حديث "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"
23-05-2009, 01:44 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

حديث "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"

د. ماهر ياسين الفحل


حَدِيْث العلاء بن عبد الرحمن[1] ، عن أبيه[2] ، عن أبي هُرَيْرَة ، أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا" .

أخرجه عَبْد الرزاق[3] ، وابن أبي شيبة[4] ، وأحمد[5] ، و الدارمي[6] ، وأبو

داود[7] ، وابن ماجه[8]، والترمذي[9] ، والنسائي[10] ، والطحاوي[11] ، وابن حبان[12] ، والطبراني[13] ، والبيهقي[14] ، والخطيب[15] ، جميعهم من هَذِهِ

الطريق .

قَالَ أبو داود : " لَمْ يجئ بِهِ غَيْر العلاء ، عن أبيه "[16].

وَقَالَ النسائي: " لا نعلم أحداً رَوَى هَذَا الْحَدِيْث غَيْر العلاء بن عَبْد الرحمان"[17].

وَقَالَ الترمذي : " لا نعرفه إلا من هَذَا الوجه عَلَى هَذَا اللفظ "[18].

وأورده الحافظ أبو الفضل بن طاهر المقدسي[19] في أطراف الغرائب

والأفراد[20].

وَقَدْ أنكره الحفاظ من حَدِيْث العلاء بن عَبْد الرحمان :

فَقَالَ أبو داود : "كَانَ عَبْد الرحمن - يعني : ابن مهدي[21] - لا يحدّث بِهِ . قلت لأحمد : لِمَ ؟ قَالَ : لأنَّهُ كَانَ عنده أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يصل شعبان برمضان ، وَقَالَ : عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم – خلافه"[22] .

وَقَالَ الإمام أحمد : " العلاء ثقة لا ينكر من حديثه إلا هَذَا "[23] .

وَقَالَ في رِوَايَة الْمَرُّوذِيِّ[24]: " سألت ابن مهدي عَنْهُ فَلَمْ يحدثني بِهِ، وَكَانَ يتوقاه. ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْد الله : هَذَا خلاف الأحاديث الَّتِيْ رويت عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - "[25] .

واستنكره ابن معين أَيْضاً[26] .

وزعم السخاوي[27] أن العلاء لَمْ يتفرد بِهِ وأنّ لَهُ متابعاً في روايته عن أبيه ، فَقَدْ رَوَى الطبراني[28] الْحَدِيْث قائلاً: " حَدَّثَنَا أحمد بن مُحَمَّد بن نافع، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبيد الله ابن عَبْد الله المنكدري ، حَدَّثَنِي أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن عَبْد الرحمان ابن يعقوب الحرقي ، عن أبي هُرَيْرَة ، قَالَ : قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا انتصف شعبان فأفطروا " .

قَالَ الطبراني عقبه : " لَمْ يروِ هَذَا الْحَدِيْث عن مُحَمَّد بن المنكدر إلا ابنه المنكدر ، تفرد بِهِ ابنه : عَبْد الله " .

والحق أن هَذَا الْحَدِيْث لا يصلح للاستشهاد ، فضلاً عن أن يشد عضد رِوَايَة العلاء ؛ إذ هُوَ مسلسل بالضعفاء والمجاهيل : بدءاً من شيخ الطبراني وَهُوَ : أحمد بن مُحَمَّد بْن نَافِع ، لَمْ أقف لَهُ عَلَى ترجمة ، إلا مَا أورده الذهبي فِي ميزان الاعتدال[29] وَقَالَ : " لاَ أدري مَنْ ذا ؟ ذكره ابن الجوزي مرة وَقَالَ : اتهموه . كَذَا قَالَ لَمْ يزد "[30] .

وعبد الله بن المنكدر - المتفرد بهذا الْحَدِيْث -، قَالَ فِيْهِ العقيلي : " عن أبيه ، ولا يتابع عَلَيْهِ "[31].

وَقَالَ الذهبي: " فِيْهِ جهالة ، وأتى بخبر منكر "[32]. وَقَالَ مرة : " لا

يعرف "[33].

والمنكدر بن مُحَمَّد - الَّذِيْ لَمْ يرو هَذَا الْحَدِيْث عن أبيه غيره - قَالَ فِيْهِ أبو حاتم: " كَانَ رجلاً صالحاً لا يقيم الْحَدِيْث وَكَانَ كثير الخطأ ، لَمْ يَكُنْ بالحافظ لحديث أبيه "[34]. وَقَالَ النسائي : " ضعيف " ، وَقَالَ مرة : " ليس بالقوي " وبنحوه قَالَ أبو زرعة[35] . وَقَالَ ابن حبان : " قطعته العبادة عن مراعاة الحفظ والتعاهد في الإتقان ، فكان يأتي بالشيء الَّذِيْ لا أصل لَهُ عن أبيه توهماً "[36]. وَقَالَ الذهبي : " فِيْهِ لين "[37] .

