صاحبت جماعة الهجر والتبديع و التجريح فحشو رأسك بالشبهات والإشاعات والافتراءات وقلبك بالبغض والحقد . فصرتُ في نظرك مبتدعا ضالا مخالفا للشرع محاربا للسنة وأهل الحق ؟؟بعدما كنت مربي الأجيال والداعية المعتدل المتسامح.
أخي الكريم : أنا لا أقصد برسالتي هذه رد الشبهات و الافتراءات المثار عني وعن جماعتي وقيادتي فهذا لا يتسع له المقام ، و لا أقصد أيضا إقناعك بالخروج من السلفية والدخول في الإخوان . فهذا أمر لم أفعله يوم كنتَ ورقة بيضاء بين يدي وثقتك في لا حدود لها فكيف الآن وقد صرت لا تثق بي ولا تطيق النظر في والكلام معي .
أخي الكريم : إنما قصدي من الرسالة هو النصيحة كما علمنا المصطفى صلى الله عليه وسلم[الدين النصيحة ] ([6]. ألم يعلمنا الله التثبت وعدم التسرع في الحكم على المسلمين [ يا أيها الذين آمنوا إن جا فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين][7]
و قال أيضا : و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا [[8] . فلماذا صدقت ما قيل عني وحكمت علي غيابيا و لم تمنح لي حق الرد والمرافعة ثم بعد ذلك لك أن تحكم و تختار طريقك على بينة .
أخي الكريم: أنت مازلت شابا و التزامك جديد ولم يتم بعد تفقهك في الدين فدين الله ليس هينا قال صلى الله عليه وسلم: [إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق] [[9]. فلا تتعجل بقطف الثمرة قبل نضجها فتظن نفسك بعد قراءة كتاب أو اثنين لعالم أو عالمين أنك صرت عالما ملما بالشريعة ومقاصدها و اطلعت على أخطاء الدعاة ممن سبقوا والديك للإيمان و الدعوة إلى الله فصرت قاضيا تحكم على هذا بالضلال وعلى ذاك بالتبديع ونسيت نفسك من أنت وكيف كنت ، بل الشيطان اللعين أوقعك في الكمين وأشعرك بأنك وصلت إلى درجة من الالتزام واليقين ( الظاهري) ما يؤهلك للحكم على غيرك من الدعاة للإسلام قال صلى الله عليه وسلم: [إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم] [10].
(أهلكُهم) بضم الكاف فهو الهالك الأول والأكبر والأكثر خسارة يوم القيامة وهو المفلس الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم: في حديث حقيقة الإفلاس[11] وهذا سبب غروره وإعجابه بنفسه أما بفتح الكاف فمعناه هو المتسبب في هلاكهم أو ضياعهم باستعلائه عليهم سواء بهجرهم أو السخرية منهم أو الطعن فيهم وسوء الظن بهم وتيئيسهم من روح الله فاحذر يا أخي أن يصيبك داء الغرور والإعجاب بالنفس قال صلى الله عليه وسلم:
[ ثلاث مهلكات :شح مطاع ،و هوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه[12]]فلا تغتر بما فتح الله لك من أعمال صالحة سواء من صلاة جماعة أو إعفاء لحية أو تقصير ثوب أو اجتناب المنكرات إن كنت لا تدري هل يتقبل منك أم لا .وقد قال ربنا وهو يصف المؤمنين السابقين بالخيرات: [ والذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون") [13] فهّذه في من فعل الخيرات ومع ذلك هو خائف آلا يتقبل الله منه ،لهذا قال العبد الزاهد ابن عطاء السكندري في حكمه المشهورة باسمه . " الحكم العطائية ":[ربما فتح الله لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول،وربما قدر عليك المعصية فكانت سببا في الوصول ،معصية أورثت ذلا و انكسارا ،خير من طاعة أورثت عجبا واستكبارا] .
أخي العزيز وتلميذي الكريم : أنصحك بمزيد من الطاعة الهادفة غير الموجهة ،اقرأ القرآن بتدبر و أطلّع على تفسير ميسّر له .
