مقال: الأبعاد الفكرية والعقائدية للجماعات الإسلامية الجهادية المتشددة (بوكوحرام النيجيرية نموذجاً)
22-02-2015, 06:28 PM
الكاتب الأستاذ:ضياء الدين محمد أحمداي أحمد. محاضر – مركز أبحاث ودراسات السلام – جامعة نيالا السودان
السبت, 11 أكتوبر 2014 23:24
المقدمـــة:
نتيجة إنحسار سيطرة الدولة الإسلامية علي العالم الإسلامي منذ القرن العشرين الميلادي ، كثر إنبثاق الجماعات الإسلامية المتشددة وأصبح ذلك من سمات القرن الواحد والعشرين الميلادي، يهدف هذا البحث لتقديم قراءة واعية لجماعة أهل السنة والجهاد المشهورة بـ(بوكوحرام)،والتي تعني بلغة الهوسا (التعليم والتربية الغربية حرام)، ويهدف البحث أيضاً لإيضاح أسباب نشأة هذه الجماعة وأهم الأفكار والأهداف والآثار والمعالجات لظاهرة صعود هذه الجماعة علي الساحة النيجيرية خصوصاً وغرب أفريقيا عموماً.
تقود جماعة بوكو حرام أوسع حملة لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين علي الإطلاق في نسخة قديمة متجددة من التطرف تزداد عنفاً ودموية يوماً بعد يوم ،جماعة بوكو حرام التي أسسها الشاب(محمد يوسف)؛جذبت الشباب العاطلين عن العمل والذين يعانون فراغاً روحياً وخواءاً فكرياً ؛ وبعيداً عن جدل التوظيف السياسي تعتبر جماعة بوكو حرام نسخة أفريقية لتنظيم القاعدة الأم بل لقد تجاوزت هذه الجماعة كل الحدود ورسم صورة قاتمة وتدميرية للإسلام في أذهان الآخرين .
بسم الله الرحمن الرحيم
جـمهورية السـودان
وزارة التعـليم العـالي والبحث العـلمي
جامـعة نيـالا
مركز أبحــاث ودراسات السلام
ورقة علمية مقدمة للنشر بمجلة رؤي إستراتيجية بعنوان:
الأبعاد الفكرية والعقائدية للجماعات الإسلامية الجهادية المتشددة (بوكوحرام النيجيرية نموذجاً).
إعداد :أ/محمد ضياء الدين محمد أحمداي أحمد.
محاضر – مركز أبحاث ودراسات السلام – جامعة نيالا
المستخلص:
إنَ الصراعَ الديني الموجودْ في نيجيريا نتجَ عن شعورِ المسلمين الشماليين بالتهميش من قِبل الطائفة المسيحية الجنوبية التي تحظى بالسلطة والثروة في نيجيريا ،ينطلق البحث من فرضية أساسية وهي أن الفراغ الروحي والخواء الفكري الذي يعاني منه الشباب النيجيرى هو السبب الأساسي لظهور جماعة بوكوحرام ونجاحها ، يوضح البحث ويفسر ظاهرة العنف الديني في نيجيريا وأن الدولة النيجيرية تعاني من أزمة في الإندماج الوطني حيث تعلو الولاءات الإثنية والجهوية علي الولاء للوطن.
يستخدم البحث المنهج التاريخي للرجوع لأسباب نشأة جماعة بوكو حرام، والمنهج التحليلي الوصفي لتناول ظاهرة الصراع الديني في نيجيريا من خلال دراسة المتغيرات المختلفة التي أدت إلي نشأة هذا الصراع كمدخلات في إطار تفاعلات سياسية تجرى في بيئة داخلية وإقليمية ودولية.
توَصلَ البحث لأهم النتائج أن الفراغ الروحي والضعف الديني والخواء الفكرى هو السبب الرئيسي وراء تنامي ظاهرة بوكو حرام ، وأن فهم سلف الأمة لقضية الجهاد يحرم قتل الكفار مطلقاً ، يوصي البحث بمعالجة المشكلات الأمنية والإقتصادية والإجتماعية حتي يتحقق الإستقرار في نيجيريا ، ويوصي البحث أيضاً بضرورة بناء ثقافة ترفع من شأن الإنتماء الوطنى عن دونها من الإنتماءات .
Abstract:
The religious conflict existing in Nigeria resulted in a sense of Muslim northerners marginalized by the Christian community South, which has the power and wealth in Nigeria, stems search of a basic premise is that the spiritual emptiness and intellectual vacuity suffered by the young Nigerian is the main reason for the emergence of a group Bokouhram and success, research shows and explains the phenomenon of religious violence in Nigeria and the Nigerian state to suffer from a crisis in the national integration as above ethnic and regional loyalties to loyalty to the homeland. Find historical method used to return to the reasons for the emergence Boko Haram, descriptive and analytical approach to address the phenomenon of religious conflict in Nigeria through the study of the different variables that led to the genesis of this conflict as inputs in the framework of political interactions takes place in an environment of internal, regional and international. The research found the most important results that spiritual emptiness and weakness religious and intellectual vacuity is the main reason behind the growing phenomenon of Boko Haram, and that the understanding of the nation's predecessor to the cause of jihad prohibits the killing of infidels never, recomme
المقدمـــة:
نتيجة إنحسار سيطرة الدولة الإسلامية علي العالم الإسلامي منذ القرن العشرين الميلادي ، كثر إنبثاق الجماعات الإسلامية المتشددة وأصبح ذلك من سمات القرن الواحد والعشرين الميلادي، يهدف هذا البحث لتقديم قراءة واعية لجماعة أهل السنة والجهاد المشهورة بـ(بوكوحرام)،والتي تعني بلغة الهوسا (التعليم والتربية الغربية حرام)، ويهدف البحث أيضاً لإيضاح أسباب نشأة هذه الجماعة وأهم الأفكار والأهداف والآثار والمعالجات لظاهرة صعود هذه الجماعة علي الساحة النيجيرية خصوصاً وغرب أفريقيا عموماً.
تقود جماعة بوكو حرام أوسع حملة لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين علي الإطلاق في نسخة قديمة متجددة من التطرف تزداد عنفاً ودموية يوماً بعد يوم ،جماعة بوكو حرام التي أسسها الشاب(محمد يوسف)؛جذبت الشباب العاطلين عن العمل والذين يعانون فراغاً روحياً وخواءاً فكرياً ؛ وبعيداً عن جدل التوظيف السياسي تعتبر جماعة بوكو حرام نسخة أفريقية لتنظيم القاعدة الأم بل لقد تجاوزت هذه الجماعة كل الحدود ورسم صورة قاتمة وتدميرية للإسلام في أذهان الآخرين .
مشكلة البحث:
تتمثل إشكالية البحث في التعرف علي أسباب الصراع الديني ومدي إنعكاس تحركات جماعة بوكوحرام علي الإستقرار السياسي في نيجيريا ، وإقحام الإثنيات في الصراع الديني والدور السالب للنخب النيجيرية في هذا الصراع ومدي تأثير ذلك مستقبلاً علي وحدة الدولة النيجيرية.
أسئلة البحث:
1/هل للضعف الديني والفراغ الروحي والخواء الفكرى دوراً في إنتشار فكر بوكوحرام ومثيلاتها؟
2/علي ماذا تقوم الفكرة الأساسية لجماعة بوكو حرام؟
3/كيف تستخدم الأنظمة السياسية الجماعات المتشددة لصالح مصالحها السياسية؟
4/هل هنالك علاقة وإمتداد مباشر بين أفكار جماعة بوكوحرام وأفكار تنظيم القاعدة؟
5/كيف تطورت إستراتيجيات الجمعات المتشددة في مواجهة ملاحقة وكالات الإستخبارات العالمية؟
فرضيات البحث:
1/إن الضعف الديني والفراغ الروحي والخواء الفكري الذي يعاني منه الشباب النيجيرى هو السبب الأساسي وراء تنامي وصعود جماعة بوكو حرام ومثيلاتها من التنظيمات المتشددة.
2/ تقوم جماعة بوكوحرام علي الفكرة السلفية الجهادية بفهم غير صحيح يعتمد علي التكفير ، والخروج علي الحكام،والقتل غير المبرر لكل من يخالفهم الرأي.
3/ باتت التنظيمات الإسلامية المتشددة تستخدم كـ(فزاعة) لتخويف الغرب وزريعةً للأنظمة السياسية لقتل وتعذيب وتنكيل خصومهم السياسين والإجتماعيين.
4/تعتبر جماعة بوكوحرام إمتداداً ذو أبعاد أكثر وحشيةً وتطرفاً ودمويةً لتنظيم القاعدة الأم الذي ضعف وقارب علي الإنهيار بعد مقتل زعيمة أسامة بن لادن.
5/تتطور إستراتيجيات الجماعات المتشددة تبعاً لتطور وتغيير إستراتيجيات وكالات الإستخبارات العالمية _ خصوضاً الأمريكية _ فطورت إستراتيجية (الذئاب المنفردة ) أو(الجنود التائهه) في تطور متلازم مع تحركات وكالات الإستخبارات العالمية للقضاء علي هذه الجماعات.
منهجية البحث:
يستخدم البحث المنهج التاريخي للرجوع للخلفية التاريخية لنشأة جماعة بوكوحرام ، والمنهج التحليلي الوصفي لتحليل المتغيرات المختلفة التي أدت إلي نشأة هذا الصراع والآثار المترتبة عليه ، والوصول للحلول والمعالجات.
أهداف البحث:
1/التعرف علي سكان نيجيريا وتقسيماتهم الدينية والقبلية.
2/بيان تأثير التنوع الإثني في نيجيريا علي الإستقرار السياسي للدولة النيجيرية.
3/الرجوع لنشأة جماعة بوكوحرام ومدي تأثرها بنشأة جماعة ميتاستين ومعرفة السياسة النيجيرية تجاه الجماعة.
4/بيان أفكار وأهداف جماعة بوكوحرام والإنتقادات التي يوجهها العلماء المسلمين لفكر الجماعة ومثيلاتها.
5/توضيح الآثار المترتبة علي نشأة بوكوحرام ،ووضع المعالجات المناسبة لها.
أهـمية البـحث:
تنبع أهمية البحث من خلال إرتباط الصراع في نيجيريا بالدين وما لذلك من دلائل تحليلية في تاريخ نيجيريا السياسي القديم والمعاصر والمستقبلي وإتساع تأثير ذلك الصراع علي المستوى المحلي والإقليمي والعالمي،وإتساع ذلك الصراع بإستخدام القوة المفرطة وعدم قدرة النظم الحاكمة النيجيرية المتعاقبة علي السيطرة عليه،وتتجلي الأهمية الكبري للبحث في أهمية نيجيريا كدولة كبرى في أفريقيا ولها وضعها الإقليمي إلي جانب وضعها كمنتج أساسي للبترول مما يؤثر علي المصالح الغربية فيها.
أدوات البـحث:يعتمد هذا البـحث في أدواته علي:
المصادر الأولية:مثل التقارير والمنشورات والدوريات ذات الصلة بموضوع البحث.
المصادر الثانوية:مثل الكتب العربية والمترجمة والرسائل اعلمية إضافة لشبكة المعلومات الدولية(الإنترنت).
حدود البحث:
الحدود الزمانية :2002م حتي 2014م.
الحدود المكانية:جمهورية نيجيريا الإتحادية.
هيكلية البحث: ينقسم البحث إلي خمسة مباحث أساسية:
المبحث الأول:المفهوم الحقيقي للجماعة وتداعيات النشوء والحركات المسيحية المناوئة.
المبحث الثاني: سياسة الحكومة النيجيرية تجاه جماعة بوكوحرام.
المبحث الثالث:: الأفكار والأهداف ، الآثار والمعالجات المقترحة.
المبحث الرابع:موقف علماء أهل السنة والجماعة من جماعة بوكو حرام ومثيلاتها.
المبحث الخامس:مستقبل جماعة بوكوحرام في القارة الأفريقية.
المبحث الأول :المفهوم الحقيقي لبوكو حرام وتداعيات النشوء والحركات المسيحية المناوئة:
تمهـــيد:
الإسم الرسمي لنيجيريا هو جمهورية نيجيريا الإتحادية وإسم نيجيريا مأخوذ نسبة إلى نهر النيجر الذي يمر بالبلاد أطلق هذا الإسم من قبل (فلورا شو) في أواخر القرن التاسع عشر،و(فلورا)هي زوجة (بارون لوغارد) إداري المستعمرات البريطاني،ونيجيريا بلد في غرب أفريقيا وأكبر دولة في أفريقيا من حيث تعداد السكان حيث يبلغ عدد سكانها (177,155,754) مليون نسمة من أهم مواردها الإقتصادية النفط الخام والكاسافا، العملة النيجيريّة هي (النايرا) ،وللبلاد حدود مع كل من بنين في الغرب، تشاد والكاميرون في الشرق، النيجر في الشمال وخليج غينيا في الجنوب ،عاصمة نيجريا هي أبوجا منذ عام 1991م وكانت لاجوس هي العاصمة السابقة ،تمثل نيجيريا حالةً مصغرةً من القارة الأفريقية من حيث تنوعها الأثني والديني ؛ وهذا التنوع يمثل الآن كارثة لنيجيريا نظراً لأنه يتم توجيهه وتسيسه في ظل غياب قيم المواطنة وإنتشار الولاءات دون الوطنية التي تركز علي الإعلاء من الإنتماءات الفرعية علي حساب الإنتماء الوطني مما يخلق تجاذبات بين الجماعات المختلفة – الدينية والأثنية – خاصة إذا إرتبط ذلك بتوزيع المناصب السياسية والموارد الإقتصادية ( 1).
يسكن هذا البلد أكثر من 500 جماعة عرقية، و من أكبر ثلاث جماعات الهوسا، واليوروبا الإيبو؛ يمثل الهوسا والفولاني 29% من إجمالي تعداد السكان بينما يمثل اليوروبا 21% والإيكوبو18% والأيجاو والكانورى 4% والإيبو 3,5 والتيف الذين يمثلون 2,5 من إجمالي سكان نيجيريا ؛ أما بالنسبة للتقسيم الديني فأن أكثر من 50% من سكان نيجيريا من المسلمين 95% منهم من السنة و5% شيعة ؛ فيما يمثل المسيحيون 48,2 من السكان موزعين بين 15% بروتستانت و 13,7 % كاثوليك و19,6% من طوائف مسيحية أخري،فيما يشكل أتباع الديانات الأخرى 1,4% من إجمالي تعداد السكان (2).
بقراءة للمشهد النيجيرى السابق فإن الإعتماد علي التنوع الديني والأثني في تحليل الصراع وتصاعد العنف في الساحة النيجرية قد يمثل نوعاً من القصور ؛ فهنالك أسباب أخرى لتصاعد وتيرة العنف وتنامي هوس الجماعات الدينية المختلفة من هذه الأسباب الفقر والفساد والبطالة والتهميش الإقتصادي والعزلة والتفكك الإجتماعي الذي تعاني منه بعض الإثنيات والطوائف الدينية ، لذلك تعرضت الدولة النيجيرية منذ أن إتجهت إلي الحكم المدني عام 1999م لمجموعة من الصراعات إتخذت ملمحاً دينياً وظهرت المواجهات بين المسلمين والمسيحيين فصعدت جماعة بوكوحرام إلي واجهة الأحداث مستهدفةً المسيحيين (3).
أ/جماعة بوكو حرام:
ظهرت جماعة بوكو حرام علي الساحة النيجرية للمرة الأولي في عام 2002م وثار جدلُ واسعٌ حول جذور هذه الجماعة ومصادر قوتها التي تستند إليها في جذب أعداد كبيرة من الشباب في شمال نيجيريا ، ويمكن فهم فلسفة وأيدلوجية بوكوحرام من تفسير إسمها (بوكو) بلغة الهوسا تعني (الغرب) أو (الأجنبي) أما (حرام) فتعني محظور أو ممنوع وبالتالي يمكن ترجمة مسمي الجماعة إلي (التعليم الغربي أو الوافد الغربي حرام)،لذلك فإن رؤية الجماعة تقوم علي ضرورة إبعاد كل مكونات الدولة الحديثة والعودة إلي الدولة الإسلامية في هيئتها التي كانت عليها في الماضي حيث يرى أعضاء الجماعة أن القيم الإسلامية تتعارض مع القيم الغربية ،وأن الأمة الإسلامية تتعرض لمخاطر كثيرة في ظل وجود التأثيرات الغربية التي تعد مصدراً للشر في المجتمع الإسلامي ، ولكبح جماح هذا الشر لا بد من القضاء علي مؤسسات الدولة الحديثة مما يفسر إستهداف الجماعة لمراكز الشرطة والمؤسسات الحكومية والمنشآت الرسمية ومحاولات الجماعة المتكررة لتدميرها (4).
لم تكن جماعة بوكوحرام بأفكارها المعادية للغرب والحداثة هي الوحيدة التي تبنت فكرة القضاء علي التأثيرات الغربية في شمال نيجيريا فقد سبقتها إلي ذلك جماعة (مايتاتسين) أو (maitatsine) والتي تعني بلغة الهوسا (اللعنة) والتي ظهرت في ثمانينيات القرن الماضي بقيادة (محمد مروه) وهو باحث إسلامي هاجر من شمال الكاميرون إلي مدينة (كانو) في شمال نيجيريا عام 1945م؛ وبعد إستقراره في شمال نيجيريا وركز علي تنقية الإسلام من التأثيرات الخارجية،حيث أنه كان يعتقد أن الإسلام تفسده الحداثة وطبيعة تكوين الدولة الحديثة،وقد عمل (مروه) مدرساً وقارئاً للقرآن وواعظاً فكان مقنعاً وجاذباً وتمردَ علي كثير من التقاليد الشعبية في مدينة (كانو) شمال نيجيريا ورفض كافة أنواع التكنلوجيا، مثل السيارات والساعات والدراجات ورأي أن إستخدام مثل هذه الأشياء وقراءة كتب غير القرآن الكريم هو نوع من الوثنية (5).
