هدر المزيد من الفرص .. المدخل الديمقراطي لبناء الاتحاد المغاربي
27-02-2010, 02:47 PM
شعار الاتحاد المغاربي
هدر المزيد من الفرص .. المدخل الديمقراطي لبناء الاتحاد المغاربي


أضحى التكتل في عالم اليوم خيارا ضروريا وحيويا؛ تمليه التحديات الدولية التي تجعل من التجمعات الإقليمية وسيلة للاحتماء من المخاطر الخارجية المتزايدة في أبعادها العسكرية والاقتصادية والسياسية.. ومدخلا لتحقيق التنمية الشاملة.



وفي الوقت الذي حققت فيه مجموعة من الدول إنجازات اقتصادية واجتماعية وسياسية.. في إطار تكتلات قوية؛ في كل من أوربا"الاتحاد الأوربي" وأمريكا"الأنديز" وآسيا"النمور الأسيوية"، فإن الدول المغاربية وعلى الرغم من الإمكانيات البشرية والموضوعية المتاحة"اللغة، الدين، التاريخ المشترك، الإمكانيات البشرية والجغرافية، الخيرات الطبيعية والموقع الاستراتيجي.."؛ فشلت في بناء تنظيم إقليمي قوي؛ قادر على رفع التحديات الداخلية والخارجية، مما يجعلها ضمن أكثر الأنظمة الإقليمية عرضة للتأثر السلبي بالتحولات الدولية الحاصلة على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري.. بعد الحرب الباردة.



فالاتحاد المغاربي الذي أحدث بموجب معاهدة مراكش المبرمة بتاريخ 17 فبراير 1989؛ لم يراوح مكانه؛ ولم تتبلور بعد الإرادة السياسية الكفيلة بتطويره ليكون في حجم طموحات شعوب المنطقة وتطلعاتها.



وتشير مختلف التقارير والدراسات إلى أن العوامل التي تقف خلف جمود الاتحاد متعددة؛ وتتراوح بين تباين الأنظمة السياسية للدول الأعضاء؛ قضية الصحراء؛ غياب تعاون اقتصادي متين بين الأعضاء، بطء وضعف وتيرة الإصلاحات السياسية المتخذة في الأقطار المغاربية؛ وغياب إطار قانوني ومؤسساتي منفتح وديمقراطي يؤطر عمل الاتحاد..

لقد رافق تأسيس الاتحاد بروز آمال وطموحات وانتظارات واسعة في أوساط الشعوب المغاربية؛ باتجاه تحقيق الوحدة والاندماج؛ وتجاوز مختلف الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية التي ترزح فيها أقطار المنطقة.



وبعد مرور زهاء عقدين من الزمن على توقيع معاهدة مراكش؛ جاءت الحصيلة هزيلة وصادمة؛ بفعل الجمود المؤسساتي والسياسي للاتحاد وعدم تفعيل مختلف الاتفاقات المبرمة؛ وعدم اتخاذ مبادرات شجاعة على طريق الوحدة والاندماج..



وبجانب العوامل البنيوية التي حالت دون تطور الاتحاد وعلى رأسها ضعف التبادل التجاري بين بلدانه الخمسة؛ هناك أيضا عامل الإرث الاستعماري الذي تمخضت عنه مشاكل حدودية بين المغرب والجزائر؛ بالإضافة إلى تداعيات قضية الصحراء التي حالت دون تطوير العلاقات المغربية – الجزائرية؛ بل وأسهمت في تأزيمها، ثم غياب مشروع اقتصادي مغاربي واضح المعالم؛ ودخول بعض دول الاتحاد في أزمات سياسية داخلية أثرت في استقرارها"الجزائر في بداية التسعينيات من القرن المنصرم؛ موريتانيا إبان حدوث عدد من الانقلابات السياسية..".



وعلى الرغم من هذه الإكراهات؛ فإن الظرفية المحلية والإقليمية والدولية أصبحت تفرض التكتل والاندماج؛ فعلاوة على التهديدات والضغوطات والتدخلات السياسية والعسكرية الخارجية التي أصبحت تتعرض لها الكيانات الدولية الضعيفة في كل حين؛ فإن العولمة بكل تجلياتها وأبعادها؛ أصبحت تفترض العمل الجماعي لمواجهة تداعياتها الجارفة.



