الرسالة ووهج الحروف
23-01-2021, 10:30 AM
لقد كانت الكتابة تمثل التواصل الإنساني الحقيقي بكل أبعاده الحميمية يكملها الصمت وتداعبها المشاعر والأحاسيس ويحتضنها الشوق, فيزيد من أتقاد معانيها, تحملك عبر خيال لا تحده حواجز ولا ملتويات, يزيد لعذوبتها نشوة ولحسها لمسة, فتتحول إلي إبداع كامل متكامل, لتصبح رسول فكر يمثل القيم الاجتماعية تمثيلاً مباشراً, كما تصبح لوحة فنية راقية تنسجم مع ألوانها كل المعاني الراقية التي غيرتها التكنولوجيا وأفرغتها من محتواها الروحي.
إنها ذلك الحنان المذاب حبرا على شكل روح تنساب مقطرة صافية. كجدول ينساب بين المروج ليروي للبشرية حبه للأرض والسماء, مسبحا لخالقه رقراقا منشرحا, يتموج مبتسما لا تقلقه الحواجز ولا يتأثر بالمطبات, الكتابة تخرجك من قوقعة الآلام لتدمج روحيا مع الارتياح النفسي لتصبح كريشة يداعبها النسيم وتعاكسها أمواج البحر,ترتشف الندى وزبدة الرحيق وتحتضن مفاتن الدنيا لتصبح قبسا مشعا داخل روحك, يحرق كل هم يحاول اختراق مجال نفسك, بل هي البلسم النفسي لكل التقلبات المزاجية السلبية, هي السكينة والبوح الذي تنجرف معه كل الآهات لتعيش عمق الأفراح وتجتنبك الأتراح, إنها الأخ والصديق والعمق والبعد الاجتماعي بكل معانية السامية الذي تستطيع أن تروي له كل ما يثقل صدرك ويجعلك حرجا متشائما محتارا, معها تستطيع التعبير بكل حرية لا رقيب عتيد إلا الله الذي يعلم السر وأخفى لتروي حلك وترحالك وكل منعرجاتك وقواسم إبعادك سرا وعلن, تسرد قصص ورويات, تعبر عن الوطن وأبن الوطن وحجره وشجره وجباله وأوديته, تتفنن في رسم الحرف ومعانيه بحره وقره, تجعل من الكلمة فلسفة تحتوي ماضيك وحاضرك وتربط الواقع بالمتاهات والهائمات حولك وحول الكون وما لحقه انصهار فكرك, لتخرج نصوصا ننصهر معها لنرتقي ونتقي ونتلاحم لتتحد قلوبنا قبل أن تتصافح أيادينا.
لقد كانت الرسائل سابقا وعاءا فكريا اجتماعيا معبرا, ملتهبا, جامعا ممتلئا, كاملا حسا ومعنى, بواسطتها تستطيع إيصال أشواقك وكل ما يخالط فكرك وروحك من أحاسيس, تفصيلا لا يخالطه نقص, كما أنها تعتبر وصل رحم طاهر شريف بين العائلات, تفتت الغربة وتقلص ألمها, وتفك طلاسمها المبهمة, قد لا أقنعك ولا تتأثر وأنا أخاطبك وجها لوجه, ولكن عندما أكتب لك قد أنصهر صدقا مع حروفي يساعدني الصمت والزمان ورهبة المكان على أن أقنعك فترتشف كلامي بلسما يداوي الفجوات ويطبب القساوة ويعيد للوصل بهجته.