أسهمت الظروف الإقتصادية المتردية في زيادة أتباع (محمد مروه) من العامة خصوصاً غير القادرين علي توفير ضروريات الحياة وتبع ذلك قيام الجماعة بسلسلة من أعمال العنف في مدينة (كانو) عجزت الشرطة عن مواجهتها مما أدي لتدخل الجيش وتنفيذ عمليات إعتقال وقتل بصورة موسعة ضد أفراد الجماعة وأفرزت هذه الأحداث عن مقتل (4,179) شخصاً وتدمير مئات المحلات والمنازل ومقتل زعيم الجماعة فسادت نيجيريا بعد ذلك حالة من الهدوء والإستقرار السياسي لفترة طويلة (6).
يعتقد باحثو الجماعات الإسلامية أن صعود جماعة بوكوحرام ماهو إلا تخليداً وإمتداداً لجماعة (مايتاتسين) وتجديداً وإتباعاً لتنظيم القاعدة الأم ،فبوكوحرام تتشابه في السمات والأفكار مع جماعة (مايتاتسين) فكلاهما نشأتا في شمال نيجيريا وزعيمي الجماعة (محمد يوسف) و (محمد مروه)لم يكملا تعليمهما الثانوى فـ(محمد يوسف) سافر الي تشاد والنيجر ليتعلم تفسير القرآن وفي اثناء وجوده في غرب افريقيا طور(محمد يوسف)أفكاراً معادية للغرب تشابه أفكار جماعة (مايتاتسين) وبعد عودته الي نيجيريا طور جماعة طائفية تعرف بـ(بوكوحرام) فتمكنت الجماعة من جذب أعداد كبيرة من الشباب في شمال نيجيريا وبدأ (محمد يوسف) دعوته بمهاجة علماء المسلمين المعاصرين له مثل (آدم ةجعفر، أباعاجي، يحي جنجيز) والدعوة بالخروج علي كل مؤسسات الدولة القائمة (7).
مع وصول (ساني أباتشا) إلي الحكم منتصف التسعينات حاول إضعاف الحكم الإسلامى في ولايات الشمال النيجيرى وبدأ بـ(سوكوتو) فأعتقل السلطان وعين خليفة موالياً له ،ووسط هذه التطورات بدأت النخبة المسلمة في الشمال النيجيرى تتحرك فأنقلب مجموعة من الشباب علي نظام الحكم ونجحوا في تطبيق الشريعة في 12 ولاية نيجيرية في الفترة من 1999م حتي 2002م وفي عام 2004م ظهر أول تعبير قوى للشباب المسلم في شمال نيجيريا وعبروا عن غضبهم من الفساد والتحلل الأخلاقي الذي ساد في ولايات الشمال تبع ذلك ظهور جماعة بوكوحرام كإفراز للسياسات الخاطئة في ولايات الشمال النيجيرى (8).
لقد أثارت العمليات القوية والمؤثرة التي تقوم بها جماعة (بوكوحرام) في نيجيريا قلق الكثيرين وعلي رأسهم الحكومة النيجيرية ودول الجوار إضافةً إلي الدول صاحبةِ المصالحِ الإقتصادية والنفطية في نيجيريا وذلك خوفاً من حدوث تحالف مستقبلي بين حركة الإصلاح بدلتا النيجر وجماعة بوكوحرام في الشمال النيجيري ؛مما قد يؤدي إلي عدم إستقرار الأوضاع الأمنية في مناطق إنتاج النفط حيث أن نيجيريا تمتلك أكثر من 2,6% من إحتياطات النفط العالمية ، وهو مادفع المراقبين للتعبير عن خوفهم من أن تتحول المنطقة إلي معقل للجماعات المسلحة مشيرين إلي أن الفساد المستشرى والفقر المدقع في غرب أفريقيا يوفران تربة خصبة لنمو الإرهاب،كما أن التصريح الأخير لزعيم الجماعة (أبوبكر شيكاو)بأن جماعة (بوكوحرام) إلتحقت بالقاعدة أثار المخاوف من أن تصبح المنطقة مأوي للتيارات الجهادية العابرة للقارات وبهذا الإلتحاق أصبح لتنظيم القاعدة ثلاث نماذج عالمية وهي:-
1-القاعدة الأم (المركزية):وهي التي أسسها أسامة بن لادن عام 1998م تحت مسمي الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين.
2-أفرع القاعد والتي نشأت بأمر مباشر من أسامة بن لادن ولها مثال وحيد وهوتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وهو الذي يرفع شعار (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب).
3-نماذج القاعدة وهي الأكثر إنتشاراً وشيوعاً في العالم حيث أن هذه النماذج ليس لها أي علاقة تنظيمية بالقاعدة الأم ؛وإنما ترتبط بتنظيم القاعدة أيدلوجياً وفكرياً فقط ،وتستلهم الفكر الجهادى من القاعدة وتري في زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن زعيماً روحياً لها ومن أشهر النماذج في أفريقيا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ، وحركة شباب المجاهدين بالصومال ، وجماعة بوكوحرام النيجيرية والتي أعلنت إلتحاقها بتنظيم القاعدة مع العلم أنه ليست هنالك علاقة مباشرة أو أي إتصال بينهم (9).
إن نماذج القاعدة غالباً - بما فيها بوكوحرام – تهدف من إعلان إلتحاقها بالقاعدة إلي محاولة كسب التعاطف والتأييد من المسلمين العاديين بصفة عامة والجهاديين بصفة خاصة ، نظراً للمكانة الخاصة التي يتمتع بها تنظيم القاعدة في أوساط المسلمين والذي يطرح نفسه كمدافع عن الإسلام والمسلمين ضد اليهود والصليبيين المعتدين ، وبالتالي تتمكن جماعة بوكوحرام من الحصول علي الدعم المادى والمعنوي من المسلمين المتعاطفين معها والموجودين في هذه المناطق والذين عانوا لسنوات من الإحتلال البريطاني ويرون فيه مثالاً للصليبيين الذين تتحدث عنهم القاعدة وبالتالي يساعدون ويدعمون أمثال هذه الجماعات ،ومن ناحية أخري فأن القاعدة الأم لا تنفي مثل هذه البيانات التي يعلن فيها إلتحاق مثل هذه الجماعات بها وذلك لكي تثبت لإعدائها أن لها قواعداً وأتباعاً في مناطق مختلفة من العالم وأنها صاحبة أذرع طويلة وقوية قادرة علي ضرب أعداء القاعدة في كل مكان وفي أي زمان؛وذلك في إطار إستراتيجية القاعدة الجديدة بعد مقتل زعيمها أسامة بن لادن وتولي (أيمن الظواهري) زعامة التنظيم وتقوم هذه الإستراتيجية علي مبدأ عالمية تنظيم القاعدة ويستخدم فية إستراتيجية جديدة ومتطورة هي إستراتيجية (الذئاب المنفردة) أو (الجنود التائهة) والتي تقوم علي أن أي مسلم في أي مكان وزمان يمثل جيشاً للمسلمين وهو مكلف بضرب أعداء الله والإسلام متي ما وجد ذلك مناسباً (10).
ب/الحركات المسيحية المناوئة لبوكوحرام:
تنتشر معظم الحركات المسيحية المتطرفة التي تميل إلي العنف في ولايات الحزام الأوسط بالشمال والولايات الجنوبية وولاية نهر كروس وغيرها، ومن أهم هذه الجماعات:
- المجلس المسيحي النيجيرى: أنشأ هذا المجلس عام 1930م وضم تسعة كنائس بروتستنية بهدف الحفاظ علي وحدة الكنائس العاملة وفي عام 1965م ضمت كنائس إنجيلية وكاثلوكية علي غرار جماعة نصرة الإسلام.
- الرابطة المسيحية النيجيرية :تأسست عام 1976م في لاجوس علي يد مجموعة من قيادات الكنائس وأتخذت الرابطة شكلاً عنيفاً ضد الإسلام وخلقت توتر بينها وبين جماعة نصرة الإسلام عام 1990م.
- حركة المولود من جديد: هي حركة مسيحية متطرفة ظهرت في أواسط السبيعينات من القرن العشرين بين الطلاب المسيحيين في الجامعات النيجيرية وكان أول إعلان عن إنشاء هذه الحركة ظهور شعار جديد في عيد المسيح ورفع شعار (المسيح هو الحل)، ويمكن إعتبار أن أعضاء الحركة لا يعترفون بالتسامح مع من يخالفهم الرأي سواء كانوا مسلمين أو مسيحين وحدثت توترات وإشتباكات بينها وبين الطلاب المسلمين داخل الجامعات النيجيرية عام 1987م.
- زمالة الطلاب المسيحيين:تأسست في (جبنديري) في لاجوس عام 1957م علي يد مجموعة من مدرسي مدارس الإرسالية السودانية المتحدة وهم من الأووربيين والأمريكيين ومن ثم إنتشرت هذه الزمالة في سائر أنحاء نيجيريا ، وطالبوا بإنشاء ولاية خاصة بهم في الشمال من تأثير تعمق الكراهية بينهم وبين الهوسا والفولاني المسلمين وكانوا طرفاً أصيلاً في التوتر بين المسلمين والمسيحيين خاصة في الإقليم الشمالي مع بداية القرن الواحد والعشرين خاصة في ولاية (كادونا) والتي تشكل بؤرةً للتوتر حتي الآن.
- الرابطة النيجيرية الأدورا:أنشأت هذه الرابطة عام 1868م وتضم في عضويتها أربع كنائس مستقلة وهي كنائس الرسولية وكنيسة شيروبيهم وسيرافيهم الرب أدورا ،وطوائف المصلين المتوسلين والتي لاتنتسب إلي أي كنائس وتقوم هذه الرابطة علي التوافق من خلال التطور السياسي للبلاد خاصةً بعد الإستقلال وتشارك معظم هذه الحركات والجماعات في العنف الديني وتهديد الإستقرار السياسي في الدولة النيجيرية (11).
المبحث الثاني:سياسة الحكومة النيجيرية تجاه جماعة بوكوحرام:
شنت جماعة بوكوحرام ما يقارب 265 هجوماً منفصلاً في الفترة من 2009م حتي عام 2014م ،وأدت هذه الهجمات لمقتل أكثر من ألف شخص ونزوح المئات من المواطنيين ، ورغم تركيز جماعة بوكوحرام هجماتها علي المناطق الشمالية إلا أن مراقبين يخشون إمتدادها للجنوب ومما يزيد المخاوف من تطور هجمات بوكوحرام هو إدخال الجماعة أسلوب العمليات الإنتحارية لنشاطاتها العنيفة ، لذلك إعتمدت الحكومة النيجيرية في تعاملها مع جماعة بوكوحرام علي سياسة (العصا)،مع الحديث عن خطط لإضافة (الجزرة) في تعاملها مع التمرد الملتهب الذي تقوده بوكوحرام ، وقد تنطوى سياسة (الجزرة) علي منح عفو عام عن أعضاء الجماعة في حال نبذهم للتشدد مع وجودأمل ضئيل بتحقيق ذلك نظراً للطبيعة الغامضة لأعضاء الجماعة (12).
لقد أبدت الحكومة النيجيرية رغبتها في إيجاد حل سياسي للتمرد من خلال التفاوض مع جميع المعنيين برئاسة السفير/عثمان كلتيمارى من أجل تحديد المظالم التي تطرحها الجماعة وتقديم التوصيات اللازمة بخصوص تحسين الظروف الأمنية في مناطق الشمال والشمال الشرقي النيجيري، ويمكن أن تشمل سياسة (الجزرة) معالجة قضايا الفقر والبطالة والظلم الإجتماعي والفساد المالي والأخلاقي من طرف الحكومة النيجيرية لأن هذه المشاكل تساهم في تغذية المظالم التي تشكل حافزاً قوياً للميل الي التشدد من قبل الشباب المسلم في الشمال النيجيري (13).
تتضمن سياسة (العصا) التي تستخدمها الحكومة النيجيرية للتعامل مع جماعة بوكوحرام إنشاء جهاز الأمن النيجيري قوات تعقب خاصة تسمي بـ(Joint Task Force) وتعرف أيضاً بقوة إعادة النظام أو(Operation Restore Order)،وتهدف خصيصاً للتصدي لجماعة بوكوحرام ونجحت هذه الفرقة في إلقاء القبض علي أحد أكبر أعضاء الجماعة وهو(علي صالح) وذلك في سبتمبر 2001م في مدينة مايدوغرى، ونجحت هذه القوة في إستخدام الحواجز العسكرية وفرض الحظر المؤقت علي الدراجات النارية ، وقد نحجت هذه القوات في قتل زعيم الجماعة ومؤسسها (محمد يوسف) في مسجد إبن تيمية ومعه 100 من مقاتليه فتولي بعدها (أبوبكر شيكاو) قيادة الجماعة. (14).
بعد تولي (ابوبكر شيكاو) زعامة الجماعة وضع هدفين لتحققهما الجماعة:
أولاً:تحرير أسري الجماعة لدي الحكومة.
ثانياً:الدفاع عن النفس وفي ذلك ذكر الإمام (شيكاو)أن الناس ثلاثة اصناف عند جماعته :الشرطة، الجنود المسلحون، المسيحيون وهؤلاء تستهدفهم بوكوحرام ،أما عامة الناس فقد أكد الإمام (شيكاو) أنهم لن يمسونهم بسوء. (15).
المبحث الثالث:أفكار وأهداف جماعة بوكوحرام والآثار والمعالجات المطروحة:
أ/الأفكار:
إن الملامح الفكرية لجماعة بوكوحرام ترتكز حول عدد من الأصول الفكرية أهمها العمل علي تأسيس دولة خلافة إسلامية في نيجيريا بالقوة المسلحة ،والدعوة إلي التطبيق الفورى للشريعة الإسلامية في جميع الولايات النيجيرية - وليس تطبيقها في الولايات الشمالية فقط - وكذلك عدم جواز العمل في الأجهزة الأمنية والحكومية في الدولة وترفض الجماعة بشدة التعليم الغربي والثقافة الغربية وتدعو إلي تغيير نظام التعليم في نيجيريا وتقوم أهم مبادئ وأفكار الجماعة علي التالي:
1-إثبات الحاكمية لله تعالي وحده وحرمة الديموقراطية لمضادتها للإسلام جملةً وتفصيلا، ويعتقدون أن الحكام المنتخبون عن طريق الديموقراطية كلهم كفار.
2-يعتقد أعضاء الجماعة أنهم (الفرقة الناجية) وبهذه القناعة يتحركون وأنهم يحيون روح الجهاد في نيجيريا وغرب أفريقيا.
3- تحريم التعليم في المدارس النظامية من الإبتدائية إلي الجامعة لعدة أسباب منها:
- أن المسيحيين والمنصرين هم الذين أسسوا هذه المدارس منذ البدء لتخدم أغراض أعداء الله.
- إنتشار الإختلاط الممزوج بالتبرج في الفصول والجامعات والقاعات وسوح المدارس والله تعالي يقول(وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي وأقمن الصلاة وأتين الذكاة وأطعن الله ورسوله) (16) ، ويقتضي الإختلاط وخروج المرأة إنتشار الفواحش كالزنا والسحاق.
- تعلم بعض المواد والأفكار والنظريات المضادة للدين نحو نظرية دارون في تطور الخلق والتي تخالف قوله تعالي (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم أنتم بشر تنتشرون) (17)، وكان مؤسس الجماعة (محمد يوسف ) قد سوغَ موقف جماعته من تعلم العلوم الغربية قائلاً:( التعليم الغربي يتعارض مع تعاليم الإسلام ، والعمل تحت الحكومات الديموقراطية حرام، سواء في الشرطة أو الجيش والجند والوظائف الميدانية والديوانية لأن ذلك من جملة الطاعة المطلقة لنظامها الكافر) (18)
ب/أهداف جماعة بوكوحرام:
نتيجة لدراسة وافية للمصادر المكتوبة بالإضافة إلي خطب ودروس أمراء الجماعة ومحاضراتهم في مواقع الإنترنت خاصةً (اليوتيوب) فأن هذه الجماعة تهدف لتحقيق الآتي :
1/تشكيل الدولة الإسلامية: تتطلب الدولة الإسلامية عند هذه الجماعة مقومات خاصة من أهمها الإمام الذي يقودها ويكون محركاً لشؤونها و(محمد يوسف) تمت له البيعة بالإمامة من قبل عناصر الحركة وله الحق في إعلان الحرب والسلام ، ولهذا الإمام نائب عام وهو (أبوبكر شيكاو) – أصبح قائداً للجماعة الآن – وأمين عام للجماعة هو (محمد نور) ، وللحركة مجلس شورى ينظر في الأمور الطارئة وكان (محمد يوسف) لا يحيد قيد أنملة عن ما يقرره مجلس الشورى فعندما أعلن مجلس الشورى الجهاد في نيجيريا أعلن (محمد يوسف) ذلك في محاضرة مشهورة تسمي(الرسالة المفتوحة للحكومة الديموقراطية) (19)
2/تشكيل منهج تربوي: التربية عند الجماعة تجمع بين التربية الروحية والبدنية أما التربية الروحية فتعتمد علي المسجد مسكناً؛ومدرسةً؛ومركزاً لقيام الليل؛وصيام النهار؛ وقراءة القرآن ؛ والأذكار؛ ويكرر عناصر الجماعة علي بعضهم ضرورة ترك الذنوب وكل ما يخدش المروءة ويسقط الأعراض ؛ وضرورة محاربة صالات السينما ؛ وشرب الخمور، والزنا ،والرياء ؛ والخمور؛ والحسد ؛ والكبر ، أما التربية البدنية فأنهم يربون أنفسهم علي الأنشطة المقوية للجسد ولهم جولة علي الأقدام يومياً بعد صلاة الفجر،ويدعوهم زعيمهم لإجادة الرمى والتصويب وسائر الأنشطة العسكرية والبدنية ، وكذلك خصصت الجماعة عناصر عسكرية مختصة بالتدريبات العسكرية في الفيافي والصحارى وترسل الجماعة عناصرها إلي أصحابهم وإخوتهم في العقيدة في البلدان المجاورة (20).
3/تشكيل منهج تعليمي: يعتمد منهج بوكوحرام علي الدروس المجلسية والمحاضرات وتعتبر ولاية (برنو) هي معقل الحركة الرئيسي ولهم فيها أربعة مجالس كبيرة هي :
- مركز إبن تيمية :كان محمد يوسف يلقي فيه دروسه يومي السبت والأحد.
- حارة دوكي:إتخذ فيها محمد يوسف مجلساً لتفسير القرآن كل يوم جمعة.
- مسجد فزان :كان يلقي فيه بعض الدروس وينوب عنه بعض الدعاة حال غيابه.
- مسجد مفوني : يلقون فيه المحاضرات العامة مرة أو مرتين في الشهر(21).
يركز أعضاء الجماعة علي بعض المقاطع من بعض الكتب التي تحض علي الجهاد وأهم هذه الكتب:
- تفسير القرآن الكريم.
- صحيح البخاري.
- رياض الصالحين ،الرسالة للقيرواني.
- كتاب التوحيد للشيخ :محمدبن عبد الوهاب(22).
كان من إعتناء زعيم الجماعة محمد يوسف بالدروس والخطب أنها شكلت شغله الشاغل علي مدار الأسبوع فعندما يفوته مجلس يذهب لمجلس آخر بمدينة أو قرية أخرى ،وتعتمد قيادات جماعة بوكوحرام علي فتاوى العلماء السابقين وكان من دأب زعيم الجماعة ذكر أسماء مراجع ومصادر فتاوى الجماعة مثل :فتاوى اللجنة الدائمة السعودية، كتب إبن القيم ، تفسير إبن كثير،وفتاوى بعض العلماء المعاصرين مثل :الألباني ،إبن باز ،إبن عثيمين وغيرهم ،ويظهر جلياً الإنتماء الروحي والفكري الأيدلوجي لجماعة بوكوحرام إلي تنظيم القاعدة في الإستشهاد بأقوال وأفعال قيادات القاعدة مثل: (أسامة بن لادن ) و (أيمن الظواهرى) و (أبو مصعب الزرقاوى) والذي وصفه محمد يوسف بالمجاهد (23).
تبنت الجماعة العديد من العمليات النوعية في نيجيريا أهمها:
- في يوليو 2009م إستخدم مقاتلو بوكو حرام دراجات بخارية محملة بالوقود وأقواس مزودة بأسهم سامة للهجوم علي مقر للشرطة في ولاية يوبه .
- في يناير 2010م قامت الجماعة بمهاجمة ولاية برنو النيجيرية مما أسفر عن مقتل أربة أشخاص.
- في 7سبتمبر 2010م سهلت بوكوحرام فرار 700 معتقل من سجن ولاية باوتشي.
- في 9ابريل 2011م ، تم تفجير مركز للشرطة في مايدغروى في 15 أبريل وأطلق الرصاص علي عدة أشخاص في حوادث منفصلة في نفس اليوم وإشتبهت الحكومة النيجيرية في جماعة بوكوحرام أنها وراء هذه الأحداث.
- في 20 أبريل 2011م قتلت بوكوحرام رجل دين مسلم ونصبت كمين لعدة أفراد من الشرطة في مايدوغرى ، وفي 22 أبريل أطلقت بوكوحرام سراح 14 سجين أثناء فرار السجناء في يولا بولاية أداماوا.
- في 8فبراير2011م وضعت بوكوحرام شروط لتحقيق السلام ، وطالبت بإقالة فورية (لعلي مودو شريف)حاكم ولاية بورنو، والسماح لأعضاء الجماعة بإستعادة مسجدهم فى مايدوغرى عاصمة ولاية بورنو.
- في 9 مايو 2011م رفضت بوكوحرام عرضاً للعفو قدمه الحاكم المنتخب لولاية بورنو (كاشيم شتيما).
- في 14 أبريل 2014م أختطفت الجماعة 276 فتاة من مدرسة ثانوية في ولاية برونو وقامت الجماعة بتحفيظهن القرآن الكريم وتزويج بعضهن من أعضاء بالجماعة، وقد فشلت كل محاولات الحكومة النيجيرية في الوصول إلي مكان تواجد الفتيات المختطفات حتي الآن (24).
ج/آثار جماعة بوكوحرام في نيجيريا والمحيط الإقليمي والمعالجات المقترحة:
أولا:الآثار:
أصبح وجود جماعة بوكوحرام موضع قلق محلي وإقليمي ودولي كبير في أعقاب الإنتفاضة التي قادها وقتل فيها زعيم الجماعة (محمد يوسف) عام 2009م، وبذلك فإن بوكوحرام تقدم وجهاً مرعباً للوضع القائم في شمال نيجيريا خصوصاً وغرب أفريقيا عموماً وجاء ذلك نتيجةً لفشل الحكومات النيجيرية المتعاقبة في حل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية في نيجيريا ،فعلي الرغم من أن نيجيريا تعتبر من أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم حيث تحتل المرتبة الأولي أفريقياً والمرتية الثالثة عشر عالمياً ،فإن تقديرات ومؤشرات التنمية البشرية ونوعية الحياة منخفضة جداً خصوصاً في الشمال النيجيرى الذي يمثل كتلة من الأمية والفقر والأمراض ،حيث تنخفض تقديرات التنمية البشرية في هذا الإقليم عن المعدلات النيجيرية الوطنية،فوصلت أمراض الكوليرا والطاعون التي تم القضاء عليها في كل العالم إلي مستويات وبائية في شمال نيجيريا خلال الشهور الأخيرة بالإضافة لظهور مرض الإيبولا مؤخراً ، كما تعاني معظم ولايات الشمال النيجيرى من إنتشار الأميه ففي ولاية بورنو لا يستطيع 95% من السكان القراءة والكتابة وأقل من 2% من السكان يحصلون علي الصحف ويبدو أن حكام الإقليم يستخدمون الجهل والأميه كسلاح سياسي ، وكان الإستعمار قد حرص علي منع إنتشار التعليم الغربي في الشمال لتجنب تهديد المتعلمين لمصالح الإقطاعيين الإستعمارية ، كما أدت ضربات الجفاف والتصحر التي إجتاحت الدول المجاورة لشمال نيجيريا خلال السنوات الأخيرة إلي إنهيار المجتمعات الزراعية في هذه الدول وزحف أعداد هائلة من اللاجئين نحو مدن الشمال النيجيرى الذي واجه تدمير مساحات زراعية واسعة ومن ثم وصلت أعداد العاطلين عن العمل الي ملايين الشباب، ومن ثم أصبح هؤلاء الشباب يمثلون مصدراً للتجنيد ضمن المنظمات المتطرفة في ظل إنتشار البطالة والأميه والإفتقار للمهارات،كما شهدت ولايات الشمال النيجيرى موجات من العنف قادتها جماعة بوكوحرام مع بداية رئاسة (إبراهيم بابانجيدا) الذي طبق برنامج التكيف الهيكلي فأدى إلي إلغاء إعانات الدولة وتحرير التجارة ثم القضاء علي الصناعات المحلية وخصوصا ً صناعات النسيج والمدابغ الكبرى في الشمال ومن ثم تناقصت فرض العمل نتيجة تطبيق برنامج التكيف الهيكلي ، هذا فضلاً عن تسيس نظام (بابانجيدا) للدين فالنظام كان موالياً للمسلمين في نظر المسيحيين وهذا ماأدي لسخط المسيحيين في الجنوب وقيام موجات عنف عقائدية بين المسلمين والمسيحيين، لقدأثرت جماعة بوكوحرام علي الواقع النيجيرى والإقليمي في النقاط التالية:
1/تهديد إتحاد الدولة النيجيرية بأكملها.
2/تهديد المصالح الغربية في نيجيريا خصوصاً المصالح الأمريكية التي تعتمد علي نيجيريا في توفير 8% من إستهلاكها النفطي وقد هددت الجماعة بإغتيال السفير الأمريكي في أبوجا(25).
3/صعود الإتجاهات المتشددة في نيجيريا وغرب افريقيا وذلك إثرَ نجاح بوكوحرام في إحداث خلخلة للأوضاع في نيجيريا في ظل بروز الظاهرة الدينية كجزء أصيل من العلاقات الدولية في السنوات الأخيرة (26).
4/قدمت جماعة بوكو حرام ذرائع سياسية وأمنية للتدخل الغربي في نيجيريا خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت مبادرة (مكافحة الإرهاب) في الساحل الأفريقي بهدف تدريب 150 مجنداً من مالي والنيجر وتشاد وبعدها أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية ايضاً مبادرة (مكافحة الارهاب عبر الصحراء) وتهدف لتدريب مزيداً من الجنود من عددٍ من الدول وتحقيق تبادل معلوماتي إستخباراتي أفضل (27).
5/توسع نشاط بوكو حرام في أفريقيا الوسطي بالإعتماد علي المرتزقة التشاديين عن طريق التدريبات في معسكرات للقاعدة المغربية في مالي فالمشروع الإقليمي لبوكوحرام لا يعتزم البقاء في نيجيريا فقط بل الإنتقال إلي المغرب والصومال ومالي وجنوب القارة السمراء.
6/إستفادت بوكوحرام وقوىَ موقفها في الساحة النيجيرية بعد سقوط نظام معمر القذافي فتدفق السلاح والمال الليبي إلي مختلف دول غرب أفريقيا خصوصاً نيجيريا،وتجلت قدرات بوكوحرام المالية والعسكرية في الحصول علي أسلحة نوعية مثل(صواريخ ارض جو وسام ،الاغام،قذائف مدفعية) هذا ماساعدها في التقدم والتطور كثيراً فإستطاعت الإستيلاء علي مدينة مايدوغرى في بداية سبتمبر 2014م ، ونتيجة لتحركات بوكوحرام النيجيرية أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية منظمة إرهابية.
7/إنتشار الأعمال غير المشروعة في نيجيريا وغرب أفريقيا وراء ستار بوكوحرام فأنتشر التهريب والقتل والخطف والتجارة الممنوعة (أسلحة ، مخدرات) وأصبح هنالك وسطاء بين أعضاء التنظيم وتجار السلاح والمخدرات (28).
ثانياً:المعالجات المطروحة:
1/تطبيق صيغة حكم تناوبية توافقية لتداول السلطة يجمع عليها النيجيريون والتي تكون في شكل تداول لرئاسة الدولة بين المسلمين والمسيحيين عبر فترتين رئاسيتين لكل منهما.
2/إعادة التوزيع العادل للسلطة والثروة ومكافحة مكامن الفساد والعمل علي تقليل نسب البطالة بين الشباب بطرح فرص للعمل وإنشاء مشروعات تنموية يكون للشباب دوراً مقدراً في تنفيذها.
3/تنفيذ إستراتيجية نيجيرية واضحة وشاملة لمكافحة التشدد تعالج المظالم والشعور بالتهميش الذي يستغله المتشددون في التجنيد ونشر الأفكار العنيفة والمعارضة للعلمانية في نيجيريا.
4/هزيمة جماعة بوكو حرام من خلال إستيعاب المطالب المجتمعية والدينية والأثنية وتوحيد الصف الوطني النيجيرى.
5/العمل علي حل المشكلات المزمنة التي يعاني منها المجتمع النيجيرى عامة ًوالمجتمع الإسلامي خاصةً وفتح أبواب التفاوض والحوار مع جماعة بوكوحرام التي أصبحت تستوعب أعضاءاً جدد نتيجة للفراغ السياسي والإقتصادي وحالة الإغتراب التي تعيشها ولايات الشمال نتيجة إخفاق مؤسسات الدولة في القيام بدورها في هذا الإقليم.
6/معالجة هياكل السلطة وتوفير قنوات شعبية ورسمية للتعبير عن التطلعات الإسلامية المحلية في إطار نيجيريا الموحدة.
7/العمل علي إستغلال ثروات البلاد بما ينعكس إيجاباً علي حياة جميع المواطنين (29).
المبحث الرابع:موقف علماء أهل السنة والجماعة من بوكوحرام ومثيلاتها:
تعودأفكار جماعة بوكو حرام الي عقائد وأفكار تنظيم القاعدة الذي يرتكز علي الأفكار التالية:
أ/نظرية الجهاد الإسلامي العالمي: وهي فكرة (عبد الله عزام) الأب الروحي لأسامة بن لادن وتقوم الفكرة علي إعتبار أن أساس قوة الإسلام العالمي يجب أن يرتكز في أرض إسلامية واحدة وأنه بالجهاد يمكن النصر علي الكافرين المعتدين ؛ وإقامة دولة الإسلام وتحريرها (أفغانستان) وبعد ذلك الأنتقال لأرض إسلامية أخري توجد بها نفس الظروف (فلسطين) ومن ثم الوصول الي تحرير كل الأراضي الإسلامية وإقامة الخلافة الإسلامية والتي تبدأ من أندونيسيا في الشرق حتي أسبانيا في الغرب (30).
ب/السلفيه الجهادية: تشكل السلفيه الجهادية الأساس الفكرى للقاعدة وغيرها من الجماعات المتشددة في العالم ، وهي محاولة للموافقة بين السلفية والحنبلية وفكر سيد قطب (الجهادى) والسرورية - القائمة علي محاولة التوفيق بين بعض أفكار الأخوان المسلمين والسلفية- هذه المحاولة التوفيقية لها نسق فكرى متمايز يجمع بين الطابع العقدى السلفي والطابع السياسي القطبي. (31).
ج/فتوى أهل ماردين: إستند تنظيم القاعدة والتيارات المشابهة له في إباحة قتال الحكام المسلمين الي فتوي الإمام إبن تيمية في أهل ماردين المشهوره بـ(فتوى التتار) ،لكن نُقاد هذه الفتوى يرونها تتناقض مع فتاوى إبن تيمية نفسه الذي يري عدم جواز الخروج علي الحكام المسلمين حيث يقول في الفتاوي:(والصبر علي جور الأئمه أصل من أصول السنة والجماعة ) (32).
د/ مفهوم التَترُسُ: تستند التنظيمات الجهادية المتشددة علي قاعدة التترُسُ ؛أي جواز قتل المسلم إذا تترس به الكافر، كأساس شرعي لتبرير بعض العمليات العسكرية أو الإنتحارية التي يترتب عليها قتل بعض المسلمين ؛ غير أن الكثير من العلماء يري أن هذا المفهوم غير صحيح للجوانب التالية:
- أن التترُسُ لا يكون إلا في حالة الحرب(الإشتباك العسكري المباشر).
- أن من أباحه جعل له شروطاً لاتنطبق علي هذه العمليات فلا بد أن تكون المصلحة منه:
1/ضرورية (أي لا يحصل الوصول للكافر إلا بقتل المسلم).
2/كلية(أي عدم قتل الترس يترتب عليه أن يستولي الكفار علي كل الأمة).
3/القطعية (أن تكون المصلحة حاصلة قطعاً) (33).
هـ/مذهب إيجاب قتال غير المسلمين(إطلاقاً): إستند تنظيم القاعدة إلي هذا المذهب الذي يقوم علي إيجاب قتال غير المسلمين إطلاقاً ؛ وغزو العالم لنشر الدعوة وهو مذهب (سيد قطب) في تفسير سورة التوبة في كتابه (في ظلال القرآن) ،ومذهب تقي الدين النبهاني - مؤسس حزب التحرير - في قوله:(إن رسول الله صلي الله عليه وسلم في قوله وفعله يدلل دلالة واضحة علي أن الجهاد هو بدء الكفار بالقتال لإعلاء كلمة الله ونشر الإسلام ) ،غير أنه يربط ذلك بشرط قيام دولة الخلافة ، ويري الكثير من العلماء أن هذا المذهب مبني علي أخذ مذاهب الفقاء الذين بنوا إجتهاداتهم حسب واقعهم وهو واقع دولة غير ثابتة الحدود متعددة الشعوب والقبائل ، دون مراعاة واقعنا واقع إكتمال تكوين الأمم وإنتهاء طور القبلية – إلا ما شذ – وما أفرزته من دول ثابته الشعوب والحدود ، ويخالف إبن تيميه هذا المذهب بقتال الجميع بمجرد الكفر بقوله:(وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، فمن منع هذا قٌوتلَ بإتفاق المسلمين وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمي وغيرهم ، فلا يقتل عند جمهور العلماء ألا أن يقاتل بقوله أو فعله) ، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالاً للمسلمين والأول هو الصواب لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله تعالي كما قال تعالي(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) (34).
أما في السنة النبوية فقد مرَ النبي الكريم صلي الله عليه وسلمَ علي إمرأة مقتولة فقال:(ما كانت هذه لتقاتل)، وقال لأحد أصحابه :( إلحق خالداً فقل له لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً) وفيها أيضاً قال النبي الكريم صلي الله عليه وسلم :(لاتقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا إمرأة) ، وذلك لأن الله أباح من قتل النفوس مايحتاج إليه في صلاح الخلق فقط (35).
