كيف تهيئ أبناءك لاستقبال رمضان!!؟
01-06-2016, 09:15 AM
كيف تهيئ أبناءك لاستقبال رمضان!!؟





الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:



أعزائي المربين والمربيات:
إنّ من روعة التربية وقوّتها: أنها وظيفة مستمرة لا تتوقف ولا تحد بوقت معين تقوم فيه ثم تنتهي بانتهائه، ولكن من خلال الأوقات الطويلة التي يقضيها الأبناء مع الأهل، وملاحظتهم لهم كيف يتصرفون في شتى المواقف والأوقات ، ثم أخذهم عنهم كقدوات ورموز أمام أعينهم: يتعلمون منهم، ويقلدونهم في كل ما يقولون ويفعلون، فنحن لا نجمع الأبناء مرة كل أسبوع، ونقول لهم هذا موعدكم معنا لنربيكم !!؟، ولكنها عملية مستمرة تتم مع مرور الأيام والليالي.
ولا يخفى على المربين ما للأسرة من دوْر هام ورئيس في تشكيل اتجاهات الفرد الفكرية والسلوكية، بل دلت النصوص على أن الأسرة هي: التي تضطلع بتشكيل عقيدة الطفل الدينية بعد أن يهبه الله تعالى لهم، وهو على الفطرة السليمة المستعدة للعقيدة الصحيحة: عقيدة التوحيد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه" - متفق عليه - .
والأسرة المسلمة يجدر بها، وهي تعيش آخر أيام شهر شعبان: أن تغتنم الفرصة، وتكثر من العبادات مثل: القيام والإكثار من الصيام التزامًا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، والذي كما أخبرت عائشة - رضي الله عنها- كان يصوم أكثر شهر شعبان، ويقول صلى الله عليه وسلم: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ".
ومن أهم أعمال المربي في الاستعداد لشهر رمضان:
- اغتنام الأوقات المناسبة، والتهيئة النفسية للأبناء:
وفي شهر شعبان تتوق النفوس، وتشتاق إلى العزيز القادم ..إلى شهر رمضان الكريم، ولذلك يجدر بالمربين: عمل التهيئة النفسية اللازمة للأبناء لاستقبال الشهر الفضيل، فقد أكدت التجارب التربوية: أن اختيار الوالدين للوقت المناسب في توجيه ما يريدان، وتلقين أطفالهما ما يحبان: دوراً فعّالاً في أن تؤتي النصيحة ثمرتها، كما أن اختيار الوقت المناسب المؤثر في الطفل: يُسهِّل ويقلل من الجهد المبذول في العملية التربوية، فإن القلوب تقبل وتدبر، فليغتنم الوالدان زمن إقبال قلوب أبنائهما، وشغفها بالطاعة والبر وأعمال الخير .
أول ذلك تعظيم الشعائر:
يعلم المربي جيداً: أن الأزمان الفاضلة ميدان جيد وملائم جداً لتنشئة المتربين على تعظيم الشعائر، والتدريب على ممارسة (تقوى الله عز وجل) بشكل عملي، إلى أن تصير عادة لازمة لهم، كما تكون تلك الأزمان فرصة ملائمة لغرس القيم والفضائل التي تمثلها تلك الشعيرة.
وقيل:" شعائر الله ": أعلام دينه، " فإنها من تقوى القلوب "، أي : فإن تعظيمها من تقوى القلوب؛ فشعائر الله تبارك وتعالى لا يعظمها إلا من عظم الله واتقاه، وعرفه تبارك وتعالى وقدره حق قدره، وهذا أمرٌ لا خلاف فيه بين المسلمين، وبين كل من يقرأ كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتعظيمها يكون بأمرين:( اجتناب المحرمات وفعل الطاعات).

- توجيه الأبناء إلى تجديد التوبة:
إقبال مواسم الخيرات يعد من أعظم الفرص التي يتعلم فيها الأبناء فضيلة (التوبة) وأهميتها، وأن تجديد التوبة في هذه الأوقات بمثابة التخلية قبل التحلية، وبمنزلة الاغتسال الجيد قبل لبس الجديد الرائع من الثياب، بل إن الله تعالى من كرمه على عباده: أنه يبدلهم بالحسنات مكان السيئات التي تابوا منها إذا صدقوا في توبتهم، قال تعالى: "إلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا".
وقد قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: "أتبِع السيئةَ الحسنةَ تمحها وخالِق الناس بخلق حسن"، قال العلامة القرطبي رحمه الله في تفسيره: (... فلا يبعد في كرم الله تعالى إذا صحت توبة العبد: أن يضع مكان كل سيئة حسنة).

