تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
أبو المجد مصطفى
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 28-03-2016
  • المشاركات : 191
  • معدل تقييم المستوى :

    9

  • أبو المجد مصطفى is on a distinguished road
أبو المجد مصطفى
عضو فعال
الـــــــــــرحيل
30-04-2016, 07:02 PM

الــــــرحيل
________________________________________
كلما أطل علينا موسم الصيف ألا و أتمثل أمامي ذلك العنوان الصارخ و البسيط و المتمرد معا "موسم الهجرة إلى الشمال"...
لقد قرأت تلك الرواية بشغف في يومين و عشقت بين سطورها ذلك الكاتب الرقيق... الطيب صالح .
يروق لي حين تستعر هاجرة الصيف أن أطالع ذلك الكتاب السخي مثل سخاء كاتبه . عنوانه المثير دعوة إلى الحرية و الاستجمام و التجديد و التخفف من أعباء الحياة المرهقة...
في بلدتي المتوارية خجلا بين كثبان الرمل و صخب العواصف و لفح الشمس و لسع الهوام يصبح الصيف متلونا بمعاناة مريرة تتبرم منها الأنفس و لا تكاد المخلوقات تستريح من وطأته إلا مع طلائع شهر سبتمبر...
يوميات الصيف هنا هي صفحات من الرتابة التي تثير السأم و الملال. و ما إن يستفيق شهر يوليو من السبات كما ينتفض البركان الخامد منذ قرون حتى يفزع سكان بلدتي إلى الشمال طلبا للمصايف و التماسا للغابات و الجداول و الشواطئ...
الشمال هو الرئة الوحيدة التي تحمل الأمل و الحياة إلى شرايين بلدتي.
يقول لي جدي دائما أن الأسفار تجدد حياة البشر و تحمل إليهم دماء شابة و أفكارا نوعية و تمحو عن القلوب غبار الأيام المتناسخة...
هذه الخواطر المتناثرة كانت تسبح في مخيلتي عندما كنت أرتب حقيبة السفر الكبيرة. مرهم حلاقة من الصنف –جيلات – و قميص أزرق اشتريته للتو و نعل جلدي يصلح للسير في سلاسة فوق رمال الشاطئ و تبان أصفر من خيوط القطن وشمسية حمراء من قماش فاخر و مجلات و دواوين و كتب مختلفة...
أعددت جميع ما يلزمني لهذه الرحلة التي تنتشلني من ضجر الجنوب و قتامته إلى سحر الشمال و مباهجه و روعته...
طن.طن.طن.طن. ضجت على حين غفلة الساعة المتشبثة بالحائط في حذر كما يتشبث الوليد بصدر أمه الرءوم…أعلنت عقاربها تمام السابعة صباحا.
ساعة واحدة فقط تفصلني عن موعد القطار...أعشق حد الجنون الركوب في أحشاء ذلك الحلزون المعدني. لم أكن أدري إن كان البشر يجدون تلك اللذة التي ألمسها حينما أسافر في القطار.
من المؤكد أنني لا أنس مقولة جدي الخالدة " السفر بالقطار يختزل لك خريطة العالم في سويعات"...
أزف إذن موعد الهجرة إلى الشمال و التحرر من ربقة الجنوب الخانقة... بعد لحظات سأفارق هذه الرمال الجاثمة فوق صدري على مدار السنة...سأطلق هذه الشمس المتوحشة التي توشك أن تستقر وسط خلاياي النخرة. في الشمال تنتظرني شمس وادعة رقيقة كما الأنثى وسط المرج الخصيب..و .تبددت ساعات الترقب أخيرا.
و وجدتني في أحضان جغرافيا ساحرة تختلف أشد الاختلاف عن ملامح بلدتي... الهواء الرطيب أخذ يتمدد في جيوبي الأنفية برفق. زرقة السماء و زرقة البحر يتزاوجان في هدوء ليكون الوليد قصيدة مضمخة بالأزهار و الأحلام و تغنيها النوارس و الأطيار المهاجرة في هذا الموعد الجميل من كل عام...
شعرت على الفور أن جداولا من الدماء النقية تجتاح عروقي المتصلبة. و تحمل إلى جسدي الأمل و القوة و السعادة .لقد كنت في نفر من الصحب و الخلان...
من الرائع حقا أن يتشاطر الرفاق تذوق هذه اللحظات النادرة و التي لا تتاح للمرء ألا لماما... بسطنا متاعنا و أثاثنا على رمال الشاطئ الدافئة أخيرا...
شعور جذاب يسيطر على المرء حينما يثبت شمسية زاهية الألوان استعدادا للغوص و السباحة في هذه المياه الباردة بسخاء.
لا شيء كان يبعث السكينة في القلوب مثل هدير الأمواج التي تشبه أسرابا من الحمام الداجن ...و لا شيء كان يغري الأبصار مثل مشهد القوارب التي تتراقص في خيلاء فوق صفحة المياه الرائقة مثل راقصات الباليه.
مضى يوم و يوم . لقد كنا في غاية البهجة و الحبور...سعادة ينافسنا عنها الملوك ما وجدوا إلى ذلك سبيلا. سحر البحر و فتنة الشمس و بهجة المشاهد التي تختزنها الطبيعة ...
عند الظهيرة آثرت السماء الصافية أن تستبدل أرديتها الزرقاء و آثر الموج أن يغير لغته الحانية الوديعة. غزت السحب الكثيفة كبد السماء دون سابق إنذار...اتشحت بلون رمادي يبعث على الخوف و الرهبة و الارتياع.
البحر الذي كان للتو وادعا و أليفا و سمحا كشر عن أنيابه الخادعة و اكتسبت الأمواج المتلاطمة مشهدا مرعبا حقا...في هذه اللحظات الحرجة تحركت آلة الرياح لتزيد من مرارة المأساة.
عاصفة هوجاء امتزجت بالمطر و البروق تغزو المكان في لحظات...
فزع رواد الشاطيء و هرعوا بعيدا ملتاعين و غير مصدقين هل هم في الواقع أم هي سنة من النوم و فصل طويل من الأحلام و الكوابيس...
في لمح البصر ارتفع هناك في الأفق موج كما الجبال الشاهقة...زحف صوبنا مسرعا . التهم تلك الأمواج الصغيرة المتدافعة أمامه و سرعان ما ابتلع ذلك الشاطئ الآمن ...أحاله في لحظة قصيرة إلى بحيرة عائمة مزقت شملنا شر ممزق...
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية اميرة الدراسة
اميرة الدراسة
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 10-12-2015
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 73
  • معدل تقييم المستوى :

    9

  • اميرة الدراسة is on a distinguished road
الصورة الرمزية اميرة الدراسة
اميرة الدراسة
عضو نشيط
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 07:51 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى