الوصايا الشرعية للسعادة الزوجية الحلقة الثالثة ..بقلم/ سيد مبارك
24-07-2018, 06:25 PM

الوصايا الشرعية للسعادة الزوجية
الحلقة الثالثة ..
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الوصية الثالثة
حسن الخلق والمعاشرة بالمعروف:

إن مما يثري الحياة الزوجية أن يُدرِك كلٌّ من الزوجين ما له وما عليه من الحقوق والواجبات، وأن تكون المعاشرة بينهما لتحقيق ذلك قائمةً على حسن الخُلق، والتفاني، والصبر، والعطاء، وإنكار الذات.

أما لو كانت العَلاقة قائمةً على الأذى، والتنصل من حقوق الطرف الآخر، ومحاولة السيطرة على مقادير العَلاقة الزوجية؛ فهذا لا يبني بيتًا سعيدًا أبدًا، بل يجعل العَلاقة القائمة على المودَّة والرحمة عَلاقة شاذة، قائمة على الحقد والأنانية.

قال - تعالى -: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

قال ابن كثير في شرحها ما مختصره:
"قال - تعالى -: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾؛ أي: طيِّبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنتَ بها مثله؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خيركم خيركم لأهلِه، وأنا خيركم لأهلي))،انظر صحيح الجامع ح/3314.، وكان من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - أنه جميلُ العِشْرة، دائمُ البِشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه.

ثم قال: وقوله - تعالى -: ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾؛ أي: فعسى أن يكون صبرُكم - مع إمساككم لهن وكراهتهن - فيه خيرٌ كثيرٌ لكم في الدنيا والآخرة؛ كما قال ابن عباس في هذه الآية: هو أن يعطف عليها فيُرزقَ منها ولدًا، ويكون في ذلك الولد خيرٌ كثير؛ اهـ.

الوصية الرابعة
عدم الانفراد بالرأي في حل المشاكل والأزمات:

الحياة الزوجية لا تخلو قط من المشاكل والأزمات التي قد تعصف بها، ومما يُفسِد العَلاقةَ الزوجية، ويَذهَب ببهائها وسعادتها الانفرادُ بالرأي، وتسفيهُ آراء الطرف الآخر، وتجاهله ومخالفته حتى لو كان على صواب كِبرًا وعلوًّا.

والزوج بصفة خاصة - بما أعطاه الله من القوامة - عليه أن يراعيَ هذا الأمر، ويجعل لزوجته الحقَّ في إبداء ما تراه من حلولٍ في مشاكل البيت التي لا تنتهي أبدًا.

ولا يتعلَّل الزوج بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النساء إنهن: ((ناقصات عقل ودين))[جزء من حديث أخرجه البخاري في الحيض ح/304، ومسلم في الإيمان ح/80.
، فهذا لا يَعيبها؛ لأن نقصانَ العقل سببُه فوران العاطفة، وليس الغباء وعدم تقديرها للأمور، فلا حجة فيه ألبتة، ونقصان الدين سببُه ما كتبه الله عليها من حيض ونفاس يُصِيبها لحكمته - تعالى - فيها، فتمتنع بأمره وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة والصيام، وغير ذلك مما هو معروف في كتب الفقه مدة العذر، وليس لها في ذلك من الأمر شيءٌ.

أما الاستشهاد بأحاديث مثل حديث:
((هلكت الرجال حين أطاعت النساء))، أو حديث: ((شاوروهن وخالفوهن))؛ فالأول ضعَّفه الألباني، والثاني قال - رحمه الله -: "لا أصل له"؛ انظر السلسلة الضعيفة (1/ ص625).

وأما حديث: ((لن يُفلِح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة)) - الذي أخرجه البخاري في صحيحه - فهو واقعةُ حال، وليس على إطلاقه؛ أي: لا يلزم لكل النساء، قال الألباني: "والحديث ليس معناه صحيحًا على إطلاقه؛ فقد ثبت في قصة صلح الحديبية من صحيح البخاري أن أم سلمة - رضي الله عنها - أشارتْ على النبي - صلى الله عليه وسلم - حين امتنع أصحابه من أن ينحروا هَدْيَهم أن يخرج - صلى الله عليه وسلم - ولا يكلم أحدًا منهم كلمة حتى ينحر بُدْنَه ويحلق، ففعل - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى الصحابة ذلك قاموا فنحروا؛ ففيه أنه - صلى الله عليه وسلم - أطاع أم سلمة فيما أشارتْ به عليه؛ فدل على أن الحديثَ ليس على إطلاقه، ومثله الحديث الذي لا أصل له: ((شاوروهن وخالفوهن))"انظر السلسلة الضعيفة للألباني ح/436.
ومن ثَمَّ، فإن المشاركة في الرأي تنمِّي الإحساس بالمسؤولية، وهي مسؤولية ليس هيِّنة، وكلٌّ من الزوج وزوجه عليهما إثمُ التفريط فيها، ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيتِ زوجها وولده، وهي مسؤولة عنهم، وعبدُ الرجلِ راعٍ على مال سيده، وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))أخرجه البخاري في الوصايا ح/ 2751.
وللحديث بقية أن شاء الله