ثبوت كون القرآن من عند الله
22-05-2007, 11:02 AM
بسم الله الرحمان الرحيم تاريخ النشر-2007 -22-05 الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته والحمد لله الذي ذل كل شيء لعزته والحمد لله الذي خضع كل شيء لملكه والحمد لله الذي استسلم كل شيء لقدرته. الدليل على حاجة الناس إلى الرسل:* لو ترك النظام الذي ينظم الحاجات العضوية والغرائز للإنسان لتنظيم ما لا يقع تحت حسه لوقع في التناقض والتفاوت والاختلاف فيضل ويشقى. *فطرة التدين تدفع لعبادة الخالق وهذه العلاقة لابد لها من منظم وهو الخالق الذي أرسل إلى البشر ملائكة يبلغون أحدهم وهو الرسول ومعه دليل رسالته.من اعتمد على ماله قل و من اعتمد على عقله زل و من اعتمد على جاهه ذل و من اعتمد على نفسه خل و من اعتمد على الله فلا قل ولا زل ولا ذل ولا خل ثبوت كون القرآن من عند الله: 1-وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ23:2 2-أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. يونس / 10 : 38 3-أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ13/11 4-قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا88/17 القرآن كلام عربي اللغة والأسلوب فهو إما أن يكون من محمد و إما أن يكون من العرب و إما أن يكون من الله وهو ليس من العرب قطعا لأنه تحداهم به وهذا بعض كلامهم: عتبة بن ربيعة: والله لقد سمعت كلاما من محمدصلى الله عليه وسلم ما سمعت بمثله قط والله ما هو بشعر ولا كهانه ولا سحر فأطيعوني في هذه وأنزلوها بي خلوا محمدا صلى الله عليه وسلموشانه واعتزلوه و الله ليكونن لما سمعت من كلامه نبأ وهذا رأيي فاصنعوا ما شئتم . أني قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط . والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا الكهانة . يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي . خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وأن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به . قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه . قال هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم الوليد بن المغيرة: و الله إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة و إن أسفله لمغدق و إن أعلاه لمثمر وإنه ليعلو ولا يعلى عليه وإنه ليحطم ما تحته و ما يقول هذا بشر الشفا [ جزء 1 - صفحة 197 ] [ قال القاضي أبو الفضل رحمه الله ] اعلم ـ وفقنا الله و إياك ـ أن كتاب الله العزيز منطو على وجوه من الإعجاز كثيرة و تحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه : أولها : حسن تأليفه و التئام كلمه و فصاحته و وجوه إيجازه و بلاغته الخارقة عادة العرب و ذلك أنهم كانوا أرباب هذا الشأن و فرسان الكلام قد خصوا من البلاغة و الحكم بما لم يخص به غيرهم من الأمم و أوتوا من ذرابة اللسان ما لم يؤت إنسان و من فضل الخطاب ما يقيد الألباب جعل الله لهم ذلك طبعا و خلقة و فيهم غريزة و قوة يأتون منه على البديهة بالعجب و يدلون به إلى كل سبب فيخطبون بديها في المقامات و شديد الخطب و يرتجزون به بين الطعن و الضرب و يمدحون و يقدحون و يتوسلون و يتوصلون و يرفعون و يضعون فيأتون من ذلك بالسحر الحلال و يطوقون من أوصافهم أجمل من سمط اللآل فيخدعون الألباب و يذللون الصعاب و يذهبون الإحن و يهيجون الدمن و يجرئون الجبان و يبسطون يد الجعد البنان و يصيرون الناقص كاملا و يتركون النبيه خاملا منهم البدوي ذو اللفظ الجزل و القول الفصل والكلام الفخم و الطبع الجوهري و المنزع القوي و منهم الحضري ذو البلاغة البارعة والألفاظ الناصعة و الكلمات الجامعة و الطبع السهل و التصرف في القول القليل الكفلة الكثير الرونق الرقيق الحاشية و كلا البابين لهما في البلاغة الحجة البالغة و القوة الدامغة و القدح الفالج و المهيع الناهج لا يشكون أن الكلام طوع مزادهم و البلاغة ملك قيادهم قد حووا فنونها واستنبطوا عيونها و دخلوا من كل باب من أبوابها و علوا صرحا لبلوغ أسبابها فقالوا في الخطير و المهين و تفننوا في الغث و السمين و تقاولوا في القل و الكثر و تساجلوا في النظم و النثر فما راعهم إلا رسول كريم بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أحكمت آياته و فصلت كلماته و بهرت بلاغته العقول و ظهرت فصاحته على كل مقول و تظافر إيجازه و إعجازه و تظاهرت حقيقته و مجازه و تبارت في الحسن مطالعه و مقاطعه و حوت كل البيان جوامعه و بدائعه و اعتدل مع إيجازه حسن نظمه و انطبق على كثرة فوائده مختار لفظه وهم أفسح ما كانوا في الباب مجالا و أشهر في الخطابة رجالا و أكثر في السجع و الشعر سجالا و أوسع في الغريب و اللغة مقالا بلغتهم التي بها يتحاورون و منازعهم التي عنها يتناضلون صارخا بهم في كل حين و مقرعا لهم بضعا و عشرين عاما على رؤوس الملأ أجمعين : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [ سورة يونس / 10 ، الآية : 38 ] وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. البقرة 23:2 } و { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا. } [الإسراء / 17 ، الآية : 88 ] و { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ13/11} و ذلك أن المفتري أسهل و وضع الباطل و المختلق على الاختيار أقرب و اللفظ إذا تبع المعنى الصحيح كان أصعب و لهذا قيل : فلان يكتب كما يقال له و فلان يكتب كما يريد و للأول على الثاني فضل و بينهما شأو بعيد فلم يزل يقرعهم صلى الله عليه و سلم أشد التقريع و يوبخهم غاية التوبيخ و يسفه أحلامهم و يحط أعلامهم و يشتت نظامهم و يذم آلهتهم و آباءهم و يستبيح أرضهم و ديارهم و أموالهم و هم في كل هذا ناكصون عن معارضتيه محجمون عن مماثلته يخادعون أنفسهم بالتشغيب و التكذيب و الإغراء بالافتراء و قولهم : { إن هذا إلا سحر يؤثر } و { سحر مستمر } و { إفك افتراه } و { أساطير الأولين } و المباهتة و الرضا بالدنية كقولهم : { قلوبنا غلف } [ سورة البقرة / 2 ، الآية : ( 88 ) و سورة النساء / 4 ، الآية : 155 ] و { في أكنة مما تدعونا إليه و في آذننا وقر و من بيننا و بينك حجاب } و { لا تسمعوا لهذا القرآن و الغو فيه لعلكم تغلبون } [ سورة فصلت / 41 ، الآية : 26 ] و الادعاء مع العجز بقولهم : { لو نشاء لقلنا مثل هذا } [ سورة الأنفال / 8 ، الآية : 31 ] و قد قال لهم الله: : و لن تفعلوا فما فعلوا و لا قدروا و من تعاطى ذلك من سخفائهم ـ كمسيلمة ـ كشف عواره جميعهم و سلبهم الله ما ألفوه من فصيح كلامهم و إلا فلم يخف على أهل الميز منهم أنه ليس من نمط فصاحتهم و لا جنس بلاغتهم بل و لوا عنه مدبرين و أتوا مذعنين من بين مهتد و بين مفتون و لهذا لما سمع الوليد بن مغيرة من النبي صلى الله عليه و سلم : { إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون } [ سورة النحل / 16 ، الآية : 90 ] قال : و الله إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة و إن أسفله لمغدق و إن أعلاه لمثمر وإنه ليعلو ولا يعلى وإنه ليحطم ما تحته و ما يقول هذا بشر. فقالت قريش قد صبأ الوليد والله لتصبأن قريش كلها و ذكر أبو عبيد أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ : { فاصدع بما تأمر و أعرض عن المشركين } فسجد و قال : سجدت لفصاحته و سمع آخر رجلا يقرأ : { فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا } [ سورة يوسف / 12 ، الآية : 80 ] فقال : أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام و حكي أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كان يوما نائما في المسجد فإذا هو بقائم على رأسه يتشهد شهادة الحق و استخبره فأعلمه أنه من بطارقة الروم ممن يحسن كلام العرب و غيرها و أنه سمع رجلا من أسرى المسلمين يقرأ آية من كتابكم فتأملتها فإذا [ هي ] قد جمع فيها ما أنزل على عيسى ابن مريم من أحوال الدنيا و الآخرة و هي قوله تعالى : { و من يطع الله و رسوله و يخش الله و يتقه فأولئك هم الفائزون } [ سورة النور / 24 ، الآية : 52 ] و حكي الأصمعي أنه سمع كلام جارية فقال لها : قاتلك الله ما أفصحك ! فقالت : أو يعد هذا فصاحة بعد قول الله تعالى : { و أوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم و لا تخافي و لا تحزني إنا رادوه إليك و جاعلوه من المرسلين } فجمع في آية واحدة بين أمرين و نهيين و خبرين و بشارتين فهذا نوع من إعجازه منفرد بذاته غير مضاف إلى غيره على التحقيق و كون القرآن من قبل النبي صلى الله عليه و سلم و أنه أتى به ـ معلوم ضرورة و كونه ـ عليه السلام ـ متحديا به معلوم ضرورة و عجز العرب عن الإتيان بمثله معلوم ضرورة و كونه في فصاحته خارقا للعادة معلوم ضرورة للعالمين بالفصاحة و وجوه البلاغة و سبيل من ليس من أهلها علم ذلك بعجز المفكرين من أهلها عن معارضته و اعتراف المفسرين بإعجاز بلاغته و أنت إذا تأملت قوله تعالى : { و لكم في القصاص حياة } [ سورة البقرة / 2 ، الآية : 179 ] و قوله : { و لو ترى إذ فزعوا فلا فوت و أخذوا من مكان قريب } و قوله : { ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم } و قوله : { و قيل يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي و غيض الماء و قضي الأمر واستوت على الجودي و قيل : بعدا للقوم الظالمين } [ سورة هود / 11 ، الآية : 44 ] و قوله : { فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا و منهم من أخذته الصيحة و منهم من خسفنا به الأرض و منهم من أغرقنا } [ سورة العنكبوت / 29 ، الآية : 40 ] و أشباهها من الآي بل أكثر القرآن حققت ما بينته من إيجاز ألفاظها و كثرة معانيه و ديباجة عبارتها و حسن تأليف حروفها و تلاؤم كلمها و أن تحت كل لفظة منها جملا كثيرة و فصولا جمة و علوما زواخر ملئت الدواوين من بعض ما استفيد منها و كثرت المقالات في المستنبطات عنها ثم هو في سرده القصص الطوال و أخبار القرون السوالف التي يضعف في عادة الفصحاء عندها الكلام و يذهب ماء البيان ـ آية لمتأمله من ربط الكلام بعضه ببعض و التئام سرده و تناصف وجوهه كقصة يوسف على طولها ثم إذا ترددت قصصه اختلفت العبارات عنها على كثرة ترددها حتى تكاد كل واحدة تنسي في البيان صاحبتها و تناصف في الحسن وجه مقابلتها و لا نفور للنفوس من ترديدها و لا معاداة لمعادها الوجه الثاني: من إعجازه صورة نظمه العجيب و الأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب و مناهج نظمها و نثرها الذي جاء عليه و وقفت مقاطع آيه و انتهت فواصل كلماته إليه و لم يوجد قبله و لا بعده نظير له و لا استطاع أحد مماثلة شيء منه بل حارت فيه عقولهم و تدلهت دونه أحلامهم و لم يهتدوا إلى مثله في جنس كلامهم من نثر أو نظم أو سجع أو رجز أو شعر و لما سمع كلامه صلى الله عليه و سلم الوليد بن المغيرة و قرأ عليه القرآن ـ رق فجاءه أبو جهل منكرا عليه ـ قال : و الله ما منكم أحد أعلم بالأشعار مني و الله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا و في خبره الآخر ـ حين جمع قريش عند حضور الموسم و قال : إن وفود العرب ترد فأجمعوا فيه رأيا لا يكذب بعضكم بعضا فقالوا : نقول كاهن قال : و الله ما هو بكاهن ما هو بزمزمته و لا سجعه قالوا : مجنون : قال : ما هو بمجنون و لا بخنقه و لا وسوسته قالوا : فنقول شاعر قال : ما هو بشاعر قد عرفنا الشعر كله رجزه و هزجه و قريضه و مبسوطه و مقبوضه ما هو بشاعر قالوا : فنقول ساحر قال : ما هو بساحر و لا نفثه و لا عقده قالوا : فما نقول : قال : ما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا و أنا أعرف أنه باطل و إن أقرب القول أنه ساحر فإنه سحر يفرق بين المرء و ابنه و المرء و أخيه و المرء وزوجه و المرء و عشيرته فتفرقوا و جلسوا على السبل يحذرون الناس فأنزل الله تعالى في الوليد : { ذرني و من خلقت وحيدا و جعلت له مالا ممدودا و بنين شهودا و مهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا أنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا إنه فكر و قدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر و استكبر فقال : إن هذا إلا سحر يؤثر } [ سورة المدثر / 74 ، الآية 11 ، 24 ] و قال عتبة بن ربيعة حين سمع القرآن : يا قوم قد علمتم أني لم أترك شيئا إلا و قد علمته و قرأته و قلته و الله لقد سمعت قولا و الله ما سمعت مثله قط ما هو بالشعر ولا بالسحر و لا بالكهانة و قال النضر بن الحارث نحوه و في حديث إسلام أبو ذر و وصف أخاه أنيسا فقال : و الله ما سمعت بأشعر من أخي أنيس لقد ناقض اثني عشر شاعرا في الجاهلية أنا أحدهم و إنه انطلق إلى مكة و جاء إلى أبي ذر بخبر النبي صلى الله عليه و سلم قلت : فما يقول الناس ؟ قال : يقولون : شاعر : كاهن ساحر لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم و لقد وضعته على أقراء الشعر فلم يلتئم و ما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر و إنه لصادق و إنهم لكاذبون و الأخبار في هذا صحيحة كثيرة و الإعجاز بكل واحد من النوعين : الإيجاز و البلاغة بذاتها أو الأسلوب الغريب بذاته كل واحد منهما نوع إعجازه على التحقيق لم تقدر العرب على الإتيان بواحد منهما إذا كل واحد خارج عن قدرتها مباين لفصاحتها و كلامها و إلى هذا ذهب غير واحد من أئمة المحققين و من تفنن في علوم البلاغة و أرهف خاطره و لسانه أدب هذه الصناعة لم يخف عليه ما قلناه و قد اختلف أئمة أهل السنة في وجه عجزهم عنه فأكثرهم يقول : إنه ما جمع في قوة جزالته و نصاعة ألفاظه و حسن نظمه و إيجازه و بديع تأليفه و أسلوبه لا يصح أن يكون في مقدور البشر و أنه من باب الخوارق الممتنعة عن إقدار الخلق عليها كإحياء الموتى و قلب العصا و تسبيح الحصى.