و داوم على قراءة أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم ،مع شرح موجز لأهل العلم والتقوى .ولا تغفل عن نفسك لحظة فاقرأ ما ينفعك و تداوي به ما يصيبها من آفات و أنصحك في هذا المقام أن تقرأ كتاب " منهج القاصدين " للمقدسي أو مختصره وأيضا .كتاب الدكتورسيد نوح" آفات على الطريق"فهو مبسط وهادف يفيد كل سائر على طريق الدعوة واجتنب في بداية الطريق الاستماع إلى الأشرطة السمعية الخاصة بالتجريح والطعن في العلماء وكذلك ما يكتب في هذا المجال فهذا الأمر لن يزيدك إيمانا وتقوى بل يزيدك بغضا وغرورا. وحينما يثبت قدمك لك أن تسمع وتقرأ لأنه حينئذ تكون محصنا تملك مصفاة تنتقي بها الصواب وأحسن الكلام وميزانا تحكم به بالعدل والإنصاف.
أخي الكريم : إذا التزمت بما نصحتك به فسوف ترزق بسلامة الصدر، فما أعظمها من نعمة. قال زيد بن أسلم :( دخل على أبي دجانة و هو مريض و كان وجهه يتهلهل فقيل له ما لوجهك يتهلل فقال :( ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين كنت لا أتكلم فيما لا يعنين و الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما )[14] . و النصوص في هذا الأمر كثيرة .
أخي و تلميذي : لا أنكر تقصيري في حقك بعد انتهاء الدراسة فلربما قل ـ و أحيانا انعدم – كلامي معك و تذكيري لك و قلة المتابعة و الاحتكاك والبعد عن بعضنا يقلل الود الذي كان و بصفتك شابا يافعا متحمس للقيام بعمل ما ترضي به ربك ، فأكيد أنك بحثت عن إطار دعوي تفرغ فيه طاقتك لنصرة دينك فلم تجد أمامك إلا الفراغ الذي استغله بعض أدعياء السلفية عندنا ، فاحتكوا بك أو أعجبت بمظهرهم و التزامهم و تحديهم لواقع أمتهم فانجذبت نحو لعلك تجد عندهم ضالتك فعوض أن يغرسوا فيك دعوة السلف من عقيدة سليمة و عبادة صحيحة و أخلاق سامية حشو دماغك بالشبهات و الإشاعات و المغالطات
و قلبك بالبغض والحقد فصرت ترى أستاذك – خصوصا- من خلال منظار أسود فلا ترى فيه بقعة بيضاء و كأن هذا الأستاذ الذي كان رمز التواضع و الإحسان صار شيطانا . لا أخفي عنك سرا إن قلت لك لا ألومك أنت ، فأنت ضحية من ضحايا الإرهاب الفكري الديني .فمن يستمع فعلا لأشرطة بعض الدعاة السعوديين و يقرأ كتبهم الخاصة بمخالفيهم – خصوصا الإخوان –و كان مستواه محدودا و جديد العهد بالالتزام فإنه يتطرف مثلك أو أكثر . لكن لو هجرني من لم يعرفني لالتمست له الأعذار أما من عرفني و ما قدمته له من دروس على حب الخير للناس و التماس العذر للمخالف و التحذير من الفرقة و تشتيت الصف كما يريد أعداء الأمة فهذا الذي يؤلمني و يحزنني .لأني حينما أرى من أحببت على غير هدى أتألم و أحزن و أقول هذا من تقصيري و أحذرك من شيطان الجن و الإنس أن يوسوسا لك بأن هجرك لي أضّرني و أن كلّ النّاس سيهجرونني ! كلاّ . فأنا حينما ألتقي بمئات التلاميذ ممّن درسوا عندي و قد نسيتهم فيبادرون بالتسليم عليّ و تجديد العهد و الود لي و الترحم على زمن الالتقاء – الدراسة –أقول : [ الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحاتّ)[15].
فعدد الهاجرين ( دعاة الهجر) من تلامذتي لا يتعدّون –لحد الآن- أصابع اليد فكنت أحيانا لما يمر أحدهم عليّ وقد ضيّع البشاشة و حلت مكانها الفظاظة أتأسف مع دعائي له بالهداية. و إذا بالقدر يسوقني إلى المقهى مثلا و إذا بتلميذ قديم – ربما غير ملتزم – يدفع ثمن القهوة أو أمر بإدارة أو موقع ما و إذا بالموظف يسلم عليّ بحرارة و يخبرني بأنه كان تلميذا عندي و أحيانا أخرى تسلم عليّ امرأة و هي مع أهلها فأردّ السّلام و أقول هذه أكيد درست عندي ، فما أكثر الطيبين الأوفياء الذين لا ينسون الفضل قال الله [ و لا تنسوا الفضل بينكم][16] .
