وسطية أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات بين التعطيل والتشبيه ابن تيمية نموذجا
24-12-2016, 09:05 AM
وسطية أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات بين التعطيل والتشبيه
ابن تيمية نموذجا
إن العلم بأسماء الله وصفاته: أشرف ما اكتسبته القلوب، وأزكى ما أدركته العقول؛ فهو: زبدة الرسالة الإلهية، وهو: الطريق إلى معرفة الله وعبادته وحده لا شريك له، وهو أحد أقسام التوحيد الثلاثة عند أهل السنةوالجماعة.
وقد عرفه الشيخ:" عبد الرحمن السعدي" رحمه الله بتعريف جامع حيث قال:
" توحيد الأسماء والصفات، وهو: اعتقاد انفراد الرب جل جلاله بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة والجلال والجمال التي لا يشاركه فيها مشارك بوجه من الوجوه.
وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله من جميع الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللائق بعظمته وجلاله، من غير نفي لشيء منها ولا تعطيل، ولا تحريف ولا تمثيل،
ونفي ما نفاه عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله من النقائص والعيوب، ومن كل ما ينافي كماله".
وقد تكاثرت الأدلة على صحة:" مذهب السلف: أهل السنة والجماعة" في هذا الباب الهام من أبواب العقيدة، فمذهبهم هو:" الأسلم والأعلم والأحكم"،
وليس هناك طريقة أخرى صحيحة في:" باب الأسماء والصفات" إلا طريقتهم في إثباتها وإمرارها كما جاءت، وقد دل على ذلك أدلة كثيرة منها:
1) أن طريقة السلف دل عليها الكتاب والسنة:
فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: [وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]، وقوله:[لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ]، وقوله:[وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ].
فالآية الأولى: دلت على وجوب الإثبات من غير تحريف ولا تعطيل؛ لأنهما من الإلحاد في أسمائه عز وجل.
والآية الثانية: دلت على وجوب نفي التمثيل.
والآية الثالثة: دلت على وجوب نفي الكيفية، وعلى وجوب التوقف فيما لم يرد إثباته ولا نفيه.
أما من السنة، فالأدلة كثيرة منها قوله:" اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء".
2)العقل: فالعقل يدل على صحة مذهب السلف، ووجه دلالته: أن تفصيل القول فيما يجب ويجوز ويمتنع على الله: لا يُدْرَك إلا بالسمع: الكتاب والسنة، فوجب اتباع السمع في ذلك، وذلك بإثبات ما أثبته، ونفي ما نفاه، والسكوت عما سكت عنه.
3)الفطرة: أما دلالة الفطرة على صحة مذهب السلف، فلأنَّ النفوس السليمة مجبولة ومفطورة على محبة الله وتعظيمه وعبادته، وهل تحب وتعظم وتعبد إلا من عرفت أنه متصف بصفات الكمال، منزه عن صفات النقص؟.
4)مطابقتها للكتاب والسنة: فمن تتبع طريقة السلف بعلم وعدل: وجدها مطابقة لما في الكتاب والسنة جملة وتفصيلاً؛ ذلك لأن الله أنزل الكتاب ليدّبر الناس آياته، ويعملوا بها إن كانت أحكاماً، ويصدقوا بها إن كانت أخباراً.
5) أن السلف الصالح من الصحابة والتابعين هم: ورثة الأنبياء والمرسلين: فقد تلقوا علومهم من ينبوع الرسالة الإلهية؛ فالقرآن نزل بلغة الصحابة رضوان الله عليهم وفي عصرهم، وهم: أقرب الناس إلى معين النبوة الصافي، وهم: أصفاهم قريحةً، وأقلهم تكلفاً، كيف وقد زكاهم الله في محكم تنزيله وأثنى عليهم، وعلى التابعين لهم بإحسان كما قال تعالى:
[وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ].
وقد تهدد رب العزة الذين يتبعون غير سبيلهم بالعذاب الأليم، فقال عز وجل: [وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً].
ولا ريب أن سبيل المؤمنين هو: سبيل الصحابة من المهاجرين والأنصار ومن اتبعهم بإحسان رضي الله عنهم أجمعين.
فإذا كان الأمر كذلك، فمن المحال: أن يكون خير الناس، وأفضل القرون قد قصروا في هذا الباب بزيادة أو نقصان.
6) أن صفوة أولياءالله تعالى الذين لهم لسان صدق من سلف الأمة وخلفها هم: على مذهب أهل السنة والجماعة، أهل الإثبات للأسماء والصفات، وهم أبعد الناس عن مذاهب أهل الإلحاد.
7)تناقض علماء الكلام وحيرتهم واضطرابهم: فهذا مما يدل على صحة مذهب السلف؛ فلو كان مذهب الخلف حقّاً: لما تناقضوا، ولما اضطربوا، ولما تحيروا وحيروا!!؟.
8)رجوع كثير من أئمة الكلام إلى الحق وإلى مذهب السلف، فهناك من أرباب علم الكلام الذين بلغوا الغاية فيه: رجعوا إلى مذهب السلف، وتبرؤا من علم الكلام، وأعلنوا توبتهم منه، فهذا:( الرازي: أحد أئمة أكابر علم الكلام): ينوح على نفسه، ويبكي عليها، ويقول:
نهايةُ إقدامِ العقولِ عقالُ÷ وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشةٍ من جسومنا ÷ وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نَسْتَفِدْ من بحثنا طول عمرنا ÷ سوى أن جمعنا فيه قيل وقالُ
ومن الذين خاضوا في علم الكلام ورجعوا إلى منهج السلف:( أبو المعاليالجويني، والخسر وشاهي، وأبو حامد الغزالي).
ومن المتأخرين الذين خاضوا في علم الكلام ولم يرجعوا منه بفائدة، بل وقعوا في الحيرة الإمام:" الشوكاني"، فإنه حدَّث عن نفسه فقال:
"ها أنا أخبرك عن نفسي، وأوضح لك ما وقعت فيه أمس؛ فإني في أيام الطلب وعنفوان الشباب شغلت بهذا العلم الذي سمّوه تارة علم الكلام، وتارة علم التوحيد، وتارة علم أصول الدين، وأكببت على مؤلفات الطوائف المختلفة منهم، ورُمْت الرجوع بفائدة، والعود بعائدة، فلم أظفر بغير الخيبة والحيرة، وكان ذلك من الأسباب التي حبّبت إليَّ مذهب السلف على أني كنت قبل ذلك عليه، ولكن أردت أن أزداد منه بصيرة وبه شغفاً، وقلت عند ذلك في تلك المذاهب:
وغاية ما حصّلته من مباحثي ÷ ومن نظري من بعد طول التأمل
هو الوقف ما بين الطريقين ÷ حيرة فما علم من لم يلق غير التحير
على أنني قد خضت منه غماره ÷ وما قنعت نفسي بغير التبحر
وأمام قوة:" مذهب السلف: أهل السنة والجماعة": لم يجد المخالفون له سوى الافتراء عليه وعلى علمائه، وأكثر من تعرض لذلك:" شيخ الإسلام: ابن تيمية" رحمه الله، ومن أشهر ما اتهم به:" رميه بالتجسيم والتشبيه في باب الأسماء والصفات"، وفي فيما يأتي دفعا لهذه الفرية: مقال ماتع رائع للشيخ الدكتور:" محمد علي فركوس" حفظه الله، وقد أورد فيه من الحجج والبراهين: ما ينسف تلك" الفرية الصلعاء، والكذبة القرناء"، فإلى المقال: