الشيخ:عبد الفتاح ابو غدة رحمه الله
11-12-2014, 09:00 PM
الشيخ العلامة عبد الفتاح ابو غدة رحمة الله عليه





اسمه ومولده

هو أبو الفتوح وأبو زاهد عبد الفتاح بن محمد بن بشير بن حسن أبوغدة الخالدي الحلبي. ولد في مدينة حلب شمال سورية في السابع عشر من رجب من سنة 1336 هـ / 1917 م في بيت ستر ودين فقد كان والده محمد رجلاً مشهوراً بين معارفه بالتقوى وكان يعمل في تجارة المنسوجات.
نشأته العلمية

دخل المدرسة العربية الإسلامية الخاصة ودرس فيه من الصف الأول حتى الرابع، تعلم فيها مامحا عنه الأمية. دخل مدرسة الشيخ محمد علي الخطيب بحلب ودرس فيها القرآن الكريم وتعلم حسن الخط. دخل المدرسة الخُسروية التي بناها خسرو باشا، التي تعرف الآن بالثانوية الشرعية وذلك عندما بلغ التاسعة عشرة من عمره واستمر فيه من عام 1356 هـ =1936 م حتى عام 1362 هـ / 1942 م ثم كلية الشريعة بالجامع الأزهر الشريف وتخرج منها في عام 1368 هـ = 1948م حائزاً على الشهادة العالمية من كلية الشريعة. درس في (تخصص أصول التدريس) في كلية اللغة العربية بالجامع الأزهر أيضاً وتخرج منه في عام 1370 هـ/1950م وبعد ذلك عاد إلى موطنه حلب.
بعد أن أكمل الشيخ دراسته في مصر، عاد إلى سورية وتقدم سنة 1951 لمسابقة اختيار مدرسي التربية الإسلامية لدى وزارة المعارف فكان الناجح الأول. درَّس أحد عشر عاماً مادة التربية الإسلامية في ثانويات حلب، كما شارك في تأليف الكتب المدرسية المقررة لهذه المادة. درَّس إلى جانب ذلك في (المدرسة الشعبانية) وهي معهد شرعي أهلي متخصص بتخريج الأئمة والخطباء، ودرَّس في الثانوية الشرعية (الخسروية) التي تخرج فيها، ثم انتدب للتدريس في كلية الشريعة في جامعة دمشق، ودرس فيها لمدة ثلاث سنوات (أصول الفقه)، و(الفقه الحنفي) و(الفقه المقارن بين المذاهب). وقام بعد ذلك بإدارة موسوعة (الفقه الإسلامي) في كلية الشريعة بدمشق لنحو عامين، أتم خلالها كتاب (معجم فقه المحلى لابن حزم) وكان قد سبقه للعمل فيه بعض الزملاء فأتمه، وأنهى خدمته، وطبعته جامعة دمشق في ضمن مطبوعاتها في مجلدين كبيرين.
أدخل السجن سنة 1966 مع ثلة من رجال العلم والفكر في سورية، ومكث في سجن تدمر الصحراوي أحد عشر شهراً. وبعد كارثة الخامس من حزيران سنة 1967 اضطر الحاكمون إلى الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وكان الشيخ من بينهم.
انتقل إلى المملكة العربية السعودية، متعاقداً مع جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض حيث عمل مدرساً فيها، وفي المعهد العالي للقضاء، وأستاذاً لطلبة الدراسات العليا، ومشرفاً على الرسائل العلمية العالية، فتخرج به الكثير من الأساتذة والعلماء. وقد شارك خلال هذه الفترة (1385 - 1408 هـ) (1965 -1988) في وضع خطط جامعة الإمام محمد بن سعود ومناهجها، واختير عضواً في المجلس العلمي فيها، ولقي من إدارة الجامعة كل تكريم وتقدير.
انتدب الشيخ أستاذاً زائراً لجامعة أم درمان الإسلامية في السودان ولمعاهد الهند وجامعاتها، وشارك في الكثير من الندوات والمؤتمرات الإسلامية العلمية، التي تعقد على مستوى العالم الإسلامي. وكانت له جهود طيبة في جميع هذه المجالات. ثم عاد للعمل مع جامعة الملك سعود في الرياض وقبلها مع جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض كذلك.
أشهر شيوخه