فعجز العرب عنه ثابت و إقامة الحجة عليهم بما يصح أن يكون في مقدور البشر و تحديهم بأن يأتوا بمثله ـ قاطع و هو أبلغ في التعجيز و أحرى بالتقريع و الإحتجاج بمجيء بشر مثلهم بشيء ليس من قدرة البشر لا زم و هو أبهر آية و أقمع دلالة و على كل حال فما أتوا في ذلك بمقال بل صبروا على الجلاء و القتل و تجرعوا كاسات الصغار و الذل و كانوا من شموخ الآنف و إباية الضيم بحيث لا يؤثرون ذلك اختيارا و لا يرضونه إلا اضطرارا و إلا فالمعارضة لو كانت من قدرهم الشغل بها أهون عليهم و أسرع بالنجح و قطع العذر و إفحام الخصم لديهم و هم ممن لهم قدرة على الكلام و قدوة في المعرفة به لجميع الأنام و ما منهم إلا من جهد جهده و استنفد ما عنده في إخفاء ظهوره و إطفاء نوره فما جلوا في ذلك خبيئة من بنات شفاههم و لا أتوا بنطفة من معين مياههم مع طول الأمد و كثرة العدد و تظاهر الوالد و ما ولد بل أبلسوا فما نبسوا و منعوا فانقطعوا فهذان نوعان من إعجازه الوجه الثالث: من الإعجاز ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات و ما لم يكن و لم يقع فوجد كما ورد و على الوجه الذي أخبر به كقولالله: { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } [ سورة الفتح / 48 ، الآية : 27 ] و قوله تعالى : { و هم من بعد غلبهم سيغلبون } [ سورة الروم / 30 ، الآية : 3 ] و قوله : { ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون } [ سورة التوبة / 9 ، الآية : 33 ] و قوله : { وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا و من كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } [ سورة النور / 24 ، الآية : 55 ] و قوله : { إذا جاء نصر الله و الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك و استغفره إنه كان توابا } [ سورة النصر / 110 ، الآية : 1 ، 3 ] فكان جميع هذا كما قال فغلبت الروم فارس في بضع سنين و دخل الناس في الإسلام أفواجا فما مات صلى الله عليه و سلم و في بلاد العرب كلها موضع لم يدخله الإسلام و استخلف الله المؤمنين في الأرض و مكن فيها دينهم و ملكهم إياها من أقصى المشارق إلى أقصى المغارب كما قال عليه السلام : [ زويت إلى الأرض فأريت مشارقها و مغاربها و سيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها ] و قوله : { إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون } فكان كذلك منذ سعى المعاندون في تغييره و تبديل محكمه فأجمعوا كيدهم و حولهم و قوتهم اليوم نيفا على ألف وأربعمائة وست وعشرون عام فما قدروا على إطفاء شيء من نوره و لا تغيير كلمة من كلامه و لا تشكيك المسلمين في حرف من حروفه و الحمد لله و منه قوله : { سيهزم الجمع و يولون الدبر } [ سورة القمر / 54 ، الآية : 45 ] و قوله : { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم و يخزهم و ينصركم عليهم و يشف صدور قوم مؤمنين } [ سورة التوبة / 9 ، الآية : 14 ] و قوله : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون } [ سورة التوبة / 9 ، الآية : 33 ] 0و - قوله : { لن يضروكم إلا أذى و إن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون } فكان كل ذلك و ما فيه من كشف أسرار المنافقين و اليهود و مقالهم و كذبهم في حلفهم و تقريعهم بذلك كقوله : { و يقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول } و قوله : { يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم و ليبتلي الله ما في صدوركم و ليمحص ما في قلوبكم و الله عليم بذات الصدور } و قوله { و من الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون : إن أوتيتم هذا فخذوه و إن لم تؤتوه فاحذروا و من يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي و لهم في الآخرة عذاب عظيم } [ سورة المائدة / 5 الآية : 41 ] و قوله : { من الذين هادوا يحرفون الكلم عن موضعه و يقولون سمعنا و عصينا واسمع غير مسمع و راعنا ليا بألسنتهم و طعنا في الدين } [ 95 ] [ سورة النساء / 4 ، الآية : 46 ] و قد قال مبديا ما قدره الله واعتقده المؤمنين يوم بدر : { و إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم و تودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم } سورة الأنفال / 8 ، الآية : 7 ] و منه قوله تعالى : { إنا كفيناك المستهزئين } [ سورة الحجر / 15 ، الآية : 95 ] و لما نزلت بشر النبي صلى الله عليه و سلم بذلك أصحابه بأن الله