و/فتوي جواز قتل الأمريكيين وحلفائهم: وهي فتوي صدرت عام 1998م من الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين ،وطبقاً لهذه الفتوى فأن تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات المشابهة يجيز قتل المدنيين من الأعداء وحلفائهم وهذه نقطة خلاف كبيرة بين فتوى القاعدة والجماعات الإسلامية المعتدلة التي ترى الحرمة القطعية لقتل المدنيين الكفار وهذه الدلالة القطعية في قوله صلي الله عليه وسلم برواية أنس بن مالك أن النبي الكريم صلي الله عليه وسلم بعث جيشاً فقال:(أنطلقوا بإسم الله ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا إمرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) (رواه أبو داؤود في السنن)، فضلاً عن إتفاق جل الفقاء علي حرمة قتل المدنيين ومن لم يكن من أهل المقاتلة والممانعة بتعبيرهم (36).
إذن إن جماعة بوكوحرام هم من الخوارج الغلاة وقد جمعوا بين الغلو والبغي والعدوان وسفك الدم الحرام وعليهم وعلي أمثالهم يحمل ما صح عن النبي الكريم صلي الله عليه وسلم في الخوارج في قوله (الخوارج كلاب أهل النار) (37) وقال صلي الله عليه وسلم (سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان – أي صغار السن – سفهاء الأحلام ،يقولون من قول خير البرية ، لا يُجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ،فأينما لقيتموهم فأقتلوهم ،فإن في قتلهم أجرأ لمن قتلهم يوم القيامة) متفق عليه (38) ، وقال صلي الله عليه وسلم: (سيكون في أمتي إختلاف وفرقة،قوم يحسنون القيل ويسئون الفعل ،يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ،يمرقون من الدين مروق السهم من الرميه ، لا يرجعون حتي يرتد السهم علي فوقه ،هم شر الخلق والخليقة ،طوبي لمن قتلهم وقتلوه ، يدعون الي كتاب الله وليسوا منا في شيئ ، من قاتلهم كان أولي بالله منهم قالوا: يارسول الله ما سيماهم؟قال:التحليق ،-أي جذ الشعر من أصوله-) (39) وقال النبي الكريم صلي الله عليه وسلم: (هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي) (40) ، وروي عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: (سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول :يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليس قراءتكم الي قراءتهم بشيئ ولا صلاتكم إلي صلاتهم بشئ ،ولا صيامكم إلي صيامهم بشيئ يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم،لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) رواه مسلم (41).
وعن يُسير بن عمرو قال : قلت لسهل بن أحنف :هل سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئاً قال:سمعته يقول وأهوي بيده قبل العراق :(يخرج قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يخرج السهم من الرمية) متفق عليه (42)،وقال النبي الكريم صلي الله عليه وسلم :(يتعمقون في الدين حتي يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية)، وقال إبن عمر: (إنهم إنطلقوا الي آيات نزلت في الكفار فحملوها علي المؤمنين فأخرجوا عليهم أحكام الكافرين وعاملوهم معاملة الكافرين ) البخاري (43).
إن النصوص السنية النبوية السابقة تدل بصورة واضحة ماهية هذه الجماعة ومثيلاتها فهي جماعة تعتنق فكر الخوارج والنصوص النبوية فيها واضحة ، فلا يجب أن ينقادَ ورائهم أحد ويظن أنه يقاتل في سبيل الله فالقتال لا يكون في سبيل الله إلا إذا كان خالصاً لوجهه الكريم وليس لكسب سلطة أو مال أو جاه أو منصب وتحت راية حاكم مسلم يعلن الحرب وبوجود دولة إسلامية بالضوابط الشرعية التي حددها القرآن الكريم وسنة النبي الكريم صلي الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون ،أما من قاتل علي البدعة والأهواء وخرج علي الحكام وقتل الأبرياء وخطفَ وسرقَ ونهبَ مثل جماعة بوكوحرام ومثيلاتها فهو ضآلٌ خارج عن الإسلام كما يخرج السهم من الرمية أوكما قال النبي الكريم صلي الله عليه وسلم (44).
المبحث الخامس :مستقبل جماعة بوكوحرام في نيجيريا وغرب أفريقيا:
يبقي وجود جماعة بوكوحرام في المستقبل تحدياً أمنياً كبيراً رغم الإنجازات المتواضعة التي حققتها الحكومة النيجيرية فالمتابع لنشاطات الجماعة يلاحظ أنها تستند إلي ثلاث دعائم تقوي موقفها في الساحة وهي:
أولاً:الدعم المالي الكبير الذي تتلقاه الجماعة من السياسيين وبعض الأغنياء والذي يؤمِن إستمرار عمليات الجماعة وتوفير ما تحتاجه من سلاح وتدريب وتعويضات لمن يصابون أثناء تنفيذ عملياتها وكذلك أقارب الإنتحاريين من الجماعة.
ثانياً:التأثير الفكرى الكبير لمنظرى الجماعة الذين يقومون بالتأطير والتنظير الفكرى لأعضاء الجماعة وإستغلال علاقتهم مع التنظيمات الخارجية الموصوفة من طرف بعض الجهات بالإرهابية كحركة الشباب الصومالية وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من أجل كسب مجندين جدد.
ثالثا: العدد الكبير من الأتباع والمجندين من أطفال (الماجيرس) والأطفال الفقراء من الدول المجاورة مثل الكاميرون وتشاد والنيجر الذين يعبرون بسهولة الحدود النيجيرية(45).
بالنظر إلي هذه الركائز والبعد العسكرى المتطور للجماعة والتعامل الأمني للحكومة النيجيرية مع هذه الجماعة ،فإنه من المتوقع توسع أهداف الجماعة لتشمل مناطق خارج الشمال النيجيرى ،إن نماذج القاعدة وبوكوحرام قابلة للزيادة مادام الفقر والبطالة والفساد وعدم وجود عدالة في توزيع الثروات والسلطات ، وعدم قيام رجال الدين الإسلامي بمهامهم علي الوجه الأكمل ببيان وجه الإسلام الحقيقي وتوضيح فقه الجهاد للمسلمين بصورة جلية ،إضافة إلي الإنتهاكات الصارخة التي تمارسهاحكومات بعض الدول تجاه مواطنيها ومعارضيها كل تلك المؤشرات توضح أن أفريقيا موعودة بتنامي هذه التيارات الإسلامية الجهادية المتشددة خاصة المناطق التي بها صراعات دينية ،كل ذلك في ظل إلهـام فكر تنظيم القاعدة لأى جماعة إسلامية عنيفة تريد أن تحقق أهدافها بالقوة المسلحة مما يسهل إنتشار مثل هذه النماذج في أفريفيا (46).
الخاتمــة:
إن صعود جماعة بوكوحرام كان تعبيراً عن مجموعة من المشكلات المحلية المرتبطة بالواقع التاريخي والأثني والإقتصادي والسياسي في شمال نيجيريا أكثر من أنه صراعاً دينياً أو مطالبة لجماعة بوكوحرام بتطبيق الشريعة الإسلامية في كل ولايات الشمال بل أنه يعتبر محاولة لتأكيد الهوية الدينية لهذا الإقليم في ظل حالة التهميش الذي يعانيه سكان الإقليم الشمالي؛ والتي تعود إلي عقود خلت،إلا أن الأساليب التي إعتمدتها الحكومة النيجيرية في التعامل مع الصراعات الطائفية في مواجهة بوكوحرام عكست حالة الضعف وسوء التخطيط التي تتسم بها الحكومة النيجيرية ،مما زاد جماعة بوكوحرام إصراراً علي مواصلة عملياتها ضد مؤسسات الحكم والكنائس بل وأعلنت تضامنها مع تنظيم القاعدة وإنضمامها له لاحقاً مما فتح مجالاً للتدخلات الخارجية خاصة الأمريكية والأوروبية في شؤون نيجيريا وفي إقليم غرب أفريقيا ككل.
إن الحلول لمشكلة جماعة بوكوحرام تتمثل في إعادة صياغة أساليب التعامل معها ومثيلاتها من الجماعات التي تستخدم العنف في مواجهة المظالم التاريخية علي أن لا تكون الوسيلة الأمنية هي الطريقة الوحيدة لمعالجة الأمر بل لابد أن تفتح الدولة قنوات الحوار الديني والإجتماعي والسياسي مع هذه الجماعة وفي نفس الوقت محاولة إستعادة الإستقرار في الشمال؛ من خلال فتح باب المشاريع التنموية وزيادة الإستثمارات التي توفر فرص العمل لشباب الإقليم مع إستحداث قنوات للتعبير والتثقيف أمام هذا الشباب حتي لا يكون فريسة سهلة للتجنيد داخل هذه الجماعات المتطرفة ، بالإضافة للعمل علي زيادة فرص التعليم في الإقليم وإنشاء الجامعات والمعاهد والمدراس حتي ينشأ جيل من الشباب يؤمن بأفكار الإسلام السمحة ويدرك معاني قوله تعالي: (لكم دينكم ولي دين) ، وأنه (لا إكراه في الدين) ، ويدرك معاني قوله تعالي:(ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها)،كما ينبغي لجماعة بوكو حرام أن تقبل الحوار والتفاوض مع الحكومة النيجيرية حتي تجنب المسلمين التهديدات الأمنية والإنسانية وتجنب الدولة النيجيرية ودول إقليم غرب أفريقيا مخاطر التفكك والتدخل الخارجي .
النتائـج:
1/يعاني الشباب النيجيرى من ضعف ديني وخواء فكرى أدي الي إنقياده وراء الجماعات المتشددة نتيجة لعدم معرفة الشباب لتعاليم الإسلام السمحة البعيدة عن المغالاة والتشدد والقائمة علي المحبة والوسطية.
2/إن فهم سلف الأمة لقضية الجهاد فهم مبني علي الكتاب والسنة الصحيحة فالإسلام لا يجبر أحداً الدخول فيه ويحرم قتل الكفار بصورة مطلقة .
3/نجحت الأنظمة السياسية في إستخدام فزاعة الإسلام السياسي لتمرير أجندتها الخاصة في سوريا (داعش) ،نيجيريا(بوكوحرام) ، وسوف تستمر هذه الفزاعات في النمو والإنتشار.
4/هنالك إرتباط أيدولوجي روحي وثيق بين جماعة بوكوحرام وتنظيم القاعدة الأم، وليس هنالك علاقة إتصالية مباشرة بين الجماعتين.
5/تعتبر إستراتيجية الذئاب المنفردة او الجنود التائهة من أحدث النظريات الأمنية في التعامل مع ملف الإرهاب الدولي ، وتعتبر هذه الإستراتجية جزءاً من مرحلة (الجهاد المفتوح المصدر) وهي مرحلة ما بعد مقتل أسامة بن لادن.
6/تعمل جماعة بوكو حرام وفق إستراتيجية واضحة تعبر عن ميولها العالمية تسعي للأنتقال التدريجي من تنظيم محلي نيجيرى الي تنظيم أقليمي أفريقي وصولاً الي تنظيم عالمي تحت راية القاعدة الأم.
التوصيـات:
1/ ضرورة معالجة المشكلات الأمنية والإقتصادية والإجتماعية بصورة مترابطة وهذا يعد أمراً حيوياً للقضاء علي العنف وتحقيق الإستقرار السياسي والإجتماعي في نيجيريا.
2/بناء ثقافة تُعلي من شأن الإنتماء الوطني عن دونها من الإنتماءات وأن يستخدم في ذلك أدوات مختلفة لبناء الثقافة الوطنية النيجيرية منها الأدوات التعليمية والإعلامية مما يؤدي لرفع الحس الوطني النيجيرى.
3/الدفع بقيادة وطنية صالحة يتوافق عليها النيجيريون بمختلف أطيافهم وأن تمتلك هذه القيادة وإستراتيجيات واضحة المعالم لبناء مستقبل نيجيري زاهر.
4/ترقية الخطاب الديني الإسلامي والمسيحي ونقله من براثن التعبئة الطائفية إلي مَراقي السماحة الإسلامية والمسيحية حتي يصل المجتمع النيجيرى الي مرحلة التعايش السلمي الإجتماعي و الديني.
5/علي جماعة بوكوحرام أن تقبل التفاوض مع الحكومة النيجيرية حتي تجنب المسلمين التهديدات الأمنية والإنسانية وتجنيب المنطقة مخاطر التدخلات الأجنبية.
قائمة المصادروالمراجـع:
أولاً: القرآن الكريم.
ثانياً:السنة النبوية.
ثالثاً: الكتب والدراسات والدوريات ومواقع الإنترنت:
(1)روبي محمد عبد العال، شريف محمد علي البربري، الصراع الديني وتأثيره علي الحياة السياسية في نيجيريا، المجلة الأفريقية للعلوم السياسية ، رسالة تمهيدي ماجستير ،معهد البحوث والدراسات الأفريقية،ص35،منشورة إلكترونياً علي الموقع:http:www.bchaibnet/mas/index.php?option
(2) نفس المرجع ، ص62.
(3) نفس المرجع ، ص 70.
(4)إبراهيم نصر الدين، دراسات في النظم السياسية الأفريقية، الجيزة ،دار إكتشاف،2010م ص28.
(5)نفس المرجع، ص33.
(6)صبحي قنصوة ، الدين والسياسة في نيجيريا ، القاهرة ، برنامج الدراسات المصرية الأفريقية،2004م،ص36.
(7)إبراهيم نصر الدين ، مرجع سبق ذكره، ص41.
(8)صبحي قصنوة ، مرجع سبق ذكره، ص53.
(9)أميرة محمد عبد الحليم ،نيجيريا إستعادة الإستقرار، الديموقراطية ، القاهرة، يوليو2011م،ص65.
(10)نفس المرجع ،ص 71.
(11)صبحي قنصوة،مرجع سبق ذكره، ص80.
(12)إبراهيم نصر الدين ، مرجع سبق ذكره،ص 55.
(13)أميرة محمد عبد الحليم ،مرجع سبق ذكره، ص79.
(14)أحمد مرتضي ،جماعة بوكو حرام نشأتها ومبادئها وأعمالها في نيجيريا،مجلة قراءات أفريقية،موقع متخصص في شؤون القارة الأفريقية،الموقع الألكتروني:http:www.qiraatafrican.com
(15) جيهان مصطفي ، بوكوحرام كابوس أوباما في نيجيريا ، موقع المحيط علي الأنترنت:
http:moheet.com/show-files.aspx?fid=332544
(16)سورة الأحزاب، الايه33،ص422.
(17)سورة الروم، الايه 20،ص406
(18)أميرة محمد عبد لحليم، مرجع سبق ذكره، ص85.
(19)صبحي قنصوة،مرجع سبق ذكره،91.
(20)نفس المرجع،ص93.
(21)مقال بعنوان:طالبان الجزائر تمد يدها الي طالبان نيجيريا ،الموقع الألكتروني:
http:alqanat.com/news/shows/news.asp?id=115110
(22)نفس المرجع.
(23)ناصر الصرامي ،مقال بعنوان ، أكبر تشويه تاريخي للإسلام يقوده إسلاميون،14/5/2014م،معهد الميثاق ، الموقع الالكتروني:http:www.almethaq.info/news/article10504.htm
(24)نفس المرجع.
(25)مجلة السياسة الدولية، التحليل الآن ، مقال بعنوان ، مستقبل جماعة بوكوحرام في شمال نيجيريا، الموقع الألكتروني:http:www.siyassa.org/ai/front/lner/print
(26)جماعة بوكو حرام ،موقع ويكيبيديا ،الموسوعة الحرة، الموقع الإلكتروني:
http:www.wikipedia/w/index.php
(27)نفس المرجع.
(28)تقرير لإذاعة البي بي سي العربية،إتساع نطاق هجمات المتشددين الإسلاميين في نيجيريا، الموقع الإلكتروني:
http:bbc.co.uk/Arabic/world news/2009/07
(29)أميرة محمد عبد الحليم، صعود جماعة بوكوحرام الأسباب والمعالجات، ملف الأهرام الإستراتيجي، موقع الاهرام الرقمي:http:www.digital.ahramorg.eg/article.asp
(30)نفس المرجع.
(31)عبد الله النغيشمي، جماعة بوكوحرام -نظرةإسلامية-، موقع الحياة، الأحد 25/مايو/2014م،الموقع الالكتروني:http:alhayat.com/opinion-alng.him/25852006
(32)تقرير دولي يحذر من تزايد مخاطر بوكوحرام في أفريقيا،جريدة الشرق الأوسط،27/يناير2012م
(33)ناصر الصرامي ،مرجع سبق ذكره.
(34)سليمان عبد الستار خاطر،المسلمون في أفريقيا ،دراسة إحصائية،منارات أفريقية، الموقع الالكتروني:
http:islam4africa.net/index/php/manarat/index
(35)نفس المرجع.
(36)نفس المرجع.
(37)صحيح سنن إبن ماجه،ص143
(38)فريدوم أوناها ،بوكوحرام وتجليات العنف الديني في نيجريا، الأثنين 27/فبراير/2012م،الساعة 11:34 ،بتوقيت السودان،الموقع الالكتروني:http:studies.aljazeera.net/reports/2012/02/214
(39)رواه أبوداؤود،مشكاة المصابيح:3543
(40)إبن حجر ، الفتح،إسناده حسن 12/2298
(41)أخرجه احمد وغيره،صححه الشخ ناصر في كتاب (السنة)لابن ابي عاصم.
(42)أميرة محمد عبد الحليم ،الغرب الافريقي :نيجريا بين الداخل الديني والخارج النفطي،السياسة الدولية،الموقع الالكتروني:http:digital.ahram.org.eg/artcal
(43) سليمان عبد الستار خاطر،مرجع سبق ذكره.