وبهذا تبين أن الشاهد غَيْر صالح للاعتبار ، فهو جزماً من أوهام المنكدر بن مُحَمَّد. ويبقى الْحَدِيْث من أفراد العلاء بن عَبْد الرحمان ، عن أبيه .

قَالَ ابن رجب : " واختلف العلماء في صحة هَذَا الْحَدِيْث ثُمَّ العمل بِهِ ، أما تصحيحه فصححه غَيْر واحد ، مِنْهُمْ : الترمذي ، وابن حبان ، والحاكم ، وابن

عَبْد البر. وتكلم فِيْهِ من هُوَ أكبر من هؤلاء وأعلم . وقالوا : هُوَ حَدِيْث منكر، مِنْهُمْ: عَبْد الرحمن ابن مهدي ، وأحمد ، وأبو زرعة الرازي ، والأثرم ، ورده الإمام أحمد بحديث : "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين" ، فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين "[38] .



أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء (حكم صوم النصف الثاني من شعبان)

اختلف الفقهاء في حكم صوم النصف الثاني من شعبان عَلَى النحو الآتي :

أولاً : ذهب قوم إلى كراهة الصوم بَعْدَ النصف من شعبان إلى رمضان . هكذا نقله الطحاوي[39] من غَيْر تعيين للقائلين بِهِ . وَهُوَ قَوْل جمهور الشافعية[40] . ونقله ابن حزم عن قوم[41] .

ثانياً : خص ابن حزم[42] - جمعاً بَيْنَ أحاديث الباب - النهي باليوم السادس عشر من شعبان[43] .

ثالثاً : ذهب الروياني[44] من الشافعية إلى تحريم صوم النصف الثاني من شعبان[45] .

رابعاً : ذهب جمهور العلماء إلى إباحة صوم النصف الثاني من شعبان من غَيْر

كراهة[46] .

واستدل أصحاب المذاهب الثلاثة الأول بحديث عَبْد الرحمن بن العلاء ، عَلَى اختلاف في تحديد نوع الحكم .

وأجاب الجمهور بتضعيف حديثه ، وعدم وجود ما يقتضي التحريم أو

الكراهة ، بَلْ وجود ما يعضد القَوْل بالاستحباب .

ومذهب الجمهور هُوَ الراجح في عدم الكراهة وجواز صيام النصف الثاني من شعبان لضعف حَدِيْث العلاء وعدم صحته . والأصل الجواز حَتَّى يأتي دليل التحريم أَوْ الكراهة.



--------------------------------------------------------------------------------

[1] هو أبو شبل العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي المدني : صدوق ربما وهم ، توفي سنة ( 138 ه‍). الثقات 5/247 ، وتهذيب الكمال 5/526-527 ( 5166 )، والتقريب ( 5247 ) .

[2] هُوَ عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني ، مولى الحرقة : ثقة من الثالثة .

الثقات 5/108-109 ، وتهذيب الكمال 4/492 ( 3985 ) ، والتقريب ( 4046 ) .

[3] في مصنفه ( 7325 ) .

[4] في مسنده ( 9026 ) .

[5] في مسنده 2/442 .

[6] الحافظ الإمام ، أحد الأعلام ، أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام التميمي ثُمَّ الدارمي السمرقندي ، ولد سنة ( 181 ه‍) ، وتوفي سنة ( 255 ه‍) . الثقات 8/364 ، تهذيب الكمال 4/189 ( 3371 ) ، وسير أعلام النبلاء 12/224 .

والحديث في سننه ( 1747 ) و ( 1748 ) .

[7] في سننه ( 2337 ) .

[8] في سننه ( 1651 ) .

[9] في جامعه ( 738 ) .

[10] في الكبرى ( 2911 ) .

[11] في شرح معاني الآثار 2/82 .

[12] في صحيحه ( 3590 ) و ( 3592 ) ، وفي طبعة الرسالة ( 3589 ) و ( 3591 ) .

[13] في الأوسط ( 6859 ) ، وفي طبعة دار الكتب العلمية ( 6863 ) .

[14] في الكبرى 4/209 .

[15] في تاريخ بغداد 8/48 .

[16] سنن أبي داود 2/301 عقب ( 2337 ) .