كفاه إياهم و كان المستهزئون نفرا بمكة ينفرون الناس عنه و يؤذونه فهلكوا و قوله { و الله يعصمكم من الناس } فكان كذلك على كثرة من رام ضره و قصد قتله و الأخبار بذلك معروفة صحيحة الوجه الرابع: ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة و الأمم البائدة و الشرائع الداثرة مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أخبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك فيورده النبي صلى الله عليه و سلم على وجهه و يأتي به على نصه فيعترف العالم بذلك بصحته و صدقه و أن مثله لم ينله بتعليم و قد علموا أنه صلى الله عليه و سلم أمي لا يقرأ و لا يكتب و لا اشتغل بمدارسة و لا مثافنة(مدافعة) و لم يغب عنهم و لا جهل حاله أحد منهم و قد كان أهل الكتاب كثيرا ما يسألونه ـ صلى الله عليه و سلم ـ عن هذا فينزل عليه من القرآن ما يتلو عليهم منه ذكرا كقصص الأنبياء مع قومهم و خبر موسى و الخضر و يوسف و إخوته و أصحاب الكهف و ذي القرنين و لقمان و ابنه و أشباه ذلك من الأنبياء [ و القصص ] و بدء الخلق و ما في التوراة و الإنجيل و الزبور و صحف إبراهيم و موسى مما صدقه فيه العلماء بها و لم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها بل أذعنوا لذلك فمن موفق آمن بما سبق له من خير و من شقي معاند حاسد و مع هذا لم يحك عن واحد من النصارى و اليهود على شدة عداوتهم له و حرصهم على تكذيبه و طول احتجاجه عليهم بما في كتبهم و تقريعهم بما انطوت عليه مصاحفهم و كثرة سؤالهم له صلى الله عليه و سلم و تعنيتهم إياه ـ عن أخبار أنبيائهم و أسرار علومهم و مستودعات سيرهم و إعلامه لهم بمكتوم شرائعهم و مضمنات كتبهم مثل سؤالهم عن الروح و ذي القرنين و أصحاب الكهف و عيسى و حكم الرجم و ما حرم إسرائيل على نفسه و ما حرم عليهم من الأنعام و من طيبات أحلت لهم فحرمت عليهم ببغيهم و قوله : { ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار } [ سورة الفتح / 48 ، الآية : 29 ] و غير ذلك من أمورهم التي نزل فيها القرآن فأجابهم و عرفهم بما أوحى إليه من ذلك أنه أنكر ذلك أو كذبه بل أكثرهم صرح بصحة نبوته و صدق مقالته و اعترف بعناده و حسدهم إياه كأهل بجران و ابن صوريا و ابني أخطب و غيرهم و من باهت في ذلك بعض المباهتة و ادعى أن فيما عندهم من ذلك لما حكاه مخالفة ـ دعي إلى إقامة حجته و كشف دعوته فقيل له : { قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون } فقرع و وبخ و دعا إلى إحضار ممكن غير ممتنع فمن معترف بما جحده و متواقح يلقي على فضيحته من كتابة يده و لم يؤثر أن واحدا منهم أظهر خلاف قوله من كتبه و لا أبدى صحيحا و لا سقيما من صحفه قال الله تعالى : { يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب و يعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه و يهديهم إلى صراط مستقيم } [ سورة المائدة / 5 ، الآية : 15 ، 16 ] هذه الوجوه الأربعة من إعجازه بينة لا نزاع فيها و لا مرية خواص القرآن: و من الوجوه البينة في إعجازه من غير هذه الوجوه آيٌ وردت بتعجيز قوم في قضايا و إعلامهم أنهم لا يفعلونها فما فعلوا و لا قدروا على ذلك كقوله لليهود : { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين و لن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم } [ سورة البقرة / 2 ، الآية : 94 ، 95 ] قال أبو إسحاق الزجاج : في هذه الآية أعظم حجة و أظهر دلالة على صحة الرسالة لأنه قال : { فتمنوا الموت } و أعلمهم أنهم لن يتمنوه أبدا فلم يتمنه واحدا منهم و عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ و الذي نفسي بيده لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه ] يعني يموت مكانه فصرفهم الله عن تمنيه و جزعهم ليظهر صدق رسوله و صحة ما أوحي إليه إذا لم يتمنه أحد منهم و كانوا على تكذيبه أحرص لو قدروا و لكن الله يفعل ما يريد فظهرت بذلك معجزته و بانت حجته قال أبو محمد الأصيلي : من أعجب أمرهم أنه لا يوجد منهم جماعة و لا واحد من يوم أمر الله بذلك نبيه ـ يقدم عليه و لا يجيب إليه و هذا موجود مشاهد لمن أراد أن يمتحنه منهم و كذلك آية المباهلة من هذا المعنى حيث وفد عليه أساقفة نجران و أبوا الإسلام فأنزل الله تعالى عليه آية المباهلة بقوله : { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } [ سورة آل عمران / 3 ، الآية : 61 ] فامتنعوا منها و رضوا بأداء الجزية و ذلك أن [ العاقب ] عظيمهم قال لهم : قد علمتم أنه نبي و أنه ما لاعن قوما