كان يتمثل بقول التابعي الجليل سفيان بن عيينة السالف الذكر، وعندما سُئل عن شيوخه قال: (إن ذكر أسماء مشايخنا هو مدعاة البركة ومستجر الرحمة)، وقال أيضا في كتابه (كلمات في كشف أباطيلَ وافتراءات) ص38: (فقد تلقيت العلم عن نحو مائة عالم والحمد لله في بلدي حلب وفي غيرها من بلاد الشام ومكة والمدينة المنورة ومصر والهند وباكستان والمغرب وغيرها، فلي من الشيوخ قرابة مائة شيخ تلقيت عنهم وأخذت منهم وكل واحد منهم له مشربه ومذهبه وما التزمت قول أحد منهم لانه شيخي وأستاذي، بل ألتزم ماأراه صواباً وأعتقده حقاً أو راجحاً). أما مشايخه (تسلسلياً):
  1. الشيخ عيسى البيانوني وكان يسكن في نفس الحي الذي كان يسكن فيه الشيخ عبد الفتاح.
  2. الشيخ إبراهيم السلقيني الجد ويقول عنه الشيخ عبد الفتاح: (كان شيخاً من الأولياء، وكان يدرسنا النحو في (القَطْر) وكان يغلبه البكاء فكان حاله ينفعنا أكثر من انتفاعنا بالمواعظ).
  3. الشيخ محمد راغب الطباخ، مؤرخ حلب ومحدثها، كان يعتني بالحديث الشريف ويهتم بنشر السنة المطهرة.
  4. الشيخ النحوي الأديب محمد الناشد.
  5. الشيخ محمد سعيد الإدلبي.
  6. الشيخ الفقيه الأديب مصطفى الزرقا.
  7. الشيخ محمد نجيب سراج الدين والد الشيخ عبد الله سراج الدين.
  8. الشيخ مصطفى صبري شيخ الإسلام في الدولة العثمانية وله تآليف عديدة منها (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين) صارع فيه الملاحدة والعلمانين فصرعهم وطرحهم كما يقول تلميذه الشيخ عبد الفتاح.
  9. الشيخ محمد زاهد الكوثري، الإمام المحدث الأكبر من شهد له بالإمامة البعيد والقريب والصديق وغير الصديق كما قال الشيخ عبد الفتاح، وكان ينتفع به جميع علماء عصره من شتى أقطار البلاد الإسلامية.
  10. الشيخ محمد يوسف البنوري
رحلاته العلمية

رحل إلى العديد من الدول ومنها مصر والتقى فيها بعلمائها الكبار أزهريين وغير أزهريين منهم: الشيخ يوسف الدجوي والشيخ مصطفى صبري والشيخ محمد زاهد الكوثري والشيخ محمد الخضر حسين التونسي شيخ الأزهر والشيخ أحمد محمد شاكر الحسني أحد مؤسسي حركة أنصار السنة المحمدية والتقى كذلك بالإمام الشهيد الداعية حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين ويعد الشيخ من أوائل العلماء السوريين الذين انضموا وناصروا الحركة هو والإمام الشيخ محمد الحامد وكذلك الشيخ الدكتور مصطفى السباعي الذي يعد مؤسس التنظيم في سوريا وأول مرشد للحركة في سوريا وقد انتخب بعد وفاته شيخنا الشيخ عبد الفتاح كمرشد للإخوان المسلمين في سوريا وقد تم الشيخ في منصبه هذا إلى أن تركه لانشغاله بالعلم الشريف وكان يحضر دروس الثلاثاء الدعوية للإمام المرشد حسن البنا وكان يطلق على الإمام حسن البنا لقب الراشد المرشد، والتقى كذلك بالعديد من الشايخ في مصر.
رحل إلى الحرمين الشريفين حاجاً لبيت الله الحرام وزائراً للنبي محمد في عام 1376 هـ والتقى في هذه الزيارة بكبار العلماء ومنهم في المدينة: الشيخ بدر عالم وكذلك الشيخ إبراهيم الخُتني رحمهما الله. التقى في مكة المكرمة بالشيخ محمد يحي أمان والسيد علوي المالكي والد الشيخ الدكتور محمد علوي المالكي والتقى كذلك بالشيخ حسن مشاط المالكي المكي والشيخ أبي الفيض محمد ياسين الفاداني الملقب بمحدث العصر.
رحل إلى العراق والتقى هناك بالإمام الشيخ أمجد الزهاوي وأخذ منه الإجازة والتقى بمشايخَ آخرين. رحل إلى الهند وباكستان من العراق عن طريق البحر، والتقى بأجلة علماء وشيوخ تلك الديار منهم العلامة المحدث محمد زكريا الكاندهلوي والشيخ عتيق الرحمن كبير علماء دهلي والداعية محمد يوسف الكاندهلوي أمير حركة التبليغ وصاحب كتاب حياة الصحابة والتقى بالداعية أبو الحسن الندوي. والتقى في باكستان بالشيخ محمد شفيع مفتي باكستان وغيره. حاضر في ملتقى الفكر الإسلامي بمدينة قسنطينة في الجزائر عام 1983 م تحت عنوان الاجتهاد ورحل إلى المغرب بدعوة من ملك المغرب لإلقاء محاضرات في الدروس الحسنية.
رحل إلى اليمن ودرس في جامعتها ودخل صنعاء وتعز وزبيد وأخذ عن علمائها منهم المقرئ يحيى الكبسي والشيخ ثابت مهران والتقى كذلك بعلماء تريم. رحل كذلك إلى أفغانستان ساعياً للإصلاح بين الفئات المتقاتلة هناك. رحل إلى أغلب بلاد العالم الإسلامي وكذلك سافر إلى أوروبا في دعوة من جامعة أكسفورد في بريطانيا لإلقاء بعض الدروس وقد رافقه فيها الشيخ يوسف القرضاوي. سافر كذلك في زيارات متعددة للأحساء والتقى فيها بالكثير من العلماء منهم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مبارك الأحسائي المالكي وكذلك الشيخ عبد الرحمن البوبكر الملا الحنفى والتقى كذلك بالشيخ أحمد آل دوغان الشافعي الأحسائي.
اعتقاله

