الحُُمُر المُستنفـــِرة.
09-06-2012, 11:51 AM
السلام عليكم...
" فما لهُم عن التذكِرةِ مُعرِضِين (49) كأنّهُم حُمُرٌ مُستنْفِرة (50) فرّت مِن قَسْوَرَة (51)" {المدّثر}
يشبّه الله تعالى في هذه الآيات المجيدة الكفاّر في إعراضهم عن القرآن بحُمر هاجمها أسد ( القسورة إسم من أسماء الأسد) ففرّت منه ، فيذمّهم غاية الذمّ بأنهم يفرّون مما ينفعهم ويهديهم إلى سواء السبيل، كما تفرّ الحُمُر التي لا تعقل شيئا من القسورة الذي يوشك أن يفترسها، ويبيّن فوق ذلك حقيقة إعراضهم وحقيقة ما يُعرضون عنه عندما يُرجع سبب فرار الحُمُر إليها لا إلى الأسد، فيقول " مُستنفِرة" ( بكسر الفاء) أي تستنفر بعضها بعضا ولا يقول " مُستنفَرة" ( بفتح الفاء) أي يستنفرُها الأسد، لأن هذه الثانية تعني بأن التذكرة ( دعوة النبي عليه الصلاة والسلام والقرآن المجيد) هي التي تجعلهم يفرّون منها لعِلّة فيها، ولكن حاشا للوحي الإلهي الذي يحمله إلى البشر نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أن تكون به علّة تجعل الكافرين به يفرّون منه ويُعرضون عنه،وإنما علّة إعراضهم وفرارهم من الحقّ والهداية هي إستنفارهم لبعضهم البعض وتواصيهم فيما بينهم على الكفر والعصيان، حتى أن القرآن الكريم يتحدّاهم ويعظهم في آية من آياته الشريفة أن يقوموا مثنى وفرادى ثم يعيدوا التفكير في ما يقول النبي عليه الصلاة والسلام ليروا الفرق بين ما يجدونه في أنفسهم عندما يعزلون عقولهم ويحيدون بها عن التأثير السلبي لجماعتهم السيئة التي تأمرهم بالمنكر وتنهاهم عن المعروف، وبين ما يجدونه وهُم خاضعون لسيطرة ناديهم (*)، فبئس المشبه وبئس المشبه به، وبئس ما نراه في زماننا من إستنفار البشر لبعضهم إستنفار الحُمر لبعضها، فعندما ترى إنخراط مناصري فريق كروي ما في ثورة سبّ وشتم جماعي لمناصري الفريق الخصم، تستغرب كيف إتفّقت كل هذه القلوب على نفس السوء وكيف إتحدّت كل هذه الألسنة والحناجر على نفس الفحش، ثم لا تجدُ تفسيرا لذلك إلا التشبيه القرآني للتأثير السلبي للجماعة بالإستنفار الحيواني الغريزي .
نسأل الله أن نكون ممّن يتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر وأن يجعلنا من الذين يُساقون إلى الجنة زُمَرا، و لا يجعلنا ممّن شبّبههُم بالحُمُر المُستنفِرة.
{ مرجع : التفسير القيم:مجموع تفاسير بن قيم الجوزية رحمه الله}
(*) " قُل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا، ما بصاحبكم من جِنّة ، إن هو إلا نذيرٌ لكم بين يدي عذاب ٍ شديد (46)" { سبأ}
" فما لهُم عن التذكِرةِ مُعرِضِين (49) كأنّهُم حُمُرٌ مُستنْفِرة (50) فرّت مِن قَسْوَرَة (51)" {المدّثر}
يشبّه الله تعالى في هذه الآيات المجيدة الكفاّر في إعراضهم عن القرآن بحُمر هاجمها أسد ( القسورة إسم من أسماء الأسد) ففرّت منه ، فيذمّهم غاية الذمّ بأنهم يفرّون مما ينفعهم ويهديهم إلى سواء السبيل، كما تفرّ الحُمُر التي لا تعقل شيئا من القسورة الذي يوشك أن يفترسها، ويبيّن فوق ذلك حقيقة إعراضهم وحقيقة ما يُعرضون عنه عندما يُرجع سبب فرار الحُمُر إليها لا إلى الأسد، فيقول " مُستنفِرة" ( بكسر الفاء) أي تستنفر بعضها بعضا ولا يقول " مُستنفَرة" ( بفتح الفاء) أي يستنفرُها الأسد، لأن هذه الثانية تعني بأن التذكرة ( دعوة النبي عليه الصلاة والسلام والقرآن المجيد) هي التي تجعلهم يفرّون منها لعِلّة فيها، ولكن حاشا للوحي الإلهي الذي يحمله إلى البشر نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أن تكون به علّة تجعل الكافرين به يفرّون منه ويُعرضون عنه،وإنما علّة إعراضهم وفرارهم من الحقّ والهداية هي إستنفارهم لبعضهم البعض وتواصيهم فيما بينهم على الكفر والعصيان، حتى أن القرآن الكريم يتحدّاهم ويعظهم في آية من آياته الشريفة أن يقوموا مثنى وفرادى ثم يعيدوا التفكير في ما يقول النبي عليه الصلاة والسلام ليروا الفرق بين ما يجدونه في أنفسهم عندما يعزلون عقولهم ويحيدون بها عن التأثير السلبي لجماعتهم السيئة التي تأمرهم بالمنكر وتنهاهم عن المعروف، وبين ما يجدونه وهُم خاضعون لسيطرة ناديهم (*)، فبئس المشبه وبئس المشبه به، وبئس ما نراه في زماننا من إستنفار البشر لبعضهم إستنفار الحُمر لبعضها، فعندما ترى إنخراط مناصري فريق كروي ما في ثورة سبّ وشتم جماعي لمناصري الفريق الخصم، تستغرب كيف إتفّقت كل هذه القلوب على نفس السوء وكيف إتحدّت كل هذه الألسنة والحناجر على نفس الفحش، ثم لا تجدُ تفسيرا لذلك إلا التشبيه القرآني للتأثير السلبي للجماعة بالإستنفار الحيواني الغريزي .
نسأل الله أن نكون ممّن يتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر وأن يجعلنا من الذين يُساقون إلى الجنة زُمَرا، و لا يجعلنا ممّن شبّبههُم بالحُمُر المُستنفِرة.
{ مرجع : التفسير القيم:مجموع تفاسير بن قيم الجوزية رحمه الله}
(*) " قُل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا، ما بصاحبكم من جِنّة ، إن هو إلا نذيرٌ لكم بين يدي عذاب ٍ شديد (46)" { سبأ}