أخي و تلميذي : أعلم أن الاختلاف سنة كونية و آية من دلائل القدرة الربانية تتجلى في كل شيء من الجماد و النبات و الحيوان والإنسان. فلا حرج إطلاقا لوجود الاختلاف بين المسلمين إذا كان اختلاف تنوع و مبني على أسس صحيحة في مجال الاجتهاد فيكفي تدليلا أن الصحابة الكرام أعلم الناس بالإسلام ومقاصده قد اختلفوا ناهيك عما وقع بين التابعين و تابع التابعين . و ما ظهور المذاهب الفقهية السنية المشهورة و تلقي الأمة لها بالقبول و الاستحباب إلا دليلا على أن الاختلاف حق و لا يفسد للود قضية في ظلالحب الوثيق و الإيمان العميق . كما أن الاختلاف وقع حتى بين المحدثين ، لهذا كان و مازال باب الاجتهاد مفتوحا أمام أهل العلم و هم في الحالتين مأجورين أصابواأم أخطأوا. قال صلى الله عليه وسلم: [ إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران و إذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ] [17].
لهذا أعجبتني عبارة المرحوم الشيخ الألباني في تعليقه على كتابالشيخ يوسف القرضاوي( الحلال و الحرام في الإسلام)في كتابه المسمّى ( غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال و الحرام في الإسلام )" بعد ذكر مجموعة من المسائل الخلافية كالغناء و التصوير و ذبائح أهل الكتاب ..

(.. فهو وحده المسؤول عنها بل المأجور عليها أصاب أم أخطأ") .

أنظر إلى هذا الأدب الجم للعلماء و كيف يتسع صدره للمخالف له و يقرّ له بحقه في الاجتهاد و نيل الأجر في الحالتين بدل تبديـعـه و تفسيقه و الحكم عليه بالخروج عن الإسلام أو وصفه بالكلب العاوي وغير ذلك مما تعرف أو دعوة أنصاره لهجره و عدم قراءة كتبه ....... ولأزيدك توضيحا أورد لك هذه الأقوال النيرة لبعض علماء السلف المشهورين عن الاختلاف . قال ابن تيمية رحمه الله : (و أما الاختلاف في الأحكام فأكثر من أن ينضبط ")[18] . (لو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة و لا أخوة )"[19] . و قال النووي ( العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه و أما المختلف فيه فلا إنكار فيه)[20] " وقال العلاّمـة العثيمين رحمه الله: (... فالمجتهد لا يخرج عن دائرة الأجر أبدا فإما أجران إن أصاب ، وإما واحد إن أخطأ ، وإذا كنت لا تريد أن يخالفك غيرك فإن غيرك أيضا يريد أن لا يخالفه أحد ،فكما أنك تريد أن يأخذ الناس بقولك فالمخالفون يريدون أن يأخذ الناس بقولهم )[21].

و القائمة طويلة تحتاج إلى صفحات
وأتمنى أن تكون قد قرأت بعضا لكتب التي تتناول موضوع" فقه الاختلاف" بموضوعية و أمانة و أنصحك بقراءة ما تيسر لك من هذه الكتب القيمة
1- فقه الاختلاف ( مجدي قاسم)
2- فقه الاختلاف ( سليمان الأشقر )
3- أسباب اختلاف العلماء ( عبد المحسن التركي )
4 - الإنصاف في أساب الاختلاف ( ولي الدين الدهلوي )
5- ضوابط الاختلاف في ميدان السنة ( د. عبد الله شعبان)
6- أسباب اختلاف المحدثين (خلدون الأحدب)
7- الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع و التفرق المذموم ( د. يوسف القرضاوي)
8 ـ القواعد الذهبية في أدب الاختلاف ( د. عبد الرحمن عبد الخالق)
و القائمة طويلة فإن لم تتطلع على كتاب من هذه الكتب أو في نفس الموضوع فلا داع أن تعتقد أنك فهمت الإسلام و تذوقت أحكامه . قال سفيان بن عيينة : ( أجسر الناس على الفتوى أقلهم علما باختلاف العلماء )[22].
