الاضطرابات النفسية وعلاجها في القرآن الكريم
06-09-2018, 05:05 PM
الاضطرابات النفسية وعلاجها في القرآن الكريم
رحيل بهيج
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
الإنسان إذا اتّصل بالله - عزَّ وجلّ - حقَّق ذاته، وحقَّق فطرته، أمَّا إذا انقطع عنه، فإنه يُصاب بما يسميه علماء النفس بالاضطرابات النفسية، سنُفرد في هذه الحلقة الحديث عن اليأس والإحباط:
1- اليأس:
هو: انقطاعالأمل في الخير، ونقيضللرجاء، واليأسخطيئة أخلاقية؛ لأنه اعتداء على النفس، والقانط إنسان مسلوب الإرادة، ضعيف النشاط والحيوية، دائم الخوف، تكتنفه الهواجس، ويسحقه القلق، ويعتريه شعور بالحقد على الآخرين، واليأس ينشأ من أحد أمرين:
الأول:زوال النعمة أو الرحمة عنه:﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُور ﴾ [هود: 9].
الثاني: إصابته بالشر: ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا ﴾ [الإسراء: 83].
ولو سألنا علماء النفس عن أفضل علاج لهذه المشكلة، نجدهم يُجمعون على شيء واحد، وهو:" الأمل".
إنَّ ما يتحدث عنه العلماء اليوم من ضرورة التمسك بالأمل وعدم اليأس، هو: ما حدثنا القرآن عنه، لا بل وأمرنا به، والعجيب: أن القرآن جعل من اليأس: كفرًا، وذلك ليبعدنا عن أي يأس أو فِقدانللأمل؛ ولذلك يقول الله تعالى:﴿ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
كيف عالج القرآناليأس؟:
ماذا يمكن لإنسان فقَدَالأمل من كل شيء أن يفعل؟.
كيف يمكن له أن ينجح في الدنيا والآخرة؟.
ينادي الله تعالى اليائسين الذين أسرفوا على أنفسهم، وارتكبوا المعاصي، يناديهم نداءًمفعمًا بالرحمة؛ يقول تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [الزمر: 53، 54].
في هذا النداء يأمر اللهاليائسين بألاّ يفقدوا الأمل من رحمته تعالى، ويخبرهم بأنّ الذنوب والمعاصي وكل أنواع الإسراف التي ارتكبوها، يَمحوها الله بلمح البصر، بشرط أن يرجع الإنسان ويُنيب إلى الله تعالى بقلبٍ سليم.
ثم تأتي الآيات التالية، وتأمرنا بتغيير الأعمال السلبية فورًا؛ يقول تعالى: ﴿ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُون ﴾ [الزمر: 55].
ثم تأتي مرحلة التصور لنتائج الفعل السلبي من خلال آيات مرعبة، تُصوِّر لنا احتمالات متعدِّدة لنتائج سلبية مؤكدة الحدوث فيما لو لم نستجب للتغييرالإيجابي الذي يأمرنا الله به؛ يقول تعالى: ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الزمر: 56، 58].
ولكن ماذا يحدث لو استجبنا للبرمجة القرآنية، وطبَّقنا ما أمرنا الله تعالى به؟.
انظُر إلى الآية التالية التي تُصوِّر لنا النتائج الإيجابية العظيمة في ذلك اليوم: ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزمر: 61]، وتتضمَّن هذه الآية ثلاثة نجاحات متتالية:
أ- النجاة من عذابالله يوم القيامة: ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ ﴾ [الزمر: 61].
ب- النجاة من التعرُّض للسوء مستَقبَلاً: ﴿ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ ﴾ [الزمر: 61].
ج- عدم الحزن على ما مضى: ﴿ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزمر: 61].
2- الإحباط:
ما أكثر الأحداث والمشاكل التي تعصف بإنسان اليوم، فتجد أنواعًا من الإحباط تتسرَّب إليه نتيجة عدم تحقُّق ما يطمح إليه، فالإحباط هو حالة يمر فيها الإنسان عندما يفشل في تحقيق عمل ما، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65].
إن فقدان الإنسان للأشياء التي تعلَّق قلبه بها تعلُّقًامَرَضيًّا، أو شعوره بصعوبة المحافظة عليها مما يعرِّضه لخسارتها في أيَّة لحظة - هما من أهمِّ مُسبباتالإحباطالنفسي، وفي طليعة الأشياء التي يتعلَّق بها الإنسان:( الحياة والولد، والجنس والمال، وبقية زينة الحياة الزائلة).
علاجالإحباط:
يؤكِّد علماء النفس: أن معظم الأمراض النفسية - وخصوصًا الإحباط - إنما تعود أسبابها لشيء واحد، وهو:" عدم الرضا عن الواقع والظروف المحيطة، وعدم الرضا عن النفس"، والعلاج سهل يا أحبَّتي، فقد علَّمنا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - دعاءً عظيمًا، ألا وهو:
" رضيت بالله تعالى ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا"؛ رواه أحمد.
وفي حال زاد الإحباط عن حدود معينة، فإنه ينقلب إلى مرض صعب العلاج، ولو بحثنا بين أساليب العلاج الحديثة، نجد علاجًا يقترحه الباحث الدكتور: "أنتوني روبينز"؛ الذي يؤكّد أنّ الحالة النفسية تؤثّر على وضعيّة الجسم وحركاته ومظهره؛ ولذلك فإنّ الإنسان المُصاب بدرجة ما من الإحباط، تجد الحزن يظهر عليه، وتجده يتنفَّس بصعوبة، ويتحدَّث ببطء، ويظهر عليه أيضًا الهمُّ والضيق.
ولذلك يقترح روبينز: أن تتظاهر بالفرح والسرور، وستجد الفرح يغمرك شيئًا فشيئًا، بل إن أفضل حالة هي تلك التي تُسلم نفسك لقدرها، وتنسى همومك، وتعيش في حالة من التأمل والروحانية، وهذا ما أمرنا القرآن به بقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 22].
يتبع إن شاء الله.