(44)صبري محمد خليل ، تنظيم القاعدة :نشأته وأصوله الفكرية والمواقف المتعدده منه، موقع سودانيل:
http:www.sudanile.com/index/php/2008/5/1/17
(45)نفس المرجع .
(46)نفس المرجع.
والله ولي التوفيق
السبت, 11 أكتوبر 2014 23:24
المقدمـــة:
نتيجة إنحسار سيطرة الدولة الإسلامية علي العالم الإسلامي منذ القرن العشرين الميلادي ، كثر إنبثاق الجماعات الإسلامية المتشددة وأصبح ذلك من سمات القرن الواحد والعشرين الميلادي، يهدف هذا البحث لتقديم قراءة واعية لجماعة أهل السنة والجهاد المشهورة بـ(بوكوحرام)،والتي تعني بلغة الهوسا (التعليم والتربية الغربية حرام)، ويهدف البحث أيضاً لإيضاح أسباب نشأة هذه الجماعة وأهم الأفكار والأهداف والآثار والمعالجات لظاهرة صعود هذه الجماعة علي الساحة النيجيرية خصوصاً وغرب أفريقيا عموماً.
تقود جماعة بوكو حرام أوسع حملة لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين علي الإطلاق في نسخة قديمة متجددة من التطرف تزداد عنفاً ودموية يوماً بعد يوم ،جماعة بوكو حرام التي أسسها الشاب(محمد يوسف)؛جذبت الشباب العاطلين عن العمل والذين يعانون فراغاً روحياً وخواءاً فكرياً ؛ وبعيداً عن جدل التوظيف السياسي تعتبر جماعة بوكو حرام نسخة أفريقية لتنظيم القاعدة الأم بل لقد تجاوزت هذه الجماعة كل الحدود ورسم صورة قاتمة وتدميرية للإسلام في أذهان الآخرين .
بسم الله الرحمن الرحيم
جـمهورية السـودان
وزارة التعـليم العـالي والبحث العـلمي
جامـعة نيـالا
مركز أبحــاث ودراسات السلام
ورقة علمية مقدمة للنشر بمجلة رؤي إستراتيجية بعنوان:
الأبعاد الفكرية والعقائدية للجماعات الإسلامية الجهادية المتشددة (بوكوحرام النيجيرية نموذجاً).
إعداد :أ/محمد ضياء الدين محمد أحمداي أحمد.
محاضر – مركز أبحاث ودراسات السلام – جامعة نيالا
المستخلص:
إنَ الصراعَ الديني الموجودْ في نيجيريا نتجَ عن شعورِ المسلمين الشماليين بالتهميش من قِبل الطائفة المسيحية الجنوبية التي تحظى بالسلطة والثروة في نيجيريا ،ينطلق البحث من فرضية أساسية وهي أن الفراغ الروحي والخواء الفكري الذي يعاني منه الشباب النيجيرى هو السبب الأساسي لظهور جماعة بوكوحرام ونجاحها ، يوضح البحث ويفسر ظاهرة العنف الديني في نيجيريا وأن الدولة النيجيرية تعاني من أزمة في الإندماج الوطني حيث تعلو الولاءات الإثنية والجهوية علي الولاء للوطن.
يستخدم البحث المنهج التاريخي للرجوع لأسباب نشأة جماعة بوكو حرام، والمنهج التحليلي الوصفي لتناول ظاهرة الصراع الديني في نيجيريا من خلال دراسة المتغيرات المختلفة التي أدت إلي نشأة هذا الصراع كمدخلات في إطار تفاعلات سياسية تجرى في بيئة داخلية وإقليمية ودولية.
توَصلَ البحث لأهم النتائج أن الفراغ الروحي والضعف الديني والخواء الفكرى هو السبب الرئيسي وراء تنامي ظاهرة بوكو حرام ، وأن فهم سلف الأمة لقضية الجهاد يحرم قتل الكفار مطلقاً ، يوصي البحث بمعالجة المشكلات الأمنية والإقتصادية والإجتماعية حتي يتحقق الإستقرار في نيجيريا ، ويوصي البحث أيضاً بضرورة بناء ثقافة ترفع من شأن الإنتماء الوطنى عن دونها من الإنتماءات .
Abstract:
The religious conflict existing in Nigeria resulted in a sense of Muslim northerners marginalized by the Christian community South, which has the power and wealth in Nigeria, stems search of a basic premise is that the spiritual emptiness and intellectual vacuity suffered by the young Nigerian is the main reason for the emergence of a group Bokouhram and success, research shows and explains the phenomenon of religious violence in Nigeria and the Nigerian state to suffer from a crisis in the national integration as above ethnic and regional loyalties to loyalty to the homeland. Find historical method used to return to the reasons for the emergence Boko Haram, descriptive and analytical approach to address the phenomenon of religious conflict in Nigeria through the study of the different variables that led to the genesis of this conflict as inputs in the framework of political interactions takes place in an environment of internal, regional and international. The research found the most important results that spiritual emptiness and weakness religious and intellectual vacuity is the main reason behind the growing phenomenon of Boko Haram, and that the understanding of the nation's predecessor to the cause of jihad prohibits the killing of infidels never, recomme
المقدمـــة:
نتيجة إنحسار سيطرة الدولة الإسلامية علي العالم الإسلامي منذ القرن العشرين الميلادي ، كثر إنبثاق الجماعات الإسلامية المتشددة وأصبح ذلك من سمات القرن الواحد والعشرين الميلادي، يهدف هذا البحث لتقديم قراءة واعية لجماعة أهل السنة والجهاد المشهورة بـ(بوكوحرام)،والتي تعني بلغة الهوسا (التعليم والتربية الغربية حرام)، ويهدف البحث أيضاً لإيضاح أسباب نشأة هذه الجماعة وأهم الأفكار والأهداف والآثار والمعالجات لظاهرة صعود هذه الجماعة علي الساحة النيجيرية خصوصاً وغرب أفريقيا عموماً.
تقود جماعة بوكو حرام أوسع حملة لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين علي الإطلاق في نسخة قديمة متجددة من التطرف تزداد عنفاً ودموية يوماً بعد يوم ،جماعة بوكو حرام التي أسسها الشاب(محمد يوسف)؛جذبت الشباب العاطلين عن العمل والذين يعانون فراغاً روحياً وخواءاً فكرياً ؛ وبعيداً عن جدل التوظيف السياسي تعتبر جماعة بوكو حرام نسخة أفريقية لتنظيم القاعدة الأم بل لقد تجاوزت هذه الجماعة كل الحدود ورسم صورة قاتمة وتدميرية للإسلام في أذهان الآخرين .
مشكلة البحث:
تتمثل إشكالية البحث في التعرف علي أسباب الصراع الديني ومدي إنعكاس تحركات جماعة بوكوحرام علي الإستقرار السياسي في نيجيريا ، وإقحام الإثنيات في الصراع الديني والدور السالب للنخب النيجيرية في هذا الصراع ومدي تأثير ذلك مستقبلاً علي وحدة الدولة النيجيرية.
أسئلة البحث:
1/هل للضعف الديني والفراغ الروحي والخواء الفكرى دوراً في إنتشار فكر بوكوحرام ومثيلاتها؟
2/علي ماذا تقوم الفكرة الأساسية لجماعة بوكو حرام؟
3/كيف تستخدم الأنظمة السياسية الجماعات المتشددة لصالح مصالحها السياسية؟
4/هل هنالك علاقة وإمتداد مباشر بين أفكار جماعة بوكوحرام وأفكار تنظيم القاعدة؟
5/كيف تطورت إستراتيجيات الجمعات المتشددة في مواجهة ملاحقة وكالات الإستخبارات العالمية؟
فرضيات البحث:
1/إن الضعف الديني والفراغ الروحي والخواء الفكري الذي يعاني منه الشباب النيجيرى هو السبب الأساسي وراء تنامي وصعود جماعة بوكو حرام ومثيلاتها من التنظيمات المتشددة.
2/ تقوم جماعة بوكوحرام علي الفكرة السلفية الجهادية بفهم غير صحيح يعتمد علي التكفير ، والخروج علي الحكام،والقتل غير المبرر لكل من يخالفهم الرأي.
3/ باتت التنظيمات الإسلامية المتشددة تستخدم كـ(فزاعة) لتخويف الغرب وزريعةً للأنظمة السياسية لقتل وتعذيب وتنكيل خصومهم السياسين والإجتماعيين.
4/تعتبر جماعة بوكوحرام إمتداداً ذو أبعاد أكثر وحشيةً وتطرفاً ودمويةً لتنظيم القاعدة الأم الذي ضعف وقارب علي الإنهيار بعد مقتل زعيمة أسامة بن لادن.
5/تتطور إستراتيجيات الجماعات المتشددة تبعاً لتطور وتغيير إستراتيجيات وكالات الإستخبارات العالمية _ خصوضاً الأمريكية _ فطورت إستراتيجية (الذئاب المنفردة ) أو(الجنود التائهه) في تطور متلازم مع تحركات وكالات الإستخبارات العالمية للقضاء علي هذه الجماعات.
منهجية البحث:
يستخدم البحث المنهج التاريخي للرجوع للخلفية التاريخية لنشأة جماعة بوكوحرام ، والمنهج التحليلي الوصفي لتحليل المتغيرات المختلفة التي أدت إلي نشأة هذا الصراع والآثار المترتبة عليه ، والوصول للحلول والمعالجات.
أهداف البحث:
1/التعرف علي سكان نيجيريا وتقسيماتهم الدينية والقبلية.
2/بيان تأثير التنوع الإثني في نيجيريا علي الإستقرار السياسي للدولة النيجيرية.
3/الرجوع لنشأة جماعة بوكوحرام ومدي تأثرها بنشأة جماعة ميتاستين ومعرفة السياسة النيجيرية تجاه الجماعة.
4/بيان أفكار وأهداف جماعة بوكوحرام والإنتقادات التي يوجهها العلماء المسلمين لفكر الجماعة ومثيلاتها.
5/توضيح الآثار المترتبة علي نشأة بوكوحرام ،ووضع المعالجات المناسبة لها.
أهـمية البـحث:
تنبع أهمية البحث من خلال إرتباط الصراع في نيجيريا بالدين وما لذلك من دلائل تحليلية في تاريخ نيجيريا السياسي القديم والمعاصر والمستقبلي وإتساع تأثير ذلك الصراع علي المستوى المحلي والإقليمي والعالمي،وإتساع ذلك الصراع بإستخدام القوة المفرطة وعدم قدرة النظم الحاكمة النيجيرية المتعاقبة علي السيطرة عليه،وتتجلي الأهمية الكبري للبحث في أهمية نيجيريا كدولة كبرى في أفريقيا ولها وضعها الإقليمي إلي جانب وضعها كمنتج أساسي للبترول مما يؤثر علي المصالح الغربية فيها.
أدوات البـحث:يعتمد هذا البـحث في أدواته علي:
المصادر الأولية:مثل التقارير والمنشورات والدوريات ذات الصلة بموضوع البحث.
المصادر الثانوية:مثل الكتب العربية والمترجمة والرسائل اعلمية إضافة لشبكة المعلومات الدولية(الإنترنت).
حدود البحث:
الحدود الزمانية :2002م حتي 2014م.
الحدود المكانية:جمهورية نيجيريا الإتحادية.
هيكلية البحث: ينقسم البحث إلي خمسة مباحث أساسية:
المبحث الأول:المفهوم الحقيقي للجماعة وتداعيات النشوء والحركات المسيحية المناوئة.
المبحث الثاني: سياسة الحكومة النيجيرية تجاه جماعة بوكوحرام.
المبحث الثالث:: الأفكار والأهداف ، الآثار والمعالجات المقترحة.
المبحث الرابع:موقف علماء أهل السنة والجماعة من جماعة بوكو حرام ومثيلاتها.
المبحث الخامس:مستقبل جماعة بوكوحرام في القارة الأفريقية.
المبحث الأول :المفهوم الحقيقي لبوكو حرام وتداعيات النشوء والحركات المسيحية المناوئة:
تمهـــيد:
الإسم الرسمي لنيجيريا هو جمهورية نيجيريا الإتحادية وإسم نيجيريا مأخوذ نسبة إلى نهر النيجر الذي يمر بالبلاد أطلق هذا الإسم من قبل (فلورا شو) في أواخر القرن التاسع عشر،و(فلورا)هي زوجة (بارون لوغارد) إداري المستعمرات البريطاني،ونيجيريا بلد في غرب أفريقيا وأكبر دولة في أفريقيا من حيث تعداد السكان حيث يبلغ عدد سكانها (177,155,754) مليون نسمة من أهم مواردها الإقتصادية النفط الخام والكاسافا، العملة النيجيريّة هي (النايرا) ،وللبلاد حدود مع كل من بنين في الغرب، تشاد والكاميرون في الشرق، النيجر في الشمال وخليج غينيا في الجنوب ،عاصمة نيجريا هي أبوجا منذ عام 1991م وكانت لاجوس هي العاصمة السابقة ،تمثل نيجيريا حالةً مصغرةً من القارة الأفريقية من حيث تنوعها الأثني والديني ؛ وهذا التنوع يمثل الآن كارثة لنيجيريا نظراً لأنه يتم توجيهه وتسيسه في ظل غياب قيم المواطنة وإنتشار الولاءات دون الوطنية التي تركز علي الإعلاء من الإنتماءات الفرعية علي حساب الإنتماء الوطني مما يخلق تجاذبات بين الجماعات المختلفة – الدينية والأثنية – خاصة إذا إرتبط ذلك بتوزيع المناصب السياسية والموارد الإقتصادية ( 1).
يسكن هذا البلد أكثر من 500 جماعة عرقية، و من أكبر ثلاث جماعات الهوسا، واليوروبا الإيبو؛ يمثل الهوسا والفولاني 29% من إجمالي تعداد السكان بينما يمثل اليوروبا 21% والإيكوبو18% والأيجاو والكانورى 4% والإيبو 3,5 والتيف الذين يمثلون 2,5 من إجمالي سكان نيجيريا ؛ أما بالنسبة للتقسيم الديني فأن أكثر من 50% من سكان نيجيريا من المسلمين 95% منهم من السنة و5% شيعة ؛ فيما يمثل المسيحيون 48,2 من السكان موزعين بين 15% بروتستانت و 13,7 % كاثوليك و19,6% من طوائف مسيحية أخري،فيما يشكل أتباع الديانات الأخرى 1,4% من إجمالي تعداد السكان (2).
بقراءة للمشهد النيجيرى السابق فإن الإعتماد علي التنوع الديني والأثني في تحليل الصراع وتصاعد العنف في الساحة النيجرية قد يمثل نوعاً من القصور ؛ فهنالك أسباب أخرى لتصاعد وتيرة العنف وتنامي هوس الجماعات الدينية المختلفة من هذه الأسباب الفقر والفساد والبطالة والتهميش الإقتصادي والعزلة والتفكك الإجتماعي الذي تعاني منه بعض الإثنيات والطوائف الدينية ، لذلك تعرضت الدولة النيجيرية منذ أن إتجهت إلي الحكم المدني عام 1999م لمجموعة من الصراعات إتخذت ملمحاً دينياً وظهرت المواجهات بين المسلمين والمسيحيين فصعدت جماعة بوكوحرام إلي واجهة الأحداث مستهدفةً المسيحيين (3).
أ/جماعة بوكو حرام:
ظهرت جماعة بوكو حرام علي الساحة النيجرية للمرة الأولي في عام 2002م وثار جدلُ واسعٌ حول جذور هذه الجماعة ومصادر قوتها التي تستند إليها في جذب أعداد كبيرة من الشباب في شمال نيجيريا ، ويمكن فهم فلسفة وأيدلوجية بوكوحرام من تفسير إسمها (بوكو) بلغة الهوسا تعني (الغرب) أو (الأجنبي) أما (حرام) فتعني محظور أو ممنوع وبالتالي يمكن ترجمة مسمي الجماعة إلي (التعليم الغربي أو الوافد الغربي حرام)،لذلك فإن رؤية الجماعة تقوم علي ضرورة إبعاد كل مكونات الدولة الحديثة والعودة إلي الدولة الإسلامية في هيئتها التي كانت عليها في الماضي حيث يرى أعضاء الجماعة أن القيم الإسلامية تتعارض مع القيم الغربية ،وأن الأمة الإسلامية تتعرض لمخاطر كثيرة في ظل وجود التأثيرات الغربية التي تعد مصدراً للشر في المجتمع الإسلامي ، ولكبح جماح هذا الشر لا بد من القضاء علي مؤسسات الدولة الحديثة مما يفسر إستهداف الجماعة لمراكز الشرطة والمؤسسات الحكومية والمنشآت الرسمية ومحاولات الجماعة المتكررة لتدميرها (4).
لم تكن جماعة بوكوحرام بأفكارها المعادية للغرب والحداثة هي الوحيدة التي تبنت فكرة القضاء علي التأثيرات الغربية في شمال نيجيريا فقد سبقتها إلي ذلك جماعة (مايتاتسين) أو (maitatsine) والتي تعني بلغة الهوسا (اللعنة) والتي ظهرت في ثمانينيات القرن الماضي بقيادة (محمد مروه) وهو باحث إسلامي هاجر من شمال الكاميرون إلي مدينة (كانو) في شمال نيجيريا عام 1945م؛ وبعد إستقراره في شمال نيجيريا وركز علي تنقية الإسلام من التأثيرات الخارجية،حيث أنه كان يعتقد أن الإسلام تفسده الحداثة وطبيعة تكوين الدولة الحديثة،وقد عمل (مروه) مدرساً وقارئاً للقرآن وواعظاً فكان مقنعاً وجاذباً وتمردَ علي كثير من التقاليد الشعبية في مدينة (كانو) شمال نيجيريا ورفض كافة أنواع التكنلوجيا، مثل السيارات والساعات والدراجات ورأي أن إستخدام مثل هذه الأشياء وقراءة كتب غير القرآن الكريم هو نوع من الوثنية (5).
