رد: " العلمانية "، فهل أتاك حديثها؟
16-07-2015, 01:30 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كمدخل للموضوع أردت أن اضبط باختصار المصلحات التالية من القواميس واصطلاحيا نظريا بعيدا عن الاصطلاحات المنتشرة في الويب المنطلقة من خلفيات واضعيها :
العَلمانية أو اللائكية (la laïcité) : ويرتبط هذا المصطلح في قواميس التعريب المضبوطة بالعالم وهو مصطلح أطلق على قضية العلاقة بين الدولة و الدين بدراسات تفضي إلى قوانين للحياة المشتركة العامة ولا تعنى بالفردية وذلك في إطار دنيوي بحت يعتمد على معطيات واقعية.*1
أما العلاقة بين المجتمع والدين فتلك تعرف بالدّهرنة أو الزمنية (la sécularisation)
عِلمانية بكسر العين : وهو مصطلح يتعلق بالعلم وتعود أصول اللفظة إلى السريانية واختلف نطقها من لغة متفرعة الى اخرى مثلا الآرامية تنطق ألام الفينيقية تنطق علام وفي لغة الاقباط تنطق عالم وتعني كلها معرفة الكون ماديا بعيدا عن ربطه بالغيبيات لذلك هناك من يطلق عليها مصطلح المادية matérialisme *2
-------------------
بعد هذا الضبط في المصطلحات نأتي للحديث عنها كواقع ممارس، الاصوليين في جميع العقائد رفضوا العَلمانية اي فصل السياسة عن الدين لانها لا تخدم مناهجهم وتقطع الطريق نحو شموليتهم اما المنصفين فرفضوها لانها سلطوية تصوغ قوانين مفروضة على الجميع بالقوة وهي لا تختلف عن شمولية المتعصبين الأصوليين.
أما عن الدّهرنة فهي نمط حياة لمجتمع ما وهي ليست لها تاريخ معين بل تواجدت منذ أن بدأت الديانات والعقائد حيث دائما هناك علاقة بين أفراد المجتمع وعقيدته السائدة وتكون هذه العلاقة متباينة من شخص إلى آخر ودائما تنتهي إلى سيادة الصبغة النمطية التي أملتها الظروف والتحولات السلسة وتكون لها الغلبة، لذلك فالحكومات قد تكون ليست عَلمانية لكن الشعوب تمارس علمانيتها ومن هنا بدأت مقاربات المفكرين للبحث عن حلّ ومقاربات للتعايش السلمي بين الناس، فطالما كانت المقدّسات العقائدية في المجتمعات تغلّف المصالح الذاتية وحتى الأزمات النفسية*3 ولم يكن هناك حل سوى فصل الدين وحكم رجاله عن الحياة المشتركة بين الناس، سيما المدارس والمؤسسات الحكومية وهذا الفصل كان شكليا وليس جوهريا لذلك اصطلح عليها العَلمانية الشكلية.
ولان الاصوليين في جميع الديانات لهم توجهات شمولية رفضوا العَلمانية وخاضوا فيها بطريقة غير موضوعية، وحاولوا ايهام العوام ان الغرب هو من صدّرها لنا واستهلكها عملاءهم من الحكومات في بلاد الاسلام من أجل القضاء على الاسلام ، وهذا تحليل وتأويل تسطيحي لا يقف عند جوهر النظام العَلماني ويعتمد على فذلكات جاهزة .
فخلاصة القول يا استاذ أن المجتمع عندما يتحول بسلاسة الى ممارسة علمانيته ويعتبر سلوكاته شيء يمليه الواقع لا وجود للاعتبار العقائدي له في تحدياته مع ذاته فهل يبقى هناك معنى للحديث عن منهج دوغماتي لعقيدة ما ؟ وهل تحتاج العقائد الى انتصارات لفظية ام تحتاج الى انتصارات سلوكية ؟ من هذه النقطة جاءت فكرة ضرورة التسويغ العقلاني والمنطقي المساير للواقع وفق نتائج ابستيمولوجية لقوانين أحب شخصيا ان أسميها موضوعية ومقاصدية ، فيما يسميها التسطيحيين علمانية هادمة للدين ، رغم أنها في دول العالم الاسلامي تطبق بشكل يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المجتمع في اغلبيته، وخلاصة القول ان العلمانية جزء لا يتجزء من روح الشريعة السلامية وكل الشرائع السماوية العادلة لانّ لها نظرة موازنات وعقلنة وفقا لما يحقق المصالح العظمى العامة.
تبقى ممارسات العَلمانية التي تشوبها المصالح والذاتيات لا تصلح لتكون معيارا نحكم به على فسادها كجوهر ونظرية لأنها تختلف في شيء عن الممارسات الدينية المستندة أيضا إلى وعيد اللاهوتيين، ومنظومات فقهية تجاوزتها العصور .
سؤالي المطروح على كل من يعارض العَلمانية كحلّ يقتضيه العصر معلّق ولم أجد إلى حد الآن من يفيدني ببديل عادل وتحقق به المجتمعات غايات الخلق الدنيوية والدينية
-----------------------------------------
*1 ظهرت في أروبا أول مرة نتيجة تحكم الكنسية في جميع شؤون الحياة مما ادى الى تحنط الحياة وانتشار الخرافات والظلم وكان في بدايته يدعو إلى فصل التعليم عن الكنيسة لأنها كانت تحرّم حتى علوم الدنيا ثم شمل أيضا إقصاءها من شؤون السياسة
*2- المصطلحات الثلاث ( لغة واصطلاحا ) من قاموس المنهل – فرنسي عربي – الحجم الكبير دار الآداب بيروت
*3 - رواية الوردة لمؤلفها أمبيرتو ايكو رواية رائعة تلخص المعنى المدرج في الفقرة أعلاه
----------------------------------------
على هامش الهامش :
شكرا على فتح هذه المساحة النوعية للنقاش في موضوع كهذا وفي المواقع الالكترونية تحديدا يبدو مستهلكا ومحسوما ومجترّا غير أنه في الحقيقة ليس كذلك لسببين :
الاول : الخلط او المعرفة المنفصلة في معاني المصطلحات والفهم السطحي لها
الثاني : الدوغما، الحكم المسبق، الذاتيات، البعد عن جدية الهدف فمن يناقش عادة في المنتديات ؟ مراهقين (ات) حقيقة وحكما يشعرون بذواتهم في ارضاء من يثنون عليهم بكليمة وسرعان ما ما تجد انقلابهم بزوال ذلك والأدلة في المنتدى لا تحصى ولا تعد. لذلك لا يصلحون لأخذ آراءهم دليلا على القناعة بما يتم طرحه.
أعتذر على الإطالة تحياتي
[SIGPIC]
[/SIGPIC]
التعديل الأخير تم بواسطة اماني أريس ; 16-07-2015 الساعة 01:37 PM