نبي قط فبقي كبيرهم و لا صغيرهم و مثله قوله : { و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله و ادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا } فأخبرهم أنهم لا يفعلون كما كان و هذه الآية أدخل في باب الإخبار عن الغيب و لكن فيها من التعجيز ما في التي قبلها و منها الروعة التي تلحق قلوب سامعيه و أسماعهم عند سماعه و الهيبة التي تعتريهم عند تلاوته لقوة حاله و إنافة(إشراف) خطره و هي على المكذبين به أعظم حتى كانوا يستثقلون سماعه و يزيدهم نفورا كما قال تعالى و يودون انقطاعه لكراهتهم له و لهذا قال صلى الله عليه و سلم : [ إن القرآن صعب مستصعب على من كرهه و هو الحكم و أما المؤمن فلا تزال روعته به و هيبته إياه مع تلاوته ـ توليه انجذابا و تكسبه هشاشة لميل قلبه إليه و تصديقه به قال تعالى : { تقشعر منه جلود الذي يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم إلى ذكر الله } [ سورة الزمر / 39 ، الآية : 23 ] و قال : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله و تلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون } [ سورة الحشر / 59 ، الآية : 21 ] ] و يدل على أن هذا شيء خص به ـ أنه يعتري من لا يفهم معانيه و لا يعلم تفاسيره كما روي عن نصراني ـ أنه مر بقارئ ـ فوقف يبكي فقيل له : مم بكيت ؟ قال : للشجا و النظم و هذه الروعة قد اعترت جماعة قبل الإسلام و بعده فمنهم من أسلم لها لأول وهلة و آمن به و منهم من كفر فحكي في الصحيح عن جبير بن مطعم قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية : { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات و الأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون } ـ كاد قلبي أن يطير للإسلام و في رواية : و ذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي و عن عتبة بن ربيعة أنه كلم النبي صلى الله عليه و سلم فيما جاء به من خلاف قومه فتلا عليهم : { حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا و نذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون و قالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه و في أذاننا وقر و من بيننا و بينك حجاب فاعمل إننا عاملون قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه و استغفروه و ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة و هم بالآخرة هم كافرون إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين و تجعلون له أندادا ذلك رب العالمين و جعل فيها رواسي من فوقها و بارك فيها و قدر فيها أقوتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء و هي دخان فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا : أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين و أوحى في كل سماء أمرها و زينا السماء الدنيا بمصابيح و حفظا ذلك تقدير العزيز العليم فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد و ثمود } [ سورة فصلت / 41 ، الآية : 1 ، 13 ] فامسك عتبة بيده على في النبي صلى الله عليه و سلم و ناشده الرحم أن يكف و في رواية : فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ و عتبة مصغ ملق يديه خلف ظهره معتمد عليهما حتى انتهى إلى السجدة فسجد النبي صلى الله عليه و سلم و قام عتبة لا يدري بما يراجعه و رجع إلى أهله و لم يخرج إلى قومه حتى أتوه فاعتذر لهم و قال : و الله لقد كلمني بكلام و الله ما سمعت أذناي بمثله قط فما دريت ما أقول له و قد حكي عن غير واحد ممن رام معارضته أنه اعترته روعة و هيبة كف بها عن ذلك فحكي أن ابن المقفع طلب ذلك و رامه و شرع فيه فمر بصبي يقرأ : { و قيل يا أرض ابلعي ماءك } ـ فرجع فمحا ما عمل و قال : أشهد أن هذا لا يعارض و ما هو من كلام البشر و كان من أفصح أهل وقته و كان يحيى بن حكم الغزال بليغ الأندلس في زمنه فحكي أنه رام شيئا من هذا فنظر في سورة الإخلاص ليحذو على مثالها و ينسج ـ بزعمه ـ على منوالها ـ قال : فاعترتني خشية ورقة حملتني على التوبة و الإنابة و من وجوه إعجازه المعدودة كونه آيه باقية لا تعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله بحفظه فقال : { إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون } [ سورة الحجر / 15 ، الآية : 9 ] و قال : { لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } و سائر معجزات الأنبياء انقضت بانقضاء أوقاتها فلم يبق إلا خبرها و القرآن العزيز الباهرة آياته