قال الإمام عطاء : (لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس حتى يكون عالما باختلاف الناس فإن لم يكن كذلك رد من العلم ما هو أوثق من الذي في يديه )[23]"
أخي المحترم: إن الاختلاف- خصوصا في الفروع – لم يكن سببا في تفريق الأمة أو زرع الحقد بين أفرادها بل كان الود و التقدير يسودان علاقة السلف فكل منهجهم الكتاب والسنة . و الذي ينقصنا في زماننا هو أدب الاختلاف و بعدما انعدم و تعذر الحوار بين دعاة الإسلام لأن دعاة الهجر و التجريح بنوا دعوتهم على أنهم هم الفرقة الناجية و باقي أفراد الأمة هلكى و ضالون. وهذا الاستعلاء الذي ولد الغرور و التعصب جعل الفضاضة و الغلظة سمة الجماعة التي تدعي أنها سلفية ، و زادوا الطين بلة حينما فهموا مسألة الهجر فهما سقيما مستدلين بأقوال علماء من السلف قيلت في أقوام مخصوصين و في ظروف خاصة ، ليس بالضرورة يقصدون ما هو موجود في زماننا – من جماعات الدعوة – لكن التشدد حينما يتحكم في الفرد يدفعه إلى التطرف .و التطرف انحراف عن الصواب و الإنصاف .و إن الأساس الذي تبنى عليه دعوتهم المجرحة ( الهجر) و الذي قيده دعاتهم بضوابط صارمة وإلا صار داءا بدل أن يكون دواء و فتنة بدل أن يكون حلا
و لو كان الواحد منهم منصفا حريصا على الحق لوسعه ما وسع شيخه الألباني الله الذي استهجن دعوة الهجر في هذا المنهج مخالف للسنة بل كاد أن يحكم عليهم بأنهم مبتدعة![24].كما أن الشيخ العثيمين رحمه الله وضّح هذا الأمر فقال :
[ أما هجرهم فهذا يترتب على البدعة ، فإذا كانت البدعة مكفرة وجب هجره و إن كانت دون ذلك فإننا نتوقف في هجره ، فإن كان في هجره مصلحة فعلناه ، و إن لم يكن فيه مصلحة اجتنبناه و وذلك أن الأصل في المؤمن تحريم هجره لقوله صلى الله عليه و سلم: "لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث " فكل مؤمن و إن كان فاسقا فإنه يحرم هجره ما لم يكن في الهجر مصلحة )[25]. أما شيخ الإسلام فقد قال : ( فإن أقواما جعلوا ذلك عاما يؤمر، و ربما تركوا واجبات أو مستحبات وفعلوا به محرمات ] [26] .
و الأدلة لو استرسلت في ذكرها لتطلب ذلك كتابا مع علمي بوجود أقوال مخالفة لما أقول تحذر فعلا من أصحاب البدع و الأهواء.و لكن المشكل من هو المبتدع حقيقة الذي يستحق الهجر ؟ هل كل من وقع في البدعة صار مبتدعا ؟ كما يرجح المشايخ ربيع المدخلي وفالح و مقبل أم العكس كما رجح الشيخ الألباني وغيره من علماء الدعوة السلفية المعاصرة ؟ . هل شيوخ السلفية المعاصرين كانوا يهجرون ( الإخوان)
و (التبليغيين ) و غيرهم ؟ هل قرأت ما كتبه العلاّمة عبد العزيز ابن الباز عن جماعتي الإخوان و التبليغ ؟ [27]
إن المسألة(التبديع) جدُّ خطيرة و أثارها على الأمة فضيعة تجعلها لقمة سائغة في يد أعدائها و في الوقت الذي اتحد الغرب في هيئة واحدة رغم ما بينهم من اختلافات عقائدية و لغوية و تاريخية و نحن أمة الإسلام ما يجمعنا أكبر مما يفرقنا و مع ذلك تجد دعاة السلفية الجدد لا يركزون في دعوتهم إلا على المختلف فيه. ما يثير الخلاف و الشقاق وكأنهم مكلفين بمهمة .إن المسألة(التبديع)جد خطيرة و أثارها على الأمة فضيعة تجعلها لقمة سائغة في يد أعدائها و في الوقت الذي اتحد الغرب في هيئة واحدة رغم ما بينهم من اختلافات عقائدية و لغوية و تاريخية
و نحن أمة الإسلام ما يجمعنا أكبر مما يفرقنا و مع ذلك تجد دعاة السلفية الجدد لا يركزون في دعوتهم إلا على المختلف فيه. ما يثير الخلاف و الشقاق وكأنهم مكلفين بمهمة .