اعتقل في عام 1386 هـ هو ومعه بعض أهل العلم والصلاح في سجن تدمر قريب حمص وقد دافع عن الإسلام والمسلمين في بلاده حتى انتخب عام 1382 هـ نائباً عن مدينة حلب بأكثرية كبيرة. يقول الداعية سعيد حوى: ((ولم أر بين علماء المسلمين ممن رأيت وقابلت من ينطبق عليه قول القرآن (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) إلا شيخنا محمد الحامد وشيخنا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمهما الله)).
أشهر كتبه

للشيخ الكثير من المؤلفات (أكثر من سبعين مؤلفاً) وأغلبها في علم الحديث، ولكنني أريد أن أضع أمامكم بعض الكتب التي تنفع المبتدئين أمثالي في الطلب وأما المتخصصون فلهم الرجوع إلى ثبت الشيخ فإن فيه ما يفيدهم.
  1. رسالة المسترشدين، وهو كتاب في التصوف النقي وصاحبه هو الإمام المحاسبي، وقد وضع فيه الشيخ زيادات وافية ونوادرَ غالية وقد نفع الله بهذا الكتاب، وصار يدرس في بعض الجامعات كمادة للأخلاق الإسلامية.
  2. الرفع والتكميل في الجرح والتعديل: ومؤلفه هو الإمام اللكنوي الذي اهتم بكتبه حتى أنه حقق أغلبها وطبعها.
  3. إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة: للإمام اللكنوي أيضاَ حققه.
  4. التصريح بما تواتر في نزول المسيح: لإمام العصر في الهند الشيخ محمد أنور كشميري، حققه.
  5. فتح باب العناية بشرح كتاب النقاية: وهو في فقه الإمام أبي حنيفة، ولهذ الكتاب قصة معه ذكرها في كتابه (صفحات من صبر العلماء) ص279-281 وفي مقدمة تحقيقه لهذا الكتاب.
  6. صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل: وهو كتاب نافع ممتع لايستغني عنه طالب علم.
  7. قواعد في علم الحديث: لشيخه الشيخ ظفر أحمد التهانوي الباكستاني الحنفي، حققه.
  8. كلمات في كشف أباطيلَ وافتراءات: وهو رد على الألباني وصاحبه زهير الشاويش.
  9. قيمة الزمن عند العلماء: من مؤلفاته.
  10. سباحة الفكر في الجهر بالذكر: للإمام اللكنوي، حققه.
  11. أمراء المؤمنين في الحديث: من مؤلفات.
  12. الإسناد من الدين: وهو من أجل كتب.
  13. من أدب الإسلام.
  14. الحلال والحرام وبعض قواعدهما: لشيخ الإسلام ابن تيمية، حققه.
  15. الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم وأساليبه في التعليم: من كتبه.
  16. المنح المطلوبة في استحباب رفع اليدين في الدعاء بعد الصلوات المكتوبة: للمحدث أحمد ين الصديق الغماري، حققه.
  17. سنن النسائي: حققها.
وفاته

في عام 1415 هـ / 1995 تلقى الشيخ دعوة من الرئيس حافظ الأسد ليعود إلى سورية، حيث أعرب على لسان فضيلة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي أنه يكن احتراما كبيرا للشيخ وعلمه ويرغب أن يكون بين اهله وفي بلده، مبديا رغبته في الالتقاء بالشيخ. استجاب الشيخ لهذه المبادرة وعاد إلى بلده بعد غيبة سبعة عشر عاما وكان موضع حفاوة رسمية ممن التقى به من المسؤولين لكنه لم يقدر أن يلتقي بالرئيس.
في شهر شعبان 1417 هـ / 1996 م شعر الشيخ بضعف في نظره فعاد من حلب إلى الرياض ليتلقى العلاج لكن لم يكن ناجعا ونتج عنه صداع شديد لازم الشيخ طوال ايامه الباقية ثم اشتكى في أواخر رمضان من ألم في البطن ادخل على إثره مستشفى الملك فيصل التخصصي وتبين انه ناتج عن نزيف داخلي بسبب مرض التهابي وما لبث أن لحق بالرفيق الأعلى فجر يوم الأحد 9 شوال 1417 هـ الموافق 16 فبراير 1997 عن عمر يناهز الثمانين عاما.