ويبدو أن هناك مجموعة من العوامل المحفزة على تفعيل الاتحاد والتعجيل بتحقيق الاندماج بين أعضائه؛ فعلاوة على المقومات البشرية والطبيعية والثقافية والاجتماعية والتاريخية.. التي تمثل أرضية صلبة وجديرة بخلق تكتل قوي قادر على فتح مشاريع تنموية رائدة في المنطقة؛ تواجه منطقة المغرب العربي مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية التي تجعل من الاندماج والتكتل قدرا وضرورة.



فالإكراهات الاجتماعية والاقتصادية"الهجرة؛ ارتفاع معدلات الفقر؛ البطالة.." التي تمر بها مختلف هذه الدول؛ بالإضافة إلى تزايد التهافت الخارجي على هذه المنطقة الاستراتيجية بموقعها وخيراتها الطبيعية؛ وضعف القدرة التفاوضية للدول المغاربية في مواجهة الاتحاد الأوربي وغيره من القوى الدولية الكبرى.. التي تتقاسم معها عددا من الملفات الهامة؛ تفرض استثمار مختلف الإمكانيات الاقتصادية والبشرية.. المتاحة لتفعيل وتطوير الاتحاد.



وتوفر رغبة الشعوب المغاربية وتوقها إلى الوحدة والاندماج؛ قاعدة أساسية تدعم هذا البناء؛ الذي سيسمح في كل الأحوال بإرساء دعائم تنمية إنسانية حقيقية لأعضائه؛ تمكنها من ردم الهوية التي تفصلها عن دول الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط؛ بالشكل الذي يمنحها وزنا متميزا في هذه المنطقة الحيوية؛ وقوة تفاوضية تكفل لها مقاربة مختلف القضايا والملفات المشتركة"الأمن الإقليمي؛ "الإرهاب" الدولي؛ الهجرة السرية، الصيد البحري؛ التبادل التجاري؛ الاستثمار.." مع دول الاتحاد الأوربي بشكل ندي.



وتزداد ملحاحية هذا التفعيل في ظل وضعية من التشتت؛ فوتت على المنطقة المغاربية برمتها فرصا عديدة؛ فقد أظهرت إحصاءات اقتصادية أن دول الاتحاد المغاربي تخسر نحو عشرة بلايين دولار سنويا، أي ما يعادل نحو 2% من ناتجها القومي الإجمالي، بسبب غياب التنسيق في المواقف الخارجية، وضعف التعاون التجاري والاقتصادي بين هذه الأقطار.



وعلى عكس بعض التجمعات الإقليمية التي استثمرت التحولات الدولية لصالحها ونجحت في جلب عدد من الرساميل الاستثمارية إلى منطقتها؛ فإن جمود الاتحاد حرم الدول المغاربية وشعوبها من الاستفادة من مختلف الاستثمارات الدولية التي تعد مدخلا للقضاء على عدد من الإكراهات الاجتماعية المطروحة؛ ولإعادة الأمل إلى نفوس الشباب المغاربي.



كما أن تنامي حدة العمليات الإرهابية في المنطقة؛ بعد ظهور تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"؛ وتزايد الهجرة السرية نحو أوربا من وعبر الأقطار المغاربية؛ يفرضان على دول المغرب العربي مجتمعة؛ مزيدا من التنسيق والتعاون في مختلف المجالات؛ وبخاصة الاقتصادية منها؛ أسوة بالاتحاد الأوربي الذي انطلق انطلاقة سليمة ومعقولة ومتدرجة تنبهت إلى أهمية المجال الاقتصادي كأساس لبناء اتحاد قوي.



ويقتضي تطوير اتحاد المغرب العربي وانتشاله من حالة الجمود؛ الوقوف على مختلف الحواجز والمعيقات لتذليل العقبات التي تقف حجر عثرة أمام مسيرته.

ويمكن القول إن تكريس الممارسة الديموقراطية داخل الأقطار المغاربية وفي ضوابط وممارسات الاتحاد؛ يعد أحد المداخل الرئيسية والهامة على هذا الطريق.

وتظل المشاريع الاقتصادية المشتركة مهما بلغت أهميتها؛ بلا جدوى إذا لم تكن مستندة إلى ممارسة ديموقراطية حقيقية تدعمها.