أخي الكريم :
المسائل الخلافية بيننا قد تكون عديدة كالحزبية في الإسلام و هل هي من المصالح أم من البدع . و المشاركة في الحكم و كذا مسألة التصوير و الأناشيد و القميص إلى غير ذلك من المسائل و ما أظن أن حلّها يكون من خلال رسالتي هذه و لهذا يا أخي إن كنت مؤمنا صادقا فابحث عن الحق و لا تتعصب للأشخاص و اقبل بالحق ولو جاءك من مبتدع فالحق أحق أن يتبعقال ابن مسعود : ( من جاءك بالحق فاقبل منه و إن كان بعيدا بغيضا، ومن جاءك بالباطل فاردده عليه وإن كان حبيبا قريبا )[28]
أخي الفاضل و تلميذي العزيز :
هذه رسالتي إليك هدفها واضح وأسلوبها بسيط، ما أرجوه منك هو أن تقرأها بإخلاص و تجرد بنية أخذ ما فيها من صواب و تدعو الله لي و لك بالهداية .فإن شرح الله صدرك لنصيحتي و عملت بأحسن ما فيها و سلمت على مخالفيك وعاملتهم بإحسان و رفق كما علمك الله و رسوله كان الخير هو المنتصر، وإن بقيت على غيك و تعصبت لرأيك فاعلم أن لا أحد سيتضرر بالمقاطعة ماعدا الداعي إليها ، و أختم قولي بما قاله الله على لسان مؤمن آل فرعون :
[ قال الذي آمن يا قوم اتبعون اهدكم سبل الرشاد ] ([29]
وقال على لسان صالح ـ في حالة إصرارك على الهجر ـ
[و قال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي و نصحت لكم و لكن لا تحبون الناصحين][30] .
فالزمن جزء من العلاج و هو كفيل ببيان الحقيقة فيتميز الصف فيعرف الصادق من الكاذب : [ وتلك الأيام نداولها بين الناس ] ([31]
أسأل الله لي و لك الهداية و حسن الخاتمة
سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك والسلام عليكم
و رحمة الله تعالى وبركاته
.



*استدراك*

بعدما أنهيت رسالتي هذه وقع بين يديّ كتابين مفيدين أنصحك بمطالعتهما ليكتمل فهمك وتقوى قناعتك بما قلته لك
الأول:[ رفقا أهل السُنّة بأهل السُنّة ] للعلاّمة السلفي عبد المحسن بن حمد العباد البدر. وقد أثنى على الكتاب علماء كبار ونصحوا بنشره منهم[ مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ عبد العزيز الراجحي، والشيخ الفوزان
الثاني: [ تصنيف الناس بين الظنّ واليقين ] للعلامة الدكتور بكر أبو زيد من كبار فقهاء العالم الإسلامي ورغم سلفيته إلا أنها لم تشفع له عندتيار التجريح والتبديعمن أن ينال منهم ما ينال لأنه فضح منهجهم الخطير على وحدة الأمة ومرجعيتها.












[1] / الأعراف/68.67
[2]/ البقرة/286
[3] / الحجرات/10
4/ رواه مسلم
[5] / مسلم وابن ماجة وأحمد
[6] / البخاري
[7] / الحجرات/09
8 / الإسراء/36
9 / أحمد ، صحيح الجامع الصحيح { 2246}
10/ رواه مسلم
[11] / أعتبره من أخطر الأحاديث التي لو استشعر المسلم مغزاه وعمل بمحتواه لكفاه .( أنظر كتاب : [رياض الصالحين] . .باب: [ تحريم الظلم والأمر برد المظالم ]
[12] / صحيح الجامـع الصغير ( 3035)
12/ المؤمنون /60
[14] / سير أعلام النبلاء / 1/243
[15] / عن عائشة قالت"كان رسول الله إذا رأى ما يحب قال: [ الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات"] إبن ماجة
[16] / البقرة/237
[17] / البخاري
[18] / مجموع الفتاوى /24/174
[19] / نفس المصدر السابق
[20] شرح صحيح مسلم/2/29
[21] / زاد الداعية إلى الله / 28
[22] / الموافقات
[23] / الموافقات
[24] / شريط رقم : 666/1
[25] / المجموع الثمين. 1/31،30
[26] / مجوع الفتاوى . 28/213
[27]) رغم كثرة دروس الشيخ ابن باز وكذا العثيمين رحمهما الله لا نجد ما كتبوه عن الإخوان من نقد علمي إلاّ قليلا مقارنة لما كتبه وقاله الشيخ ربيع وشيعته .وعلى كل فكل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلاّ النبي صلى الله عليه وسلم
[28] / صفة الصفوة /1/491
[29] / غافر/38
[30] / الأعـراف/73