الظاهرة معجزاته على ما كان عليه اليوم ـ مدة ألف وأربعمائة وست وعشرون عام لأول نزوله إلى و قتنا هذا ـ حجته قاهرة و معارضته ممتنعة و الأعصار كلها طافحة بأهل البيان و حملة علم اللسان و أئمة البلاغة و فرسان الكلام و جهابذة البراعة و الملحد فيهم كثير و المعادي للشرع عتيد فما منهم من أتى بشيء يؤثر في معارضته و لا ألف كلمتين في مناقضته و لا قدر فيه على مطعن صحيح و لا قدح المتكلف من ذهنه في ذلك إلا بزند شحيح بل المأثور عن كل من رام ذلك إلقاؤه في العجز بيديه و النكوص على عقبيه و قد عد جماعة من الأئمة و مقلدي الأمة في إعجازه وجوها كثيرة منها أن قارئه لا يمله و سامعه لا يمجه بل الإكباب على تلاوته يزيد حلاوة و ترديده يوجب له محبة لا يزال غضا طريا و غيره من الكلام ـ و لو بلغ في الحسن و البلاغة مبلغه ـ يمل مع الترديد و يعادى إذا أعيد و كتابنا يستلذ به في الخلوات و يونس بتلاوته في الأزمات و سواه من الكتب لا يوجد فيها ذلك حتى أحدث أصحابها لحونا و طرقا يستجلبون بتلك اللحون تنشيطهم على قراءتها و لهذا و صف رسول الله صلى الله عليه و سلم القرآن بأنه لا يخلق على كثرة الرد و لا تنقضي عبره و لا تفنى عجائبه هو الفصل ليس بالهزل لا يشبع منه العلماء و لا تزيغ به الأهواء و لا تلتبس به الألسنة هو الذي لم تنته الجن حين سمعته أن قالوا : { إن سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد } [ سورة الجن / 72 ، الآية : 1 ، 2 ] و منها جمعه لعلوم و معارف لم تعهد العرب عامة و لا محمد صلى الله عليه و سلم قبل نبوته خاصة بمعرفتها و لا القيام بها و لا يحيط بها أحد من علماء الأمم و لا يشتمل عليها كتاب من كتبهم فجمع فيه من بيان علم الشرائع و التنبيه على طرق الحجج العقليات و الرد على فرق الأمم ببراهين قوية و أدلة بينة سهلة الألفاظ موجزة المقاصد رام المتحذلقون بعد ـ أن ينصبوا أدلة مثلها فلم يقدروا عليها كقوله تعالى : { أوليس الذي خلق السموات و الأرض بقادر على أن يخلق مثلهم } [ سورة يس / 36 ، الآية : 81 ] و : { قل يحييها الذي أنشأها أول مرة } [ سورة يس / 36 ، الآية : 79 ] و : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } [ سورة الأنبياء / 21 ، الآية : 22 ] إلى ما حواه من علوم السير و أنباء الأمم و المواعظ و الحكم و أخبار الدار الآخرة و محاسن الآداب و الشيم قال الله ـ جل اسمه ـ : { ما فرطنا في الكتاب من شيء } [ سورة الأنعام / 6 ، الآية : 38 ] و : { و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } [ سورة النحل / 16 ، الآية : 89 ] و : { و لقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل } [ سورة الورم / 30 ، الآية : 58 ] و قال ـ صلى الله عليه و سلم : [ إن الله أنزل هذا القرآن آمرا و زاجرا و سنة خالية و مثلا مضروبا فيه نبؤكم و خبر ما كان قبلكم و نبأ ما بعدكم و حكم ما بينكم لا يخلقه طول الرد و لا تنقضي عجائبه هو الحق ليس بالهزل من قال به صدق و من حكم به عدل و من خاصم به فلج و من قسم به أقسط و من عمل به أجر و من تمسك به هدي إلى صراط مستقيم و من طلب الهدى من غيره أضله الله و من حكم بغيره قصمه الله هو الذكر الحكيم و النور المبين و الصراط المستقيم و حبل الله المتين و الشفاء النافع عصمة لمن تمسك به و نجاة لمن اتبعه لا يعوج فيقوم و لا يزيغ فيستعتب و لا تنقضي عجائبه و لا يخلق على كثرة الرد ] و قال الله تعالى : { إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون } [ سورة النمل / 27 ، الآية : 76 ] و قال : { هذا بيان للناس و هدى و موعظة للمتقين } [ سورة آل عمران / 3 ، الآية : 138 ] فجمع [ 98 ] فيه مع و جازة ألفاظه و جوامع كلمه أضعاف ما في الكتب قبله التي ألفاظها على الضعف منه مرات و منها جمعه فيه بين الدليل و مدلوله و ذلك أنه احتج بنظم القرآن و حسن رصفه و إيجازه و بلاغته و أثناء هذه البلاغة أمره و نهيه و وعده و وعيده فالتالي له يفهم موضع الحجة و التكليف معا من كلام واحد و سورة منفردة و منها أن جعله في حيز المنظوم الذي لم يعهد و لم يكن في حيز المنشور لأن المنظوم أسهل على النفوس و أوعى للقلوب و أسمع في الآذان و أحلى على الأفهام فالناس إليه أميل و الأهواء إليه أسرع و منها تيسيره تعالى حفظه لمتعلميه و تقريبه على متحفظيه قال الله تعالى : { و لقد يسرنا القرآن للذكر } [ سورة القمر / 54 ، الآية : 17 ] و سائر الأمم لا يحفظ كتبها الواحد منهم فكيف الجماء على مرور السنين عليهم و القرآن ميسر حفظه للغلمان في أقرب مدة و