أسهمت الظروف الإقتصادية المتردية في زيادة أتباع (محمد مروه) من العامة خصوصاً غير القادرين علي توفير ضروريات الحياة وتبع ذلك قيام الجماعة بسلسلة من أعمال العنف في مدينة (كانو) عجزت الشرطة عن مواجهتها مما أدي لتدخل الجيش وتنفيذ عمليات إعتقال وقتل بصورة موسعة ضد أفراد الجماعة وأفرزت هذه الأحداث عن مقتل (4,179) شخصاً وتدمير مئات المحلات والمنازل ومقتل زعيم الجماعة فسادت نيجيريا بعد ذلك حالة من الهدوء والإستقرار السياسي لفترة طويلة (6).
يعتقد باحثو الجماعات الإسلامية أن صعود جماعة بوكوحرام ماهو إلا تخليداً وإمتداداً لجماعة (مايتاتسين) وتجديداً وإتباعاً لتنظيم القاعدة الأم ،فبوكوحرام تتشابه في السمات والأفكار مع جماعة (مايتاتسين) فكلاهما نشأتا في شمال نيجيريا وزعيمي الجماعة (محمد يوسف) و (محمد مروه)لم يكملا تعليمهما الثانوى فـ(محمد يوسف) سافر الي تشاد والنيجر ليتعلم تفسير القرآن وفي اثناء وجوده في غرب افريقيا طور(محمد يوسف)أفكاراً معادية للغرب تشابه أفكار جماعة (مايتاتسين) وبعد عودته الي نيجيريا طور جماعة طائفية تعرف بـ(بوكوحرام) فتمكنت الجماعة من جذب أعداد كبيرة من الشباب في شمال نيجيريا وبدأ (محمد يوسف) دعوته بمهاجة علماء المسلمين المعاصرين له مثل (آدم ةجعفر، أباعاجي، يحي جنجيز) والدعوة بالخروج علي كل مؤسسات الدولة القائمة (7).
مع وصول (ساني أباتشا) إلي الحكم منتصف التسعينات حاول إضعاف الحكم الإسلامى في ولايات الشمال النيجيرى وبدأ بـ(سوكوتو) فأعتقل السلطان وعين خليفة موالياً له ،ووسط هذه التطورات بدأت النخبة المسلمة في الشمال النيجيرى تتحرك فأنقلب مجموعة من الشباب علي نظام الحكم ونجحوا في تطبيق الشريعة في 12 ولاية نيجيرية في الفترة من 1999م حتي 2002م وفي عام 2004م ظهر أول تعبير قوى للشباب المسلم في شمال نيجيريا وعبروا عن غضبهم من الفساد والتحلل الأخلاقي الذي ساد في ولايات الشمال تبع ذلك ظهور جماعة بوكوحرام كإفراز للسياسات الخاطئة في ولايات الشمال النيجيرى (8).
لقد أثارت العمليات القوية والمؤثرة التي تقوم بها جماعة (بوكوحرام) في نيجيريا قلق الكثيرين وعلي رأسهم الحكومة النيجيرية ودول الجوار إضافةً إلي الدول صاحبةِ المصالحِ الإقتصادية والنفطية في نيجيريا وذلك خوفاً من حدوث تحالف مستقبلي بين حركة الإصلاح بدلتا النيجر وجماعة بوكوحرام في الشمال النيجيري ؛مما قد يؤدي إلي عدم إستقرار الأوضاع الأمنية في مناطق إنتاج النفط حيث أن نيجيريا تمتلك أكثر من 2,6% من إحتياطات النفط العالمية ، وهو مادفع المراقبين للتعبير عن خوفهم من أن تتحول المنطقة إلي معقل للجماعات المسلحة مشيرين إلي أن الفساد المستشرى والفقر المدقع في غرب أفريقيا يوفران تربة خصبة لنمو الإرهاب،كما أن التصريح الأخير لزعيم الجماعة (أبوبكر شيكاو)بأن جماعة (بوكوحرام) إلتحقت بالقاعدة أثار المخاوف من أن تصبح المنطقة مأوي للتيارات الجهادية العابرة للقارات وبهذا الإلتحاق أصبح لتنظيم القاعدة ثلاث نماذج عالمية وهي:-
1-القاعدة الأم (المركزية):وهي التي أسسها أسامة بن لادن عام 1998م تحت مسمي الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين.
2-أفرع القاعد والتي نشأت بأمر مباشر من أسامة بن لادن ولها مثال وحيد وهوتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وهو الذي يرفع شعار (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب).
3-نماذج القاعدة وهي الأكثر إنتشاراً وشيوعاً في العالم حيث أن هذه النماذج ليس لها أي علاقة تنظيمية بالقاعدة الأم ؛وإنما ترتبط بتنظيم القاعدة أيدلوجياً وفكرياً فقط ،وتستلهم الفكر الجهادى من القاعدة وتري في زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن زعيماً روحياً لها ومن أشهر النماذج في أفريقيا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ، وحركة شباب المجاهدين بالصومال ، وجماعة بوكوحرام النيجيرية والتي أعلنت إلتحاقها بتنظيم القاعدة مع العلم أنه ليست هنالك علاقة مباشرة أو أي إتصال بينهم (9).
إن نماذج القاعدة غالباً - بما فيها بوكوحرام – تهدف من إعلان إلتحاقها بالقاعدة إلي محاولة كسب التعاطف والتأييد من المسلمين العاديين بصفة عامة والجهاديين بصفة خاصة ، نظراً للمكانة الخاصة التي يتمتع بها تنظيم القاعدة في أوساط المسلمين والذي يطرح نفسه كمدافع عن الإسلام والمسلمين ضد اليهود والصليبيين المعتدين ، وبالتالي تتمكن جماعة بوكوحرام من الحصول علي الدعم المادى والمعنوي من المسلمين المتعاطفين معها والموجودين في هذه المناطق والذين عانوا لسنوات من الإحتلال البريطاني ويرون فيه مثالاً للصليبيين الذين تتحدث عنهم القاعدة وبالتالي يساعدون ويدعمون أمثال هذه الجماعات ،ومن ناحية أخري فأن القاعدة الأم لا تنفي مثل هذه البيانات التي يعلن فيها إلتحاق مثل هذه الجماعات بها وذلك لكي تثبت لإعدائها أن لها قواعداً وأتباعاً في مناطق مختلفة من العالم وأنها صاحبة أذرع طويلة وقوية قادرة علي ضرب أعداء القاعدة في كل مكان وفي أي زمان؛وذلك في إطار إستراتيجية القاعدة الجديدة بعد مقتل زعيمها أسامة بن لادن وتولي (أيمن الظواهري) زعامة التنظيم وتقوم هذه الإستراتيجية علي مبدأ عالمية تنظيم القاعدة ويستخدم فية إستراتيجية جديدة ومتطورة هي إستراتيجية (الذئاب المنفردة) أو (الجنود التائهة) والتي تقوم علي أن أي مسلم في أي مكان وزمان يمثل جيشاً للمسلمين وهو مكلف بضرب أعداء الله والإسلام متي ما وجد ذلك مناسباً (10).
ب/الحركات المسيحية المناوئة لبوكوحرام:
تنتشر معظم الحركات المسيحية المتطرفة التي تميل إلي العنف في ولايات الحزام الأوسط بالشمال والولايات الجنوبية وولاية نهر كروس وغيرها، ومن أهم هذه الجماعات:
- المجلس المسيحي النيجيرى: أنشأ هذا المجلس عام 1930م وضم تسعة كنائس بروتستنية بهدف الحفاظ علي وحدة الكنائس العاملة وفي عام 1965م ضمت كنائس إنجيلية وكاثلوكية علي غرار جماعة نصرة الإسلام.
- الرابطة المسيحية النيجيرية :تأسست عام 1976م في لاجوس علي يد مجموعة من قيادات الكنائس وأتخذت الرابطة شكلاً عنيفاً ضد الإسلام وخلقت توتر بينها وبين جماعة نصرة الإسلام عام 1990م.
- حركة المولود من جديد: هي حركة مسيحية متطرفة ظهرت في أواسط السبيعينات من القرن العشرين بين الطلاب المسيحيين في الجامعات النيجيرية وكان أول إعلان عن إنشاء هذه الحركة ظهور شعار جديد في عيد المسيح ورفع شعار (المسيح هو الحل)، ويمكن إعتبار أن أعضاء الحركة لا يعترفون بالتسامح مع من يخالفهم الرأي سواء كانوا مسلمين أو مسيحين وحدثت توترات وإشتباكات بينها وبين الطلاب المسلمين داخل الجامعات النيجيرية عام 1987م.
- زمالة الطلاب المسيحيين:تأسست في (جبنديري) في لاجوس عام 1957م علي يد مجموعة من مدرسي مدارس الإرسالية السودانية المتحدة وهم من الأووربيين والأمريكيين ومن ثم إنتشرت هذه الزمالة في سائر أنحاء نيجيريا ، وطالبوا بإنشاء ولاية خاصة بهم في الشمال من تأثير تعمق الكراهية بينهم وبين الهوسا والفولاني المسلمين وكانوا طرفاً أصيلاً في التوتر بين المسلمين والمسيحيين خاصة في الإقليم الشمالي مع بداية القرن الواحد والعشرين خاصة في ولاية (كادونا) والتي تشكل بؤرةً للتوتر حتي الآن.
- الرابطة النيجيرية الأدورا:أنشأت هذه الرابطة عام 1868م وتضم في عضويتها أربع كنائس مستقلة وهي كنائس الرسولية وكنيسة شيروبيهم وسيرافيهم الرب أدورا ،وطوائف المصلين المتوسلين والتي لاتنتسب إلي أي كنائس وتقوم هذه الرابطة علي التوافق من خلال التطور السياسي للبلاد خاصةً بعد الإستقلال وتشارك معظم هذه الحركات والجماعات في العنف الديني وتهديد الإستقرار السياسي في الدولة النيجيرية (11).
المبحث الثاني:سياسة الحكومة النيجيرية تجاه جماعة بوكوحرام:
شنت جماعة بوكوحرام ما يقارب 265 هجوماً منفصلاً في الفترة من 2009م حتي عام 2014م ،وأدت هذه الهجمات لمقتل أكثر من ألف شخص ونزوح المئات من المواطنيين ، ورغم تركيز جماعة بوكوحرام هجماتها علي المناطق الشمالية إلا أن مراقبين يخشون إمتدادها للجنوب ومما يزيد المخاوف من تطور هجمات بوكوحرام هو إدخال الجماعة أسلوب العمليات الإنتحارية لنشاطاتها العنيفة ، لذلك إعتمدت الحكومة النيجيرية في تعاملها مع جماعة بوكوحرام علي سياسة (العصا)،مع الحديث عن خطط لإضافة (الجزرة) في تعاملها مع التمرد الملتهب الذي تقوده بوكوحرام ، وقد تنطوى سياسة (الجزرة) علي منح عفو عام عن أعضاء الجماعة في حال نبذهم للتشدد مع وجودأمل ضئيل بتحقيق ذلك نظراً للطبيعة الغامضة لأعضاء الجماعة (12).
لقد أبدت الحكومة النيجيرية رغبتها في إيجاد حل سياسي للتمرد من خلال التفاوض مع جميع المعنيين برئاسة السفير/عثمان كلتيمارى من أجل تحديد المظالم التي تطرحها الجماعة وتقديم التوصيات اللازمة بخصوص تحسين الظروف الأمنية في مناطق الشمال والشمال الشرقي النيجيري، ويمكن أن تشمل سياسة (الجزرة) معالجة قضايا الفقر والبطالة والظلم الإجتماعي والفساد المالي والأخلاقي من طرف الحكومة النيجيرية لأن هذه المشاكل تساهم في تغذية المظالم التي تشكل حافزاً قوياً للميل الي التشدد من قبل الشباب المسلم في الشمال النيجيري (13).
تتضمن سياسة (العصا) التي تستخدمها الحكومة النيجيرية للتعامل مع جماعة بوكوحرام إنشاء جهاز الأمن النيجيري قوات تعقب خاصة تسمي بـ(Joint Task Force) وتعرف أيضاً بقوة إعادة النظام أو(Operation Restore Order)،وتهدف خصيصاً للتصدي لجماعة بوكوحرام ونجحت هذه الفرقة في إلقاء القبض علي أحد أكبر أعضاء الجماعة وهو(علي صالح) وذلك في سبتمبر 2001م في مدينة مايدوغرى، ونجحت هذه القوة في إستخدام الحواجز العسكرية وفرض الحظر المؤقت علي الدراجات النارية ، وقد نحجت هذه القوات في قتل زعيم الجماعة ومؤسسها (محمد يوسف) في مسجد إبن تيمية ومعه 100 من مقاتليه فتولي بعدها (أبوبكر شيكاو) قيادة الجماعة. (14).
بعد تولي (ابوبكر شيكاو) زعامة الجماعة وضع هدفين لتحققهما الجماعة:
أولاً:تحرير أسري الجماعة لدي الحكومة.
ثانياً:الدفاع عن النفس وفي ذلك ذكر الإمام (شيكاو)أن الناس ثلاثة اصناف عند جماعته :الشرطة، الجنود المسلحون، المسيحيون وهؤلاء تستهدفهم بوكوحرام ،أما عامة الناس فقد أكد الإمام (شيكاو) أنهم لن يمسونهم بسوء. (15).
المبحث الثالث:أفكار وأهداف جماعة بوكوحرام والآثار والمعالجات المطروحة:
أ/الأفكار:
إن الملامح الفكرية لجماعة بوكوحرام ترتكز حول عدد من الأصول الفكرية أهمها العمل علي تأسيس دولة خلافة إسلامية في نيجيريا بالقوة المسلحة ،والدعوة إلي التطبيق الفورى للشريعة الإسلامية في جميع الولايات النيجيرية - وليس تطبيقها في الولايات الشمالية فقط - وكذلك عدم جواز العمل في الأجهزة الأمنية والحكومية في الدولة وترفض الجماعة بشدة التعليم الغربي والثقافة الغربية وتدعو إلي تغيير نظام التعليم في نيجيريا وتقوم أهم مبادئ وأفكار الجماعة علي التالي:
1-إثبات الحاكمية لله تعالي وحده وحرمة الديموقراطية لمضادتها للإسلام جملةً وتفصيلا، ويعتقدون أن الحكام المنتخبون عن طريق الديموقراطية كلهم كفار.
2-يعتقد أعضاء الجماعة أنهم (الفرقة الناجية) وبهذه القناعة يتحركون وأنهم يحيون روح الجهاد في نيجيريا وغرب أفريقيا.
3- تحريم التعليم في المدارس النظامية من الإبتدائية إلي الجامعة لعدة أسباب منها:
- أن المسيحيين والمنصرين هم الذين أسسوا هذه المدارس منذ البدء لتخدم أغراض أعداء الله.
- إنتشار الإختلاط الممزوج بالتبرج في الفصول والجامعات والقاعات وسوح المدارس والله تعالي يقول(وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي وأقمن الصلاة وأتين الذكاة وأطعن الله ورسوله) (16) ، ويقتضي الإختلاط وخروج المرأة إنتشار الفواحش كالزنا والسحاق.
- تعلم بعض المواد والأفكار والنظريات المضادة للدين نحو نظرية دارون في تطور الخلق والتي تخالف قوله تعالي (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم أنتم بشر تنتشرون) (17)، وكان مؤسس الجماعة (محمد يوسف ) قد سوغَ موقف جماعته من تعلم العلوم الغربية قائلاً:( التعليم الغربي يتعارض مع تعاليم الإسلام ، والعمل تحت الحكومات الديموقراطية حرام، سواء في الشرطة أو الجيش والجند والوظائف الميدانية والديوانية لأن ذلك من جملة الطاعة المطلقة لنظامها الكافر) (18)
ب/أهداف جماعة بوكوحرام:
نتيجة لدراسة وافية للمصادر المكتوبة بالإضافة إلي خطب ودروس أمراء الجماعة ومحاضراتهم في مواقع الإنترنت خاصةً (اليوتيوب) فأن هذه الجماعة تهدف لتحقيق الآتي :
1/تشكيل الدولة الإسلامية: تتطلب الدولة الإسلامية عند هذه الجماعة مقومات خاصة من أهمها الإمام الذي يقودها ويكون محركاً لشؤونها و(محمد يوسف) تمت له البيعة بالإمامة من قبل عناصر الحركة وله الحق في إعلان الحرب والسلام ، ولهذا الإمام نائب عام وهو (أبوبكر شيكاو) – أصبح قائداً للجماعة الآن – وأمين عام للجماعة هو (محمد نور) ، وللحركة مجلس شورى ينظر في الأمور الطارئة وكان (محمد يوسف) لا يحيد قيد أنملة عن ما يقرره مجلس الشورى فعندما أعلن مجلس الشورى الجهاد في نيجيريا أعلن (محمد يوسف) ذلك في محاضرة مشهورة تسمي(الرسالة المفتوحة للحكومة الديموقراطية) (19)
2/تشكيل منهج تربوي: التربية عند الجماعة تجمع بين التربية الروحية والبدنية أما التربية الروحية فتعتمد علي المسجد مسكناً؛ومدرسةً؛ومركزاً لقيام الليل؛وصيام النهار؛ وقراءة القرآن ؛ والأذكار؛ ويكرر عناصر الجماعة علي بعضهم ضرورة ترك الذنوب وكل ما يخدش المروءة ويسقط الأعراض ؛ وضرورة محاربة صالات السينما ؛ وشرب الخمور، والزنا ،والرياء ؛ والخمور؛ والحسد ؛ والكبر ، أما التربية البدنية فأنهم يربون أنفسهم علي الأنشطة المقوية للجسد ولهم جولة علي الأقدام يومياً بعد صلاة الفجر،ويدعوهم زعيمهم لإجادة الرمى والتصويب وسائر الأنشطة العسكرية والبدنية ، وكذلك خصصت الجماعة عناصر عسكرية مختصة بالتدريبات العسكرية في الفيافي والصحارى وترسل الجماعة عناصرها إلي أصحابهم وإخوتهم في العقيدة في البلدان المجاورة (20).