- التدريب على العبادة استعداداً لشهر رمضان:
لأن شهر شعبان كالمقدمة لشهر رمضان المعظم؛ يحسن أن يكون تدريباً للمتربين على العبادات الرئيسة التي سيكلفون بها في شهر رمضان، مثل: الصيام والقيام، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم دقيق النظر إلى تحيُّن الزمان والمكان المناسبين لتوجيه الطفل، وبناء عقيدته، وتصحيح سلوكه الخاطئ، وتدريبه على العبادات كلٌ في وقت فضله وزمان وجوبه، ففي التدريب على عبادة الصيام تروي لنا الصحابية الجليلة الربيع بنت معوذ، قالت:
" أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرىالأنصارمن أصبح مفطراً، فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائما، فليصم"، قالت فكنا نصومه بعد، ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام: أعطيناهذاك حتى يكون عند الإفطار" – رواه البخاري -
وفي مجال التدريب العملي على عبادة الصلاة: حفظ لنا الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، وهو بعد طفل لم يبلغ الحلم، من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الله ما لم يحفظ غيره: كيف دربه النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل، وإتقان الصلاة، فماذا كان منه ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة المباركة!!؟.
دعونا نستمع لابن عباس رضي الله عنه، وهو يقول، كما جاء في الصحاح والسنن (بتصرف):
" بت عند خالتي ميمونة بنت الحارث، وقلت: لأنظرنّ إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلت لها: إذا قام النبي صلى الله عليه وسلم، فأيقظيني، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أمسى، فقال: أصلى الغلام؟، قالت: نعم.
فصلى أربع ركعات، ثم تحدث معه أهله ساعة، فطرحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة، ثم رقد، فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام حتى انتصف الليل أو قبله أو بعده بقليل، ثم استيقظ فتسوك، ثم جلس يمسح النوم عن وجهه بيده، فنظر في السماء، ثم قرأ العشر آيات من خواتيم سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة، فتوضأ وضوءا بين وضوءين لم يكثر وتسوك، ثم قال: نام الغليم، ثم قام يصلي، فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أرقبه، فتوضأت نحوا مما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره، فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني يفتلها بيده، ثم جعلني عن يمينه، ثم صلى إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع فنام حتى نفخ.
ثم أتاه بلال، فآذنه بالصلاة فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج إلى الصلاة وهو يقول: اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي لساني نورا، واجعل في سمعي نورا، واجعل في بصري نورا، واجعل من خلفي نورا، ومن أمامي نورا، واجعل من فوقي نورا، ومن تحتي نورا، اللهم أعطني نورا.
فصلى للناس الصبح ولم يتوضأ"؛ أي اكتفى بوضوء الليل.

- الارتباط بالقرآن الكريم:
قال تعالى:[ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ]، ولأن شهر رمضان هو: شهر القرآن كان من المناسب: أن نجعله فرصة نربط فيها الأبناء بالقرآن الكريم، وبالطبع من يريد أن يحقق هذا الهدف: لن ينتظر حتى يبدأ شهر رمضان لينفذه، ولكن يمهد له من قبل، فيبدأ المربي بتعويد أبنائه على اتخاذ (وِرْد) ثابت من القرآن الكريم: لا يتركوه أبداً حتى تتكون لديهم العادة الثابتة في قراءة القرآن الكريم يومياً، ومن خلال ذلك يستطيع الوالدان أن يضيفا إلى جلسة التلاوة شيئاً من التفسير، إلى جانب شرح مبسط تطبيقي لأحكام التلاوة، وأثناء ذلك يردد على أسماعهم الأجر والفضل لأهل القرآن مما ورد في صحيح السنة، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".

وأخيراً ..عزيزي المربي.
إن تربية أجيال عظيمة في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها أمتنا: ليس أمراً مستحيلاً، فقد انبعثت أمثلة رائعة من بعد:"ابن عباس" حذت حذوه، وبلغت شأوه، وصارت أعلاما، كسفيان الثوري، وأحمد، والبخاري، ومالك، والشافعي، وغيرهم كثير في كل زمان ومكان.
لكن لا ينال قصب السبق إلا من سعى، وإن الآباء والمربين إذا سعوْا بإخلاص وحكمة ودراية، فليس محالاً أن يخرج من بين أيدينا جيل نابغ صالح: قدوته ابن عباس وسفيان ومالك وابن حنبل، وأول طريق للوصول إلى ذلك هو: تربية الأطفال على سيرة أولئك، واستشعار المسئولية تجاههم، وتدريبهم على ألوان العبادات خاصة في الأوقات والأزمنة ذات الفضل مثل الأيام المباركة التي أقبلت علينا.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.