منها مشاكلة بعض أجزائه بعضا و حسن ائتلاف أنواعها و التئام أقسامها و حسن التخلص من قصة إلى أخرى و الخروج من باب إلى غيره على اختلاف معانيه و انقسام السورة الواحدة إلى أمر و نهي و خبر واستخبار و وعد و وعيد و إثبات نبوة و توحيد و تفريد و ترغيب و ترهيب إلى غير ذلك من فوائده دون خلل يتخلل فصوله و الكلام الفصيح إذا اعتروه مثل هذا ضعفت قوته و لانت جزالته و قل رونقه و تقلقت ألفاظه فتأمل أول ما جمع فيها من أخبار الكفار و شقاقهم و تقريعهم بإهلاك القرون من قبلهم و ما ذكرمن تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه و سلم و تعجبهم مما أتى به و الخبر عن اجتماع ملئهم على الكفر و ما ظهر من الحسد في كلامهم و تعجيزهم و توهينهم و وعيدهم بخزي الدنيا و الأخرة و تكذيب الأمم قبلهم و إهلاك الله لهم و وعيد هؤلاء مثل مصابهم و تصبير النبي على أذاهم و تسليته بكل ما تقدم ذكره ثم أخذ في ذكر داود و قصص الأنبياء كل هذا في أوجز كلام و أحسن نظام و منه الجملة الكثيرة التي انطوت عليها الكلمات القليلة و هذا كله و كثير مما ذكرنا أنه ذكر في إعجاز القرآن إلى و جوه كثيرة ذكرها الأئمة لم نذكرها إذ أكثرها داخل في باب بلاغته فلا يجب أن يعد فنا منفردا في إعجازه إلا في باب تفضيل فنون البلاغة و كذلك كثير مما قدمنا ذكره عنهم يعد في خواصه و فضائله لا إعجازه و حقيقة الإعجاز الوجوه الأربعة التي ذكرنا فليعتمد عليها و ما بعدها من خواص القرآن و عجائبه التي لا تنقضي و الله و لي التوفيق وهو ليس من عند محمدصلى الله عليه وسلمولم يدعيه ولم تقله العرب بل ادعوا أنه يأتي به من فتى نصراني أعجمي اسمه جبر (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ)16-103( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ)41-44وقدجاء القرآن بما لا يقع تحت حس محمدصلى الله عليه وسلم ولا العرب ولا أهل زمانه مثل: *(فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)6-125 *(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)27-88 *العلم بأخبار السابقين أمما وأنبياء كالقصص القرآني و العلم بأخبار المستقبل القريب والبعيد على وجه اليقين (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)28-1(غُلِبَتِ الرُّومُ)30-1(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.)23-14(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا)25-53 * وهو ليس من عند محمدصلى الله عليه وسلموإلا لما عاتب وهدد نفسه (عَبَسَ وَتَوَلَّى)80-1(وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً. إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا.)17-74(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ. لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)69-44 * وهو ليس من عند محمدصلى الله عليه وسلموإلا لبرأ زوجته وعرضه (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ. لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ. لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ.)24-11 * وهو ليس من عند محمدصلى الله عليه وسلملان حديثه المتواتر: " تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ " وغيره من الأحاديث المتواترة و الظنية لا يشابه القرآن في أسلوبه. فلم يبق إلا أن يكون من الله.وهذا هو الحق والقطع و اليقين والنور المبين والصراط المستقيم قال ـ صلى الله عليه و سلم : ( إن الله أنزل هذا القرآن آمرا و زاجرا و سنة خالية و مثلا مضروبا فيه نبؤكم و خبر ما كان قبلكم و نبأ ما بعدكم و حكم ما بينكم لا يخلقه طول الرد و لا تنقضي عجائبه هو الحق ليس بالهزل من قال به صدق و من حكم به عدل و من خاصم به فلج و من قسم به أقسط و من عمل به أجر و من تمسك به هدي إلى صراط مستقيم و من طلب الهدى من غيره أضله الله و من حكم بغيره قصمه الله هو الذكر الحكيم و النور المبين و الصراط المستقيم و حبل الله المتين و الشفاء النافع عصمة لمن تمسك به و نجاة لمن اتبعه لا يعوج فيقوم و لا يزيغ فيستعتب و لا تنقضي عجائبه و لا يخلق على كثرة الرد) و نحوه عن ابن مسعود و قال فيه : و لا يختلف و لا يتشانا فيه نبأ الأولين و الآخرين و في الحديث : ( قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه و سلم : إني منزل عليك توراة حديثة تفتح بها أعينا عميا و آذانا صما و قلوبا غلفا فيها ينابيع العلم و فهم الحكمة و ربيع القلوب
التعديل الأخير تم بواسطة antar ; 31-05-2007 الساعة 09:47 AM