3/تشكيل منهج تعليمي: يعتمد منهج بوكوحرام علي الدروس المجلسية والمحاضرات وتعتبر ولاية (برنو) هي معقل الحركة الرئيسي ولهم فيها أربعة مجالس كبيرة هي :
- مركز إبن تيمية :كان محمد يوسف يلقي فيه دروسه يومي السبت والأحد.
- حارة دوكي:إتخذ فيها محمد يوسف مجلساً لتفسير القرآن كل يوم جمعة.
- مسجد فزان :كان يلقي فيه بعض الدروس وينوب عنه بعض الدعاة حال غيابه.
- مسجد مفوني : يلقون فيه المحاضرات العامة مرة أو مرتين في الشهر(21).
يركز أعضاء الجماعة علي بعض المقاطع من بعض الكتب التي تحض علي الجهاد وأهم هذه الكتب:
- تفسير القرآن الكريم.
- صحيح البخاري.
- رياض الصالحين ،الرسالة للقيرواني.
- كتاب التوحيد للشيخ :محمدبن عبد الوهاب(22).
كان من إعتناء زعيم الجماعة محمد يوسف بالدروس والخطب أنها شكلت شغله الشاغل علي مدار الأسبوع فعندما يفوته مجلس يذهب لمجلس آخر بمدينة أو قرية أخرى ،وتعتمد قيادات جماعة بوكوحرام علي فتاوى العلماء السابقين وكان من دأب زعيم الجماعة ذكر أسماء مراجع ومصادر فتاوى الجماعة مثل :فتاوى اللجنة الدائمة السعودية، كتب إبن القيم ، تفسير إبن كثير،وفتاوى بعض العلماء المعاصرين مثل :الألباني ،إبن باز ،إبن عثيمين وغيرهم ،ويظهر جلياً الإنتماء الروحي والفكري الأيدلوجي لجماعة بوكوحرام إلي تنظيم القاعدة في الإستشهاد بأقوال وأفعال قيادات القاعدة مثل: (أسامة بن لادن ) و (أيمن الظواهرى) و (أبو مصعب الزرقاوى) والذي وصفه محمد يوسف بالمجاهد (23).
تبنت الجماعة العديد من العمليات النوعية في نيجيريا أهمها:
- في يوليو 2009م إستخدم مقاتلو بوكو حرام دراجات بخارية محملة بالوقود وأقواس مزودة بأسهم سامة للهجوم علي مقر للشرطة في ولاية يوبه .
- في يناير 2010م قامت الجماعة بمهاجمة ولاية برنو النيجيرية مما أسفر عن مقتل أربة أشخاص.
- في 7سبتمبر 2010م سهلت بوكوحرام فرار 700 معتقل من سجن ولاية باوتشي.
- في 9ابريل 2011م ، تم تفجير مركز للشرطة في مايدغروى في 15 أبريل وأطلق الرصاص علي عدة أشخاص في حوادث منفصلة في نفس اليوم وإشتبهت الحكومة النيجيرية في جماعة بوكوحرام أنها وراء هذه الأحداث.
- في 20 أبريل 2011م قتلت بوكوحرام رجل دين مسلم ونصبت كمين لعدة أفراد من الشرطة في مايدوغرى ، وفي 22 أبريل أطلقت بوكوحرام سراح 14 سجين أثناء فرار السجناء في يولا بولاية أداماوا.
- في 8فبراير2011م وضعت بوكوحرام شروط لتحقيق السلام ، وطالبت بإقالة فورية (لعلي مودو شريف)حاكم ولاية بورنو، والسماح لأعضاء الجماعة بإستعادة مسجدهم فى مايدوغرى عاصمة ولاية بورنو.
- في 9 مايو 2011م رفضت بوكوحرام عرضاً للعفو قدمه الحاكم المنتخب لولاية بورنو (كاشيم شتيما).
- في 14 أبريل 2014م أختطفت الجماعة 276 فتاة من مدرسة ثانوية في ولاية برونو وقامت الجماعة بتحفيظهن القرآن الكريم وتزويج بعضهن من أعضاء بالجماعة، وقد فشلت كل محاولات الحكومة النيجيرية في الوصول إلي مكان تواجد الفتيات المختطفات حتي الآن (24).
ج/آثار جماعة بوكوحرام في نيجيريا والمحيط الإقليمي والمعالجات المقترحة:
أولا:الآثار:
أصبح وجود جماعة بوكوحرام موضع قلق محلي وإقليمي ودولي كبير في أعقاب الإنتفاضة التي قادها وقتل فيها زعيم الجماعة (محمد يوسف) عام 2009م، وبذلك فإن بوكوحرام تقدم وجهاً مرعباً للوضع القائم في شمال نيجيريا خصوصاً وغرب أفريقيا عموماً وجاء ذلك نتيجةً لفشل الحكومات النيجيرية المتعاقبة في حل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية في نيجيريا ،فعلي الرغم من أن نيجيريا تعتبر من أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم حيث تحتل المرتبة الأولي أفريقياً والمرتية الثالثة عشر عالمياً ،فإن تقديرات ومؤشرات التنمية البشرية ونوعية الحياة منخفضة جداً خصوصاً في الشمال النيجيرى الذي يمثل كتلة من الأمية والفقر والأمراض ،حيث تنخفض تقديرات التنمية البشرية في هذا الإقليم عن المعدلات النيجيرية الوطنية،فوصلت أمراض الكوليرا والطاعون التي تم القضاء عليها في كل العالم إلي مستويات وبائية في شمال نيجيريا خلال الشهور الأخيرة بالإضافة لظهور مرض الإيبولا مؤخراً ، كما تعاني معظم ولايات الشمال النيجيرى من إنتشار الأميه ففي ولاية بورنو لا يستطيع 95% من السكان القراءة والكتابة وأقل من 2% من السكان يحصلون علي الصحف ويبدو أن حكام الإقليم يستخدمون الجهل والأميه كسلاح سياسي ، وكان الإستعمار قد حرص علي منع إنتشار التعليم الغربي في الشمال لتجنب تهديد المتعلمين لمصالح الإقطاعيين الإستعمارية ، كما أدت ضربات الجفاف والتصحر التي إجتاحت الدول المجاورة لشمال نيجيريا خلال السنوات الأخيرة إلي إنهيار المجتمعات الزراعية في هذه الدول وزحف أعداد هائلة من اللاجئين نحو مدن الشمال النيجيرى الذي واجه تدمير مساحات زراعية واسعة ومن ثم وصلت أعداد العاطلين عن العمل الي ملايين الشباب، ومن ثم أصبح هؤلاء الشباب يمثلون مصدراً للتجنيد ضمن المنظمات المتطرفة في ظل إنتشار البطالة والأميه والإفتقار للمهارات،كما شهدت ولايات الشمال النيجيرى موجات من العنف قادتها جماعة بوكوحرام مع بداية رئاسة (إبراهيم بابانجيدا) الذي طبق برنامج التكيف الهيكلي فأدى إلي إلغاء إعانات الدولة وتحرير التجارة ثم القضاء علي الصناعات المحلية وخصوصا ً صناعات النسيج والمدابغ الكبرى في الشمال ومن ثم تناقصت فرض العمل نتيجة تطبيق برنامج التكيف الهيكلي ، هذا فضلاً عن تسيس نظام (بابانجيدا) للدين فالنظام كان موالياً للمسلمين في نظر المسيحيين وهذا ماأدي لسخط المسيحيين في الجنوب وقيام موجات عنف عقائدية بين المسلمين والمسيحيين، لقدأثرت جماعة بوكوحرام علي الواقع النيجيرى والإقليمي في النقاط التالية:
1/تهديد إتحاد الدولة النيجيرية بأكملها.
2/تهديد المصالح الغربية في نيجيريا خصوصاً المصالح الأمريكية التي تعتمد علي نيجيريا في توفير 8% من إستهلاكها النفطي وقد هددت الجماعة بإغتيال السفير الأمريكي في أبوجا(25).
3/صعود الإتجاهات المتشددة في نيجيريا وغرب افريقيا وذلك إثرَ نجاح بوكوحرام في إحداث خلخلة للأوضاع في نيجيريا في ظل بروز الظاهرة الدينية كجزء أصيل من العلاقات الدولية في السنوات الأخيرة (26).
4/قدمت جماعة بوكو حرام ذرائع سياسية وأمنية للتدخل الغربي في نيجيريا خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت مبادرة (مكافحة الإرهاب) في الساحل الأفريقي بهدف تدريب 150 مجنداً من مالي والنيجر وتشاد وبعدها أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية ايضاً مبادرة (مكافحة الارهاب عبر الصحراء) وتهدف لتدريب مزيداً من الجنود من عددٍ من الدول وتحقيق تبادل معلوماتي إستخباراتي أفضل (27).
5/توسع نشاط بوكو حرام في أفريقيا الوسطي بالإعتماد علي المرتزقة التشاديين عن طريق التدريبات في معسكرات للقاعدة المغربية في مالي فالمشروع الإقليمي لبوكوحرام لا يعتزم البقاء في نيجيريا فقط بل الإنتقال إلي المغرب والصومال ومالي وجنوب القارة السمراء.
6/إستفادت بوكوحرام وقوىَ موقفها في الساحة النيجيرية بعد سقوط نظام معمر القذافي فتدفق السلاح والمال الليبي إلي مختلف دول غرب أفريقيا خصوصاً نيجيريا،وتجلت قدرات بوكوحرام المالية والعسكرية في الحصول علي أسلحة نوعية مثل(صواريخ ارض جو وسام ،الاغام،قذائف مدفعية) هذا ماساعدها في التقدم والتطور كثيراً فإستطاعت الإستيلاء علي مدينة مايدوغرى في بداية سبتمبر 2014م ، ونتيجة لتحركات بوكوحرام النيجيرية أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية منظمة إرهابية.
7/إنتشار الأعمال غير المشروعة في نيجيريا وغرب أفريقيا وراء ستار بوكوحرام فأنتشر التهريب والقتل والخطف والتجارة الممنوعة (أسلحة ، مخدرات) وأصبح هنالك وسطاء بين أعضاء التنظيم وتجار السلاح والمخدرات (28).
ثانياً:المعالجات المطروحة:
1/تطبيق صيغة حكم تناوبية توافقية لتداول السلطة يجمع عليها النيجيريون والتي تكون في شكل تداول لرئاسة الدولة بين المسلمين والمسيحيين عبر فترتين رئاسيتين لكل منهما.
2/إعادة التوزيع العادل للسلطة والثروة ومكافحة مكامن الفساد والعمل علي تقليل نسب البطالة بين الشباب بطرح فرص للعمل وإنشاء مشروعات تنموية يكون للشباب دوراً مقدراً في تنفيذها.
3/تنفيذ إستراتيجية نيجيرية واضحة وشاملة لمكافحة التشدد تعالج المظالم والشعور بالتهميش الذي يستغله المتشددون في التجنيد ونشر الأفكار العنيفة والمعارضة للعلمانية في نيجيريا.
4/هزيمة جماعة بوكو حرام من خلال إستيعاب المطالب المجتمعية والدينية والأثنية وتوحيد الصف الوطني النيجيرى.
5/العمل علي حل المشكلات المزمنة التي يعاني منها المجتمع النيجيرى عامة ًوالمجتمع الإسلامي خاصةً وفتح أبواب التفاوض والحوار مع جماعة بوكوحرام التي أصبحت تستوعب أعضاءاً جدد نتيجة للفراغ السياسي والإقتصادي وحالة الإغتراب التي تعيشها ولايات الشمال نتيجة إخفاق مؤسسات الدولة في القيام بدورها في هذا الإقليم.
6/معالجة هياكل السلطة وتوفير قنوات شعبية ورسمية للتعبير عن التطلعات الإسلامية المحلية في إطار نيجيريا الموحدة.
7/العمل علي إستغلال ثروات البلاد بما ينعكس إيجاباً علي حياة جميع المواطنين (29).
المبحث الرابع:موقف علماء أهل السنة والجماعة من بوكوحرام ومثيلاتها:
تعودأفكار جماعة بوكو حرام الي عقائد وأفكار تنظيم القاعدة الذي يرتكز علي الأفكار التالية:
أ/نظرية الجهاد الإسلامي العالمي: وهي فكرة (عبد الله عزام) الأب الروحي لأسامة بن لادن وتقوم الفكرة علي إعتبار أن أساس قوة الإسلام العالمي يجب أن يرتكز في أرض إسلامية واحدة وأنه بالجهاد يمكن النصر علي الكافرين المعتدين ؛ وإقامة دولة الإسلام وتحريرها (أفغانستان) وبعد ذلك الأنتقال لأرض إسلامية أخري توجد بها نفس الظروف (فلسطين) ومن ثم الوصول الي تحرير كل الأراضي الإسلامية وإقامة الخلافة الإسلامية والتي تبدأ من أندونيسيا في الشرق حتي أسبانيا في الغرب (30).
ب/السلفيه الجهادية: تشكل السلفيه الجهادية الأساس الفكرى للقاعدة وغيرها من الجماعات المتشددة في العالم ، وهي محاولة للموافقة بين السلفية والحنبلية وفكر سيد قطب (الجهادى) والسرورية - القائمة علي محاولة التوفيق بين بعض أفكار الأخوان المسلمين والسلفية- هذه المحاولة التوفيقية لها نسق فكرى متمايز يجمع بين الطابع العقدى السلفي والطابع السياسي القطبي. (31).
ج/فتوى أهل ماردين: إستند تنظيم القاعدة والتيارات المشابهة له في إباحة قتال الحكام المسلمين الي فتوي الإمام إبن تيمية في أهل ماردين المشهوره بـ(فتوى التتار) ،لكن نُقاد هذه الفتوى يرونها تتناقض مع فتاوى إبن تيمية نفسه الذي يري عدم جواز الخروج علي الحكام المسلمين حيث يقول في الفتاوي:(والصبر علي جور الأئمه أصل من أصول السنة والجماعة ) (32).
د/ مفهوم التَترُسُ: تستند التنظيمات الجهادية المتشددة علي قاعدة التترُسُ ؛أي جواز قتل المسلم إذا تترس به الكافر، كأساس شرعي لتبرير بعض العمليات العسكرية أو الإنتحارية التي يترتب عليها قتل بعض المسلمين ؛ غير أن الكثير من العلماء يري أن هذا المفهوم غير صحيح للجوانب التالية:
- أن التترُسُ لا يكون إلا في حالة الحرب(الإشتباك العسكري المباشر).
- أن من أباحه جعل له شروطاً لاتنطبق علي هذه العمليات فلا بد أن تكون المصلحة منه:
1/ضرورية (أي لا يحصل الوصول للكافر إلا بقتل المسلم).
2/كلية(أي عدم قتل الترس يترتب عليه أن يستولي الكفار علي كل الأمة).
3/القطعية (أن تكون المصلحة حاصلة قطعاً) (33).
هـ/مذهب إيجاب قتال غير المسلمين(إطلاقاً): إستند تنظيم القاعدة إلي هذا المذهب الذي يقوم علي إيجاب قتال غير المسلمين إطلاقاً ؛ وغزو العالم لنشر الدعوة وهو مذهب (سيد قطب) في تفسير سورة التوبة في كتابه (في ظلال القرآن) ،ومذهب تقي الدين النبهاني - مؤسس حزب التحرير - في قوله:(إن رسول الله صلي الله عليه وسلم في قوله وفعله يدلل دلالة واضحة علي أن الجهاد هو بدء الكفار بالقتال لإعلاء كلمة الله ونشر الإسلام ) ،غير أنه يربط ذلك بشرط قيام دولة الخلافة ، ويري الكثير من العلماء أن هذا المذهب مبني علي أخذ مذاهب الفقاء الذين بنوا إجتهاداتهم حسب واقعهم وهو واقع دولة غير ثابتة الحدود متعددة الشعوب والقبائل ، دون مراعاة واقعنا واقع إكتمال تكوين الأمم وإنتهاء طور القبلية – إلا ما شذ – وما أفرزته من دول ثابته الشعوب والحدود ، ويخالف إبن تيميه هذا المذهب بقتال الجميع بمجرد الكفر بقوله:(وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، فمن منع هذا قٌوتلَ بإتفاق المسلمين وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمي وغيرهم ، فلا يقتل عند جمهور العلماء ألا أن يقاتل بقوله أو فعله) ، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالاً للمسلمين والأول هو الصواب لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله تعالي كما قال تعالي(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) (34).
أما في السنة النبوية فقد مرَ النبي الكريم صلي الله عليه وسلمَ علي إمرأة مقتولة فقال:(ما كانت هذه لتقاتل)، وقال لأحد أصحابه :( إلحق خالداً فقل له لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً) وفيها أيضاً قال النبي الكريم صلي الله عليه وسلم :(لاتقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا إمرأة) ، وذلك لأن الله أباح من قتل النفوس مايحتاج إليه في صلاح الخلق فقط (35).