[17] السنن الكبرى 2/172 عقب ( 2911 ) .

[18] الجامع الكبير 2/107 عقب ( 738 ) .

[19] الإمام الحافظ الجوال الرحال أبو الفضل مُحَمَّد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسي ، من مصنفاته: "أطرف الأفراد" ، توفي سنة ( 507 ه‍) .

تاريخ الإِسْلاَم : 169 وفيات ( 507 ه‍) ، وسير أعلام النبلاء 19/361 و 364 ، والعبر 4/14.



[20] 5/218 ( 5209 ) .

[21] هُوَ الإمام الحافظ الناقد المجود أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي العنبري ، وَقِيْلَ : الأزدي ، مولاهم البصري اللؤلؤي ، ولد سنة ( 135 ه‍) ، وتوفي ( 198 ه‍) .

طبقات ابن سعد 7/297 ، والعبر 1/326 ، وسير أعلام النبلاء 9/192 .

[22] سنن أبي داود 2/301 عقب ( 2337 ) .

[23] نصب الراية 2/441 .

[24] الإمام القدوة أبو بكر أحمد بن مُحَمَّد بن الحجاج المروذي، صاحب الإمام أحمد بن حَنْبَل ، ولد في حدود المئتين ، وتوفي ( 275 ه‍) .

[25] علل الْحَدِيْث ومعرفة الرجال : 117-118 ( تحقيق السامرائي ) .

[26] سبل السلام 2/642 ، ونيل الأوطار 4/260 ، والفتح الرباني 10/207 . وصححه الترمذي وابن حبان وابن حزم وابن عساكر وأبو عوانة والدينوري .

انظر : الجامع الكبير (738) وصحيح ابن حبان ( 3590 ) و ( 3592 ) ، والمقاصد الحسنة : 35 ، والفتح الرباني 10/205 ، وَلَكِنْ أقول : إن تصحيح هَؤُلاَءِ لا يقف عمدة في وجه استنكار ثلاثة من أساطين التعليل والنقد : ابن مهدي ، وابن مَعِيْنٍ ، وابن حنبل .

[27] المقاصد الحسنة : 57 .

[28] في الأوسط ( 1957 ) في طبعة دار الكتب العلمية ( 1936 ) ، وعزاه السخاوي في مقاصده : 35 إلى البيهقي في الخلافيات .

[29] 1/146 ( 569 ) .

[30] ونحوه في المغني في الضعفاء 1/57 ( 448 ) . وانظر : لسان الميزان 1/285 .

[31] الضعفاء الكبير 2/303 ( 880 ) .

[32] ميزان الاعتدال 2/508 .

[33] ديوان الضعفاء والمتروكين 2/69 .

[34] الجرح والتعديل 8/406 .

[35] ميزان الاعتدال 4/191 .

[36] المجروحين 3/23-24 .

[37] الكاشف 2/298 ( 5651 ) .

[38] لطائف المعارف : 142 .

[39] شرح معاني الآثار 2/82 .

[40] التهذيب 3/202 ، وفتح الباري 4/128 ، إلا أنه نقل عَنْهُمْ المنع ، والظاهر أنه أراد بالمنع ما هُوَ الأعم من مفهومها الخاص وَهُوَ التحريم ، بقرينة أنه أفرد الروياني ونقل عَنْهُ أنه قَالَ بالتحريم ، فلو كَانَ مؤدى العبارتين واحداً لما فصل بينهما .

[41] المحلى 4/26 .

[42] الإمام البحر ، ذو الفنون والمعارف أبو مُحَمَّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، من مؤلفاته :

" المحلى " و " الإيصال إلى فهم الخصال " و " الأحكام " ، ولد سنة (384 ه‍) ، وتوفي سنة (456 ه‍) . سير أعلام النبلاء 18/184 و 193 و 213 ، وتاريخ الإِسْلاَم : 403 وفيات ( 456 ه‍) ، والأعلام 4/254.

[43] المحلى 7/25 .

[44] هُوَ الشيخ أبو المحاسن عَبْد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الروياني ، صنف الكتب المفيدة مِنْهَا : " حلية المؤمن " و " الكافي " ، ولد سنة ( 415 ه‍) ، وتوفي مقتولاً بجامع آمد سنة ( 501 ه‍) أو ( 502 ه‍). سير أعلام النبلاء 19/260-261، وطبقات الشافعية ، لابن قاضي شهبة 2/287 .

[45] نقله ابن حجر في الفتح 4/129 .

[46] شرح معاني الآثار 2/82 ، وفتح الباري 4/129 .