فالممارسة الديموقراطية هي التي دفعت بمجمل الدول الأوربية إلى نبذ خلافاتها التاريخية الكبرى؛ واستحضار مصالح شعوبها الاستراتيجية لتجعل من الاتحاد الأوربي نموذجا رائدا في الاندماج والوحدة.



فهذا الإطار الذي تأسس على قاعدة الممارسة الديمقراطية وسمو القانون؛ يقدم نموذجا متميزا ورائدا في التكتل والاندماج؛ وفي الانفتاح على مختلف الفعاليات المدنية؛ التي تمنحه قوة وتماسكا؛ وهو ما يفرض استخلاص الدروس والعبر من تجربته الناجحة.



وتؤكد مسيرة هذا الاتحاد أنه استفاد في تطوره من الأجواء الديموقراطية التي شهدتها مختلف الأقطار الأوربية بعد الحرب العالمية الثانية؛ قبل أن يسهم من جانبه في تعزيز هذا المسلسل الديمقراطي في مناطق عدة من أوربا الغربية والشرقية؛ وبخاصة وأن الانضمام إلى هذا الاتحاد يظل مشروطا بوجود أنظمة تؤمن بالديموقراطية وتطبقها.



وعلاوة على ذلك؛ تتمظهر ديمقراطية الاتحاد الأوربي في عدة صور أخرى؛ فاعتماد أي اتفاقية تكاملية هامة جديدة أو إحداث تعديل في المعاهدات المبرمة سابقا في إطار الاتحاد؛ تعرض أمام المواطنين للتعبير عن آرائهم إزاءها من خلال استفتاء حر.

ويلاحظ أن سلطات البرلمان الأوربي تتوسع وتتطور باستمرار؛ حيث أصبح ينتخب بالاقتراع المباشر؛ مع الانفتاح على جماعات المصالح ومؤسسات المجتمع المدني وممثلي المجالس المحلية..



وتحيل هذه المعطيات مجتمعة إلى القول بأن الوضعية المأزومة للاتحاد تعود في أحد أهم أسبابها إلى عدم وجود أرضية ديموقراطية صلبة؛ وإلى غياب إرادة سياسية حقيقية تترجم إرادة الشعوب المغاربية وتوقها نحو التعاون والاندماج؛ على طريق بناء تكتل إقليمي عربي في منطقة استراتيجية هامة. لأن أنظمة سياسية لا تؤمن بالممارسة الديمقراطية في مؤسساتها وممارساتها؛ لا يمكن أن تبني اتحادا ديمقراطيا قادرا على الإقلاع ودخول غمار المنافسة والتحدي.



فالأوضاع السياسية المغاربية التي تتراوح بين الجمود والبطء؛ انعكست بشكل ملحوظ على مؤسسات الاتحاد وعلى بنود معاهدة إنشائه التي جاءت مجانبة في العديد من مبادئها للممارسة الديمقراطية الحقيقية.



إن المركزية في اتخاذ القرارات التي تطبع ممارسة السلطة داخل الأقطار المغاربية؛ هي نفسها التي حرص مؤسسو الاتحاد على تكريسها ضمن المعاهدة المنشئة له؛ فالمادة السادسة منها تؤكد على أن: "لمجلس الرئاسة وحده سلطة اتخاذ القرار، وتصدر قراراته بإجماع أعضائه".



الأمر الذي يفسر غياب أية مبادرة من الأنظمة المغاربية تقضي باستشارة شعوبها عبر أسلوب الاستفتاء بصدد الاتفاقيات المبرمة في إطار الاتحاد، ولذلك فمعظم القرارات والاتفاقيات اتخذت بشكل فوقي لتظل حبرا على ورق.



وأمام تركيز مختلف الصلاحيات التقريرية والحاسمة في يد مجلس الرئاسة؛ لم تحظ باقي الأجهزة الأخرى من قبيل مجلس وزراء الخارجية أو مجلس الشورى.. إلا بصلاحيات محدودة؛ الأمر الذي كان له عظيم الأثر على مستوى بطء اتخاذ القرارات وعرقلة تطور بناء الاتحاد.



كما أن اعتماد قاعدة الإجماع في اتخاذ القرارات بموجب المادة السادسة من معاهدة الاتحاد؛ تمكن أي عضو من تعطيل اتخاذ القرارات إذا ما اعتبرها في غير صالحه.

ومعلوم أن هذه التقنية لم تعد تواكب في مضمونها التطورات الدولية المتسارعة؛ بل أكدت الممارسة الميدانية وبخاصة في عمل الجامعة العربية قصورها وعقمها.



ومعلوم أن مختلف الأقطار التي اختارت طريق التكتل والاندماج الحقيقيين في أوربا وأمريكا وغيرهما.. تخلت عن جزء كبير من سيادتها في سبيل تطور وتنمية شعوبها؛ بعدما اقتنعت بأن ذلك الخيار يعد بدوره امتدادا لتقوية وتحصين سيادتها وقدراتها.



وتفرض هذه الوضعية المعيقة لمسار الاتحاد؛ الحد من الصلاحيات التي يحظى بها مجلس الرئاسة لصالح مختلف الأجهزة التنفيذية والاستشارية الأخرى؛ ومنح الأمانة العامة صلاحيات حيوية والتراجع عن قاعدة الإجماع لصالح مبدأ الأغلبية؛ مع الحرص على تنفيذ ومتابعة مختلف القرارات المتخذة.



لقد أضحى إعمال إصلاحات سياسية ديموقراطية مبنية على الحوار والحرية وحقوق الإنسان والانفتاح على المجتمع.. مطلبا ملحا في المنطقة؛ لكونها ستهيء الأجواء اللازمة لبناء الاتحاد المغاربي الذي يعد مطلبا اجتماعيا في كل أنحاء المنطقة.



لكن الإصلاح الديمقراطي المطلوب؛ هو الذي يرتكز إلى نبض الشارع المغاربي ويسعى لتحسين الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بهذه البلدان؛ ويتخطى الدمقرطة الخجولة القائمة على الانتخابات الدستورية المحدودة؛ إلى إصلاحات فعالة تروم تعزيز حضور إرادة الشعوب في صناعة القرار وتفتح المجال أمام فعاليات المجتمع المدني..

لأن الاتحاد المغاربي كمشروع طموح؛ يظل أيضا بحاجة ماسة إلى إسهامات مجموعة من الفاعلين المنبثقين من عمق المجتمع "إعلام؛ نخب مختلفة؛ أحزاب سياسية؛ نقابات؛ جمعيات؛ باحثين جامعيين.." تؤسس لقاعدة مغاربية صلبة؛ قادرة على خلق شروط الحوار والتواصل ومواجهة مختلف التحديات والصعاب التي تواجه مطلب الاندماج؛ وتضغط باتجاه دفع السلطات السياسية لاتخاذ قرارات حاسمة في هذا الإطار.



والقبول بالانفتاح على مختلف هيئات وفعاليات المجتمع المدني؛ سيسهم بشكل كبير في دمقرطة الاتحاد؛ بما يكفل تجاوز الإكراهات الحالية؛ وسيخلق مرونة على مستوى اتخاذ القرارات التي تسمح بإيصال آراء وطموحات شعوب المنطقة إلى صانعي القرارات؛ ويوفر الشروط الموضوعية لإعادة النظر في بعض أجهزة الاتحاد؛ بل وتطويرها بما يكفل اتخاذ قرارات فعالة وحاسمة على طريق بناء اتحاد مغاربي قوي.



إذا كانت الشعوب المغاربية تؤمن بالوحدة وتتطلع إليها؛ فإنها تبقى بحاجة إلى أنظمة سياسية ديموقراطية تترجم هذه الرغبة واقعيا؛ وبخاصة وأن الاندماج هو ضرورة وخيار استراتيجي بكل المقاييس؛ تفرضه الظرفية الدولية المتميزة بتحدياتها الكبرى.



وتؤكد العديد من التجارب الاندماجية الوازنة؛ أن إحداث تنظيمات إقليمية مبنية على أسس ديموقراطية قوية؛ يسهم من جانبه في تطوير وتقوية المسار الديموقراطي لأعضائها.

ومما لا شك فيه أن استمرار الأوضاع راكدة وجامدة على حالها؛ سيكلف شعوب المنطقة هدر مزيد من الفرص والطاقات المتاحة لولوج عالم متحول ومتسارع لا يؤمن إلا بالتكتلات.

كلما اتذكر ان الطائرات التي تقصف السوريين سورية وقادتها سوريون بؤوامر سورية كرهت عروبتي واكاد انسلخ عن كل ما هو عربي