و/فتوي جواز قتل الأمريكيين وحلفائهم: وهي فتوي صدرت عام 1998م من الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين ،وطبقاً لهذه الفتوى فأن تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات المشابهة يجيز قتل المدنيين من الأعداء وحلفائهم وهذه نقطة خلاف كبيرة بين فتوى القاعدة والجماعات الإسلامية المعتدلة التي ترى الحرمة القطعية لقتل المدنيين الكفار وهذه الدلالة القطعية في قوله صلي الله عليه وسلم برواية أنس بن مالك أن النبي الكريم صلي الله عليه وسلم بعث جيشاً فقال:(أنطلقوا بإسم الله ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا إمرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) (رواه أبو داؤود في السنن)، فضلاً عن إتفاق جل الفقاء علي حرمة قتل المدنيين ومن لم يكن من أهل المقاتلة والممانعة بتعبيرهم (36).
إذن إن جماعة بوكوحرام هم من الخوارج الغلاة وقد جمعوا بين الغلو والبغي والعدوان وسفك الدم الحرام وعليهم وعلي أمثالهم يحمل ما صح عن النبي الكريم صلي الله عليه وسلم في الخوارج في قوله (الخوارج كلاب أهل النار) (37) وقال صلي الله عليه وسلم (سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان – أي صغار السن – سفهاء الأحلام ،يقولون من قول خير البرية ، لا يُجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ،فأينما لقيتموهم فأقتلوهم ،فإن في قتلهم أجرأ لمن قتلهم يوم القيامة) متفق عليه (38) ، وقال صلي الله عليه وسلم: (سيكون في أمتي إختلاف وفرقة،قوم يحسنون القيل ويسئون الفعل ،يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ،يمرقون من الدين مروق السهم من الرميه ، لا يرجعون حتي يرتد السهم علي فوقه ،هم شر الخلق والخليقة ،طوبي لمن قتلهم وقتلوه ، يدعون الي كتاب الله وليسوا منا في شيئ ، من قاتلهم كان أولي بالله منهم قالوا: يارسول الله ما سيماهم؟قال:التحليق ،-أي جذ الشعر من أصوله-) (39) وقال النبي الكريم صلي الله عليه وسلم: (هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي) (40) ، وروي عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: (سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول :يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليس قراءتكم الي قراءتهم بشيئ ولا صلاتكم إلي صلاتهم بشئ ،ولا صيامكم إلي صيامهم بشيئ يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم،لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) رواه مسلم (41).
وعن يُسير بن عمرو قال : قلت لسهل بن أحنف :هل سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئاً قال:سمعته يقول وأهوي بيده قبل العراق :(يخرج قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يخرج السهم من الرمية) متفق عليه (42)،وقال النبي الكريم صلي الله عليه وسلم :(يتعمقون في الدين حتي يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية)، وقال إبن عمر: (إنهم إنطلقوا الي آيات نزلت في الكفار فحملوها علي المؤمنين فأخرجوا عليهم أحكام الكافرين وعاملوهم معاملة الكافرين ) البخاري (43).
إن النصوص السنية النبوية السابقة تدل بصورة واضحة ماهية هذه الجماعة ومثيلاتها فهي جماعة تعتنق فكر الخوارج والنصوص النبوية فيها واضحة ، فلا يجب أن ينقادَ ورائهم أحد ويظن أنه يقاتل في سبيل الله فالقتال لا يكون في سبيل الله إلا إذا كان خالصاً لوجهه الكريم وليس لكسب سلطة أو مال أو جاه أو منصب وتحت راية حاكم مسلم يعلن الحرب وبوجود دولة إسلامية بالضوابط الشرعية التي حددها القرآن الكريم وسنة النبي الكريم صلي الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون ،أما من قاتل علي البدعة والأهواء وخرج علي الحكام وقتل الأبرياء وخطفَ وسرقَ ونهبَ مثل جماعة بوكوحرام ومثيلاتها فهو ضآلٌ خارج عن الإسلام كما يخرج السهم من الرمية أوكما قال النبي الكريم صلي الله عليه وسلم (44).
المبحث الخامس :مستقبل جماعة بوكوحرام في نيجيريا وغرب أفريقيا:
يبقي وجود جماعة بوكوحرام في المستقبل تحدياً أمنياً كبيراً رغم الإنجازات المتواضعة التي حققتها الحكومة النيجيرية فالمتابع لنشاطات الجماعة يلاحظ أنها تستند إلي ثلاث دعائم تقوي موقفها في الساحة وهي:
أولاً:الدعم المالي الكبير الذي تتلقاه الجماعة من السياسيين وبعض الأغنياء والذي يؤمِن إستمرار عمليات الجماعة وتوفير ما تحتاجه من سلاح وتدريب وتعويضات لمن يصابون أثناء تنفيذ عملياتها وكذلك أقارب الإنتحاريين من الجماعة.
ثانياً:التأثير الفكرى الكبير لمنظرى الجماعة الذين يقومون بالتأطير والتنظير الفكرى لأعضاء الجماعة وإستغلال علاقتهم مع التنظيمات الخارجية الموصوفة من طرف بعض الجهات بالإرهابية كحركة الشباب الصومالية وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من أجل كسب مجندين جدد.
ثالثا: العدد الكبير من الأتباع والمجندين من أطفال (الماجيرس) والأطفال الفقراء من الدول المجاورة مثل الكاميرون وتشاد والنيجر الذين يعبرون بسهولة الحدود النيجيرية(45).
بالنظر إلي هذه الركائز والبعد العسكرى المتطور للجماعة والتعامل الأمني للحكومة النيجيرية مع هذه الجماعة ،فإنه من المتوقع توسع أهداف الجماعة لتشمل مناطق خارج الشمال النيجيرى ،إن نماذج القاعدة وبوكوحرام قابلة للزيادة مادام الفقر والبطالة والفساد وعدم وجود عدالة في توزيع الثروات والسلطات ، وعدم قيام رجال الدين الإسلامي بمهامهم علي الوجه الأكمل ببيان وجه الإسلام الحقيقي وتوضيح فقه الجهاد للمسلمين بصورة جلية ،إضافة إلي الإنتهاكات الصارخة التي تمارسهاحكومات بعض الدول تجاه مواطنيها ومعارضيها كل تلك المؤشرات توضح أن أفريقيا موعودة بتنامي هذه التيارات الإسلامية الجهادية المتشددة خاصة المناطق التي بها صراعات دينية ،كل ذلك في ظل إلهـام فكر تنظيم القاعدة لأى جماعة إسلامية عنيفة تريد أن تحقق أهدافها بالقوة المسلحة مما يسهل إنتشار مثل هذه النماذج في أفريفيا (46).
الخاتمــة:
إن صعود جماعة بوكوحرام كان تعبيراً عن مجموعة من المشكلات المحلية المرتبطة بالواقع التاريخي والأثني والإقتصادي والسياسي في شمال نيجيريا أكثر من أنه صراعاً دينياً أو مطالبة لجماعة بوكوحرام بتطبيق الشريعة الإسلامية في كل ولايات الشمال بل أنه يعتبر محاولة لتأكيد الهوية الدينية لهذا الإقليم في ظل حالة التهميش الذي يعانيه سكان الإقليم الشمالي؛ والتي تعود إلي عقود خلت،إلا أن الأساليب التي إعتمدتها الحكومة النيجيرية في التعامل مع الصراعات الطائفية في مواجهة بوكوحرام عكست حالة الضعف وسوء التخطيط التي تتسم بها الحكومة النيجيرية ،مما زاد جماعة بوكوحرام إصراراً علي مواصلة عملياتها ضد مؤسسات الحكم والكنائس بل وأعلنت تضامنها مع تنظيم القاعدة وإنضمامها له لاحقاً مما فتح مجالاً للتدخلات الخارجية خاصة الأمريكية والأوروبية في شؤون نيجيريا وفي إقليم غرب أفريقيا ككل.
إن الحلول لمشكلة جماعة بوكوحرام تتمثل في إعادة صياغة أساليب التعامل معها ومثيلاتها من الجماعات التي تستخدم العنف في مواجهة المظالم التاريخية علي أن لا تكون الوسيلة الأمنية هي الطريقة الوحيدة لمعالجة الأمر بل لابد أن تفتح الدولة قنوات الحوار الديني والإجتماعي والسياسي مع هذه الجماعة وفي نفس الوقت محاولة إستعادة الإستقرار في الشمال؛ من خلال فتح باب المشاريع التنموية وزيادة الإستثمارات التي توفر فرص العمل لشباب الإقليم مع إستحداث قنوات للتعبير والتثقيف أمام هذا الشباب حتي لا يكون فريسة سهلة للتجنيد داخل هذه الجماعات المتطرفة ، بالإضافة للعمل علي زيادة فرص التعليم في الإقليم وإنشاء الجامعات والمعاهد والمدراس حتي ينشأ جيل من الشباب يؤمن بأفكار الإسلام السمحة ويدرك معاني قوله تعالي: (لكم دينكم ولي دين) ، وأنه (لا إكراه في الدين) ، ويدرك معاني قوله تعالي:(ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها)،كما ينبغي لجماعة بوكو حرام أن تقبل الحوار والتفاوض مع الحكومة النيجيرية حتي تجنب المسلمين التهديدات الأمنية والإنسانية وتجنب الدولة النيجيرية ودول إقليم غرب أفريقيا مخاطر التفكك والتدخل الخارجي .
النتائـج:
1/يعاني الشباب النيجيرى من ضعف ديني وخواء فكرى أدي الي إنقياده وراء الجماعات المتشددة نتيجة لعدم معرفة الشباب لتعاليم الإسلام السمحة البعيدة عن المغالاة والتشدد والقائمة علي المحبة والوسطية.
2/إن فهم سلف الأمة لقضية الجهاد فهم مبني علي الكتاب والسنة الصحيحة فالإسلام لا يجبر أحداً الدخول فيه ويحرم قتل الكفار بصورة مطلقة .
3/نجحت الأنظمة السياسية في إستخدام فزاعة الإسلام السياسي لتمرير أجندتها الخاصة في سوريا (داعش) ،نيجيريا(بوكوحرام) ، وسوف تستمر هذه الفزاعات في النمو والإنتشار.
4/هنالك إرتباط أيدولوجي روحي وثيق بين جماعة بوكوحرام وتنظيم القاعدة الأم، وليس هنالك علاقة إتصالية مباشرة بين الجماعتين.
5/تعتبر إستراتيجية الذئاب المنفردة او الجنود التائهة من أحدث النظريات الأمنية في التعامل مع ملف الإرهاب الدولي ، وتعتبر هذه الإستراتجية جزءاً من مرحلة (الجهاد المفتوح المصدر) وهي مرحلة ما بعد مقتل أسامة بن لادن.
6/تعمل جماعة بوكو حرام وفق إستراتيجية واضحة تعبر عن ميولها العالمية تسعي للأنتقال التدريجي من تنظيم محلي نيجيرى الي تنظيم أقليمي أفريقي وصولاً الي تنظيم عالمي تحت راية القاعدة الأم.
التوصيـات:
1/ ضرورة معالجة المشكلات الأمنية والإقتصادية والإجتماعية بصورة مترابطة وهذا يعد أمراً حيوياً للقضاء علي العنف وتحقيق الإستقرار السياسي والإجتماعي في نيجيريا.
2/بناء ثقافة تُعلي من شأن الإنتماء الوطني عن دونها من الإنتماءات وأن يستخدم في ذلك أدوات مختلفة لبناء الثقافة الوطنية النيجيرية منها الأدوات التعليمية والإعلامية مما يؤدي لرفع الحس الوطني النيجيرى.
3/الدفع بقيادة وطنية صالحة يتوافق عليها النيجيريون بمختلف أطيافهم وأن تمتلك هذه القيادة وإستراتيجيات واضحة المعالم لبناء مستقبل نيجيري زاهر.
4/ترقية الخطاب الديني الإسلامي والمسيحي ونقله من براثن التعبئة الطائفية إلي مَراقي السماحة الإسلامية والمسيحية حتي يصل المجتمع النيجيرى الي مرحلة التعايش السلمي الإجتماعي و الديني.
5/علي جماعة بوكوحرام أن تقبل التفاوض مع الحكومة النيجيرية حتي تجنب المسلمين التهديدات الأمنية والإنسانية وتجنيب المنطقة مخاطر التدخلات الأجنبية.
قائمة المصادروالمراجـع:
أولاً: القرآن الكريم.
ثانياً:السنة النبوية.
ثالثاً: الكتب والدراسات والدوريات ومواقع الإنترنت:
(1)روبي محمد عبد العال، شريف محمد علي البربري، الصراع الديني وتأثيره علي الحياة السياسية في نيجيريا، المجلة الأفريقية للعلوم السياسية ، رسالة تمهيدي ماجستير ،معهد البحوث والدراسات الأفريقية،ص35،منشورة إلكترونياً علي الموقع:http:www.bchaibnet/mas/index.php?option
(2) نفس المرجع ، ص62.
(3) نفس المرجع ، ص 70.
(4)إبراهيم نصر الدين، دراسات في النظم السياسية الأفريقية، الجيزة ،دار إكتشاف،2010م ص28.
(5)نفس المرجع، ص33.
(6)صبحي قنصوة ، الدين والسياسة في نيجيريا ، القاهرة ، برنامج الدراسات المصرية الأفريقية،2004م،ص36.
(7)إبراهيم نصر الدين ، مرجع سبق ذكره، ص41.
(8)صبحي قصنوة ، مرجع سبق ذكره، ص53.
(9)أميرة محمد عبد الحليم ،نيجيريا إستعادة الإستقرار، الديموقراطية ، القاهرة، يوليو2011م،ص65.
(10)نفس المرجع ،ص 71.
(11)صبحي قنصوة،مرجع سبق ذكره، ص80.
(12)إبراهيم نصر الدين ، مرجع سبق ذكره،ص 55.
(13)أميرة محمد عبد الحليم ،مرجع سبق ذكره، ص79.
(14)أحمد مرتضي ،جماعة بوكو حرام نشأتها ومبادئها وأعمالها في نيجيريا،مجلة قراءات أفريقية،موقع متخصص في شؤون القارة الأفريقية،الموقع الألكتروني:http:www.qiraatafrican.com
(15) جيهان مصطفي ، بوكوحرام كابوس أوباما في نيجيريا ، موقع المحيط علي الأنترنت:
http:moheet.com/show-files.aspx?fid=332544
(16)سورة الأحزاب، الايه33،ص422.
(17)سورة الروم، الايه 20،ص406
(18)أميرة محمد عبد لحليم، مرجع سبق ذكره، ص85.
(19)صبحي قنصوة،مرجع سبق ذكره،91.
(20)نفس المرجع،ص93.
(21)مقال بعنوان:طالبان الجزائر تمد يدها الي طالبان نيجيريا ،الموقع الألكتروني:
http:alqanat.com/news/shows/news.asp?id=115110
(22)نفس المرجع.
(23)ناصر الصرامي ،مقال بعنوان ، أكبر تشويه تاريخي للإسلام يقوده إسلاميون،14/5/2014م،معهد الميثاق ، الموقع الالكتروني:http:www.almethaq.info/news/article10504.htm
(24)نفس المرجع.
(25)مجلة السياسة الدولية، التحليل الآن ، مقال بعنوان ، مستقبل جماعة بوكوحرام في شمال نيجيريا، الموقع الألكتروني:http:www.siyassa.org/ai/front/lner/print
(26)جماعة بوكو حرام ،موقع ويكيبيديا ،الموسوعة الحرة، الموقع الإلكتروني:
http:www.wikipedia/w/index.php
(27)نفس المرجع.
(28)تقرير لإذاعة البي بي سي العربية،إتساع نطاق هجمات المتشددين الإسلاميين في نيجيريا، الموقع الإلكتروني:
http:bbc.co.uk/Arabic/world news/2009/07
(29)أميرة محمد عبد الحليم، صعود جماعة بوكوحرام الأسباب والمعالجات، ملف الأهرام الإستراتيجي، موقع الاهرام الرقمي:http:www.digital.ahramorg.eg/article.asp
(30)نفس المرجع.
(31)عبد الله النغيشمي، جماعة بوكوحرام -نظرةإسلامية-، موقع الحياة، الأحد 25/مايو/2014م،الموقع الالكتروني:http:alhayat.com/opinion-alng.him/25852006
(32)تقرير دولي يحذر من تزايد مخاطر بوكوحرام في أفريقيا،جريدة الشرق الأوسط،27/يناير2012م
(33)ناصر الصرامي ،مرجع سبق ذكره.
(34)سليمان عبد الستار خاطر،المسلمون في أفريقيا ،دراسة إحصائية،منارات أفريقية، الموقع الالكتروني:
http:islam4africa.net/index/php/manarat/index
(35)نفس المرجع.
(36)نفس المرجع.
(37)صحيح سنن إبن ماجه،ص143
(38)فريدوم أوناها ،بوكوحرام وتجليات العنف الديني في نيجريا، الأثنين 27/فبراير/2012م،الساعة 11:34 ،بتوقيت السودان،الموقع الالكتروني:http:studies.aljazeera.net/reports/2012/02/214
(39)رواه أبوداؤود،مشكاة المصابيح:3543
(40)إبن حجر ، الفتح،إسناده حسن 12/2298
(41)أخرجه احمد وغيره،صححه الشخ ناصر في كتاب (السنة)لابن ابي عاصم.
(42)أميرة محمد عبد الحليم ،الغرب الافريقي :نيجريا بين الداخل الديني والخارج النفطي،السياسة الدولية،الموقع الالكتروني:http:digital.ahram.org.eg/artcal
(43) سليمان عبد الستار خاطر،مرجع سبق ذكره.
(44)صبري محمد خليل ، تنظيم القاعدة :نشأته وأصوله الفكرية والمواقف المتعدده منه، موقع سودانيل:
http:www.sudanile.com/index/php/2008/5/1/17
(45)نفس المرجع .
(46)نفس المرجع.
والله ولي التوفيق
