شنقيط .. بلاد المنارة وأرض المليون شاعر
02-12-2020, 12:06 PM


شنْقِيط بلاد المنارة والرباط، وأرض المليون شاعر، وبلاد البدو العلماء الذين كسروا ولأول مرة في التاريخ قاعدة تناقض العلم والبداوة، مما جعل أحد علماء الاجتماع الغربيين يقول معبرًا عن هذه الظاهرة الفريدة:" لأول مرة في التاريخ يظهر مجتمع بدوي يكثر فيه العلماء الذين يدرسون علوم القرآن ومصطلح الحديث وفروع اللغة والمنطق والموسيقى"، وقد خاض علماء شنقيط مشارق الأرض ومغاربها حاملين لواء العلم ومبلغيه إلى كل من يمكن أن يؤتمن عليه، ومربين الأجيال على ما حملوه منه. فما هي بلاد شنقيط، وماذا تعرف عنها؟

معنى كلمة شنقيط
شنقيط في الأصل هي اسم لمدينة من مدن أدرار واقعة فوق جبل في جهة غرب الصحراء الكبرى، ثم سمي بها القطر كله، وقد أُختلف في أصل اشتقاق اسمها، فقيل: إنها كلمة بربرية تعني عيون الخيل، وقيل: كلمة عربية فصيحة أصلها (سن قيط) أي طرف جبل (قيط) المجاور للمدينة، ورأي ثالث قال: إنها كلمة عربية تعني الشنقيط وهو نوع من الأواني الخزفية كان متداولًا في المنطقة، وبلاد شنقيط هو الاسم القديم لدولة موريتانية الحالية.

أما كلمة موريتانيا فهي كلمة لاتينية معناها أرض الرجال السُمر، وقد عرف هذا القطر بالإضافة إلى اسم بلاد شنقيط بأسماء كثيرة عبر تاريخه الطويل منها بلاد صنهاجة الجنوب، وصنهاجة الرمال، وصحراء الملثمين، وبلاد لمتونة وبلاد تكرور، وعندما وقعت في قبضة الاحتلال الفرنسي برهة من الزمن رأت فرنسا أن هذه التسمية لا تخدم أغراضها الاستعمارية فاختارت لها اسم موريتانيا إحياء لتسمية قديمة كانت تطلق على مملكة رومانية قديمة في شمال إفريقيا.

وقد لعبت شنقيط أدوارًا علمية ودينية واقتصادية مشهورة على امتداد تاريخها، حيث كانت همزة الوصل بين العالم العربي والإسلامي، وبين دول شمال إفريقيا ودول غرب القارة السمراء، كما كانت منطلقًا موسميًا لكثير من الحجاج، ومحطة تجارية تتعاقب عليه القوافل للتجارة، ومركزًا ثقافيًا يفد إليه الطلاب والعلماء لتبادل الشعر والأدب على مدار السنة.

وقد عرف عن بلاد شنقيط على مر العصور بأنها بلاد العلم، كما عرف عن أهلها بأنهم أهل علم ولغة وشعر، وقد خرج منها العديد من العلماء والشعراء، بل وتميز علماؤها بالنبوغ والحفظ والورع والزهد والصلاح، وكان لهم النصيب الأوفر في رفع اسم البلاد ونشر علمها في إفريقيا والبلاد العربية وجميع أنحاء العالم الإسلامي، ومن هؤلاء الإمام العلامة المفسر المحقق محمد الأمين الشنقيطي، وغيره الكثير ممن نشأوا في هذه البلدة.

دخول الإسلام بلاد شنقيط
أما عن تاريخ دخول الإسلام بلاد شنقيط، فقد وصل الإسلام إلى بلاد إفريقيا والمغرب العربي بصفة عامة في القرن الأول الهجري عن طريق الفتوحات الإسلامية على يد الفاتح عقبة بن نافع، وقد أُختلف في تاريخ فتح موريتانيا، إلا أنَّ المعول عليه والأقرب إلى الحقيقة هو أنها فُتحت على يد عقبة بن نافع بعد ولايته على شمال إفريقيا من قبل يزيد بن معاوية رضي الله عنهما قال ابن خلدون: "ودخل المغرب الأقصى، وأثخن في المصامدة حتى حملهم على طاعة الإسلام، ودوخ بلادهم، ثم أجاز إلى بلاد السوس لقتال من بها من صنهاجة أهل اللثام، فأثخن فيهم، وقاتل مسوفة من وراء السوس، وساسهم وقفل راجعًا".

كيفية التعليم في شنقيط
إذا بلغ الصبي خمس سنين يعلموه من الواحد إلى العشرة، ثم يبدءون في تعليمه الحروف الأبجدية، ومن بعدها تعليم القرآن إلى أن يبلغ الصبي، فإن بلغ الحلم، يبدأ في غير القرآن، كدواوين العرب، والنحو والفقه، وغير ذلك من العلوم، وقد يستغرق طالب العلم يومه كله في التدريس، لأن الشيخ عندهم، لا يلزم الطلبة أن يشتركوا في درس واحد، من فن من الفنون، فتراه مثلًا يدرس لعشرة من التلامذة الألفية، فبعضهم يقرأ من أولها، وبعضهم يقرأ من وسطها، وبعضهم يقرأ من آخرها، ويلقى لكل درسه من موضعه الذي يليق به، وهكذا في الفقه وغيرهما من العلوم.

أما ما يكابده العالم من مشاق الدنيا، فهو إنه يكون موردًا للضيوف وللمستفتين ولطالب الحاجة، وليس للقاضي ولا للمدرس، هناك أوقاف تصرف عليهما، ولا يأخذ أحدهما من الطلبة، بل قد يعطيهم من يده، والمفتي أيضًا لا يأخذ شيئا في مقابلة الفتوى[1].

قصة الإسلام

[1] ابن خلدون: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، تحقيق: خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1408هـ= 1988م، 6/ 142، وحماه الله ولد السالم: حجاج ومهاجرون (علماء بلاد شنقيط في البلاد العربية وتركيا) دار الكتب العلمية، ص149، 159- 160، 392، وأحمد بن الأمين الشنقيطي: الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، الشركة الدولية للطباعة، مصر، الطبعة الخامسة، 1422هـ= 2002 م، ص517- 519، والموسوعة العربية العالمية، / 2- 25، وأبي علي بحيد بن الشيخ يربان القلقمي الإدريسي: أعلام الشناقطة، ص19، وحوارات ولقاءات مع الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي، ص42، دروس للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي، 22/ 4.